موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الأربعاء، 14 مايو 2014

ألا لا يجهلن أحد على أمريكا!

وجهات نظر
صبحي حديدي
مجموعات ضغط أمريكية عديدة، يمينية ومحافظة عموماً، ولكنها ملتفة بصفة خاصة حول ‘رابطة البندقية الوطنية ’ NRA، التي تدافع عن حقّ الأمريكي في حمل السلاح الثقيل، وليس مجرّد المسدس، تخوض، هذه الأيام، حملة شرسة لإنجاز هدف ‘كبير’ و’حاسم’: وضع صورة شارلتون هستون (1923 ـ 2008)، نجم هوليوود الشهير، على طابع بريد!

‘إنه ليس أقلّ نجومية من جون واين، هنري فوندا، جيمس ستوارت، مارلين مونرو، وجودي غارلاند’، يهتف أنصاره، ليس دون وجه حقّ في الواقع، ولكنه، يردّ الخصوم: ‘صاحب آراء لم تخلُ دائماً من رواسب عنصرية أو مذهبية صريحة، تقدّس السلاح، ولعلها تسببت في المجزرة الشهيرة’ موضوع Bowling for Columbine، شريط مايكل مور الذي حاز على السعفة الذهبية في مهرجان كان 2002.
وحتى تفصل مصلحة البريد الأمريكية في الشجار، أستعيد شخصياً هذه الحكاية: في ربيع 2001، خلال محاضرته التي افتتحت مركز الآداب الآسيوية والأفريقية في جامعة SOAS البريطانية، تحدّث الراحل إدوارد سعيد عن ظاهرة الجهل التي تعمّ شرائح واسعة من أبناء المجتمع الأمريكي، صغاره وكباره. ولقد ضرب المثل الأوّل في يافع عجز عن معرفة موقع إيطاليا على الخريطة، والمثل الثاني في شيخ (ولكن… أيّ شيخ!) تردّد برهة في تسمية دولة واحدة تشترك في الحدود مع العراق، قبل أن يحزم أمره ويقول: ‘روسيا، ربما’! ولم يكن ذلك الشيخ سوى هستون، وذاك المستوى من الجهل كان فاضحاً عند أيّ بالغ يعيش على هذه البسيطة، فكيف بفنّان سينمائي مخضرم، أوّلاً، وبممثّل متوّج، لعب دور النبيّ موسى في الشريط الشهير ‘الوصايا العشر’، ثانياً؟

ألم تزوّدنا سيرته الذاتية، التي صدرت سنة 1995 بعنوان ‘في الحلبة’، بصفحات مستفيضة عن انغماسه الشديد في دراسة تاريخ الشرق الأوسط، بغية تقمّص الدور على أكمل وجه؟ وكيف أمكن له أن يدرس أيّ تفصيل في تاريخ المنطقة، دون معرفة جغرافية العراق؟ هل يعقل أنه لم يدرك أبداً أنّ بلاد الرافدين، بلاد ما بين النهرين، هي نفسها العراق الحديث؟ ليس هذا فقط، ففي عام 1961 لعب هستون دوراً كبيراً ثانياً ذا صلة بالمنطقة، في الفيلم الفروسيّ ‘السيد’، حين أدّى شخصية الفارس الإسباني الذي يخوض معركته الفاصلة الأخيرة وهو جثة هامدة. فهل درس تاريخ الأندلس آنذاك، بعمق واحترام كما ظلّ يؤكد؟ وكيف فاته، إذاً، أنّ العراق صنو الأندلس؟ أخيراً، في فيلم ‘الخرطوم’، حيث لعب دور الجنرال البريطاني شارلز غوردون الذي يحاصر الزعيم الديني والوطني السوداني المهدي (لورانس أوليفييه)، كيف لم يصادف خريطة العراق وهو يغرق في تاريخ الحركات الصوفية الإسلامية كما زعم؟
وفي انتخابات الكونغرس لعام 1986، تبيّن للحزب الجمهوري أنّ الممثّل التوراتي والفارس الأندلسي والجنرال البريطاني، فضلاً عن صاحب أدوار الكاردينال ريشليو ومارك أنتوني ومايكل أنجلو وتوماس مور وشرلوك هولمز…، هو أفضل المرشحين لمنصب السناتور عن ولاية كاليفورنيا. هذه، في نهاية الأمر، هي الولاية التي عبّدت الخطوة الأولى في درب رونالد ريغان إلى البيت الأبيض، ومن اليسير أن تفتح ذراعيها لأحد أمهر صانعي الشخصية اليانكية في هوليوود. (بعد سنوات سوف تمنح الولاية منصب الحاكم إلى أشهر مَنْ جسّد أدوار الغطرسة العسكرية الأمريكية: أرنولد شوارزنيغر!). ملابسات غامضة، وصراعات حزبية داخلية على الأرجح، حالت دون ترشيح هستون آنذاك، فاكتفى بالتصريح الشهير الذي أراد منه حفظ ماء الوجه: ‘إنني أفضّل أداء دور السناتور، على أن أكون السناتور بلحمه وشحمه’!
أخيراً، واظبت مقالاته، في أسبوعية ‘ناشنل ريفيو’ اليمينية، على تمثيل انحيازه إلى الجانب العسكري في الشخصية الأمريكية، ودفاعه العصابيّ عن المهامّ التبشيرية الملقاة على عاتق اليانكي ‘جوّاب الآفاق’. ولكنه، في أحد المقاطع المدهشة من سيرته الذاتية، كتب يقول: ‘لقد رأيت في مارتن لوثر كنغ شخصية موسى، والحلم الذي راود كنغ لتحرير شعبه الأسود المعذّب هو وصايا الحقّ التي يجب أن نقف إلى جانبها. إنها وصايا عشر ضدّ العنصرية والاستعباد وإيقاظ أبشع ما رسخ في تراث العمّ سام من أمراض’. وتلك، وحدها على الأرجح، اللافتة التي يرفعها اليوم أنصاره المتحمسون لإبصار صورته على طابع بريد.
ألا لا يجهلن أحد على أمريكي، من طراز هذا اليانكي العتيق، الذي طبّل وزمّر لحروب أمريكا المعاصرة كافة، وأطبق جفنيه، للمرّة الأخيرة، وهو يظنّ أنّ روسيا… جارة العراق!

ملاحظة:
نشر المقال هنا.


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..