ملاحظة تمهيدية من الناشر:
هذه مجموعة من
المقالات التي وصلتنا من الكاتب الفلسطيني الدكتور مصطفى
يوسف اللداوي، ننشرها في أدناه لوصولها إلينا بشكل متتابع حال دون
نشرها بشكل منفصل..
مصطفى يوسف اللداوي
(1)
من جديد غزة
تحت مرمى النيران، فقد عادت الطائرات الحربية الصهيونية تغير على أهدافٍ مدنية
وعسكرية في قطاع غزة، فتقتل الأطفال والشيوخ والنساء، وتنال من المدنيين الآمنين
العزل، في محاولةٍ أخرى للنيل من صمود وثبات الفلسطينيين، ظانةً أنها ستكسر
إرادتهم، وستحطم كبرياءهم، وستجبرهم على الخضوع والخنوع، والاستسلام والقبول،
وستتمكن هذه المرة من تغيير موازين القوى، وشطب معادلة الرعب التي فرضتها المقاومة
الفلسطينية، والتي جعلت العمق الصهيوني كأطرافه، وشماله كجنوبه، تطال صواريخها كل
مكانٍ فيه، وتصل إلى كل هدفٍ تحدده، فما عادت القدس بعيدة، ولا تل أبيب عصية، ولا
شمالها محصنٌ أو آمن.
قطاع غزة لن
يكون من جديد تحت مرمى النيران الصهيونية، فهو لن يصعر للعدو وجهه، ولن يسمح له
بأن يستبيح أرضه وسماءه من جديد، ولن يدفع مواطنوه الثمن وحدهم، بل إن المقاومة
الفلسطينية سترد على العدو بالمثل، ناراً بنار، وصواريخاً بصواريخ، واجتياحا
باجتياح، وسترهبه بذات السلاح، وستواجهه بنفس القوة، وستصد كل محاولاته لاجتياحه
والنيل منه، ولن تكون أرضه للعدو سهلة، ولا رماله رخوة، ولا الاعتداء عليه نزهة،
بل ستكون أرضه سبخة، تغوص فيها أقدام جنوده، وتغرق في وحول المقاومة، ورمال غزة
الثائرة.
إنها الحرب
الثالثة التي يعلنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة في أقل من 10 سنوات، وفي كل مرة
تدك طائراته أرض القطاع، وتدمر مساكنه ومبانيه، وتخرب شوارعه وطرقاته، وتعيث فيه
فساداً، وبعد أيامٍ تكتوي فيها بنار ردود المقاومة، فتستصرخ مصر والولايات المتحدة
الأمريكية والعالم، ليدخلوا على خط المعركة، ويتوسطوا لدى المقاومة، لتوقف إطلاق
الصواريخ، وتقبل بهدنةٍ جديدة، وبشروطٍ أخرى، لتزف إلى شعبها ومواطنيها تباشير
الهدنة، ليتمكنوا من الخروج من ملاجئهم، واستئناف حياتهم، والعودة إلى مزاولة
أعمالهم.
فهل يتكرر
السيناريو نفسه، ويعيد التاريخ أحداثه، ويرفع الكيان الصهيوني بعد أيامٍ صوته،
يجأر ويصرخ، وقد فشلت مخططاته، وسقطت أهدافه، واكتوت أطرافه، واحترقت بناره ثيابه،
فيعود إلى الهدنة القديمة أو يجددها، أو يقبل بأخرى جديدة، يلتزم فيها بشروط
المقاومة الخمسة، التي لا أرى أنها ستتراجع عنها، أو ستقبل بأقل منها، فهي ليست
ضعيفة ولا خائفة، ولا مترددة ولا مستعجلة، ولكنها مقاومة بحق، ومدافعة عن حق.
(2) معارك رمضان
إنه قدر الفلسطينيين أن تكون الكثير من معاركهم
مع العدو الصهيوني في شهر رمضان المعظم، وأن يتزامن الاعتداء الصهيوني الجديد على
قطاع غزة مع الذكرى الحادية والأربعين لحرب العاشر من رمضان المجيدة، التي كانت
نصراً عربياً جماعياً، وهزيمةً صهيونية موجعة، ليكون ذلك بشارة خيرٍ لهم، ودلالة
نصرٍ ينتظرهم، إذ ما دخل العرب والمسلمون حرباً في شهر رمضان، قديماً أو حديثاً،
إلا كتب الله لهم النصر فيه، ومكنهم على أعدائهم، وأثلج صدورهم بنصرٍ من عنده،
يتنزل عليهم عزةً وكرامة.
رغم الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون
في شهر رمضان الأطول منذ ثلاثة عقود، والشديد القيظ، في ظل الحصار الشديد والقاسي
المفروض على قطاع غزة، والذي يحرمهم من نعم الحياة، ومن مستلزمات العيش البسيطة،
ليس أقلها انقطاع التيار الكهربائي، ونقص الوقود والمواد الغذائية والأدوية وغيرها
مما يلزم كل الناس، فضلاً عن حجز الرواتب، ومنع توزيعها على مستحقيها، الأمر الذي
ضاعف من معاناة الغزيين في شهرهم الفضيل، وهو الذي تلزمه نفقاتٌ إضافية،
واستعداداتٌ خاصة.
رغم كل ذلك إلا أن العدو الصهيوني أبى إلا
أن ينغص عليهم شهرهم الفضيل، وأن يحرمهم من متعة الاستمتاع بطقوسه، فكان عدوانه
الغاشم، واعتداءه الظالم على قطاع غزة حرباً وقصفاً، وعلى الفلسطينيين عموماً في
الضفة الغربية والقدس والأرض المحتلة عام 48، تضييقاً وملاحقة، واعتقالاً وقتلاً،
إلا أنه في حقيقة أمره خائفٌ وجلٌ من هذا الشهر، وهو قلقٌ من عزم المسلمين فيه،
وعظم صبرهم وشدة بلائهم، وتنافسهم على الجهاد والشهادة.
نسأل الله العلي القدير ونحن في عشر الرحمة،
الفرج والعافية، وأن يكلأنا برعايته، وأن يحمينا بقدرته من بطش الكيان وغول
اعتداءاته، وأن يجعل معركة الفلسطينيين مع عدوهم في شهر رمضان، كمعارك بدرٍ وحطين
وعين جالوت وأكتوبر، فينصرهم على عدوهم رغم ضعفهم، ويأخذ بأيديهم رغم قلة سلاحهم،
ويمكنهم منه على الرغم من قوته وسلاحه، ومن بغيه وغطرسته وكبريائه.
(3) هلعٌ
وفزعٌ
لا شئ في الشارع الصهيوني يدل على الطمأنينة
والسلامة، والثبات والثقة، والاحساس بالأمن، فقد دب الفزع والخوف في قلوب الصهاينة
جميعاً دون استثناء، فثلاثة ملايين إسرائيلي أصبحوا في دائرة الخطر، وتحت مرمى
النيران، وباتوا يتأهبون للنزول إلى الملاجئ والأقبية، بحثاً عن الأمان، وهروباً
من قصف الصواريخ، واحتمالات تسلل عناصر المقاومة خلف خطوط النار، ومباغتة الصهاينة
في معسكراتهم وبلداتهم، وقد سكن الخوف نفوسهم حتى أصبحوا يظنون أن كل صيحةً عليهم.
أما صافرات الإنذار فقد نشطت من جديد، واستعادت
عافيتها، وبدأت أصواتها تعلو وترتفع، ويصغي إليها الصهاينة بخوف، بينما هم
يتراكظون نحو الملاجئ، أو إلى شققٍ سكنية في الطوابق السفلى من البنايات، علماً أن
أصوات الصافرات تسمع في القدس وتل أبيب والخضيرة، كما كانت تسمع في أسيدروت
وأوفاكيم وعزاتا ونتيفوت وبئر السبع وغيرها.
الخوف والرعب وصل هذه المرة إلى صالات مطار
اللد، وحل الخطر على مدرجات الطائرات الرابضة، وتلك التي تحلق صعوداً أو هبوطاً،
الأمر الذي أجبر المسؤولين الصهاينة إلى إلغاء رحلاتٍ، وتأجيل أخرى، في الوقت الذي
طلبوا فيه من المسافرين والعاملين ترك الباحات والصالات المفتوحة، والنزول إلى
القاعات السفلية، البعيدة عن القصف، والتي تعتبر آمنةً نسبياً بالمقارنة مع
الصالات الأرضية المكشوفة.
كثيرٌ من الصهاينة الذين كانوا يفرون من
الأطراف إلى الوسط، ومن القشرة إلى القلب، وجدوا أنفسهم ومن كان يؤويهم في خطرٍ
شديد، إذ لم تعد الأماكن آمنة، ولم يعد للمسافات قيمة، ولم تعد تجدي الحصون والقبب
الفولاذية، ولا الصواريخ الاعتراضية، ولا محاولات نقل المعركة إلى أرض الخصم
بعيداً عنهم، الأمر الذي دفع الكثير منهم، وهم يعيشون عطلة الصيف، للتفكير في
السفر والمغادرة، فراراً بحياتهم، ونجاةً بأنفسهم.
أما السفير الأمريكي في الكيان الصهيوني فقد
أصابته لوثة الفزع، وحلت عليه لعنة صواريخ المقاومة، فأصدر أوامره وتعليماته
بإغلاق سفارة بلاده، وطلب من موظفيه وكافة العاملين في السفارة التزام بيوتهم،
وعدم الخروج منها إلا في أضيق الحدود، وعند الحاجة الضرورية والملحة، كما أصدر
توجيهاته إلى المواطنين الأمريكيين المتواجدين داخل الكيان إقامةً أو زيارة،
بضرورة توخي الحيطة والحذر، والابتعاد عن الأماكن والبلدات التي من المتوقع أن
تقصفها المقاومة الفلسطينية.
أما العمالة الأجنبية الوافدة من شرق آسيا
وغيرها، فقد هرولوا بسرعةٍ إلى شركات الطيران، لشراء تذاكر وحجز مقاعد للسفر في
أقرب الرحلات إلى بلادهم أو غيرها، مخافة أن يقتلوا في هذه الحرب، وكثيرٌ منهم لا
ينسى أن بعض العمال التايلانديين وغيرهم، قد قتلوا وأصيبوا جراء تعرضهم لرشقات
صواريخ المقاومة في الحربين السابقتين اللتين شنهما العدو الصهيوني على قطاع غزة.
إنه رعبٌ يسري، وهلعٌ ينتشر، وخوفٌ يسكن
القلوب، ومصيرٌ مجهولٌ ينتظر الكيان الصهيوني، الذي بدأ الحرب، وسبق بالاعتداء، في
الوقت الذي يدرك أن جبهته الداخلية مصدعة، وأن مناعته ضعيفة، وأن الروح المعنوية
لمواطنيه وجنوده على السواء سيئة ومحبطة، وأن للمقاومة مفاجئات وصولات وجولات،
ستكشف عنها الساعات والأيام القادمة.
(4) نصف
الكيان تحت النار
قالت المقاومة الفلسطينية أن غزة لن تكون
وحدها تحت النار، ولن يعاني أهلها وحدهم من الغارات الصهيونية، وإنما سيكون الكيان
الصهيوني تحت النار أيضاً، وسيعاني سكانه من هول القصف، وكثافة النيران، وسيقاسون
ويلات اللجوء والرحيل والنظر إلى السماء، وقد صدقت المقاومة، وأوفت بوعدها، ولم
ينته اليوم الثاني على العدوان، حتى بات نصف الكيان الصهيوني تحت مرمى النيران
الفلسطينية، تدكه بلا رحمه، وتقصفه بلا خوف، وتصل إليه بلا تيه ولا ضلال.
عندما اتخذت الحكومة الصهيونية قرارها
بتوسيع العملية العسكرية ضد قطاع غزة، كانت تعلم أنه سيكون للمقاومة ردٌ، وأنها لن
تسكت على الاعتداءات، ولن تكتفي بتعداد الصواريخ التي تسقط، أو حفظ أسماء الشهداء
والضحايا الذين يقضون، بل ستقوم بالرد، وستتعامل مع أهداف العدو بالنار.
ولكن قادة أركان جيش العدو ما كانوا يتوقعون
أن صواريخ المقاومة الفلسطينية ستصل إلى تل أبيب، وستضرب المستوطنات المحيطة بقطاع
غزة فقط، وأن الظروف الصعبة التي يفرضها الجيش الصهيوني على القطاع، ستحول دون
قدرة المقاومين على التركيز والتوجيه، وأنها ستجبرهم على اعتماد الصواريخ الصغيرة،
ذات المدى والأثر المحدود، وأنها لن تكون قادرة على إخراج وتحريك وإطلاق الصواريخ
الكبيرة الحجم، الثقيلة الوزن، البعيدة المدى والشديدة الأثر، إذ أن طائرات الرصد الصهيونية،
والمنطادات المنصوبة تلاحق كل هدف، وتتابع كل مكانٍ قد يكون قاعدة لإنطلاق
الصواريخ، وتقصف كل عربة متحركة قد تكون منصة لإطلاق الصواريخ، ومع ذلك فإنهم
يعجزون عن اكتشاف إبداعات المقاومة في خلق المنصات الأرضية.
هذا التفوق الوهمي يشعر الصهاينة بالهيمنة
والسيطرة، وأنهم على الأرض أقوى، وأنهم يملكون بعض الوقت لإجهاض كل محاولة للقصف،
ويعرفون كل مكانٍ قد يستخدم للقصف، إذ أن أرض القطاع أمامهم مكشوفة، ولهم معروفة.
فضلاً عن امتلاكهم لمنظومة القبة الفولاذية،
التي تتكفل بالتعامل مع كل صاروخٍ يفلت من قصفهم، وينطلق للوصول إلى بعض مناطقهم،
علماً أنهم يحتاجون لإسقاط كل صاروخ لثلاثة صواريخ اعتراضية على الأقل، ومع ذلك
فإن نسبة الفشل في الاعتراض أكثر من نسبة نجاحهم، وأن قدرتهم على تغطية كل مكانٍ
في الكيان محدودة جداً، لقلة عدد البطاريات التي يملكونها، والتي تحتاج إلى طواقم
فنية عالية التدريب لتشغيلها.
لكن المقاومة الفلسطينية نجحت خلال الأيام
الثلاثة الأولى للعدوان في قصف مدن الغلاف ومستوطناته كلها بعشرات الصواريخ، وهو
أمرٌ طبيعي وعادي، كان يتوقعه الصهاينة، وقد تهيأوا له، واستعدوا لمواجهته، ولكن
الصواريخ هزت مدينة القدس، ومزقت سماءها الصافية، ووصلت إلى مدينة تل أبيب، وضربت
شمالها فأصابت مدن غوش دان وبنيامينا شمالاً، وبيت جن ورحوبوت جنوباً، وأسدود
وعسقلان وياد مردخاي وسطاً.
وأخيراً وصلت الصواريخ الفلسطينية إلى قلب
الشمال فأصابت مدينة الخضيرة، وباتت مدينة حيفا تترقب لحظة وصول الصواريخ إليها،
فقد هددتها المقاومة، وأعلنت أنها ستكون هدفها القادم، وأن صواريخها ستصل إليها
وإلى شمالها، كما ستصل إلى بلدة ديمونا حاضنة المشروع النووي الصهيوني، التي
يسكنها الخوف من أن يطال القصف الفلسطيني منشآتها النووية، فيتعاظم الخطر، وتتضاعف
الضحايا.
إن سماء فلسطين كلها قد أصبحت مكشوفة
للمقاومة الفلسطينية، وبات أكثر من نصف الكيان الصهيوني تحت مرمى النيران، وهي
تمثل المرحلة الأولى من خطتها، التي أكدت أنها تمتلك المزيد والجديد، وأن عندها
مفاجئات تفوق التوقعات، وأنها ستدخل المزيد من المدن الشمالية في المراحل الثانية
زنار النار المتصاعدة، لتزيد المساحة المستهدفة، والمدن التي تتهددها نيران
المقاومة.
(5) الصمت
العربي
قطاع غزة يشتعل ويلتهب لليوم الثالث على
التوالي في عدوانٍ صهيوني غاشمٍ جديد، يستهدف كل شئ، ولا يستثني من عدوانه أحداً،
بينما الأنظمة العربية صامةٌ تتفرج، أو عاجزةٌ تترقب، فلا تحرك ساكناً، ولا تصدر
صوتاً، ولا تبدي حراكاً، ولا تقوى على الاعتراض أو التنديد، أو مطالبة المجتمع
الدولي بسرعة التحرك، لوقف اعتداء الكيان، وكف آلته الحربية عن قصف القطاع وقتل
مواطنيه، وتخريب المخرب فيه، وتدمير المدمر منه، وكأن الذي أصابها خرسٌ أو شلل، أو
أنه عجزٌ وفشل.
لا شئ قد تغير في البرامج التلفزيونية
العربية التي بقيت على حالها، وكأن شيئاً لم يحدث، أو أن عدواناً لم يقع، أو كأنهم
لا يعرفون أن العدوان الصهيوني ضد غزة، وأنه لا يقع في الجوار قريباً منهم، بل إنه
يستهدف بقعةً نائية، وشعباً بعيداً، لا تربطهم بهم جيرة ولا علاقة، ولا شأن لهم
به، رغم أنهم يسمعون أصوات القصف، ويرون ألسنة اللهب المتصاعدة، وسحائب الدخان
الكثيفة، علماً أن الوصول إليه أقل بكثير من مسافة السكة، ولكنهم يتعامون
ويتجاهلون، ويسكتون ويصمتون، أو ربما أنهم يتعاونون ويتآمرون.
لم نسمع مسؤولاً عربياً يستنكر، ولا حاكماً
يدعو إلى سرعة التحرك ووجوب التضامن، رغم أنهم يقفون على المنابر كل يوم، ويتحدثون
في كل المناسبات، ويتناولون مختلف القضايا، وتنقل وسائل الإعلام تصريحاتهم
وأقوالهم، وتغطي أنشطتهم وفعالياتهم، وزياراتهم وافطاراتهم، ولكن محنة الفلسطينيين
لم تصلهم، وانتفاضة القدس والضفة لم تحركهم، وثورة الأهل في الجليل والمثلث لم
تشجعهم، وأنهم لم يروا من الأحداث سوى اختطاف المستوطنين الثلاثة، وهم جنودٌ غزاة،
وقتلة عتاة، بينما تجاهلت عيونهم صورة الفتى محمد أبو خضير، الخارج من صلاة الفجر،
وهو يصطلي ناراً، ويحترق حياً.
لا أريد أن أصدق أحداً من الصهاينة فكلهم
كاذبين ولو صدقوا، وإن هم تحدثوا فلن يقولوا إلا ما ينفعهم ويضرنا، وما يسرهم
ويسيئ إلينا، فموقع ديبكا الاستخباراتي الصهيوني يقول، أن الحكومة الصهيونية أعلمت
أنظمةً عربية بنيتها الهجوم على قطاع غزة، وأن قادةً عرباً يتفهمون مبررات الحملة الصهيونية،
وأنهم أعطوا الموافقة المبدئية على العدوان، إذ أنهم يعتقدون بصدق الرواية الصهيونية،
ويسمعون لشكواهم، بأن المقاومة الفلسطينية هي التي جرت الكيان الصهيوني إلى هذا
الإجراء، وأنها بعملياتها قد حشرته في الزاوية، فما كان أمامه إلا أن يخرج للدفاع
عن نفسه، وحماية شعبه.
مسؤولٌ صهيوني آخرٌ، مشهودٌ له بالكذب،
ومعروفٌ بينهم بالتطرف، يقول بأن بعض الأنظمة العربية فرحة لما يجري في قطاع غزة،
بل إنها تحبس أنفاسها، وتنتظر بفارغ الصبر إنهيار حركة حماس، وتفكك قوتها، وانتهاء
عصرها، وأفول نجمها، وقد أعياهم تفكيكها، فلا سبيل لإسقاطها بغير القوة، فقد
أرهقهم وجودها، وأتعبهم صمودها، وأحرجهم ثباتها، وأزعجهم انتماؤها، فكان رحيلها هو
الخيار الأفضل، والحل الأمثل.
الصهاينة أعداؤنا، يكذبون ولا يصدقون،
ويكرهوننا ولا يحبون، ولكنهم يقولون أحياناً ما لا يقوى غيرهم على قوله، أو يسقط
من بين كلماتهم ما يفضح، ويبين من ثنايا حديثهم ما يكشف، فلا يوجد من الأنظمة
العربية اليوم من يقف إلى جوارنا، وينتصر لنا، ويستعد للدفاع عنا، أو يعمل لوقف
العدوان الصهيوني علينا، فهم إما صامتون أو يتآمرون، وساكتون أو يتعاونون، وعاجزون
أو يدعمون، وفرحون أو يشمتون.
(6) قاعدة
زيكيم البحرية
أياً كانت نتائج عملية اقتحام قاعدة زيكيم
البحرية الصهيونية، من قبل عناصر كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة
المقاومة الإسلامية "حماس"، فإنها تعتبر بكل المقاييس العسكرية عمليةً
نوعية، واختراقاً خطيراً لأمن الكيان، وعمليةً جديدة مبتكرة، أربكت العدو وأحدثت
في مستوياته القيادية السياسية والعسكرية اضطراباً، وجعلته يتحسس الضربات من كل
مكان، ويتوقعها من حيث لا يحتسب، وقد اعترف قادة جيش العدو بهذا الخرق، وسلموا
بقدرة المقاومة على تجاوز الخطوط الحمراء، وتحدي كل الإجراءات الأمنية.
إذ تمكنت المقاومة الفلسطينية من التسلل خلف
خطوط النار، واقتحام واحدة من أكبر القواعد البحرية الحربية الصهيونية، في عمليةٍ
جديدةٍ غير مسبوقة، ومغامرة ناجحة مدروسة، قامت بها ثلةٌ من مقاومة البحرية، التي
كانت تعمل بصمت، وتعد وتجهز بليل، ولا تسلط الضوء على أعمالها، ولا تفضح خططها،
ولا تكشف عن نواياها، حتى كانت عمليتها الأولى التي بينت للعدو الصهيوني أن بنك
أهداف المقاومة كبير، وأنه يزخر بالأهداف الحيوية والخطيرة، وتلك التي يظنها
محصنةً ومنيعة، وعنده الكثير مما رصدته وحددت مكانه استخبارات المقاومة العسكرية،
وعينت احداثياته بدقة، ووضعت له الخطط المناسبة، قصفاً أو اقتحاماً، في الوقت
المناسب، والظرف المواتي.
قاعدة زيكيم الحربية تقع قريباً من قطاع
غزة، وتبعد عن حدوده الشمالية 15 كيلو متراً، وهي قاعدة تخضع لإجراءاتٍ أمنية
مستحكمة جداً، وتحميها طائرات استطلاع، ومناطيد مراقبة، ودورياتٌ راجلة وأخرى
محمولة، وهي القاعدة التي تشرف دورياتها الأمنية، وزوارقها الحربية على أعمال
التمشيط البحري، وملاحقة الصيادين الفلسطينيين، وإغراق مراكبهم، واعتقالهم
والتضييق عليهم، وحرمانهم من حقهم الصيد، وما زالت تضيق عليهم، وتقلص المسافة
المسموح للصيادين بدخولها إلى ثلاثة أميالٍ بحرية.
نجاح فرقة الكوماندوز البحرية الفلسطينية في
اقتحام قاعدة زيكيم العسكرية، لا تدل على القدرة والكفاءة التي باتت تتحلى بها
المقاومة، ولا تشير إلى نوعية العملية وخطورتها، والتحدي الكبير في تجاوز
تحصيناتها، والنجاح في الدخول إليها والاشتباك مع عناصرها، وتسجيل إصاباتٍ حقيقية
في صفوفها، قتلاً أو إصابة، رعباً أو فزعاً، وغير ذلك مما يمكن أن يقال في وصف
عمليةٍ نوعيةٍ ناجحة، تمت خلف خطوط النار ولكن تحت النار، في وقت ذروة الاستنفار،
وقمة الجهوزية والاستعداد.
لكن هذه العملية تحمل معها رسالةً واضحة إلى
الكيان الصهيوني والعالم كله، أن الفلسطينيين لن يتوقفوا عن المقاومة، ولن يكفوا
عن التفكير في وسائل مختلفة، وسبل إبداعية جديدة، من أجل كسر العدو وإلحاق الهزيمة
به، وتحرير الأرض واستعادة الحقوق، فهذا وعدٌ قطعه الفلسطينيون على أنفسهم، ولن
يضعفهم بطش الاحتلال، ولا غزارة نيرانه، ولا آلياته ودباباته وطائراته، ولن يتمكن
باعتداءاته وحروبه من كسر إرادة هذا الشعب الجبار، ومنعه من استمرار المقاومة،
ومواصلة الجهاد، حتى يتحقق وعد الله لهم، بالعودة والتحرير، وإنه لجهادُ نصرٍ أو
استشهاد.
(7) العملية
البرية
تتطلع المقاومة الفلسطينية إلى إلحاق خسائر
حقيقية في صفوف العدو الصهيوني، فهي تدرك تماماً أن صواريخها مهما بلغ عمقها، ودقة
إصابتها، فإن حجم الدمار المادي الذي تخلفه ليس كبيراً، فضلاً عن أنها قد لا تتسبب
في قتل عددٍ كبير من الجنود والمستوطنين الصهاينة، رغم أنها تسبب حالة ذعرٍ كبيرة،
وتخلق مناخاً من الخوف والرعب، الذي يعطل الحياة العامة، ويصيبها بالجمود، ويمنع
المواطنين من ممارسة حياتهم الطبيعية، كونهم يلجأون إلى الملاجئ والأقبية، خوفاً
من الصواريخ أو شظاياها.
كما أن سلاح الصواريخ يحد من حجم المشاركة
العامة في المقاومة، ويقصرها على عددٍ من الخبراء والمختصين العسكريين، الذين
يتحركون بحذر، وينفذون بسريةٍ تامة، ويختفون بسرعةٍ كبيرة إثر كل عملية، خاصةً في
ظل المراقبة الصهيونية الحثيثة والدقيقة لحركة الصواريخ، وآليات نقلها، ومنصات
إطلاقها، الأمر الذي يحد من المشاركة العامة في أعمال المقاومة.
في الوقت نفسه يتطلع الفلسطينيون إلى تكبيد
العدو خسائر بشرية حقيقية، لعلمه أن الكيان الصهيوني لا يستطيع تحمل نتائج وتبعات
مقتل العشرات من جنوده ومستوطنيه، خاصةً أنه يوطن نفسه على عملياتٍ سريعة وقصيرة،
تشبه الكي في حدتها وسرعتها، بما لا يلحق به خسائر، ولا يجبره على البقاء طويلاً
في الميدان، تحت مرمى نيران المقاومة، مخافة أن يقع صيداً سهلاً في أيديهم.
لهذا فإنهم يتطلعون إلى الخطوة الصهيونية
القادمة، التي أعلن عنها قادة الكيان الصهيوني في كل الحروب السابقة، ومهدوا إعلامياً
لها، وهيأوا مواطنيهم للتكيف معها، لكن أحداً منهم لم ينفذها، رغم الحشود البرية
الضخمة، واستدعاء عشرات آلاف الجنود الاحتياط، لعلمهم أن الحرب البرية في قطاع غزة
لن تكون سهلة، والمواجهة في الميدان وجهاً لوجه مع سكان غزة ستكون مختلفة، فرجال
المقاومة في غزة يعرفون شوارعها، ولديهم خبرة في أزقتها، وهم يعيشون وسط شعبٍ
يحميهم، وأهلٍ يقدمون لهم كل مساعدةٍ ممكنة.
وفي الوقت نفسه فإن الصهاينة يجهلون غزة،
ويخافون من أزقتها، ويدركون أن الموت ينبعث من أحيائها، وينتشر في شوارعها، وينثره
أطفالها قبل رجالها، وقد خبروه كثيراً، وذاقوا مر الكأس فيه، وتجرعوا الموات
مراراً على أيدي مقاوميه، فكيف بهم يجرؤون على الدخول في جحر الدبابير الذي إذا
انطلق فإنه سيصيب الكثير، وسينال من العديد، لا قتلاً أو إصابةً فحسب، بل أسراً
واعتقالاً، فعيون المقاومة لا تتطلع إلى قتل الجنود المعتدين، بل تتوق إلى أسرهم
واعتقالهم، ليكونوا هم ثمن الحرية للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
ومع ذلك فقد استدعى رئيس حكومة العدو أربعين
ألف جندي إسرائيلي من قوات الاحتياط، وهم جنودٌ غير متفرغين، بل لكلٍ منهم وظيفته
الخاصة، وعمله المستقل، واهتماماته الشخصية، وحاجاته الفردية، ممن كونوا أسراً،
وأصبح عندهم أطفال يخافون عليهم، ويخشون الموت دونهم.
يدرك وزير دفاع العدو وضباط جيشه وأركان
قيادته، أن غزة تحتها غزة أخرى، وشبكة كبيرة من الأنفاق الحديثة والواسعة
والمجهزة، إذ فيها شبكات اتصال وخدمات كهرباء، وحلقات ربط ومفاصل تحويل، وهي أنفاق
كثيرة وعديدة، تنتشر كالشرايين تحت أرض القطاع، وتمتد عميقاً وطويلاً لتصل إلى عمق
الأرض المحتلة، الأمر الذي يجعل من أي مغامرة برية يقوم بها جيش العدو، فرصةً لقنص
جنوده، وتفجير دباباتهم، وإشعال الأرض تحت أقدامهم، كما ستكون فرصة لاحتمالات
الأسر في الميدان، ونقلهم إلى أماكن بعيدة وآمنة.
تهديدات قادة العدو الصهيوني بعمليةٍ برية
واسعة النطاق ضد قطاع غزة، ليست أكثر من ديماغوجيا دعائية، ومحاولة للحرب النفسية،
لن يكون قادراً على تنفيذها، ولن يكون هناك مسؤول إسرائيلي، سياسي أو عسكري قادرٌ
على اتخاذ قرار فعلي بتنفيذها.
وفي الوقت نفسه، فإن قوى المقاومة
الفلسطينية تتمنى دخول جيش العدو إلى غزة، ليصبح أمام رجالها آلاف الأهداف، وبين
أيديهم مئات الجنود، ولتنشأ بين المقاتلين حالات تنافس، وعمليات تحدي وسباق، أيهم
يقتل أكثر، وأيهم يلحق بالعدو خسائر أكبر، وهذا أمرٌ يدركه العدو جيداً، وهو ما
يجعله يقبل بسلاح الصواريخ، ويفضله ألف مرةٍ على حربٍ برية تختنق فيها أنفاسه،
ويقتل فيها جنوده أو يُؤسَرون.
(8) إسرائيليون
يعترفون ... لقد تضررنا كثيراً
يعترف كثيرٌ من الصهاينة أن حروب جيش كيانهم
القديمة قد ولت وانتهت إلى الأبد، وأنه لم يعد جيشهم يقاتل على أرض العدو، بعيداً
عن مواطنيه ومصالحه، فيلحق خسائر في صفوف خصومه، بينما تكون جبهته الداخلية هادئة
مطمئنة، لا تعيش الخطر، ولا تصلها الصواريخ، ولا تلحق بها شظايا المعارك، بل لا
تشعر بالحرب، ولا تسمع بها إلا عبر وسائل الإعلام، وتستمر جبهته الداخلية متماسكه،
تمده بالقوة، وتشجعه على المزيد من العدوان.
لكن الحسابات الصهيونية قد انقلبت في هذه
الحرب التي شنها العدو الصهيوني على قطاع غزة، وفي الحروب التي سبقتها، حيث بدأ
المواطن الصهيوني يئن ويصرخ، ويرفع صوته شاكياً متذمراً، مطالباً حكومته وقيادة
الجيش بالكف عن العبث، والتوقف عن المغامرات، والاعتراف بحقيقة الواقع الجديد.
فالمقاومة اليوم تختلف عن حالها قديماً، فقد
اشتد عودها، وقسي قوسها، وعظم سلاحها، وأصبحت قادرة على الأذى والإصابة، ولم تعد
تقبل بأن تكون الحرب على أرضها فقط، بل أصبحت قادرة على نقل المعركة إلى أرض
الخصم، وإطلاق الأفاعي في حجر العدو، ليعاني ويقاسي، ويخاف ويرتعد، ويطالب قيادته
بسرعة التوصل إلى هدنةٍ واتفاق، تعيد الهدوء إلى الجبهات، وتمكنهم من استعادة
الأمن الذي أفقدهم إياه جيشهم وحكومتهم.
المحلل العسكري الصهيوني عاموس هرئيل، يدرك
هذه العيوب، وينتقد جيش كيانه ويقول بأنه بات أعمى لا يميز، وكالثور يضرب في
الهواء، فليس لديه أهداف يقصفها، ولا يملك أي معلوماتٍ تساعده على تحديد أماكن منصات
إطلاق الصواريخ، أو التعرف على مطلقيها واستهدافهم، ولهذا بدأ يستهدف البيوت
السكنية، والأهداف المدنية، الأمر الذي تسبب في مضاعفة أعداد الضحايا المدنيين في
القطاع.
بينما تتهم مذيعة في القناة الصهيونية
الثانية حكومة وجيش كيانها بأنهم ضللوا الجمهور الصهيوني، عندما أوحوا لمواطنيهم
بأن غزة ستكون وحدها، وأن العالم سيكون مشغولاً عنها بالمونديال، ولن يصل صراخ غزة
إلى أسماعهم، ولكن الحقيقة أن إسرائيل هي التي تقصف، بينما العالم لا يسمعها لانشغاله
بالمونديال.
أما صحيفة هآرتس فهي تقول بأن هناك أضراراً
اقتصادية هائلة قد لحقت بالكيان الصهيوني، بسبب تواصل إطلاق الصواريخ على كل مدنها
انطلاقاً من غزة، وتتساءل عن حجم الأضرار الاقتصادية التي من الممكن أن تلحق
بكيانهم في حال استمر إطلاق الصواريخ عليهم، علماً أن تأثير الصواريخ المتساقطة
بدأ يظهر بوضوح على البورصة الصهيونية.
وتضيف الصحيفة بأن مناطق كثيرة في البلاد
بدأت تدخل سوق القصف، بعد أن أصبحت صواريخ المقاومة تصل إلى كل مكانٍ، دون تنبيهٍ
مسبق، أو توقعاتٍ معقولة، فكل "إسرائيل" أصبحت في مرمى نيران صواريخ
القسام، بينما فشلت القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ التي أطلقت على مناطق جنوب
ووسط وشمال البلاد، بينما كان المواطنون يظنون أنها ستمسك كل الصواريخ، وأنها
أحداً منها لن يفلت من المنظومة.
وتواصل الصحيفة انتقادها للحكومة الصهيونية
التي أنفقت مليارات الدولارات على أبحاث القبة الحديدية، وأعمال المراقبة
والمتابعة والرصد، وفي النهاية جاء الحصاد ريحاً، وتساقطت الصواريخ كالمطر على كل
البلدات، بل إنها خلقت واقعاً مغايراً عما سبق، وأخطر مما كان.
تضيف الصحيفة أن نصف البلاد مهدد، وثلاثة
ملايين إسرائيلي لا ينامون في بيوتهم، ولا يمارسون حياتهم الطبيعية، بعد أن فقدوا
الثقة في تطمينات حكومتهم، وجهود قادة جيشهم، وهم الذين يغطون نفقاته وأبحاثه من
جيوبهم، ومن الضرائب التي تجبى منهم لجلب الأمن لهم.
هذا ما يقوله الصهيونيون أنفسهم عن الواقع
الجديد الذي خلقته المقاومة، والذي صنعته صواريخها، وما أوردناه ليس إلا نزراً
يسيراً مما يقولونه في السر والعلن، وفي الخفاء وأمام العامة، إنهم يألمون
ويتوجعون، ويشكون ويتذمرون، "إِن تَكُونُوا
تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجونَ مِنَ اللَّهِ
مَا لا يَرْجونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً".
(9) البنيان
المرصوص
"البنيان المرصوص" هو الاسم الذي
أطلقته سرايا القدس، الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، على عمليات المقاومة
الفلسطينية في مواجهة عملية "الجرف الصامد"، وهو الاسم الذي أطلقه العدو
الصهيوني على عملياته العدوانية في قطاع غزة.
لعل سرايا القدس قد أطلقت هذا الاسم القرآني
تيمناً بقول الله عز وجل "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ"، فالله يمنح نصره
للمتعاضدين المتكاتفين، والمتعاونين المتراصين، وللموحدين المتفقين، ولمن اتحدت
كلمتهم، واتفقت إرادتهم، وصفت نفوسهم، وسمت أرواحهم، وتعالوا على كل خلافٍ
واختلاف، لكن نصر الله بعيدٌ عن المختلفين، وممنوعٌ على المتخاصمين، وصعبٌ على
المتنازعين، ولا يكون للفرقاء المتشاكسين، ولا للأخوة المتعارضين المتناكفين.
"الجرف" الصهيوني العدواني على
قطاع غزة يؤكد صدقية معركة البنيان المرصوص، ويوجب عليها أن تكون كذلك، إذ لا سبيل
لصد العدوان بغيرها، ولا قدرة على مواجهته بدونها، لذا فإن فصائل المقاومة
الفلسطينية قد اتفقت جميعها على الهدف، والتقت على وجوب مواجهة العدوان الصهيوني،
وعدم الالتفات إلى أي خلافاتٍ قد تؤخر المواجهة، أو تمنع الصد، أو تؤثر في الرد،
فالشعب الفلسطيني في حاجةٍ إلى جهود الجميع، وقدرات كل القوى والفصائل.
تأكيداً على هذه التوجيه والنصح الرباني،
فإن الميدان في قطاع غزة مفتوحٌ لكل القوى، وجاهزٌ لاستقبال كل الفصائل، ويستوعب
كل الطاقات والقدرات، فهذا يومها الذي يجب أن تتنافس فيه وتتبارى، وأن تعطي وتقدم،
وأن تخرج ما عندها، وأن تستخدم أقصى ما لديها، وألا تدخر جهداً في مواجهة العدو
وصد عدوانه، ففي مثل هذا اليوم نري الله أعمالنا، ويشهد على صدقنا وإخلاصنا بعد
الله شعبُنا وأهلُنا.
معاً كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح
المسلح لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وسرايا القدس الجناح المسلح
لحركة الجهاد الإسلامي، وكتائب شهداء الأقصى الجناح المسلح لحركة فتح، وكتائب
الشهيد أبو علي مصطفى، الجناح المسلح للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكتائب الشهيد
أبو الريش التابعة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وألوية الناصر صلاح الدين
الجناح المسلح للجان المقاومة الشعبية، وغيرهم من الألوية والقوى والكتائب
والمجموعات العسكرية.
هذه معركة البنيان المرصوص، والله عز وجل
يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، وإننا نقاتل في سبيل
الله، ونبغي وجه الله، ونتطلع إلى صد الاعتداء، وكف البغي والعدوان، والدفاع عن
شعبنا المظلوم، ورد الأذى عنه، والعمل على استعادة حقوقه، وتحصين حدوده، وإعلاء
أسواره، لئلا يعتدي عليه العدو من جديد، وحتى يعلم أن كلفة غارته عالية، وفاتورة
اعتداءاته كبيرة.
ولنعلم أن العدو الصهيوني ماضٍ في توحشه،
ومصرٌ على همجيته، وهو مدعومٌ من حلفائه، ومسكوتٌ عن سياساته، وأنه سيواصل عدوانه،
وسيستمر في غاراته، ولن يتوقف عن هجماته، إلا إذا شعر أنه يواجه صخرةً صماء،
ويستهدف جبلاً أشماً، وأن كل قوته لا تكفيه لتحقيق النصر، أو كسر الخصم، فلنكن نحن
بوحدتنا الصخرة التي تتكسر عليها معاوله، والجبل الذي يصده ويمنعه من شعبنا.
أيتها الفصائل والقوى، وأيتها الكتائب
والألوية، هذا يومٌ من أيام الله المجيدة، يومٌ سيحفظه التاريخ، وستكتب فيه
أعمالكم بمدادٍ من دم، وستبقى صفحات المقاومين سطوراً من ذهب، ناصعةً يخلدها
الشعب، وتحفظها الأمة، فلا تخذلوا شعبكم، ولا تخيبوا رجاءه، وكونوا على قدر الآمال
المنوطة بكم، والأماني المتعلقة بأعمالكم، وأروا الله خير جهادكم، وعظم مقاومتكم،
وكونوا صفاً واحداً في مواجهة العدوان والغطرسة، ونسقوا جهودكم، ووحدوا عملكم،
وتبادلوا الخبرات، وقدموا لأنفسكم المساعدات، إذ بوحدتكم نفل حديد العدو، ونعطل
دباباته، ونفشل غاراته، ونمزق جمعه، ونشق صفه، ونؤذيه ونؤلمه، ونوجعه ونكسره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق