وجهات نظر
قيس النوري
حال تسلم حسن روحاني سلطته كرئيس لإيران، سارعت الولايات المتحدة، وقبل أي دولة في العالم، لإبداء استعدادها لاعتبار إيران شريك لسياستها شريطة أن تستجيب للاعتبارات الدولية فيما يخص سعيها لامتلاك قدرات نووية تتيح لها انتاج سلاح نووي.. هكذا هي الرسالة الأميركية، الواضحة والسريعة، لإيران حسن روحاني، شراكة سياسية (أميركية ــ إيرانية) في الشأن الإقليمي.. رسالة واضحة تؤكد عدد من المعطيات من أهمها:
- ليس هناك تقاطع أميركي إزاء ممارسات إيران التدخلية في الأقطار العربية .
- ـليس هناك من تقاطع أميركي من الممارسات الإيرانية في العراق رغم أنها ذات منهج وطابع إرهابي.
- هناك تقاطع واحد فقط (يمكن التفاهم عليه) متمثلا بالملف النووي .
اللاعب الإيراني بقدر ما ينغمر ويتصرف بحقد تجاه العرب ويحتل هذا التصرف الغبي مساحة كبيرة في دوافعه، إلا أنه يمتلك رؤية بعيدة النظر باتجاه حرصه على تحقيق حزمة أهدافه الأكبر المتمثلة بالإقرار له بدور بارز في المشاركة الفاعلة والأساسية بالتحكم بالمسار الأيديولوجي لشعوب المنطقة، وهو هدف إيراني غير نهائي وإنما وسيلة للهيمنة على الشارع العربي ومن ثم استخدامه لاحقا لتحشيد جيوبولتيكي بشري مناصر لإيران متبنيا لأهدافها، تستطيع توظيفه لمزيد من الضغط على الغرب، وأميركا خاصة، لانتزاع المزيد من المكتسبات على الأرض.
هذه الرؤية سوف لن تكون غائبة على صناع القرار في إيران، ومن ثم فإن المنطق البراغماتي الذي تجيده العقلية الإيرانية سوف يرجح نزوع القيادة إلى ترجيح توظيف العرض الأميركي الأخير ، وتسويق روحاني باعتباره (معتدل) يمكن له أن يبني جسور من التفاهم مع الولايات المتحدة، دون أن تتنازل إيران عن خيارها النووي وذلك بابتكار صيغ جديدة لخفض درجة التوتر بالإبقاء على درجة تخصيب منخفضة في مفاعلاتها النووية من خلال أعادة أحياء مباحثاتها مع المنظمة الدولية للطاقة الذرية ، وهي احتمالية يمكن للولايات المتحدة القبول بها كونها تمثل نوعا من الاختراق الدبلوماسي الأميركي في قضية شائكة بالنسبة للكثيرين وخاصة مجموعة دول الخليج العربي التي باتت نافذتها المطمئنة الوحيدة هي الولايات المتحدة التي تتولى حمايتها مثلما توفر ابتكار بؤر التوتر لتهديدها لإبقائها رهينة راضية بل متوسلة بهذه الحماية ..
اللاعب الإيراني الذي أمتلك مخلب الذئب يتصرف بعقلية الثعلب الذي يجيد المناورة ، والمزاوجة بين المخلب والمخادعة سياسة إيرانية ليست جديدة ، تمارسها بعنف أذا ما تمكنت كما هو حاصل في العراق ، وتداهن الأهداف الأخرى بإعلاناتها المطمئنة في الوقت الذي تدفع بالبؤر التي أوجدتها وتغذيها لممارسة الضغط المباشر كما هو حاصل في البحرين والكويت واليمن والجزء الشرقي من السعودية على سبيل المثال.
صحيح أنها لعبة خطرة تلك التي تمارسها إيران، لكنها لعبة محفوفة بالمخاطر والانهيار في نفس الوقت ، ذلك أن المراهنة على حليف أجنبي لا يمكن الركون أليها ، خاصة أذا كان هذا الحليف يتصرف وفق منطق توظيف الفرص ، وهي فرص راهنة تخضع بدورها لمتغيرات أكثر من كونها ثوابت، والبناء على المتغيرات حاله حال البناء على افتراضات قابلة لأن تتحول إلى كوارث فيما أذا برزت عوامل غير محسوبة يمكن لها أن تقلب الموازين رأساّ على عقب..
العرب على مفترق طرق، بعد أن حولتهم الولايات المتحدة إلى ورقة (بضاعة) في لعبة مصالحها للمساومة بهم مع إيران لتحقيق مصالحها ومطامع إيران..
لا يجوز بعد كل هذا أن تكون السياسات العربية سياسات رد فعل عاجز ولا يجوز أن يبقى القرار السياسي العربي مرتهن بما ترسمه واشنطن والعواصم الغربية، العرب، شعبا، ينتظرون قرار عربي نابع من سيادة حقيقية تجسد الحق في حرية اختيار القرار الذي غاب طويلا ..
أميركا واضحة في خطابها، وإيران واضحة في مطامعها، الغائب الوحيد، رغم أنه بيت القصيد، هو الموقف العربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق