وجهات نظر
بسم الله الرحمن الرحيم
"ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في
خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة
عذاب عظيم"
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه
ومن والآه، وبعد:
إن هدم المساجد – لغير اصلاحها وإعادة بنائها – حرام
شرعاً شدد على ذلك القرآن الكريم كما جاء في الآية الكريمة وأنه أشد من السعي في
خرابها .
إن ما تذرع به القائمون بهذا التفجير من أن هذه المساجد
تحتوي على قبور فيجب ازالتها ما هو الاّ تذرع يصدر من واحدٍ من اثنين :
أما جاهل بالشريعة الإسلامية ومقاصدها وأما متشدد لم
يفهم النصوص والآثار التي وردت في ذلك ولتوضيح ذلك أقول:
إن جميع ما ورد من نصوص وآثار عن الصحابة وفتاوى عن
المجتهدين انما كانت تصب في اتجاه واحد وهي تلك القبور التي يتخذها زوّارها موضعاً
للسجود عليها وعبادتها يتضح هذا من لعن النبي صلى الله عليه وسلم بني اسرائيل
مبيناً علة ذلك بقوله "اتخذوا قبور انبيائهم مساجد" وهذا غير متوفر في
مساجد الموصل فمعظم القبور فيها منفصلة عن المسجد كما انه غير متوفر في أهل الموصل
الموحدين الذين بلغوا من الثقافة الإسلامية والفكر النظيف والعقيدة الصافية مالم
يبلغه كثير من الآخرين.
إن القول بأن المساجد التي تحتوى على قبور يجب أن تهدم
يعني أن أوّل مسجد يجب ان يفجر هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يضم قبره
الشريف وهذا ما لا يقره أحد من المسلمين من مجتهديهم وعامتهم، بل هو مخالف لما
عليه اجماع الأمة من زمن الصحابة الكرام الى يومنا هذا .
كما ان هذه الفتوى تؤذن بهدم آلاف المساجد المنتشرة في
العالم الإسلامي التي تضم قبوراً لانبياء وأولياء وعامة المسلمين ولها تأريخ عريق
ممتد عبر العصور السالفة والأزمان الغابرة منذ عهد الصحابة الى يومنا هذا، وقد
شاهد ذلك أجيال من كبار فقهاء الأمة ومجتهديهم ولم ينكروا وجود تلك القبور، ولم
يفتوا بوجوب هدم مساجدها الاّ ما تناثر من هنا وهناك من أقوال لا تعدّ شيئاً تجاه
أقوال مجتهدي الأمة الذين لا يحصى عددهم، وأود التذكير بانه ليس كل مسجد يضم قبراً
مستهجن والاّ لما ذكر القرآن الكريم على سبيل المدح ما فعله ولاة الأمر في أصحاب
الكهف من اتخاذ المسجد عليهم بقوله تعالى "قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن
عليهم مسجداً".
ج- مما يؤسف أن الذين يصدرون مثل هذه الفتاوى المتشددة
في زماننا انما هم أقرب الى الجهلة بالشريعة وقواعدها ومقاصدها ، وان بضاعتهم في
الفقه الإسلامي وسياسته الشرعية مزجاة، وانهم يستنكفون ان يسألوا غيرهم من العلماء
الثقات ويناقشوا مثل هذه الأمور الخطرة معهم، مما يشكل ذلك خطراً على الأمة
ووحدتها ويعطي الذريعة لاعدائها للإنقضاض عليها بتهمة الارهاب والتخريب ، ويحرج
المنصفين ويحيرهم من اتخاذ المواقف الوسطية في أحكام الشريعة .
اننا وبكل صراحة ووضوح ننكر مثل هذه الأعمال ونعدها
محرمة شرعاً من أية جهة صدرت ، ونميّز بين ما هو جهاد في سبيل الله تعالى لإعلاء
كلمته وشرعه وبين ما هو تخريب يعود على الأمة بالدمار والخراب .
والله
ولي التوفيق
الشيخ الدكتور
عبدالحكيم عبدالرحمن السعدي
الجمعة 27 رمضان 1435
25-7-2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق