موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

السبت، 24 مايو 2014

صراع السلطة في الكويت.. مؤشرات ودلائل

وجهات نظر
ناصر العبدلي*
كان يمكن أن يبقى الصراع أو "التنافس" بين أطراف الأسرة الحاكمة في الكويت حبيس الغرف المغلقة، وأن تكون مناقشته بعيداً عن وسائل الإعلام والشارع أو ما يسمى "الدواوين"، لكن يبدو أننا على أعتاب مرحلة جديدة بدأت ترتسم ملامحها على بقايا ماضٍ على وشك أن تنقطع الصلة بينه وبين ما يجري حاليا.

هناك شيء ما تبدل في آلية التنافس الذي ارتبط تاريخيا بهذه الأسرة منذ تأسيس الكويت (الميناء) ثم الدولة قبل ما يقارب الثلاثمئة عام، جعل هذا الوضع الذي أميل بشدة إلى تسميته صراعا بعدما خرج عن إطار التنافس التقليدي وتحول إلى ‘كسر عظم’ بين تلك الأطراف، وبالتحديد بين الشيخين ناصر المحمد رئيس الوزراء السابق وأحمد الفهد الوزير السابق وخلفهما ومعهما شيوخ وأدوات.

في السابق كان كل طرف يحشد ما لديه من أدوات تجاه الطرف الآخر من دون أن تُمس ‘هيبة’ أحد ومن دون أن تستخدم عبارات خارجة عن إطار الاحترام المتبادل. ولم يكن ضمن أجواء التنافس في تلك الفترة تحريك المظاهرات خلف الكواليس واللجوء إلى الشارع، في مشهد دراماتيكي مفتوح على كل الاحتمالات، وكانت الساحة لهذا التنافس الجماعات السياسية وبعض الندوات في مقار تلك الجماعات السياسية، وفي بعض الاحيان استخدام أطراف تجارية لممارسة نوع من الضغط للحصول على بعض التنازلات، خاصة ممن بيده السلطة، وبمراجعة سريعة للتاريخ السياسي للكويت يمكن تلمس مثل تلك الصراعات، حتى أن الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، استخدم مثل تلك الأدوات للتخلص من الضغوط الدولية والإقليمية، وكل ذلك كان يسير بسلاسة وباعتراف كل الأطراف.. فما الذي استجد؟

هناك جملة من العوامل أدت إلى نشوب حالة الصراع تلك بدلا من التنافس أبرزها، غياب الحنكة والخبرة بين اللاعبين الجدد، التي بفقدانها غابت التسويات والتفاهمات والحلول الوسط بين الأطراف المتصارعة، فمنذ فصل ولاية العهد عن منصب رئيس مجلس الوزراء، الذي دأبت الأسرة الحاكمة على الربط بينهما منذ إقرار الدستور عام 1962، بهدف تحصين الأخير ومنحه القدرة على الصمود في وجه الضغوطات والمناورات السياسية، باتت الأمور أكثر تعقيدا، وفتح الباب على مصراعيه أمام الطموحات من كل الأعمار من دون الاستمرار في التراتبية السائدة في أن النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء هو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء المقبل.
وقد رشحت تكهنات عن تبني الوزير السابق الشيخ أحمد الفهد معركة شرسة وربما التخطيط لها، توجت بإسقاط رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر محمد الصباح، ويقال ان أدوات تلك المعركة نواب وفعاليات سياسية وشبابية، وخلف الكواليس كان هناك محرضون ‘كبار’ لم يظهروا في المشهد حتى الآن. ويتردد أن تلك المعركة كانت رد فعل على تواطؤ ربما كان رئيس الوزراء السابق طرفا فيه لصالح بعض خصوم الوزير الفهد، خاصة بعض الأطراف التجارية المحسوبة على أحد أجنحة الأسرة الحاكمة، عندما فوجئ بسيناريو معد مسبقا في جلسة النظر في استجوابه عندما كان وزيرا للإسكان، واضطر على أثرها للاستقالة وترك الساحة الحكومية.
خيمت على تلك التحركات أجواء تصفية الحسابات مهما كان الثمن فادحا على النظام وعلى استقرار البلاد، وهي المرة الأولى التي تدفع بها الأمور إلى حافة الهاوية في تلك الإمارة الصغيرة الراقدة على ثروة تقدر بمئات المليارات، تزداد بمتوالية هندسية صباح كل يوم، ولم يتوقف الأمر عند تسريب الإشاعات والتشكيك بكل شيء، بل استخدمت الوثائق الحكومية والبنكية، خاصة تلك التي تحمل مضامين غامضة يمكن تفسيرها في أي اتجاه، في محاولة لحشد الرأي العام تجاه الطرف الآخر، وفي الطريق جرى التشكيك في مسؤولي الدولة بلا استثناء، وبينهم موظفون كبار بعضهم ينتمي للاسرة الحاكمة، حتى أصبح المواطن لا يثق بكل مؤسسات الدولة وقابلا لتصديق كل ما يصدر ضدها، حتى إن كان ضمن ‘تغريدات’ لا يعرف من يقوم بإرسالها في وسائل التواصل الاجتماعي.
حجم الثروة سواء على بند الاستثمارات الخارجية أو على بند الاحتياطي العام واحتياطي الأجيال القادمة، يقال انها تصل إلى خمسمئة مليار دولار، اجتذب الجميع إلى اللعبة حتى ما يسمى في السياسة ‘العوام’ و’الدهماء’، وأصبح لكل طرف من أطراف الصراع صحف وقنوات تلفزيونية ومغردون في مواقع التواصل الاجتماعي مثل، الفيسبوك والتويتر، وأصبحت تتردد في المنتديات روايات عن ملايين الدنانير تصرف في معارك بين الطرفين، تستخدم فيها كل أدوات الصراع. نواب في مجلس الأمة ووزراء وجماعات سياسية ورموز سياسية روجوا الروايات تجاه بعضهم بعضا، وصلت إلى حد التشكيك في الولاءات وتبني مشاريع لترتيب انقلابات داخلية، وفي خضم هذه الأجواء أصيبت الدولة بشلل كامل على صعيد الخدمات المفترض تقديمها للمواطنين، وأصبح العمل اليومي لمن هم في القمة إدارة الصراع ومحاولة التخفيف من آثاره، وليس البحث عن حلول للمشاكل العالقة، مثل مشكلة الإسكان والتوظيف والخدمات الصحية والتعليمية.
الأجهزة الأمنية بدءا من تأسيسها في بداية الستينيات من القرن الماضي كان لها دور محوري في المشهد السياسي، يتمثل جزء منه في صناعة ‘نواب’ المستقبل ورموز السياسة، لكن تلك العملية محدودة في بعض الشرائح الاجتماعية المرتبطة تاريخيا بالاسرة الحاكمة، بحكم أن مثل تلك التدخلات سلاح ذو حدين ويمكن أن يكون لها آثارها المستقبلية إذا ما خرجت عن السيطرة، لكن في الآونة الأخيرة، خاصة خلال السنوات العشر الماضية كان هناك ‘تمرد’ في تلك الأجهزة من خلال العمل على صناعة ‘شخوص’ في المشهد السياسي، بدلا من أن يكونوا في خدمة النظام، كما كان يحدث في العقود الماضية، اصبحوا يصنعون من أجل استخدامهم في لعبة التنافس على المناصب المتقدمة في سلم الحكم، وبالتالي تحويلهم إلى أدوات في ذلك الصراع على حساب المهمة التقليدية لتلك الأجهزة.
إدخال أطراف جديدة على اللعبة السياسية بترتيب من الأجهزة الأمنية، وبعضها ينتمي إلى شرائح اجتماعية لم تهضم حتى الآن فكرة الدولة بهدف تحقيق مكاسب، أدى إلى تدمير المشروع الديمقراطي برمته، وهذا لا يعني أن السلطة لم تكن تفعل ذلك في كل المراحل الماضية، لكنها كانت تستخدمه من دون أن تمس المظهر الخارجي له حتى لا ينعكس ذلك على قناعة المواطن البسيط بعدم جدواه وبالتالي الانفضاض عنه باعتباره جزءا من أدوات السلطة، وهو أمر يفتح على كل الاحتمالات في تحليلها للأجواء السياسية بشكل عام، وقد اضطر أمير الكويت في مرحلة من المراحل إلى التدخل بشكل مباشر من أجل ‘ترميم’ تلك الفكرة حتى لا تتطور الأمور في اتجاهات قد تطيح بكل ذلك الأرث من لتكتيك السياسي المنظم.
الصراع السياسي بين أطراف الأسرة الحاكمة أخرج المشهد السياسي من معادلاته التقليدية ومن تقسيمته التاريخية حتى على صعيد النـــواب في البرلمان ( حكومي – وطني) وخلق معادلات جديدة تتندر بها النخبة في البلاد (اسطبل مزرعة قصر)، وهي ثلاثية تتصدر المشهد السياسي الحالي، وكل شخوص المشهد يحسبون بشكل أو بآخر على المعادلات الجديدة، وهي من دون شك تؤسس لمرحلة جديدة من الصراع بين أطراف الأسرة الحاكمة، خاصة على منصب ولي العهد للمرحلة المقبلة الذي يتنافس عليه أكثر من شخص من أبناء تلك الأسرة، لكن من دون أن ينتبه البعض الى أن المعادلات الجديدة سيكون لها أثر سيئ على المراحل المقبلة.


* كاتب كويتي

ملاحظة:
نشر المقال هنا.


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..