مثنى عبدالله
يقولون لا تقسوا كثيرا على الجيش في كتاباتكم
لانكم تصيبون معنويات أفراده بالاحباط. قلنا لم نجد جيشكم فكيف سنجد معنوياته، بل
وصلنا تهديد من البعض بوضعنا على لائحة الارهاب، ان استمر نهجنا في فضح هروب
القائد العام أمام من كان يسميهم فقاعة. قلنا نحن بريئون مما تتهموننا به، فقائدكم
هو الذي أثبت لنا في الموصل، أنه أكبر فقاعة عرفها التاريخ السياسي العراقي.
يريدون منا أن نكون شهود زور، وأن نقول ربع الحقيقة في الكارثة
التي نعيش وفي الدماء التي تسيل. يريدوننا أن نتلاعب بالالفاظ والكلمات ونسمي
الاشياء بغير أسمائها، كي لا نجرح مشاعر السلطان.. يريدون أن نقول ان الجيش لم
ينهزم بل يعيد تموضعه، ويغير تكتيكاته ويعيد انتشاره.
هل سمعتم بجيش يعيد تموضعه بالملابس المدنية، ويزدحم أمام مكاتب
الخطوط الجوية العراقية في أربيل كي يحصل على تذكرة عودة الى بغداد؟ هل تعلمون أن
هنالك قوات كانت تُرابط على الحدود سلّموا أنفسهم بالملابس المدنية الى دولة عربية
مجاروة؟ وهل علمتم بأن هنالك بعض العسكر لبسوا الزي المدني وهربوا مع المدنيين
الذين نزحوا الى مخيمات اللاجئين في المنطقة الشمالية من العراق ولازالوا فيها حتى الان؟ بكى العراقيون عندما
انكسر الجيش العراقي في ظروف قاهرة معروفة في حرب مع دول عظمى، وفتحوا قلوبهم قبل
بيوتهم لكل من عاد من الميدان عام 2003، وكذلك كان حال الاشقاء في مصر عندما تعرض الجيش المصري الى الحال نفسها في
حزيران/يونيو 1967، لكن هل وجدتم بواكي للجيش الهارب من الموصل وصلاح الدين
وكركوك؟ كلا، لان هنالك فرقا كبيرا بين أن يكون الجيش تلميذا نجيبا لشعبه فيحميهم،
وبين أن يكون سوط السلطان فيهين كراماتهم في السيطرات الامنية والطرقات والسجون
والمعتقلات.
فرق كبير بين جيش يقاتل في الحرب لدرء الاخطار وحماية الحدود
وصيانة استقلال الوطن، ونسيجه القومي والمذهبي والديني منصهر في بعضه بعضا، وبين
آخر يتحول الى شرطة محلية ينتشر في الطرقات والاحياء، يبتز الناس ويهين كراماتهم
ويعتدي على الاعراض، ويرفع رايات طائفية ومذهبية دون علم الوطن.
واذا كانت الثورة العراقية الاخيرة قد أطاحت بكل الغطرسة
والعنجهية التي كان يتسلح بها مقاتلو الجيش، كما أنها في الوقت نفسه نزعت كل
الاغطية التي حاول القائد العام التسربل بها، لاظهار نفسه على أنه المنقذ للبلاد
والعباد والقائد الهمام، فان تبعات الحدث ونتائجه وانعكاساته باتت تساعدنا أكثر من
أي وقت مضى على فهم وادراك حقيقة العناصر الفاعلة في المشهد السياسي، لان
المعادلات السياسية والشخوص الفاعلين فيها في أي بلد تمتحنهم الظروف الصعبة لا
الظروف الطبيعة.
في الظروف الطبيعية تغلب العواطف على حقيقة الاشياء فتكسوها
بألوان زاهية، بينما الظروف الصعبة هي وحدها التي تظهر حقيقة العناصر المشتركة في
المعادلة وترجعها دائما الى أصولها الاولى. أنظروا الى المشهد جيدا ستجدون أن
المؤسسة، التي أطلقوا عليها زورا اسم الجيش العراقي، تكونت من إدماج ميليشيات
طائفية متناحرة لها مرجعيات سياسية ودينية مختلفة. كان المطلوب أن يكون للعراق
الجديد المُحتل، عنصر قوة كركن أساس من أركان بنائه، كما قالوا. لكن الدمج غير
الصهر، الاول يُبقي الحال كما هي عليه، بينما الصهر يعطي ناتجا آخر بسبب التفاعل
والتجانس، لذلك بقي الكل في هذه المؤسسة، له مرجعيات ليست هي الوطن فكان هروبه
استحقاقا طبيعيا. ركزوا النظر على الزعامات السياسية، وابحثوا عن خلفياتهم ومصادر
تمويلهم وتدريبهم وسيناريو وصولهم الى السلطة، ستجدون لا علاقة لهم بهذا الوطن
المسمى العراق، لذلك بات من الطبيعي اليوم أن يكون شعارهم، أقصفوا الوطن، ولا
غرابة أن يقف المتحدث الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية في مؤتمر
صحافي في بغداد ويقول بلا خجل «نأمل أن يكون هنالك تدخل حقيقي يوفر مساعدة حقيقية
للعراق»، ويتبعه قائده نوري المالكي في حديث الى قناة فضائية أجنبية ليقول بوضوح
أكبر أن قصف طائرات النظام السوري لشعبنا في داخل الاراضي العراقية مرحب به. نعم
لقد عاد الجميع الى خلفياتهم الطائفية الميليشياوية، وكشفوا بوضوح أكبر عن نزعاتهم
الاستبداية وحقدهم الطائفي الاعمى، لذلك لابد من الرجوع مرة أخرى الى تلك الاصول
الشاذة فكريا، والعمل بالنوايا والاهداف التي تؤمن بأن العراقيين ليسوا طرفا
واحدا، وشعبا واحدا، وهوية واحدة. عندها سنجد أن الجيش الرديف الذي أعلنوا عنه
لابد منه، وسنفهم جيدا ما معنى أن تكون قياداته من المُعممين، وعناصره من الخلايا
الطائفية التي كانت نائمة. انها لحظة انطلاق الثارات والاحقاد ضد الاخرين، ولابد
أن تكون ذراع الردع طائفية لسببين رئيسيين، أولهما التأكيد على شعارهم الديمقراطي
بعدم التخلي عن السلطة التي يجب أن تبقى بامتياز حصري لطائفة محددة، والسبب الثاني
اقليمي يتعلق بمتطلبات محور طهران ـ بغداد ـ دمشق ـ الضاحية الجنوبية، الذي
يحاول بناء مفهوم اجتماعي جديد في الاقليم قائم على أساس معسكرين، هما معسكر
الحسين ومعسكر يزيد، وأن بين الطرفين بحورا من الدم وثارات لابد من ايقاضها، لكن
الجيش الرديف القائم بدلا من الجيش الهارب ليس جديدا على العراقيين. لقد ذقنا
مرارته منذ عام 2003 وعرفنا ذروة جرائمه في الاعوام 2005 ـ 2008، حينما كانوا
يستخدمون كل جهد الدولة المدني والعسكري لتنفيذ الاعتقالات والقتل والتهجير
والابتزاز، حتى باتت جثث الابرياء ملقاة على قارعة الطرقات وفي أماكن جمع
النفايات، وحصلت في العراق أكبر عملية تهجير قسري عرفها العالم بعد هجرة
الفلسطينيين على يد الصهاينة. واذا كانت ايران وبعض الدول الغربية قد تطابقت مصالحهما في
هذه الفترة وبات الجميع يعمل بجد واخلاص لوأد الثورة العراقية المباركة، واطلاق
صفات الارهاب والتطرف عليها، غاضين البصر عن المظالم الشعبية، فان الواجب القومي
والانساني يتطلب من النظام الرسمي العربي التخلي عن سياسية النأي بالنفس عن القضية
العراقية. ان أي مراقب يستطيع ان يرى بوضوح تام المواقف العربية الواضحة مما يحصل
في لبنان وسوريا وغيرها من الاقطار العربية، لكن
الموقف العربي لازال غامضا مما جرى ويجري في العراق. اننا لا نريد حيادية النظام
السياسي في مصر، طمعا في علاقات مع المالكي، ولا نعتقد بأن الموقف السعودي قد أصبح
بحجم المأساة التي نعيشها، ولا نرى تحركا خليجيا حقيقيا لمساندة أهلنا ودعم
ثورتنا، على الرغم من أن الجميع قد اكتوى بنار القضية العراقية حينما فتحت الحدود
العراقية أمام الغزو السياسي والاستخباري الايراني، فانداح من العراق الى بقية
الاقطار العربية المجاورة للعراق. أنكم جميعا مطالبون بوقفة تاريخية يفرضها الدين
والعروبة والوفاء للعراق وأهله، وأن لا تأخذكم بالحق لومة أمريكا وغيرها.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق