وجهات نظر
عبدالله شريف
في خضم انشغال المواطن بهمومه اليومية وحالة الإحباط التي تظلل نفسه، والقطيعة الحتمية بينه وبين سلطة لم يعد بحاجة الى إقامة دليل على (ريادتها) في الفساد على مستوى العالم، راح ينشغل عن التفكير في وقائع وظواهر صارت تبدو اليوم عادية ومألوفة أمام ركام من جرائم يرتكبها رموز السلطة بحق الوطن والمواطن وأمانة المسؤولية وواجب العطاء.
دار هذا الخاطر في الذهن عند متابعة حوار جرى على شاشة فضائية عراقية مع أمين بغداد السابق صابر العيساوي، وهو حوار نظم بطلب من العيساوي نفسه لإيضاح امور يعتقد انها تبعد عنه اتهامات بالفساد والتقصير، فلقد شعرت بالعجب– إن لم اقل الاشمئزاز- مما دار على لسان هذا (الأمين)، وسأقتطف هنا بعضاً مما صرح به.
جوابا عن استيضاح عما كان قد صرح به من دعم نوري المالكي له لم يستطع أن ينفي ما كان قد وثق وأعيد عرضه خلال الحوار من أن المالكي كان قد أبلغه بأن من لا يرضى عن عمل العيساوي عليه أن (يطخ راسه بالحايط)!.
وفي ذات الحوار سئل عن سبب عدم المباشرة بإنشاء ملعب رياضي رغم صرف سلفة للشركة المتعاقدة، فكان جوابه أن نائبة برلمانية اتصلت بمدير وحدة منطقة الشعب – التي يقع المشروع ضمن دائرة عملها- وأبلغته أنه إذا قام بهدم بضعة أبنية (عشوائية) مشيدة على ارض المشروع فإنها– النائبة- ستقوم بدفنه!.
وحين سئل عن ذمته المالية والدار التي وهبه إياها مسعود بارزاني في اربيل أجاب ببساطة أن الامر عادي، فلماذا السؤال والأمر لا يتعدى هدية جاد بها عليه السيد بارزاني؟!
وإذا ما اكتفينا بهذا القدر من تصريحات من عهدت إليه يوما مسؤولية أمانة حاضرة الدنيا ودرة التاريخ فإن لنا أن نوجه أصابع الاتهام إليه والى من أساء الى بغداد بتسميته أمينا لها، ونؤشر بديهيات يعرفها من تعلم أبجديات الإدارة وحكم القانون:
· إن الوظيفة العامة – بكل مستوياتها - ليست ملكا او إرثا للمالكي او غيره يهبها لمن هب ودب من المحسوبين عليه، ويطلق العنان لهم ليعبثوا كما يشاؤون مستهينين بالمواطن صاحب المصلحة في الخدمة العامة التي يجب عليهم تقديمها. ولعلنا لا نجد اليوم في اشهر الدول تخلفا او تسلطا من حاكم فرد متسلط من يدعو المواطن الى أن ينطح حائط الغيظ والألم والرفض حين لا يعجبه أداء المسؤول.
إن كلاما كهذا في (دولة قانون) حقيقية كفيل بالإطاحة بالعيساوي و (عمه) المالكي ووضعهما أمام القضاء بتهمة إساءة استغلال الوظيفة.
· إن المسؤول الذي يملك الحد الأدنى من الوعي لابد أن يسأل نفسه: هل كانت هذه (الهدية) ستقدم لي لو لم أكن على كرسي المسؤولية. ربما سيقول العيساوي – والمعممون من خلفه - إن الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، قبل الهدية، لكن عليه أن يتذكر مقولة عمر بن عبدالعزيز حين رفض عطية قدمت له ومعها حجة قبول النبي للهدية (هي للنبي هدية، وهي لنا رشوة).
عليه وعلى سواه أن يتذكر أنه ومن جاد عليه أنهما سواء في استغلال المنصب– وهذا الاستغلال وجه من وجوه الفساد في نظر القانون. فليس لبارزاني أن يهب من ارض العراق الواحد شيئاً، وليس للعيساوي أن يثري على حساب المسؤولية و(الأمانة).
بقي أن نتذكر أن هذا العيساوي وصف نفسه في لقاء سابق حين كان في منصبه السابق بأنه (قوي وأمين)؟!
· أن مجلساً تقوم نائبة فيه بتهديد مسؤول (مسكين) بالدفن لهو مجلس رث تأباه مفاهيم السلطة التشريعية التي يلبس رداءها زورا، فهل يعقل أن يعمل برلماني بإسلوب (البلطجة) معتمدا على سطوة حزب او ميليشيا في دولة غياب القانون؟!
· وهل تجرأ ذلك (المسكين) او تجرأ (الأمين) على أن يشكو تلك النائبة بتهمتي التهديد ومنع سلطة رسمية من اداء واجبها؟ الم يخجل وهو يتخذ ذلك الفعل تبريرا لفشله الذريع في الارتقاء إلى شرف أمانة بغداد؟
· هل تملك تلك (النائبة) شيئا من ثقافة البرلمان والمعرفة بدور السلطة التشريعية ومعاني (الفصل بين السلطات) التي يدعونها، وواجبها في دعم بناء المرافق العامة ومنع التجاوز على عقارات الدولة، أم أن (الثمن) الذي قبضته أعمى فيها البصر والبصيرة؟
ليحتمل هؤلاء السؤال التالي:
لو كان هذا قد حصل –افتراضا- قبل التاسع من نيسان المشؤوم، ماذا كان ينتظر النائبة الوقحة والمدير المهزوز والأمين الفاشل الفاسد من مصير أمام قبضة العدالة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق