وجهات نظر
جعفر المظفر
لا شيء أصبح مثيرا للتقزز أكثر من العودة المتكررة لإستخدام نظرية المؤامرة.
في محاولة لتبرير فشل الحكم في التصدي لغزوة السجون التي نفذتها القاعدة على سجن ابي غريب، لم تتأخر الحكومة عن إصدار تصريحات تؤكد على وجود دور لدول إقليمية في التخطيط للهجوم وفي دعمه ماليا، ولكن بدون اي حديث عن الخلل الذاتي الكبير.
لنوافق على أن ذلك قد حصل فعلا. لكن موافقتنا هذه لن تبقى سائبة لأن ما تقوله جماعة الحكومة ليس هو براءة إختراع مسجلة بإسمها، فالمؤامرة ليست مفردة جديدة في القاموس السياسي العراقي، ذلك أن صراع المصالح كان وسيبقى حافزا لإرادات دولية تحاول بسط نفوذها وهيمنتها على المناطق المختلفة، خاصة ذات الأهمية الإستراتيجية.
كما أن التوافق التخادمي الإيراني الأمريكي في الحرب التي أدت إلى إحتلال العراق يؤكد من جانبه على أن العراق كان وسيظل، لحين إسترداده لعافيته الوطنية، ساحة لمساومات دولية وإقليمية على حساب مصالح ووحدة شعبه وأراضيه. ولنتذكر أن النظام السياسي الحالي نفسه هو نتاج لصراع المصالح هذه، والتذكير بذلك لا نأتي به هنا لغاية الإنتقاص من الحكومة، وإنما لغرض التذكير بأن هذا النظام، بفعل تجربته الحية في مجال المؤامرة ونظرياتها، هو إفتراضا، أكثر من غيره قدرة على تصور الإحتياجات الوطنية اللازم توفيرها لإسقاط تلك المؤامرة وسد الثغرات التي تتسلل منها. وإذ يقال إسأل مجرب ولا تسأل حكيم، فإن تبرير نقص الحكمة سيتراجع كثيرا جدا أمام وفرة التجربة وكثافتها.
إن واحدة من مصادر قوة المالكي، وضعفه في نفس الوقت، ظلت نتاجا لقدرته على المساومة في ساحة التخادم الأمريكي الإيراني. أما مصدر القوة الحقيقي المتمثل أولا بتحقيق الوحدة الوطنية كخط الدفاع الأول عن البلد فلم يعره أي إهتمام يذكر، لا بل أننا لاحظنا أن هناك توجه ملموس لشق الصفوف بدلا من توحيدها، وقد تجاوزت هذه السياسة طبيعتها التكتيكية كجزء من اللعبة الديمقراطية التقليدية لكي تعمق من التمزق الإجتماعي والسياسي والطائفي وبشكل هيأ لكثير من الأطراف فرص التعامل مع الأجنبي بدون روادع أخلاقية وقانونية وسياسية. فما الذي يمكن أن يردع سياسيا سنيا من التنسيق مع أنقرة في الوقت الذي ينسق فيه السياسي الشيعي مع طهران. إن كلا الأمرين محرم في الدولة الوطنية وإلى الحد الذي يجب ترتيبه في خانة العمالة للأجنبي، غير أن الفقه الإسلاموي السياسي جعل كثيرا من المفاهيم المدانة، ومن ضمنها العمالة للأجنبي، مجرد إختلاف في وجهات النظر .
إن واحدة من مصادر قوة المالكي، وضعفه في نفس الوقت، ظلت نتاجا لقدرته على المساومة في ساحة التخادم الأمريكي الإيراني. أما مصدر القوة الحقيقي المتمثل أولا بتحقيق الوحدة الوطنية كخط الدفاع الأول عن البلد فلم يعره أي إهتمام يذكر، لا بل أننا لاحظنا أن هناك توجه ملموس لشق الصفوف بدلا من توحيدها، وقد تجاوزت هذه السياسة طبيعتها التكتيكية كجزء من اللعبة الديمقراطية التقليدية لكي تعمق من التمزق الإجتماعي والسياسي والطائفي وبشكل هيأ لكثير من الأطراف فرص التعامل مع الأجنبي بدون روادع أخلاقية وقانونية وسياسية. فما الذي يمكن أن يردع سياسيا سنيا من التنسيق مع أنقرة في الوقت الذي ينسق فيه السياسي الشيعي مع طهران. إن كلا الأمرين محرم في الدولة الوطنية وإلى الحد الذي يجب ترتيبه في خانة العمالة للأجنبي، غير أن الفقه الإسلاموي السياسي جعل كثيرا من المفاهيم المدانة، ومن ضمنها العمالة للأجنبي، مجرد إختلاف في وجهات النظر .
إن تأكيد الحكومة على وجود مؤامرة خارجية يراد له هنا أن يكون مخرجا لها من الأزمة، لكنه من ناحية أخرى سيجعل الحكومة تبدو وكأنها تدين نفسها بنفسها، فلو أنها كانت غافلة عن حقيقة وجود هذه المؤامرة، وغير مدركة لها لأبعادها وفاعليتها، فربما ستحاسب على خلل التقدير وقلة المعرفة وضيق الإدراك. لكنها وهي التي ما تركت يوما الحديث عن هذه المؤامرة، وما ترددت لحظة عن تعظيم حجمها وسعتها وفاعليتها، نراها قد ساهمت بدور كبير في فرش الساحة العراقية بطريقة تساعد على مرور التآمر وتسهل له أمره.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق