موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الثلاثاء، 8 يوليو 2014

خلافة البغدادي وولاية الفقيه خامنئي.. وجهة نظر

وجهات نظر
عبدالوهاب القصاب
الخلافة والإمامة قضيتان أخذتا من الجهد الفكري لفقهاء الأمة الكثير، وظلت الإمامة شأناً مفهوماً في الفكر الفقهي الشيعي، وبمدرسته الإثني عشرية بصورة أكثر تحديداً، وتم توارثها كما وضعت أسسها، ووجدت الحلول للتحديات الأصولية التي جابهتها منذ وفاة الإمام الحادي عشر. 

ولعل واحداً من أهم الحلول التي توصل إليها فقهاء المذهب الإثني عشري لتداول قضية الحكم هو نظرية ولاية الفقيه التي تطورت منذ وضع أسسها أحمد النراقي، حتى كتب قواعدها خميني، في كتابه "الحكومة الإسلامية" الذي كان نتاج محاضرات ألقاها في حوزة النجف، أواخر عقد الستينيات، وطبع كتاباً عام 1971. 
وبهذا ورث الجزء الشيعي من العالم الإسلامي، المتمثل بإيران، فلسفة للحكم، يتولى فيها الفقيه العارف بالشرائع أمر المسلمين، ويصبح بمثابة الخليفة بالنسبة لهم متمتعاً بالسلطتين، الدينية والدنيوية. الولي الفقيه الحالي رقي إلى مرتبة آية الله، بعد وفاة سلفه آية الله خميني، صاحب نظرية ومدرسة الولي الفقيه التي لم يتفق معه بشأنها فقهاء شيعة آخرون، وظلت مدرسة النجف على الأقل معارضة له فيها، سواءً في زمن آية الله الخوئي، مرجع الشيعة الأكبر، عندما أطلق خميني نظريته، أو في زمن المرجع الأكبر الحالي، آية الله السيستاني، وإن تم تحييد معارضته، بعد أن هيمنت دولة ولي الفقيه الإيرانية على العراق بعد الاحتلال.
لكن الخلافة فقدت عناصر فعلها، كسلطة دينية وزمنية، تتناول أمر الناس في شؤون حياتهم، منذ زمن طويل، منذ هيمن المتسلطون على دار الخلافة العباسية، بدءاً من القرن الثالث الهجري، فاعتبار أن الخليفة هو ولي أمر المسلمين، وهو المرجع في سياسة أمور الدنيا للرعية قد فقدت معناها، منذ أول تسلط للمتغلبة الترك على الخلافة العباسية، أيام عزها، وفي أيام واحد من أقوى خلفائها، وهو المعتصم، الأمر الذي يجعله ينقل العاصمة من بغداد إلى مدينةٍ، بناها خصيصاً له ولجنده أسماها (سر من رأى)، سامراء حالياً، بسبب أن جنوده المجلوبين الترك، (المماليك) بلغة عصر لاحق، قد أصبحوا عنصر إقلاق لأهالي بغداد، حتى ضجوا بالشكوى.
وقد رأينا كيف أن أوراق الحكم كانت تسحب من يد الخليفة ورقة ورقة، سواء من خدمه ومماليكه، الأمر الذي أوصل إلى قتل واحد من أقوى الخلفاء، وأطولهم حكماً، وهو المتوكل على يد مماليكه وغلمانه، إلى سيطرة المتغلبين، بدءاً بالبويهيين، ثم السلاجقة من بعدهم. 
شهدت هذه الفترة نشوء خلافتين موازيتان أحداهما في الأندلس الي تعد امتداداً لخلافة الأموية التي قضى عليها العباسيون، ثم الخلافة الفاطمية التي أسسها أبو عبدالله الشيعي الذي أسس الخلافة الفاطمية في المغرب على أنقاض دولة الأغالبة التي كانت تدين بالولاء للعباسيين. وبعد أن تمكن صلاح الدين من القضاء على الخلافة الفاطمية، مهد السبيل لإعادة الولاء للخلافة العباسية، ولو إسمياً، لكن الخلافة العباسية تمكنت، بعد دحر السلاجقة وإخراجهم من بغداد، من استعادة جزءٍ من هيبتها، على الأقل، في المدى الجغرافي الذي يمثله العراق بحدوده الحالية، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً، إذ تولى هولاكو، بعد احتلال بغداد عام 1258 من إسقاط الخلافة العباسية.
 لم تعد  الخلافة مؤسسة ذات تأثير بين في الشأنين السياسي والعسكري، ولا في العلاقات الدولية، فلم يعد يهتم بوجود الخليفة، أو عدم وجوده، أحد، ففقدت الخلافة دورها كقوة مؤثرة، على الرغم من تبني المماليك استمرارية السلالة في الفرع المصري منها، والذي استمر إلى القرن السادس عشر، وتحديداً عام 1517، عندما احتل السلطان سليم ياوز القاهرة، عاصمة المماليك وعاصمة الخليفة الإسمي، حيث يروي المؤرخون أن الخليفة محمد المتوكل على الله، آخر الخلفاء الإسميين العباسيين، تنازل للسلطان سليم العثماني عن الخلافة، وسلمه الوديعة النبوية التي هي البيرق، والسيف، والبردة، ومفاتيح الحرمين الشريفين، لكن الخلافة لم تكن بينةً واضحة في سلوك السلاطين العثمانيين، فاستمر الحاكم العثمان يلقب بالسلطان، ولا تظهر الخلافة إلا في الفرمانات والمراسلات، التي يشير فيها السلطان لنفسه بأنه خليفة رسول رب العالمين، وخادم الحرمين الشريفين.
كانت تشوب صحة الخلافة العثمانية شائبة، كون العثمانيين ليسوا من قريش، كما تشير أغلب مذاهب أهل السنة والجماعة، فيما عدا الحنفيين، حيث لا يشترط أبو حنيفة النسب القرشي شرطاً لازماً لصحة الخلافة. ومن هنا، نجد شدة تمسك العثمانيين بمذهب الإمام أبي حنيفة النعمان.
لكن العهد الأخير من حكم السلطنة العثمانية، وعندما تكالبت الدول عليها، بعد أن وصمتها بالرجل المريض، وتخلفت هذه الدولة عن اللحاق بقطار العلم والتقانة التي عجلت بتفوق الغرب عليها، فشهد القرن التاسع عشر تراجع حدودها، شيئاً فشيئاً، ما حدا بالسلطان عبدالحميد الثاني (1876-1909) للدفع باتجاه التمسك بالخلاف، ودفع باتجاه "الجامعة الإسلامية"، حتى تم النظر إلى عبدالحميد الثاني وكأنه رمز الإسلام. تهافت دور الخلافة بعد عبدالحميد، وشهدت فترة خلافة شقيقه السلطان محمد رشاد اندحار تورط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى حليفة للألمان، ثم اندحارها، وانتهت الخلافة رسمياً على يد مصطفى كمال أتاتورك، عندما جرد آخر الخلفاء السلطان محمد السادس، ونفاه من تركيا عام 1924.
 لم تعد قضية الخلافة بعد هذا التاريخ، ولو أنها شيء رمزي، تختلط فيه الأحلام بالرؤى، والأصولي بالسلفي وبالشعبوي، نجد أن هنالك أحزابا انصرم قرن تقريباً عليها، وهي تنادي بالخلافة. فإعادة الخلافة أمر تتفق عليه غالبية القوى السياسية الدينية السنية، باعتبارها أساس فلسفة نظام الحكم الاسلامي، لكن هذه الرؤى تتوقف، عند محاولة نقل الصورة إلى الواقع، في ضوء تحديات القرن الحادي والعشرين، وانتشار قيم جديدة لفلسفات نظم الحكم، وشيوع دور الرأي العام في تسيير دفة الدولة، وهي عين القيم التي أدخلها أقوى السلاطين العثمانيين في عهد الدولة الآفل الأخير، وكانت هي عين السبب في خلعه ونفيه.

إن قيم المساواة والحرية والتعددية وحقوق الأنسان، وطبيعة العلاقات بين الدول، وانتفاء ما اصطلح عليه شيوخ الفكر السياسي المسلمون في القرون السالفة بدار الإسلام، ودار الحرب من حيث تداخل الحدود والمصالح، ليس بين الدول فحسب، بل وبين الشعوب على اختلاف مشاربها ودياناتها. وأدخل هذا نمطاً جديداً من فلسفة الحكم ليست غربية بالتأكيد، إلا أنها هجينة بالتأكيد، وما ترسب من تراث الحكم الشرقي السابق اختزل نفسه بسمة مكروهةٍ من الرأي العام، هي سمة الجبروت والطغيان، وتسلط الحاكم وزمرته على رقاب الناس، بما لا يستوي مع التراث الديني، ولا مع قيم الإنسانية الجديدة الآخذة بالانتشار.
يجرنا كل ما جاء أعلاه إلى السؤال: على أي فلسفة للحوكمة سيسير خليفة داعش؟ وهل سيرجع في حكمه إلى النصوص التي كتبت في القرن الثالث والرابع الهجريين، أي قبل ألف عام أو يزيد؟ أمام الحركات الإسلامية تحدٍ كبير، هو ضرورة التماهي مع معطيات العصر، لا يجوز أن تتمتع بما يجود به هذا العصر من منجزات، وتعود للحكم على وفق تفسير أفتى به فقيهٌ قبل ألف ومائة عام!
ونتساءل، هنا، ما الفرق بين ولاية الفقيه، وولاية أمير المؤمنين. هناك لدينا خامنئي الذي يدّعي ولاية أمر المسلمين، وهنا لدينا أبو بكر البغدادي الذي يدّعي الشيء نفسه، وينتحلان النسب الحسيني نفسه، ويزينا رأسيهما بالعمامة السوداء نفسها. كلاهما يغردان خارج السرب، ويحكمان بنصوص متشابهة النشأة، وإن اختلفت بحيثيات الحكم، فللقرن الحادي والعشرين إلزاماته التي لا تستقيم مع طروحاتهما.

ملاحظة:
نشر المقال هنا.


هناك تعليقان (2):

أبو يحيى العراقي يقول...

السلام والتحية
تساؤول السيد الكاتب أستاذنا الفاضل الدكتور عبد الوهاب القصاب عن الفرق بين ولاية الفقيه و ولاية أمير المؤمنين بين إمامة خامنئي و ولاية أبو بكر البغدادي لا أظنه صيغة موفقة في محاولة تركيز النظر على الجوانب السلبية المشتركة أو المتشابهة بين الأطروحتين إذ يضيع علينا كأبناء لهذه الأمة أوجه إختلاف جوهرية كثيرة بينهما نحن بأمس الحاجة للتذكير بها في هذه المرحلة وهو مما لا يخفى على كاتب اصيل وخبير ومتمرس كحضرته. الإمامة وفقاً للفكر ((الشيعي)) سبئياً كان أم صفوياً أم بطبعته الخمينية الأخيرة هي منصب ديني سماوي في المقام الأول يشابه ويكمل مقام النبوة ودورها في شرح الدين وكتابة سننه وتطبيقه فيما الخلافة هي منصب سياسي في المقام الأول يتاح الوصول إليه من قبل كثير من أفراد المجتمع المسلم بطرق تتوافق وشروط دينية عامة ومعروفة وهو منصب يكتسي مسحة إلتزام وإحترام ديني نشروطة بالإلتزام بتطبيق النصوص الدينية الموروثة المقطوع بصحتها. الإمامة في الفكر ((الشيعي)) مخصصة بأئمة معدودون معينون بالأسماء وموصوفون بالعصمة والقدسية المناظرة لعصمة الرسل والأنبياء ونصبهم في الإمامة يتم بأمر إلهي ولهم أدوار تكميلية للرسل والأنبياء وأمر الإمامة لا يخرج عن هؤلاء مع إمكانية نيابة البعض عنهم في أمور فقهية فرعية محددة وقد تم لاحقاً التوسع في هذه النيابة عبر نظرية ولاية الفقيه لتتوسع هذه الولاية فتشمل كل أمور الإمامة الدينية والسياسية كما هو حاصل اليوم في إيران. الخامنئي هو المفتي الأكبر في إيران وهو الشارح للدين وقوله في هذه الأمور نهائي وقاطع ينوب فيه عن الإمام المهدي الذي ينوب بدوره عن الرسول الذي ينقل أوامر الله. أبو بكر البغدادي والخلفاء من قبله منذ الخلافة الراشدة وإلى أن الغيت سنة 1924 لم يقل أحداً منهم أنه مفتي يختص وحده بالتفسير النهائي للدين فضلاً عن القول بأحقيته في التوسع في أحكام الدين والقدرة على تعديلها وهو ما يتيحه مصب الإمام في الفقه ((الشيعي)) من الناحية النظرية على الأقل. إن التغاضي عن هذه الفوارق الجوهرية بين الثقافتين وحصر الإهتمام بنقاط تشابه مظهرية معينة قضية ليست بالسليمة في هذه المرحلة. فالخلافة قضية سياسية تراثية عربية بجانب كونها قضية دينية إسلامية (وهذا موضوع ربما يغفله كثير من الإسلاميين وبعض مثقفينا) فيما قضية الإمامة بالصيغة ((الشيعية)) هي قضية حملت كثير من الإشكاليات للأمة ولتاريخها ولثقافتها وحضارتها وتمثل اليوم هذه القضية وإمتداداتها مادة أولية وقاعدة فكرية لمشروع إمبريالي إيراني يستهدف طعن الأمة وهزيمة ثقافتها وتحطيمها بعد سنوات من إختراق عقول ونفوس أبنائها وغزوها فكريا وثقافياً. لا أظن من المناسب أبداً ولا من المصلحة أن نساوي بين الأمرين ونقفز فوق الاختلاف الجوهري بينهما والتخلي عن فكر وثقافة وتراث وحضارة الأمة في هذا الوقت الحرج لمجرد أننا نختلف مع السيد ابو بكر البغدادي ونعترض على جوانب من طروحاته. إن الأمة بأمس الحاجة لتقوية تمسكها بنتاجها الثقافي والحضاري وعدم التخلي عنه. مع المحبة والتقدير للجميع

غير معرف يقول...

د.مصطفى سالم...
مع احترامي واعجابي بالكاتب الا ان هذا الطرح فيه الكثير من الابتعاد عن الدقة.. فالخلافة لم تدعي يوما هي نيابة عن الله على عكس خميني الذي بموجب ولاية الفقيه هو نائب (نائب عن الله) المسمى المهدي المنتظر .. وجذور الخلافة اجتهاد من الصحابة اما عند خميني فهو كسرى الذي كان يدعي انه نائبا عن الله .. ومع الخلاف القاطع مع ما يعبر عنه البغدادي حاليا الا ان التجربة تقول لنا ان الارهاب الشيعي الحكومي في العراق وايران هو اخطر علينا من البغدادي الذي لن ينسجم المجتمع معه وسيرى ذلك متى تم اندحار الحكم الطائفي وتحرير بغداد ..

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..