وجهات نظر
مهند العزاوي
يدخل العراق مرحلة خطيرة ومن خلاله المنطقة في منعطف اكثر خطورة، ويبدو ان السقوط المحتمل بات وشيكا نظرا لمعطيات الواقع السياسي والأمني العراقي والعربي، حيث شكل العراق على مدى ثلاث عقود مادة دسمة للباحثين عن نصر سياسي او اعلامي، وكان لوسائل الاعلام ومكاتب العلاقات العامة، ومراكز الدراسات الدولية المعنية بصنع القرار لها النصيب الاكبر من الطبخة، وشغل العراق العناوين الرئيسية للصحف والفضائيات، وامتهن بعض كتاب مقالات الرأي العام الامريكي متابعة الواقع السياسي العراقي من وجهة نظر قطبية غير محايدة، تتسق ومعايير الرسالة السياسية المطلوب ترسيخها في اذهان الرأي العام ، وفق ما يطلق عليه "الحرب على الارهاب" حيث جرى تصنيف العراق كدولة مارقة في محور الشر وشيطن النظام السابق كمتعامل مع الارهاب ومسؤول عن احداث 11 ايلول 2001 ، وبذلك دخل العراق مسرح الحرب المهلكة كبديل للاتحاد السوفيتي بعد تفكيكه نهاية القرن المنصرم .
الاعلام وصناعة الارهاب
كان العراق رغم الحصار وحروب الاستنزاف والتدمير التي مر بها دولة متماسكة، ومجتمع خالي من الارهاب، ولم يتمكن الارهاب من طرق ابوابه مطلقا، وشكل على الدوام بوابة الامن العربي الشرقية، وسد ضد الهمجية الطائفية الوافدة من الشرق ، وبعد غزوه وتفكيك مؤسساته وحل القوات المسلحة وإعادة تشكيلها على اساس مذهبي وتجاري، اصبح الدولة الاولى في تصدير الارهاب العابر للدين والقيم والقانون، وأنتج جيوش من المليشيات المذهبية التي تحمل عقيدة التكفير المذهبي والطائفي، وهذه الظواهر المسلحة لم يلتفت اليها صناع القرار وكتاب الرأي العام ومراكز الدراسات ولم يصنفوها ارهابا على الاطلاق، ويصورها الاعلام الافقي المشغول بفكرة ((السنة فوبيا)) على انها تشكيلات رسمية ديمقراطية ، بالرغم من تشكيلها في دولة طائفية تمتهن الارهاب ، وقد ارتكبت هذه المليشيات مجازر وجرائم ضد الانسانية منذ عام 2004 وحتى اليوم مما يؤكد تخندق الاعلام خلف استراتيجية مريبة تعمل على تمزيق المجتمعات العربية ، لشرعنه جرائم المليشيات الطائفية وتلك ازدواجية في المعايير القانونية وتضليل يقوده خبراء التلاعب باستخدام الخطاب المزدوج ، بعد ان رسخته وسائل الاعلام الغربية والناطقة باللغة العربية منها عبر فلسفة التكرار والتلفيق والتزييف والتلاعب بالحقائق.
تلاعب وتضليل
لفت نظري مقالات الكاتب الاميركي "مايكل نايتس" من معهد واشنطن في مقالاته وهو يمجد بالمليشيات الطائفية ويصفها تقاوم القوات الاميركية بالعراق ، ويعظم من شانها بشكل يرتقي للبطولة المطلقة ، وكان اخر مقال له في 13-7-2013 بعنوان(إعادة بناء قدرات مكافحة الإرهاب في العراق) يؤكد المنهجية القطبية لهذا الكاتب ، حيث يتجاهل عن عمد تناسل وانشطار المليشيات في العراق ، ومشاركتها بقتل الشعب السوري لدواعي مذهبية كما وصفها احد الكتاب (فيلق ايران الاجنبي)، وما تفعله من قتل على الهوية وترويع وتهجير مذهبي واعتقالات في العراق، وأضحت تغزو مؤسسات السلطة العراقية ويصفونها بالصديقة، وينتهز الكاتب فرصة هروب السجناء من سجني ابو غريب والتاجي في ظروف مثيرة للتساؤل، ليعلن ان الارهاب بالعراق يقف خلفه تنظيم القاعدة حصرا ، ويتجاهل خارطة العنف المسلح بكافة عناصرها ، ليسوق تجاريا حيث قال (("قوات العمليات الخاصة العراقية" حالياً تحت قيادة "جهاز مكافحة الإرهاب" (CTS)، وهو عبارة عن وكالة ليس لها أي أساس قانوني وقد ترك ذلك "قوات العمليات الخاصة العراقية" في حالة فراغ قانوني ومالي ، فهي ليست جزءً من تسلسل القيادة في وزارة الدفاع كما أنها ليست مخصصة إلى وكالة معتمدة وممولة من قبل البرلمان وفي عام 2010، تلقت القوات تمويلاً بقيمة 170 مليون دولار فقط، مقارنة بتكلفتها التشغيلية السنوية البالغة نحو 350 مليون دولار)) ويبدوا واضحا ان الكاتب منشغل بالإنفاق على هذه الوكالة ، التي فشلت في تحقيق الامن طيلة ثماني سنوات وانشغلت بالتطهير الطائفي والمذهبي والتصفيات السياسية وترويع المجتمع ، خصوصا انها وباعترافه ليس لعملها سند قانوني ، ويؤرقني ان يكون شخص معني بشؤون العراق في واشنطن يصور ازمات العراق بهذا الشكل ، ومن وجهة نظر تجارية تخص منافع شخصية تعود لشركات الامن القومي ، التي استنزفت اموال العراق بعد صناعتها لبيئة الإرهاب ، كي تعزز عوائدها المالية على حساب دماء شعب العراق ، ويبدوا ان الازمة الاقتصادية والمالية في اميركا جعلت هؤلاء الباحثين وأقلامهم ادوات مسخرة لعكس الواقع الامني وتسطيح عقول الاخرين وتضليل الرأي العام والتلاعب بعقول صناع القرار .
مشكلة الامن بالعراق
تكمن مشكلة الامن بالعراق في النظام السياسي المحتضر الذي حول العراق من دولة متماسكة الى اقطاعيات مليشياوي وطائفية ، ويدور في فلكهم فيالق من المنتفعين والمتاجرين بدماء العراقيين ، وجيوش من المزورين وأنصاف المتعلمين ، وسيل من الوافدين لإغراض النهب الشامل من مزدوجي الجنسية ، بعد ان هجروا غالبية كفاءته ونخبه العلمية والمهنية والوظيفية ، وكما نفهم الأمن وفق فلسفته ((غاس))– غياب الخوف واختفاء التهديد وسيادة الاطمئنان والاستقرار))) لم يتحقق طيلة عشر سنوات، والعراق فاقد للسيادة وسياسيوه يحجون كل شهر الى قم وطهران، وقواته الامنية ترضع من حليب الطائفية يوميا، وتسيطر على مقدرات الشعب جيوش من المليشيات المذهبية يرفع البعض منها يافطات سياسية بمباركة حكومية ، في ظل غياب قانون الاحزاب الذي يحدد العقيدة الوطنية والتمويل ومؤهلات السياسيين .
تخطت ارقام الضحايا العراقيين هذا الشهر ضحايا الحرب في سوريا وقد شملت حرب المليشيات المساجد والمقاهي والمطاعم والملاعب وكل شيء بالعراق وسط انهيار امني وسياسي تام وشامل ، بلا شك ان العراق على شفير الهاوية وجميع الاعمال الارهابية والترويع والتهجير والقتل والاعتقالات تؤكد شيء واحد ، ان العقل الذي فكر بغزو العراق دون مراعاة المحظورات الاستراتيجية هو ذاته الذي سمح لإيران بابتلاع العراق على طبق من نفط وعلى بساط المليشيات العابرة للوطن والمواطنة ، ويقف صناع القرار امام فضيحة كبرى وهي ان العراق بعد عشر سنوات فاقد لكل شيء حتى حماية شعبه وممتلكاته وكذلك السيطرة على حدوده وأراضيه ، وان خصم الامس حامل لواء تصدير الثورة الايرانية يدير حرب اقليمية بعقيدة طائفية وبوقود عربي في سوريا والعراق ، والذي ستمتد نيرانها الى دول اخرى وفق "نظرية الدومينو " ، وعندها لم يجد مايكل نايتس وغيره من يدفع ثمن مقالتهم المضللة التي ترى بعين التاجر وليس المفكر او الباحث .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق