باقر الصراف |
وجهات
نظر
عبدالواحد
الجصاني
في الذكرى الحادية عشرة للغزو والإحتلال الأمريكي للعراق صدر عن دار (مركز
الحضارة العربية) في القاهرة كتاب الباحث والمناضل القومي الأستاذ باقر الصراف
بعنوان (المقاومة الوطنية العراقية).
وقبل الحديث عن مضامين الكتاب لا بد من التعريف بالكاتب الأستاذ باقر
الصراف المولود في كربلاء عام 1946 والذي نذر نفسه لقضايا أمته وحقها في الوحدة
واستعادة دورها الحضاري الرائد، فإنضمّ في اوائل السبعينات الى حزب العمل
الإشتراكي العربي/ فرع العراق، وفي عام 1979 التحق بالمقاومة الفلسطينية في لبنان
وكان أحد كتّاب مجلة (الهدف) و مجلة (الثوري) اللبنانية ومجلة (فتح). وشارك في
الدفاع عن بيروت عندما حاصرتها القوات الصهيونية عام 1982 واصيب في هذه المعركة،
وخرج من لبنان متنقلا بين البلدان واستقر به المقام في هولانده. أصدر الأستاذ باقر
الصراف أحد عشر كتابا ترد قائمتها في آخر هذا العرض، وكان قاسمها المشترك هو
الإيمان بوحدة الأهداف القومية والنضال من أجلهاوبالذات وحدة نضال شعب فلسطين
والعراق والاحواز.
تصدى الأستاذ باقر الصراف بفكره وقلمه وعمله منذ مطلع الثمانينات للدفاع
عن العراق بوجه حرب ايران العدوانية عليه ثم بوجه الحصار الشامل والعدوانات
العسكرية الامريكية المتكررة والحملات الإعلامية الغربية لشيطنة العراق وقيادته.
وعندما تصاعدت التهديات الأمريكية بغزو العراق كان من اوائل الداعين لتشكيل جبهة
عربية عريضة لنصرة العراق وشارك في المؤتمر الثاني والمؤتمر الثالث للتحالف الوطني
العراقي اللذين عقدا في لندن عام 2000 وباريس عام 2002، وأنتخب عضواً قيادياً في
التحالف الوطني العراقي الذي كان يقوده المرحوم عبد الجبار سليمان الكبيسي،
ومثّـّل التحالف في العديد من المهرجانات والندوات السياسية والفكرية.
وبعد الغزو الأمريكي-الفارسي للعراق وانطلاق المقاومة العراقية كان سباقا
لدعم المقاومة العراقية سواء بمقالاته وكتبه او بمشاركاته في المؤتمرات والندوات
والمقابلات الصحفية. وكتاب (المقاومة الوطنية العراقية) الصادر في القاهرة في آذار
2014، الذي نحن بصدد إستعراض مضمونه في هذه السطور، هو غيض من فيض جهود الباحث
والمناضل باقر الصراف.
كتاب (المقاومة الوطنية العراقية) يضم مقالات وبحوث الأستاذ باقر الصراف
التي حلّلت ووثقت بشمول وموضوعية جوانب الصراع الدائر بين قوات الغزو والإحتلال
الأمريكي-الفارسي والعملية السياسية التي جاء بها المحتل من جهة، والمقاومة
العراقية ممثلة لشعب العراق من جهة ثانية، ولعل من الصعب أن نفي الكتاب حقه في هذه
السطور القليلة، لكننا سنحاول تقديم صورة موجزة عن بعض أهم خلاصات وإستنتاجات
الكتاب وكما يلي:
أولا : المقاومة العرقية المسلحة وغير المسلحة للإحتلال الأمريكي –
الفارسي للعراق، ورغم محاولات التعتيم عليها ومنع تفاعل محيطها العربي معها، هي
ظاهرة أصيلة في سياق النهوض القومي العربي ببعده الانساني، ويقول الكاتب (المقاومة
العراقية ليست اتساقا مع التاريخ الكفاحي الوطني العراقي فقط، وانما أيضا مع كل
العناصرالمضيئة في التاريخ العربي الاسلامي والعالمي وممارساتها في كل انحاء
المعمورة التي واجهت فيها الأجنبي بعنفوان المباديء والصدق في العمل){الصفحة 170}.
ويستعرض الكاتب بالوقائع كيف ان المقاومة العراقية هي الوجه المشرق للمقاومة
العربية المعاصرة، وكيف ان الظروف التاريخية والجغرافية والدور التاريخي للعراق
وطبيعة التآمر الكوني عليه جعلت مقاومته إستثنائية في حجمها وإنتصاراتها، وإستطاعت
خلال سنوات قليلة تدمير الآلة العسكرية الأمريكية وإنهاء نظام القطب الأوحد
الأمريكي.
ثانيا : افرد الكاتب فصلا كاملا عنوانه (الرئيس الشهيد صدام حسين
والمقاومة الوطنية العراقية) تحدث فيه عن دور الرئيس الشهيد صدام حسين في تعزيز
روح المقاومة سواء في مرحلة قيادته للدولة أو في مرحلة قيادته للمقاومة ثم الأسر
والإستشهاد. وعن المرحلة الاولى يقول (لقد ركز الرئيس الشهيد صدام حسين خلال
ممارسته العملية أبان قيادته للدولة والمجتمع على بديهية اساسية قوامها ضرورة
مواجهة القوات الأجنبية الغازية، مهما كانت الظروف الموضوعية أو الذاتية، عبر سلاح
الجيش والشعب وبغض النظر عن معايير النصر والخسارة في تلك المواجهة وإدراكه ان
للنصر الف باب وان الخسارة العسكرية يتمية) {الصفحة 367}. وعن بطولات الشهيد في
الأسر يقول (كان الرئيس الشهيد في ارقى حالات تالقه حتى لحظة تساميه سائرا نحو ذرى
المجد والخلود) ويضيف (كانت مواقفه السياسية الصلبة، وهو في عرينه ماردا عملاقا،
هي عنوان اساسي لنهج وطني باسل متساوق ويتسق مع النهج الوطني في المقاومة، وبذلك
توج بها مسيرة قناعاته الفكرية والسياسية).{الصفحة 368}
ثالثا : غزو العراق لم يكن حربا محدودة لإهداف محدودة، بل كان جزءا
أساسيا من مخطط تدمير الامة العربية وإخضاعها. ويستعرض الكاتب مخططات اليمين
الأمريكي المتحالف مع الصهيونية العالمية لتفتيت الأمة العربية في فصول كثيرة من
بين عناوينها (المسألة الفلسطينية وتلازمها مع معركة العراق) و (احتلال العراق
وترتيب اوضاع المنطقة) و (تحطيم العقل العراقي الى ماذا يهدف) و (التغلغل
الاسرائيلي في العراق المحتل)، كما يستعرض ما أسماه (الرهان الأمريكي على الرؤية
الفارسية) في تفتيت العراق ودور عملاء إيران في تشكيل (حكومة في خدمة الإحتلال على
أسس طائفية وأثنية).
رابعا : المقاومة العراقية عززت الأمل في التحرير الكامل للأرض
العربية وأعطت دفعة مادية ومعنوية للثوار العرب في فلسطين والأحواز وأيقظت الكرامة
العربية في بقية البلدان العربية التي تعاني من حكام متسلطين أهدروا كرامة شعوبهم
خدمة للاجنبي. وترد تفاصيل هذه الإطروحات والإستشهادات بالوقائع في فصول من بينها
و (الاستراتيجية التكتيك في معركة التحرر الوطني) و(الآفاق المفتوحة لتحرير
العراق) و(التماثل والتباين في تجارب العراق ولبنان وفلسطين).
خامسا : المقاومة العراقية جعلت اعداء الأمة يفكرون الف مرة قبل ان
يتورطوا في عدوان جديد عليها أو على غيرها من الأمم، ولذلك نراهم يلجأون الى ما
يسمونه (الحرب بالإنابة) من خلال استخدام ورقة الطائفية والعنصرية بالتحالف مع
اعداء الأمة وفي مقدمتهم العنصريون الفرس. ويستعرض الكاتب مضامين هذا الإستنتاج في
عناوين كثيرة ضمها الكتاب أهمها (الأمريكيون عاجزون) و (جهود مبعثرةعربية ودولية
لدعم سلطة مستوردة لخدمة الإحتلال) و (محاصصة تمهيدا للتفتيت).
سادسا: ورد في فصل (العراق المستقبلي) الذي تضمنته الصفحات 51-89
مناظرات الكاتب مع أحد المواقع العميلة بشأن مستقبل العراق. جرت هذه المناظرات في
الأشهر الأولى للإحتلال، وهي بالغة الإمتاع والفائدة في الرد على من إستبشروا بإن
(التغيير "ويقصدون الإحتلال" سيحقق للعراق الحرية والرفاه لأهله)، وتكشف
مناظراته هذه المبدئية العالية للكاتب ونظرته الإستشرافية لما جرى وسيجري في
العراق.
سابعا : ورد في ملاحق الكتاب (الصفحات 347-365) مناقشة معمقة لموضوع
فلسفي- سياسي وهو موضوع (الزمن في الصراع) و (هل ستتمكن امريكا بقوتها التكنولوجية
المتطورة من تحقيق الانتصار السياسي بعد تحقيق هدفها العسكري بالتدمير العام
للمنجز المادي العراقي) ويستعرض أحد مقالات الملحق(الصفحات 248-253) مفردات الصراع
السياسي الشامل التكوينية بابعادها التاريخية والجغرافية بين الذات الوطنية
العراقية بتراثها المقاوم والذات الامريكية الغازية ليصل الى استنتاج مفاده أن
الزمن وكل عناصر الصراع تصب لصالح إنتصار العراق في هذه المعركة التاريخية، وهذا
المقال نشر في 26 آذار2003، أي بعد ستة ايام من إنطلاق العدوان الأمريكي الباغي
على العراق ووقوف النظام الدولي كله مصفقا للآلة الحربية الأمريكية وجبروتها.
ألا يستحق الأستاذ باقر الصراف أن نغبطه على هذه الرؤية المبدئية الثاقبة
يوم انحنى فيه العالم للقوة الغاشمة الأمريكية.
وفي بادرة وفاء منه اهدى الأستاذ باقر الصراف كتابه الى رمز من
رموز المقاومة العراقية ورفيق دربه المرحوم عبدالجبار سليمان الكبيسي والى كل
المناضلين الشهداء الخالدين إنصافا للتاريخ والى الحق الوطني العراقي والقومي
العربي.
وكلمة اخيرة للأستاذ باقر الصراف:
بارك الله بك، فقد أغنيت التراث الوطني العراقي والمكتبة العربية بكتبك
وأفكارك القومية والإنسانية، وأعطيت أجيالنا نموذجا رائعا يقتدى به.
وأدناه أهم كتب الباحث والمناضل باقر الصراف
- أمريكا ومخطط تفتيت العراق، عام 1992.
- العراق بين الرؤية الغربية وممارسات المعارضة العراقية عام 1999،
- العراق : كيف نراه ؟ ماذا نريد منه عام 2000.
- عربستان : الهوية والأعداء عام 2001، بالإشتراك مع المناضل عادل
السويدي.
- حوار على ضوء المبادئ والتاريخ، عن المواقف السياسية للحزب الشيوعي
العراقي عام 2001.
- ثورة 14 تموز 1958 وعدٌ لم يتحقق (الطبعة الثانية 2003).
- الرؤية السياسية الإيرانية في ظل حكم الملالي، القاهرة 2008.
- الرؤية السياسية الإيرانية على ضوء التراث والتجربة، القاهرة 2011.
- هل الخليج عربي أم فارسي وقضايا أحوازية أخر : مناقشة هادئة لآراء
الأستاذ محمد حسنين هيكل، القاهرة 2011.
- أدلاّء إحتلال العراق : كيف أستخدمت المعارضة العراقية أداة لتدمير
العراق، القاهرة 2012.
- المقاومة الوطنية العراقية، القاهرة 2014
والله المستعان
ملاحظة:
نشر المقال
هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق