وجهات نظر
نزار السامرائي
أكثر من مرة قلنا إن المراقب المنصف إن
أراد إصدار حكم عادل لا يشبه أحكام القضاء العراقي هذه الأيام ولا قرارات رئيس
المحكمة الاتحادية، على ما يقوله نوري المالكي، فعليه أن يرمي بكل خطب المالكي
المكتوبة في سلة المهملات أو في موقد النار، لأن تلك الخطب عادة ما تكتب له في غرف
مبردة ومكاتب أنيقة بعيدا عن الأجواء الأمنية التي تضغط على
المواطن حتى الاختناق، وبعيدا عن أجواء الانتخابات التي تثير هلع رئيس الوزراء
لمجرد أن يمر في خاطره احتمال عدم فوزه فيها، على الرغم من أنه سطا على جميع
المفاتيح المؤدية إلى منصة الفوز، والمانعة للآخرين من ولوج أبوابها مهما تعددت
مهاراتهم وارتفعت كفاءاتهم ودرجاتهم العلمية، أو علت نزاهتهم ونظافة أيديهم.
نوري المالكي ما زال يعيش سكرة التصفيق
الذي قوبل به خطابه أمام الكونغرس وخاصة عندما تحدث عن موضوع المرأة وما رسمه لها
من صور أراد أن ينافق بها أمام أولياء نعمته في واشنطن، وكذلك قضية الحرب على
الإرهاب إذا أراد أن يقدم لهم رشوة مفتوحة، فأعطوه تصفيقا بقي عالقا في ذهنه
ومسيطرا عليه مع أن التصفيق إذا حاول سياسي ما تحويله إلى رصيد ميداني، سيجد أنه
مجرد شيك لحساب مصرفي تم ترقينه منذ زمن بعيد، لكن الأمريكيين هم الذين صنعوا من
المالكي كتلة كارتونية من أوهام الزعامة، لأنهم عرفوه شخصا بلا مؤهلات وأنه الوحيد
القادر من خلال عجزه وتصوراته الساذجة، على تدمير ما بناه العراقيون في ثلاثة
أرباع قرن من زمن البناء، وهذا هو ما تريده أمريكا وإسرائيل وإيران للعراق كي لا
يستعيد عافيته السياسية والاقتصادية والعسكرية ويعود قوة إقليمية كبرى ورقما
أساسيا في معادلة الأمن القومي العربي.
ونتيجة لحالة الانتفاخ التي أصابته في
مقتل، تصور المالكي أنه ذلك الزعيم الذي انتزع اعترافا به شخصية قيادية لا نظير
لها في العالم الثالث، من أقوى مؤسسة تشريعية في العالم وهي الكونغرس الأمريكي،
تحسب كل خطوة تخطوها بما في ذلك طريقة النظر إلى الواقف على منصة الخطابة ووقت
التصفيق والوقوف،لقد قتلوا فيه الرغبة في التعلم حينما صوروه معصوما جديدا وتقمص
هذه الشخصية ببلاهة وبلادة تستحق رفع قبعات أعضاء الكونغرس الأمريكي نساء ورجالا
من الحزبين.
قبل أيام تحدث المالكي من دون ورقة وكان
انفعاله قد أوشك أن يخرجه من ملابسه بعد أن أطلق للسانه حرية الكلام وتنصل عن كل
ما كان قد قاله عن النأي بالنفس عن الأزمة السورية، إذ أسفر عن وجه جديد فأكد أنه
بصدد التدخل واعتبر ذلك واجبا وطنيا وأخلاقيا وشرعيا، طبعا التدخل ضد ثورة الشعب
السوري وتدشين مرحلة جديدة من الاصطفاف مع النظام السوري الذي ما كان له أن يستمر
يوما واحدا لولا تدخل حزب الله اللبناني وتدخل إيران وتدخل المليشيات العراقية
الطائفية، فبعد أن أجهد نفسه وجند كل شعرائه لنفي صلته بمرور العتاد الحربي
والمقاتلين من إيران عبر الأجواء والأراضي العراقية، ونفي صلته بمليشيا العصائب
وجيش المختار وغيرها مما يحفل به قاموس الحقد الطائفي اللئيم، نراه اليوم يعلن
نيته في التدخل الرسميوبصورة مباشرة في الحرب التي يشنها نظام بشار الأسد على
الشعب السوري بعد أن ظل يفعل ذلك عبر أدوات تحاول تمويه شكل الدبابة والمدفع.
بعد يومين من تصريحات المالكي تم الإعلان
عن مهاجمة قوات المالكي (اختلف المتحدثون باسم وزارة الدفاع ووزارة الداخلية في
ذكر صنفها) لرتل من صهاريج الوقود داخل الأراضي السورية ويعود لداعش، بادر نائب
سوري من أعوان النظام إلى القول بأن تنسيقا رسميا على أعلى المستويات قد تم بين
دمشق وبغداد لتنسيق هذه الضربة، إلا أن وزارة داخلية المالكي التي يتولاها المالكي
بنفسه نفت حصول هذا التنسيق.
توقيت الإعلان عن هذه الضربة قبيل
الانتخابات النيابية اعتبره المراقبون رسالة مزدوجة وموجهة لواشنطن بأن نوري
المالكي هو ضمانتها في مواصلة الحرب على الإرهاب، وأنه كفيل بالإجهاز عليه في كل
من سوريا والعراق بعد أن استفحل أمره وخرج عن السيطرة.
ولطهران بأنه جزء من حربها المقدسة في
سوريا دفاعا عن حدود أمنها الذي ينتهي عند آخر نقطة يصلها جندي إيراني، وأن حكومته
إن عادت لولاية ثالثة فإنها لن تسمح بحرب استنزاف طويلة الأمد لإيران في سوريا وفي
مناطق أخرى، وهذا الدور الذي يسعى المالكي لعرضه على الحكومتين الأمريكية
والإيرانية، يريد أن يقول إن الانتخابات لن تحسم منصب رئاسة الحكومة من يحسمها هو
الحلف غير المعلن بين واشنطن وطهران، وأنهما مطالبتان باختيار من يضمن لهما أمنا
استراتيجيا لا تعكره تحركات هنا أو هناك.
ما يريده المالكي من دوره الجديد في
سوريا عملية خلط أوراق بالدم لإضاعة معالم الطريق، وقد يحقق منه شيئا من النجاح
المؤقت، ولكنه سيجد نفسه وهو الفاشل في محاربة ما يسميه بالإرهاب داخل العراق، هو
أفشل منه عندما ينقل معركته إلى سوريا، لأن تدخلا كهذا يصطدم ظاهريا برفض أمريكي
من جهة وسيستفز المحيط العربي والإسلامي المتحفظ على التوسع الإيراني بصمت أمريكي،
وقد يتحول التحفظ إلى ما هو أكثر من ذلك في المستقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق