في مقالته التي ننشرها هنا، يكشف الكاتب اللبناني جوزيف قصيفي واحداً من أوجه التناغم الأميركي الإيراني في العراق.
ومع تأكيدنا على ان العميل أياد علاوي لايقل خطورة وانغماساً في المشروع الاحتلالي في العراق عن العميل المجرم نوري المالكي، إلا ان الحقيقة التي ننوه عنها هي ان أسياد العملاء يمكن أن يتفقوا، بسهولة أو بقدر من الصعوبة، بينما يضيع العملاء بين الأقدام، لأنهم ، ببساطة متناهية، مجرد أقزام.
«الشيطان الأكبر» ليس شيطاناً دائماً
جوزيف قصيفي
كشف تقرير مايكل غوردون في صحيفة «نيويورك تايمز» في أيلول (سبتمبر) الماضي، محاولة ادارة الرئيس باراك اوباما الالتفاف على نتائج الانتخابات العراقية في العام 2010، وسعيها لأن يكون نوري المالكي «الذي لا ترغب ايران بسواه» كما يورد التقرير، رئيساً للحكومة.
ويتضح من التقرير أن واشنطن وضعت مبادئها جانباً وتصرفت بـ «براغماتية»، عندما سلمت بعدم احترام ارادة الشعب العراقي في اختيار ممثليه وقبلت بحرمان «القائمة العراقية « برئاسة إياد علاوي تثميرَ فوزها بالانتخابات سياسياً وضربت عرض الحائط بما حملته صناديق الاقتراع، وذلك خوفاً على مصالحها في بلاد الرافدين من ايران ونفوذها الكبير، فكان ما كان من أمر التضحية غير المبررة بعلاوي التي يعرفها الجميع.
وللإدارات الأميركية تاريخ حافل بالإخلال بالاتفاقات والعهود، فهي مثلاً ضغطت على الرئيس محمود عباس لإجراء الانتخابات الفلسطينية في مواعيدها، على الرغم من تحذير الاخير لها بأن الغلبة ستكون لحركة «حماس»، لكن واشنطن أصرت وتعهدت باحترام نتائج الانتخابات أياً تكن. وعندما صحت توقعات عباس،
سارعت واشنطن الى حصار حكومة إسماعيل هنية وعدم الاعتراف بها، وتسببت بانشقاقات حادة في بنية السلطة، فانقسمت الدويلة الفلسطينية الى اثنتين، واحدة في رام الله وأخرى في غزة، تتقاسمان مشاعر الكراهية والعداء وتتعاملان بالمكاسرة والتحدي.
وتداركاً للإثم الفادح الذي ارتكبته بتعاملها مع نتائج الانتخابات العراقية على النحو الذي تعاملت به، حاولت إدارة اوباما ان «تكحل» خطوتها، باقتراحها إحلال الدكتور علاوي في رئاسة الجمهورية مكان جلال طالباني، عارضة على الأخير وزارة الخارجية، لكن «المام» جلال رفض ذلك، بذريعة عدم جواز أن يكون رئيسا الجمهورية والحكومة من طائفة واحدة، على الرغم من عدم وجود نص دستوري عراقي يمنع ذلك، وقد سانده في الرفض مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان، الذي اعتبر أن حل «المشكلة بين الشيعة والعرب السنة يجب الاّ يكون على حساب الكرد». وللتعويض عن فشلها في تسويق هذا الاقتراح، سعت واشنطن الى اقتراح بديل آخر تَمثَّل بإنشاء مجلس للسياسات الاستراتيجية يتولاه علاوي.
صحيح أن هذا الاقتراح قد لاقى قبولاً من المالكي، لكنه لم يتعد حدود القبول اللفظي، فالمجلس الموعود لم يستقم ولم يتشكل، بسبب الخلاف على الصلاحيات.
ومن يعرف شخصية» رئيس القائمة العراقية» يدرك أنه يرفض أن يكون «أسقفاً على مكة»، ولا تهمه رئاسة مجلس السياسات إذا لم تكن مركوزة في صلاحيات فعلية لا فخرية.
وصحيح أيضاً ان التدخل الاميركي بعد فشل الاقتراح البديل، أدى الى إسناد عدد من الوزارات الرئيسة لاعضاء «الكتلة العراقية» في الحكومة، لكن هؤلاء الوزراء واجهوا مضايقات كثيرة جعلتهم يندمون على الساعة التي عُينوا فيها، بسبب العيون والأرصاد التي زرعها رئيس الحكومة في وزاراتهم، والتي استبطنت سياسة حصار مُحكمة أحاطت بنشاطاتهم ومبادراتهم، ما أدى الى نفاد صبر البعض منهم واستقالة البعض الآخر، كما فعل وزير الاتصالات محمد علاوي.
هكذا تُراكِم الإدارة الأميركية الأخطاء في بلاد الرافدين منذ إسقاط نظام صدام حسين، ولعل أفدحها حل الجيش وحرس الحدود والشرطة، ما حول العراق ساحة مباحة لكل الإرهابيين والمهربين، وكذلك خطأ «اجتثاث البعث» وما انتج من قوانين جائرة فاقمت نقمة شرائح واسعة من المواطنين.
إن التفاف واشنطن على نتائج الانتخابات العراقية «وتفويزها» المالكي، يؤكد حاجتها لإيران وقيام تفاهم ضمني معها كانت الديموقراطية ضحيته الأولى. ومن هنا، يمكن القول إن عداء واشنطن المطلق لطهران ليس دقيقاً، فالباب بينهما غير موصد، إنما هو مشرَّع امام تفاهمات ممكنة توفر مصلحة الطرفين، وبالتالي فإن وضع المالكي
في خانة السياسي المعارض للولايات المتحدة لا يبدو صائباً تماماً، كما ان اعتبار طهران واشنطن «الشيطان الأكبر» ليس صحيحاً على إطلاق، فهي وإن كانت «الشيطان الاكبر» في بعض الأحيان، إلا أنها ليست «الشيطان الدائم».
والتقرير الذي أوردته «نيويورك تايمز» يدل الى مدى ارتباك الإدارة الاميركية في التعامل مع الملفات الدولية والإقليمية، فهي لم ترتكب الأخطاء في العراق فحسب. قبل ذلك غاصت في أوحال أفغانستان وسواها من البلدان، ولا تزال. ولا يبذل المرء كبير عناء ليدرك ان صداقة واشنطن مُكلِفة، وأن العداء لها مصدر ربح، أو على الاقل «لا ينفع ولا يضر»، فمن يدعو الى اعتماد المعايير الدقيقة واحترام العملية الديموقراطية وما تفرزه على الأرض، ينبغي ان يفي بالتزاماته وأن يجعل هذه المعايير تنسحب على سلوكه وأسلوب تعاطيه من دون لف أو دوران.
على ان طريقة التعامل مع الانتخابات العراقية في العام 2010 ونتائجها، والترجمة السياسية لهذه النتائج، تعكس قمة اللف والدوران، عندما أُحِلّ «نوري» مالكاً على أشلاء عراق يذوب تحت حمم التجاذبات ويتشظى بفعل التفجيرات والاغتيالات وتتناتشه الطوائف والأعراق، فيما لم تحقق حكومته أيَّ إنجاز يُذكر، اللهم سوى المزيد من الدم والدمار والتقهقر في كل المجالات، والتفرغ لتصفية الخصوم بكل الوسائل بدل التفرغ لبناء الدولة.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
هناك 3 تعليقات:
أبو يحيى العراقي أمريكا شيطان أكبر .. عبارة صادقة حتى وإن كانت أهداف و نوايا قائلها و نظامه لا تقل شيطنة عنها.
مع الأسف السيد الكاتب المحترم الأستاذ جوزيف قصيفي و ربما غيره كثيرين يفسرون البون الشاسع بين الشعارات التي ترفعها الولايات المتحدة الأمريكية و تصرفات و سياسات إدارتها حصراً بالمنهج البراغماتي متجنبين رؤية و ذكر أي شيء عن عدوانيتها و تأثير ذلك في الموضوع إلى جانب البراغماتية.
الولايات المتحدة و وفقاً لحسابات براغماتية أيضاً لكن من جهة أخرى ؛ كان يمكن أن تختار دعم القائمة الفائزة فيما يسمى بمسرحية الإنتخابات العراقية مستندة إلى أصوات الأكثرية التي يفترض أن تلك القائمة قد حصلت عليها إلى جانب الأصوات الأخرى التي يمكن أن تأتي و تلتف حولها من بقية القوائم نتيجة رؤية الموقف الأمريكي الواضح الداعم لها و كان يمكن أن تختار مواجهة النفوذ الإيراني (الذي تدعي الصراع معه) بواسطة كل هؤلاء و هم كثر .. لكنها و لحسابات و نوايا عدوانية مبيتة ضد العرب إختارت الإستمرار بالتعاون مع الإيراني و نصرته لإستكمال مهامه في المنطقة تاركة علاوي و جماعته أوراق مستهلكة مرمية تندب حظها بعد أن فرغوا من الاستفادة منهم فقط لغرض تجميل العملية الانتخابية و إجتذاب الجماهير لها.
هنا يمكن ملاحظة درس مهم يصر البعض على إغفاله و هو أن السياسة لا ترسمها فقط البراغماتية و إن كانت هي عنصرا أساسيا فيها.
في هذا الإطار و من خلال هذا المثل و الدرس نستطيع أن نرد تهمة يصر البعض على ترديدها بإستمرار و هي أن المصائب الخارجية التي تلحق بنا سببها يكمن فقط في أخطاء و سوء تصرفات بعضنا تجاه الخارج و أن لا تأثير هام لنوايا و توجهات الأطراف الخارجية بالموضوع ، حيث هنا يمكن الرد بتساؤل من صلب هذا الموضوع .. أين أخطأ علاوي مع الأمريكان لكي يعاملوه على المستوى السياسي بهذه الطريقة المهينة ؟.
لايفوتك، أخي أبويحيى، وانت الحصيف، ان هذا العنوان تهكمي، والمقصود ان الايرانيين الذين يصدِّعون رأسنا بهذا الشعار منذ كثر من 30 عاما، يتصرفون خلافه، في كثير من الأحيان.
ولك تقديري
أستاذنا الكريم أبا عبد الله سلامي وتحياتي ..
بكل تأكيد لم يفتني
خالص محبتي وتقديري
إرسال تعليق