وجهات نظر
جاسم الشمري
الماء سر
الحياة، وهو من النعم الإلهية التي لا يمكن فهم أسرارها بسهولة، ويمكن لقوله تعالى
(وجعلنا من الماء كل شيء حي) الأنبياء/ 30 أن يجعلنا نضع بعض النقاط على حروف هذه
النعمة الإلهية، التي لا تنقضي عجائبها، والتي هي ركن ركين في استمرار حياة
الكائنات على هذا الكوكب المليء بالحب والكراهية.
هذه النعمة-
ربما- تتحول إلى ابتلاء أو عقوبة جماعية، كما هو الحال في زمن الفيضانات الطبيعية والمفتعلة.
صور الكراهية
على كوكبنا الجميل كثيرة، ومنها استمرار مشاهد القتل والخراب والفيضانات المفتعلة،
المدمرة للحياة الإنسانية في بعض مناطق الفلوجة، ونصف قضاء أبو غريب غربي بغداد،
وهي مشاهد لحرب من نوع آخر، ألا وهي حرب المياه القاتلة، فضلاً عن الحرب الحكومية
العسكرية المستمرة في الأنبار منذ أربعة أشهر تقريباً.
وبدراسة الجهات
التي تقف وراء هذه الجريمة بحيادية، نجد أن حكومة بغداد اتهمت- كالعادة- الجماعات
المسلحة، وتنظيم داعش تحديداً بإغلاق سدة الفلوجة والتسبب بهذه الكارثة.
وعلى النقيض من ذلك تماماً اتهم النائب
طلال الزوبعي في يوم 13/4/2014 (الحكومة
بإغراق القرى التابعة لأبو غريب، في إطار مخطط لمواجهة المجاميع المسلحة في هذه القرى،
وأن الجيش فتح سدة أبو غريب، وأغرق العديد من المنازل والأراضي الزراعية، وأن ارتفاع
المياه تجاوز ثلاثة أمتار، والهدف من وراء هذا الإجراء هو سياسي بحت)!
وفي يوم 7/5/2014، أكدت الحكومة المحلية
في بغداد (نزوح نحو (150) ألف مدني من أبو غريب، بسبب الفيضانات، مع تضرر (60) ألف
دونم من الأراضي، وغرق (46) مدرسة).
وفي يوم 15/4/2014، أعلن صباح كرحوت، رئيس
مجلس محافظة الأنبار: (غرق ثلاث مناطق في الفلوجة بعد أن اجتاحتها المياه).
ومع كل هذا الخراب، الذي خلفته مياه الفيضانات
المقصودة نجد أن الحكومة منشغلة بالانتخابات ونتائجها، وكأن من يغرقون ليسوا
عراقيين!
وهنا نريد أن نعرف أهم الأسباب الداعية
لهذا الإهمال الحكومي لأهالي هذه المناطق تحديداً، الذين وقعوا بين مطرقة الأسلحة
الحكومية الثقيلة وسندان المياه المدمرة، التي غمرت بيوتهم، وخربت كل ما يملكون،
وشلت حياتهم:
معاقبة أهالي الفلوجة وأبو غريب، لعدم
ولائهم لرئيس الحكومة، وذلك بتدمير ممتلكاتهم، ومحاصيلهم الزراعية، وهدم البنية التحتية لمشاريع الري والبزل في المنطقة،
ومحاربتهم بنشر الفقر والأمراض والأوبئة، التي تخلفها هذه الأوضاع المأساوية.
تشويه سمعة أبناء العشائر الذين وقفوا
بوجه الظلم الحكومي، وتصويرهم على أنهم يعملون ضد أهلهم، وبالتالي محاولة اشعال
فتيل الحرب الأهلية بين أهالي الأنبار وأبو غريب والثوار، وتلك حيلة حكومية تهدف
لزعزعة الجبهة الداخلية لثوار العشائر!
هذا الخراب جزء من الدعاية الانتخابية لدولة
القانون، على اعتبار أن غالبية أبناء هذه المناطق ضدها، مما يدفع- بحسب اعتقادهم-
الناخبين من الطرف الآخر للتعاطف معهم وانتخابهم.
العجيب أن وزارة الدفاع أعلنت في يوم
7/5/2014، أن ( القوات الأمنية تمكنت من فتح سد الفلوجة بعد اشتباكات مع مسلحي داعش).
وفي يوم 8/5/2014، توقعت وزارة البلديات
( انتهاء مشكلة تصريف المياه من أبو غريب خلال الأسبوع المقبل، لاسيما بعد إعادة فتح
سدة الفلوجة).
والسؤال المُلِّح هنا: أين كانت الحكومة
في الأيام الماضية، وبالأمس خاضت قواتها معركة لعدة ساعات- حسب زعمهم- ثم انتهت
المواجهة بالسيطرة على سدة الفلوجة؟! ثم إذا كانت المشكلة بهذه البساطة، فلماذا لم
تحاول الحكومة إنهاء معاناة الناس العزل، والمستمرة منذ أكثر من عشرين يوماً؟!
هذه الأساليب الحكومية تثبت بما لا يدع
مجالاً للشك طائفية، وانتقائية، ومزاجية،
هذه الحكومة، ولعمري فإن هذه الصفات لا يمكن أن تكون ثوباً للحكومات الوطنية
العاملة لخدمة الوطن والمواطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق