السمكة التى تبقي فمها مغلقاً لن يصيدها أحد
حكمة
وجهات نظر
صلاح المختار
ما يجري الان بما في ذلك هروب الاسرى يجب تدقيق كل مكوناته لأجل الوصول الى التفسير الاصحِّ، او الاقرب للصحة، فمعركتنا لا تحتمل أوهاماً او تصوراتٍ ناقصة او خاطئة:
1 - ان الدعوة للاقليم السني ليست سوى دعوة امريكية تعد جزء عضويا واصيلا من مخطط تقسيم العراق وتطبيقا مباشرا لما ورد في دستور الاحتلال ( المحاصصات الطائفية والعرقية ) . ولهذا فان اثارتها اثناء وصول الانتفاضة ذروتها نتاج اوامر امريكية مباشرة وصريحة ، وذلك مرتبط بخطوات اخرى لاحقة لان الاقليم ليس مجرد حل مؤقت واضطراري كما يقول من ينظّر للاقليم السني بل هو خطوة على طريق تقسيم العراق . وعلينا ان ننتبه بدقة الى انه لم تكن صدفة ابدا ان الحزب الاسلامي كان المروج الانشط للاقليم السني فهذا هو دوره الطبيعي في تدمير العراق وتقسيمه .
2 – الان وقد طوقت الدعوة للاقليم السني وفضحت بفضل التلاحم العظيم لكافة القوى الوطنية العراقية (احزاب ، مقاومة ، علماء دين ، شيوخ عشائر ، شباب منتفض ، جماهير ...الخ) لم يعد هناك من خيار لإجهاض الانتفاضة الوطنية سوى خيارين : خيار إعادة (تأهيل) القاعدة بإعادة بناء هرمها القيادي بعناصر مدربة وخبيرة كي تحاول تفرض نفسها على مسرح الانتفاضة وتحولها الى (انتفاضة) طائفية كما حاولت تحويل المقاومة الوطنية في عامي 2005 و2006 الى مقاومة طائفية، وعندما تصبح الانتفاضة طائفية تفقد مشروعيتها وتصبح لغما يفجر العراق، فهل يمكن إهمال احتمال كبير جدا بأن هروب السجناء من مقدمات تلك الخطة؟
والخيار الثاني هو خيار تجديد الصحوات لأن ما تخطط له امريكا وايران من الابراز الجديد للقاعدة وتزويدها بقادة حرمت منهم نتيجة اسرهم ، هو انها ستكرر نفس ما قامت به وهو الاشتباك الدموي مع فصائل المقاومة وقادة الانتفاضة الشعبية والقوى الوطنية، الامر الذي سيؤدي الى إعادة تأجيج الحقد على القاعدة ولكن بعد ان قيامها بدورها المطلوب وهو تصفية الانتفاضة بصفتها انتفاضة وطنية وليس طائفية وتحولها الى قتال طائفي مدمر ، وهنا تبرز اهمية الصحوات في اعادة سحق القاعدة كما حصل سابقا، فالقاعدة لن يسمح لها بتجاوز حد معين كما حصل في عام 2006 وستضرب مجددا ولكن بعد ان تذبح الانتفاضة .
3 – ولكي لا يظن البعض بان ما نقوله مجرد توقعات متشائمة انصح وبقوة بالنظر الى الانتفاضة السورية وكانت ذات طبيعة وطنية وديمقراطية بالاصل وكيف تحولت بفضل بركات القاعدة و(تقدمية ومقاومة) النظام الى مذابح رهيبة تقشعر لها الابدان وتدمير شامل للدولة والمجتمع! والفضل الاول في هذا التحويل المرسوم هو ادخال القاعدة وبقوة على خط الانتفاضة السورية وسيطرتها على الكثير من المناطق حتى اصبحت القوة الرئيسة عسكريا وماليا وتنظيميا ، بالاعتماد على كم هائل من المال والسلاح لا تمتلكه المعارضة السورية مثل الجيش الحر، فدفع الجيش الحر والمعارضة بشقيها الوطني والمرتبط الى الخلف، واصبح على العالم ومواجهة القاعدة وخطرها وليس النظام السوري وفساده وديكتاتوريته! وهكذا فبركت امريكا الحجة للتراجع عن دعمها المفترض للمعارضة وتركتها تواجه نظاما ضاعف سلاحه وماله بدعم روسي وايراني وباموال العراق التي سرق منها ما بين 500 الى 700 مليار دولار!
ان اهم وابرز سؤال يفرض نفسه بعد عملية تحرير الاسرى هو: هل جاء الان دور القاعدة مجددا لتقوم بإجهاض الانتفاضة العراقية ومنع تطورها لتصبح الثورة العراقية التي لن تنتهي الا بالاطاحة بحكم مماليك ايران ونغولها ؟ ان هذا الهدف التحرري الكبير ترفضه امريكا وايران طبعا ، وعلى من يظن غير ذلك تغيير رأيه قبل ان يجد رأسه يتدحرج وجسده يرفس وهو بلا رأس ! ننبه الى ان من جندته مخابرات امريكا وايران من القاعدة وليس كل القاعدة هو من سينفذ هذه المهمة الخطيرة .
4 – ان ملابسات الهجوم على السجنين بدأت تتضح واول الغيث قطر، فقد اعترف المالكي ووزير عدله علنا بوجود اختراق كبير لامن النظام وشرطته وجيشه يبدأ من فوق، من قمته! وعندما انكر البعض اعترف جهاز الاستخبارات التابع للمالكي علنا قائلا: ابلغنا القيادات الامنية ٦ مرات بوجود معلومات تفيد باقتحام سجن ابو غريب! هذه حقيقة تبقى مؤشرا قويا جدا على ان عملية الهروب لم تكن نتاج عبقرية التخطيط والشجاعة فقط، وهي دون ادنى شك عمليه شجاعة وذكية، بل هي ايضا ثمرة خطة اوسع واخطر قدمت من اجلها المساعدة لمن هاجم للنجاح في تنفيذها.
تكشف الحادثة لنا، مرة اخرى واخرى وبلا انقطاع ، وجود تطابق في الموقفين الامريكي والايراني مازال كما كان قبل الغزو ، بل اصبح اشد قوة بدليل الدعم الامريكي الذي لم يهتز للمالكي في ذروة فساده وفشله وعزلته ! والهدف الاوسع لامريكا وايران في هذه المرحلة الخطيرة هو اجهاض الانتفاضة وفتح الابواب امام محاولة جديدة لتقسيم وتقاسم العراق عبر اطلاق موجة جديدة تتصدرها القاعدة تعيد رسم المشهد العراقي بكامله وتعيد ابناء العراق الى المربع الاول وتقول لهم : انكم بلا امل لتحرير العراق فمهما فعلتم سنقطف ثمرات عملكم وتضحياتكم فاستسلموا ووفروا التضحيات ، فنحن جئنا الى العراق لنبقى وليس لننسحب حالما نهزم .
لايران طبعا مصلحة اسياسية في ذلك لان العدو الاخطر لها هو العراق القوي والمستقل مهما كانت هوية قياداته ، ولذلك تلاقت ستراتيجيات الشر الاقليمية (الايرانية والصهيونية) والدولية (امريكا والنيتو) لمنع شعب العراق من التحرر من الاستعمار والتبعية والتقسيم والتقاسم .
5 – اخيرا وليس اخرا اقرأوا تصريحات محافظ البصرة بعد عملية هروب السجناء سترون ان الامر اكبر من مجرد هروب بخطة شجاعة وذكية ، فهو يقول ان الفدرالية ونظام الاقاليم هو الحل الامثل للعراق ، وعودة الاطراف التابعة لايران للمطالبة بذلك بعد فترة من التظاهر بانهم مع وحدة العراق ويرفضون الاقليم السني والاقليم الشيعي ، دليل واضح على ان الفشل الذريع في قمع واجهاض الانتفاضة الوطنية وتحويلها الى فتنة طائفية قد وضع حدا لتكتيك ايران رفض الاقاليم ، وهاهي تعود من خلال طروحات اتباعها الى عام 2005 عندما طالب عبدالعزيز الحكيم باقامة الاقليم الشيعي في الجنوب فردت عليه القاعدة بتحية احسن منها باعلان الامارة الاسلامية في الانبار !
ما المطلوب بأزاء هذا التحدي الامريكي الايراني الخطير القائم على اجهاض الحلم العراقي الاكثر جمالا وهو تحرير العراق عبر انتفاضته الحالية ؟ امكانية تحرير العراق اصبحت هدفا عمليا وواقعيا وممكنا ، فيما يلي ملاحظات اساسية ارجو من كل وطني عراقي ان يدرسها بتأن ودقة بعيدا عن اي فرضية مسبقة :
1 – نلفت نظر العناصر النظيفة والمؤمنة حقا من القاعدة بان زجها في صراع جديد مع المقاومة العراقية بشكل عام ومع قادة الانتفاضة بشكل خاص مهمة غير مشرفة وهي تخدم مباشرة امريكا وايران ، والغطاء الواضح لزجها هو محاولة فرض زعامتها على الانتفاضة واضفاء طابع طائفي صرف عليها . ودرس عامي 2005و2006 يجب ان يكون حاضرا لدى العناصر النظيفة من القاعدة ، فلقد استغلت القاعدة لاضعاف المقاومة عن طريق تشجيعها على محاولة الانفراد بساحة الجهاد وكان ذلك هدفا مستحيلا ، لكنها اكتشفت بعد فوات الاوان تلك الحقيقة وعرفت بانها ستذبح ايضا وذبحت فعلا بواسطة الصحوات .
الان لتجنب تكرار كارثة الماضي المطلوب من القاعدة توجيه سلاحها كله الى الغزو الايراني المدعوم من امريكا وليس الى العراقيين العاديين ، كما ان المطلوب منها هو عدم الدخول في صراعات مع المقاومة والقوى الوطنية وشباب الانتفاضة باي صيغة وشكل خصوصا حول طبيعة الانتفاضة وهل هي وطنية عامة ام طائفية . واهم ما لا يجوز نسيانه هو ان نتيجة وقوع القاعدة في هذا الفخ واضحة وهي انها ستذبح مجددا وربما ستقطع رقبتها وليس تحز فقط ، ومن سيذبحها لن يكون طرفا واحدا بل عدة اطراف . هذه نصيحة واضحة لا لبس فيها .
2– ان المراهنة على وجود خلاف امريكي ايراني يمكن استغلاله وهم كبير وخطير ، فما دام العراق قابلا للانبعاث عسكريا واقتصاديا وسياسيا فان التلاقي الستراتيجي الامريكي- الايراني باق ومعزز . السذاجة هي التفكير السطحي ورؤية معارك خلبية بين ايران وامريكا والظن انها معارك حقيقية او يمكن ان تتحول الى معارك حقيقية ، ولذلك فالانتباه الشديد ومتابعة كل تطور بتجرد امر ضروري لتجنب الوقوع في وهم الاعتماد على تغيير في الموقف الامريكي تجاه ايران .
3– لنتذكر واحدة من امهات الحقائق الكبرى والتي يتميز بها العراق فقط الان وفي هذه المرحلة بالذات وهي ان القوة الاساسية الضامنة لاحباط كافة المخططات التأمرية على العراق ووحدته وهويته الوطنية والقومية والاسلامية موجودة ولكن أجزاء كثيرة منها غير جاهزة، على الاقل من ناحية التعامل الصحيح مع ما يجري .
ففي العراق، اولا، مقاومة عظيمة مازالت تحتفظ بقوتها الاهم والاخطر وهي الكادر البشري الواعي والمدرب ، وحينما اتحدث عن المقاومة فالمقصود بوضوح هو كل الفصائل حتى تلك التي تفككت وضعفت ، لان كوادرها مازالت موجودة بغالبيتها وما تحتاج اليها هو اعادة نظر والاستفادة من تجارب السنوات العشر الماضية وهذه مصلحة وطنية عراقية اساسية وعلينا مساعدة من ضعف او يأس على تعزيز قوته او استعادتها ورفع معنوياته ، فلدينا اذن جيوش مقاتلة وعظيمة .
وفي العراق، ثانيا، قوى وطنية منظمة وقوية ولديها جماهير كثيرة وتلك ميزة فريدة تميز العراق عن بقية الاقطار العربية التي تواجه كارثة التشرذم لان قواها نخب بلا قواعد منظمة وهي لذلك عبارة عن كتل صغيرة غير منسجمة عندما تتجمع تفعل وتؤثر لكنها عند الحسم وما بعد تحقيق الهدف الاول تقع فريسة التشرذم ، انظروا الى مصر وسوريا وتونس وليبيا سترون معنى الافتقار للقوة المركزية المنظمة والمنسجمة التي تجذب بمركزيتها الكتل الصغيرة المتفرقة وتوحدها وتمنع تشرذمها ، وستدركون ما اعنيه بوضوح .
العراق منح هدية ربانية عظيمة تتقوى يوما بعد اخر رغم الاجتثاث والابادات الجماعية للكوادر، وهي وجود امكانيات شعبية منظمة وفعالة تستطيع احباط المخططات والرد عليها بموقف موحد وقوي وثابت وبلا تردد او تشرذم كبير ، كما فعلت القوى الشعبية المنظمة في السنوات العجاف الماضية عندما حاولت امريكا وايران بكل ما لديهما من تأثير اشعال فتن وحروب اهلية ، لكنهما فشلتا وبقي العراق واحدا ورفض شعبه من جنوب البصرة حتى نقطة ابراهيم الخليل في شمال العراق التقسيم . القوى الوطنية تتميز بانها جماهيرية ومنظمة وتستهدي بفكر واضح ولديها ستراتيجية وطنية عراقية وستراتيجية قومية عربية دقيقة الفهم للمنطقة والعالم ، لهذا علينا الاعتماد على هذه الذخيرة العظيمة في المواجهة الحاسمة في الاسابيع والاشهر القادمة لانها ضمانة منع التشرذم وهو اخطر تكتيكات اجهاض الانتفاضات واحتواءها كما نرى في تونس ومصر وسوريا .
4– ان التوحد ضروري جدا ولا غنى عنه ، وحينما نقول التوحد لا نعني فقط القوى الرئيسة في العراق بل كل قوة : فردا كان او جماعة ، ففي عمليه تحرير العراق هناك حاجة ماسة للجميع الافراد والجماعات والكتل الوطنية كلها، فلا تحرير للعراق باقل التضحيات وبأقصر وقت الا بالنجاح في تحقيق استقطاب شامل او شبه شامل لكل مناهض للاحتلال. وعلينا تذكر احدى اهم بديهيات النصر والحسم وهي ان المعول عليه والمعيار الاساس في التقييم هو الموقف الان بصدقه وجديته وليس موقف الامس ، فنهر العراق العظيم يتدفق ولا يتوقف وهو قادر على جرف كل الادران وغسل الاخطاء والخطايا، وهذا ما قاله مرة اخرى الرفيق المناضل عزة ابراهيم في خطابه يوم 30 تموز الحالي من قناة الغربية. ان التوحد بين كافة القوى العراقية فصائل مقاومة واحزاب وطنية وشخصيات وطنية وشيوخ عشائر وعلماء دين وشباب الانتفاضة ... الخ هو الضرورة رقم واحد في العراق المقاوم الان .
5– ان تبني خطط التحرير بتعاقب مراحله واختلاف المهام ضرورة لابد منها فلكي نرى ثمرات اليوم عندما نسقط الاحتلال علينا ان نرى ما يمكن ان يحدث في الغد لتجنب الفخاخ ، والخطط ليست معجزات بل هي حلول يضعها خبراء القوم لتجنب العفوية التي اغتالت انتفاضة تونس ومصر .
6– ان العدو المشترك (امريكا وايران والصهيونية) لا يمكن ان يقبل ببرنامج تحرير وطني وديمقراطي واجتماعي شامل لذلك لابد من الاعتماد على المقاومة المسلحة في حماية الانتفاضة وادامتها وايصالها الى النصر الحاسم ، فلن تقبل امريكا وايران باي نظام وطني متحرر الا اذا فرض نفسه بالاعتماد على امكانياته الذاتية ، خصوصا على كوادره المقاتلة والمتخصصة في البناء والاصلاح الاقتصادي . لا مجال ابدا لاي حل سلمي مع الحكومة العميلة لانها فاقدة الارادة وتنفذ فقط ، ولذلك فاسقاطها مقدمة لابد منها لتنظيف العراق من كافة الظواهر التي زرعها الاحتلال واعوانه. اما تدخل القوات الايرانية فاننا في شوق كبير لمواجهتها على ارض العراق فتلك هي فرصتنا لدفن ايران الى الابد.
الحكمة تفرض علينا ان نبقي افواهنا مغلقة كي لا يصطادنا اي صياد بصنارته، والفم المغلق هو تجنب الوقوع فريسة الانانية التحزبية والفئوية لانها هي الفم المفتوح الذي يمكن اصطيادنا منه. فلنتعلم كيفية اغلاق افواهنا جيدا عندما يتعلق الامر بتحرير العراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق