موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

السبت، 5 نوفمبر 2011

ظاهرة الشر ونتائجها

مازجاً بين الفلسفة واللاهوت، ومستنداً إليهما في تحليله لظواهر المجتمع، يعرض القس الفاضل لوسيان جميل لظاهرة الشر في المجتمع ونتائجها، مُسقطاً ذلك على مايجري في وطننا العربي، عامة، وعراقنا المحتل المبتلى، بشكل خاص.

وبالطبع فإن الفاضل لوسيان جميل لا ينسى في ختام مقالته، التي بعثها لي على البريد الإلكتروني، تقديم تهانيه الى القراء الكرام بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، مقدماً لهم أمنياته الطيبة راجياً لوطننا الحرية والخير.



ظاهرة الشر ونتائجها
القس لوسيان جميل *

قرائي الأعزاء
منذ ان اعلن السيد بوش في بداية التسعينيات من القرن الماضي عما اسماه بالنظام العالمي الجديد، فهمَ العالم ان هذا النظام، لن يكون نظاما جديدا ولا عالميا، لا بل لن يكون نظاما اصلا، مع هيمنة الأمريكان، والغرب الانتهازي والعدواني على العالم. فهؤلاء الطغاة لم يعودوا، كما يبدو، يكترثون بقانون ولا بشريعة، سواء كانت شريعة دينية ام شريعة انسانية اخلاقية، كما لم يعودوا يبالون بحقوق الانسان ودمائه.
لذلك يمكننا ان نتساءل بجدية، من منطلق ان الشجرة تعرف من ثمارها ونقول:ترى هل يمكن ان يخرج من امريكا الطاغية وأعوانها الأطلسيين شيء صالح، وهل يمكن لأية جماعة سياسية من سياسيي ضعفاء العالم، ان تقوم بثورة اعتمادا على الدعم الأمريكي او الأطلسي، وتكون ثورتها ثورة صالحة وشرعية ومباركة؟  
ظاهرة الخير والشر:
في الحقيقة ان ما وصل اليه الانسان من شر عميق، ما كان يمكن ان يأتي، لولا وجود ظاهرة الشر في طبيعة الانسان نفسها. غير اننا لا يمكننا ان نتكلم عن الشر، من دون ان نتكلم عن الخير اولا، لأن الشر لا يملك كينونة خاصة به، ولا يمكن ان يوجد الا في كائن آخر، باعتباره نقصا في هذا الكائن الذي هو الانسان، الأمر الذي يقودنا الى القول بأن الخير والشر قطبان في منظومة اخلاقية انسانية واحدة، كلمـا زاد الخير في حياة انسان، او في حياة مجتمع، كلما نقص الشر في تلك الحياة، والعكس صحيح طبعا.
مصدر الشر:
فيما يلي من الصفحات، وقبل ان ننتقل الى بيت القصيد من مقالنا، سوف نتكلم عن حقيقة الشر وعن مصدره وأسباب وجوده، غير اننا الآن نتكلم عن الشر قليلا من وجهات نظر أخرى، هي وجهات نظر ما قبل العلم، كالفلسفات ولغة الأديان اللاهوتية القديمة، وآداب الشعوب البدائية.
فإذا ما عدنا الى تاريخ بعض الشعوب، ومنها الشعوب الفارسية القديمة، سوف نلاحظ رواج فلسفة او لاهوت فلسفي يقول بثنائية الله، حيث كانت هذه الشعوب تؤمن بالهين هما اله الخير واله الشر.
فقد كان الزرادوشتيون يرون ان لكل من الخير والشر كينونته الخاصة به، لذلك افترضوا فكريا ( فلسفيا ) وجود الهين متصارعين: اله خالق للخير واله خالق للشر، فيطلبون من اتباعهم ان يكونوا دائما مع الخير في صراعه ضد الشر. 
أما الأديان الأخرى التي ترى ان الشر هو نقيض الخير حسب، وأن الخير وحده هو الذي يتمتع بالكينونة، فهي ترفض فكرة وجود الهين، لكنهم غالبا ما يعزون دخول الشر الى العالم من الخارج: من الشيطان او من الخطيئة الأصلية التي جاءت عن طريق غواية الشيطان ايضا، في حين يصل اللاهوت المسيحي والإسلامي الى فكرة انضج كثيرا ويقولان بأن الشر يأتي من ضعف الانسان وقابليته للسقوط، اي ان الشر يعود الى نفس الانسان الأمارة بالسوء، اي النفس المائلة، بسبب ضعفها، للسوء وللشر، في حين يؤمن الطرفان، المسيحي والإسلامي، بأن الله خلق الانسان بحالة البرارة، او حالة النعمة، هذه الحالة التي يعبر عنها الكتاب المقدس بأن الله خلق كل شيء حسنا، ويعبر عنها الاسلام استنادا الى آية كريمة بعبارة خلق الله الانسان بأحسن تقويم.
التفسير العلمي للخطيئة والشر:
اما من جانبنـا، ومواكبة للمنهجيات العلمية التي دخلت في كل مجال من مجالات الحياة، ورغبة منا في الكلام مع الانسان المعاصر باللغة العلمية التي لا يفهم غيرها احيانا كثيرة، فإننا لن نستخدم الكلام الديني للكلام عن موضوع الخير والشر، كما لا نستخدم الفلسفات للغرض نفسه، لأن الفلسفات، هي الأخرى لا تقنع كل الناس، مفضلين توظيف علوم الانسان في هذا المجال، ولاسيما الأنثروبولوجيا، التي يمكن ان نقول عنها انها علم الثوابت في الانسان، هذه الثوابت التي تجعل من الانسان ان يكون انسانا، بالحق والحقيقة، في حين تعمل الصفات غير الثابتة في الانسان، على التعددية والتنوع، دون ان ننسى التذكير بأن الثوابت نفسها تتحمل كثيرا من التفاوت من حيث قوتها وضعفها، ومن حيث عمقها وسطحيتها في حياته، ولكن دون ان ننسى ايضا بأن الثوابت في حياة الانسان هي العامل المشترك بين البشر.  
كما نؤكد من الآن بأن ما سوف نقوله من خلال دراستنا الأنثروبولوجية للخير والشر، لن يتعارض مع اي دين، طالما ان الأديان نفسها تأخذ بعين الاعتبار ثوابت الانسان، على الرغم من انها تتكلم عنها، بطريقتها الحضارية الخاصة.
وهكذا يأتي العلـم ليطمئن قلب الانسان الى ما يؤمن به، من خلال كتبه المقدسة، كما يقول القرآن الكريم.
العلم وحقيقة الخير والشر:
عندما يتكلم اللاهوتيون عن الخير والشر بطريقة فلسفية تعود خاصة الى الفيلسوف ارسطو، يقولون عن الخير انه الوجود نفسه، لكنهم لا يعترفون للشر بوجود، اي بكينونة، خوفا من ان يضطروا الى الاعتراف بوجود الهين: اله الخير واله الشر. وقد تفتقت ذهنية اللاهوتيين القدماء عن التكلم عن الشر كنقص في الوجود نفسه حسب، مثلما يكون الظلام هو عدم وجود الضوء.
ولكن بما أننا قلنا اننا لا نتناول موضوع الخير والشر من وجهة نظر دينية او فلسفية، بل نتكلم عنهما كلاما انثروبولوجيا، فإننا سوف ننتقل من الوجود العام الى الوجود الانساني، بمعنى اننا ننتقل من الانطولوجيا ( الكينونة ) الى الأنثروبولوجيا، حيث يصير الانسان، وليس غيره، مقياسا للخير والشر وكل الفعاليات الانسانية الأخرى، وحيث يتم تمييز الخير من الشر، من قبل الانسان، عن طريق الضمير الذي يفترض فيه انه يميز بين ما يلبي حاجات الانسان الانسانية العميقة ويحترمها، وبين ما يحول دون حصول الانسان على تلك الحاجات الأنثروبولوجية الانسانية العميقة، سواء كانت حاجات جسدية مادية ام كانت حاجات انسانية روحية، لا يمكن للإنسان ان يحرم منها، ويبقى انسانا سعيدا.
وبما ان الخير والشر مسألتان تخصان الانسان، نفهم من ذلك ان الحكَم الأول والأخير هو الانسان وما يشعر به، الأمر الذي لا يعني ان يأتي هذا الحكم من الفرد فقط دون مبالاة بالمجتمع.
كما ان تعلق الخير والشر بالإنسان يعني ان كثيرا من احكام الانسان في موضوع الخير والشر لا يمكن ان تكون سوى احكام نسبية، تبعا لحالة ضمير الانسان، في وقت الحكم. فصحيح ان امتلاك الحاجات الانسانية الأنثروبولوجية العميقة يجعل الانسان يشعر انه امام خير، وأن حرمانه من هذه الحاجات يجعله يشعر انه امام شر، وأنه امام حالة من الظلم والاستلاب، لكن هذه الحالة لن تتحقق في كل الظروف وفي كل الأمكنة والأزمنة، ومع كل الناس، نظرا لاختلاف الناس عن بعضهم، حتى في المشاعر الانسانية العميقة، من حيث قوتها وعمقها. فها نحن نجد مثلا امرأة لاتستطيع ان تتحمل وجود ضرة لها، مهما كلفها الأمر، فتترك البيت الزوجي بمرارة وغضب، عندما تكتشف ان زوجها قد تزوج عليها، في حين نجد امرأة أخرى تتحمل ضرتها بشكل يذهل اي باحث اجتماعي.
حصر اهداف المقال:
على الرغم من اني تماديت في الأمور النظرية، ارضاء لحاجات بعض قرائنا الأعزاء في التحليل والعلمية، الا اني بالحقيقة كان في بالي منذ البداية ان اتكلم عن بعض الشرور المحددة الموجودة في حياة الانسان في كل العهود والتي برزت خاصة في ايامنا منذ اوائل التسعينيات من القرن الماضي. نذكر من هذه الشرور البراغماتية والميكيافلية والظلم وعدم احترام حقوق الانسان وكرامته، اعتمادا على شريعة الغاب وما يسمى بالقوة المطلقة.
فلقد اصبح الانسان، في ايامنا، سلعة تباع وتشترى، بعد ان تم استعباده بأشكال كثيرة ومختلفة، وصار كل ما لديه، بما في ذلك ماله وعرضه وإنسانيته ودمه، ملكا مباحا لأقوياء العالم، ولا من معين.
وهكذا اصبح بإمكاننا اليوم ان نتكلم عن الاستعمار الجديد وعن صيغ جديدة للظلم، ونظم جديدة ومبتكرة للاستلاب.  
العلة في الضمير:
فماذا حدث للإنسان المعاصر حتى يصل الى هذه الدرجة من التدهور الأخلاقي، يا ترى، وماذا حل بضميره حتى يوصله الى هذا الدرك، الذي فيه اصبح الانسان يكاد لا يميز بين الخير والشر، وبين ما هو مقبول وما هو عدوان سافر على الآخرين؟ نقول فتش عن الضمير، الضمير الفردي والجمعي، لأن الضمير هو منظومة الفرد والمجتمع المسؤولة عن التمييز بين الخير والشر، في كافة مجالات الحياة وتعقيداتها، من خلال تحسس الانسان بما ينفع وما يضر، واستنادا الى مساعدات كثيرة، ومنها مساعدة الايمان الديني طبعا، فضلا عن العوامل الثلاثة المسؤولة عن قوة الضمير وضعفه وهي: عامل الوراثة وعامل التربية الاجتماعية (البيئة) وعامل المجهود الشخصي، مع تأكيدنا على وجود ما يماثل هذه العوامل فيما يمكن ان نسميه الضمير الجمعي، اي ضمير المجتمع وضمير الشعب، وما يناله ويصيبه من تأثير.
اشكالات وأمراض الضمير:
اما الضمير الذي نتكلم عنه الآن، فهو عين الضمير الذي يتكلم الناس وعلماء النفس، مع فارق يقول ان الضمير هو منظومة كبيرة تجمع بشكل عجيب بنى ومتحسسات اصغر تعود الى تخصصات ثانوية لا حصر لها، وتكون في مجموعها بنية الضمير الأكبر.
وعليه إذا قلنا ان العلة هي في الضمير، فهذا يعني ان هناك امكانية، تضليل هذا الضمير وتخريبه، ربما ليس بالكامل، ولكن في بعد واحد منه ( بنية ) او اكثر من بعد حسب الحالة.
وفي الحقيقة نحن نجد أن اسبابا كثيرة، طبيعية ومصطنعة، تساهم في تخريب الضمير الانساني، الفردي منه والجمعي، كما يحدث في حالات السياسات العدوانية والحالات التي يعتمد فيها اقوياء العالم على تضليل الآخرين وشيطنتهم، والحالات التي يقع فيها الضعفاء ضحية التيئيس والحياة الصعبة التي يخلقها المعتدون للشعوب، والرشاوى والوعود التي تعطى لهذا او لذاك من الناس، او لهذه او تلك من الجماعات السياسية والقومية والدينية والطائفية، كمـا يحدث ذلك لدول كثيرة من الدول العربية، وفي مقدمتها العراق، كما هو معروف.
وعليه فعلينا ان لا نستغرب عندما نشهد ما يقرب من الموت الكامل لضمائر كثير من الجماعات السياسية والاجتماعية، من كل القوميات ومن كل الملل والأديان والطوائف، دون ان نستثني كثيرا من رجال الدين، من كل الأديان، والذين يفترض فيهم انهم يمثلون الضمير الحي النير المستقيم للجماعات التي ينتمون اليها.
الشرور الناتجة عن خلل الضمير:
اما الشرور الناتجة عن خلل الضمير فكثيرة ولا تحصى، وهي شرور من كل نوع من انواع الرذائل المعروفة بين البشر: افرادا ومجتمعات. غير اننا هنا نركز بصورة خاصة على الظلم، بكل انواعه وأبعاده، ولاسيما ظلم الدول القوية، امريكا ودول الناتو خاصة، والذين يستمدون قوتهم الشريرة من دول العدوان هذه، حيث صارت هذه الدول كالذئاب المسعورة والجائعة، ولم تعد تجد للحوار طريقا، غير طريق المؤامرات والقوة الغاشمة وطريق التهديد وإملاء الارادة على الآخرين، حتى بات عالمنا وكأنه عالم مقسم الى قسمين او طبقتين هما طبقة الأسياد وطبقة العبيد، مما يشكل استلاباAliénation   حقيقيا لعالم الضعفاء وضياعا لكرامتهم الانسانية، كون تصرف اقوياء العالم هذا بالضد من طبيعة البشر الانسانية. علما بأننا وجدنا هذه الشرور المذكورة خاصة في الدول العربية المعتدى عليها: مثل العراق وليبيا وسوريا واليمن.  
آخر المطاف:
غير اني سأركز في آخر هذا المطاف على احد هذه الشرور الخاصة بموت الضمير والتي تشمل اقوياء العالم، كما ضعفاءهم، وتشمل خاصة الأحزاب التي تقود حراكا في عالمنا العربي اطلقت عليه تسمية الثورة، ومن ثم اطلق على هذا الحراك المشبوه تسمية الربيع العربي! ! اما هذا الشر فلا يكمن فقط في اعتداء بعض فئات المجتمع على فئات اخرى غير مكترثة بشريعة وبقانون دولي وبأخلاق، ومبررة ميكيافليتها، بذرائع ما انزل الله بها من سلطان، لكنني هنا اكشف عن خلل آخر، نجده بقدر او بآخر، عند الشعب المسكين الذي لا يعرف يمينه من شماله، كما نجده عند الكتاب والمنظرين المؤدلجين الذيـن صار البعض منهم، مع الثورات المزعومة، بدون تساؤلات كثيرة، ونجده بصورة خاصة عند الكتاب والمفكرين والمنظرين، وعند كثير من رجال الدين، من كل الأديان، الذين يبدو ان خللا قد اصاب مركز الحكم على الخير والشر عندهم، فصار حكمهم بطيئا لا يصل الى اسماع من يحتاجونه الا بعد خراب البصرة، كما يقال.
فمثل هؤلاء الناس الذين ينتظرون ان تصل النار اليهم حتى يستطيعوا ان يحكموا على حالةٍ الحكم الصحيح المناسب نقول عنهم انهم لا يملكون بصيرة ثاقبة، ولا يعرفون قراءة علامات الأزمنة والأحداث، وأن ضميرهم مخدر ولا يصحو الا بعد ان يفعل الفعل الشرير فعله المدمر في المجتمع.
اما رجال الدين المسيحيين، وبعض من احزاب المسيحيين الكارتونية القريبة من رجال الدين هؤلاء، من الذين تفاقمت عندهم صفة التأخر في الحكم الصحيح، ولاسيما في الأوقات العصيبة التي تعيشها الجماعات المسيحية في العراق، فنقول عنهم، نحن المسيحيين، انهم ينقصهم حضور الروح القدس في حياتهم، اي ينقصهم الايمان بالروح والإخلاص لمطالبه. ولهذا نقول لهم بان " كل الخطايا يمكـن ان تغفر لهم ما عدا الخطيئة ضد الروح القدس ".   
في نهاية هذا المقال، لم يبق لي سوى ان اتقدم بأحر التهاني وأعطر الأمنيات لقرائنا وكتابنا الأعزاء، بمناسبة عيد الأضحى المبارك، اعاده الله علينا وعلى الجميع، بالخير واليمن والبركة وبنعمة التحرير الشامل من دنس المحتلين وأعوانهم.
وتقبل الله من كل منا اضحيته وسخاءه المادي والروحي، في سبيل حرية الجميع.
*     تلكيف – محافظة نينوى – العراق
4-11- 2011

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..