موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الجمعة، 22 مارس 2013

رسالة إلى السيد صبحي غندور حول "دروس من التجربة العراقية"


حكمت نديم
تحية طيبة، بعد ..
أطلعت على مقالكم الذي نشرتموه تحت العنوان أعلاه، ووجدت فيه ما أدهشني حقاً، حتى خيل إلي أن بعض الأفكار التي وردت فيه ومفرداتها تكاد أن تتطابق تماماً مع السياسة أو المنطق السياسي الإيراني  في رد الأحداث إلى غير وجهتها الحقيقية وبطريقة إسقاط الحالة على وضع آخر مغاير كما هو إسقاط الذنب الذي برع فيه الإيرانيون دائماً.
وعلى هذا الأساس عزمت على الرد أو إعادة الحالة المأخوذة بالنص إلى حقيقتها الموضوعية التي غيبها مقالكم الذي يحمل نصف حقيقة، وللأسف الشديد:
-
في هذا الشأن، نجد أن التاريخ يصعب اجتزائه، فهو مترابط والأحداث غير مقطوعة الجذور عن الماضي ولها تداعياتها على منظور المستقبل .. إن أمريكا لم تبدأ غزوها للعراق في عام 2003 إنما كان قرار أمريكا سبق هذا العام وامتد إلى ما قبل ثلاثة عشر عاماً من الحصار الشامل، مارست أمريكا خلالها أفعال الحصار والعقوبات وفرض حظر الطيران وسياسة التجويع باستخدام مختلف وسائل إيذاء الشعب العراقي كله (سنة وشيعة، مسلمين ومسيحيين، عرباً وأكراداً و تركماناً ومذاهب أخرى)، وخاصة (المشاعل الحرارية) التي فتكت بحقول القمح والشعير والمزارع، ونشرت الأوبئة الحيوانية والزراعية منها (العنكبوت الأحمر) ليقتل بساتين النخيل، كما نشرت (القوارض) التي فتكت بالمحاصيل الزراعية، وكذلك (الذبابة القاتلة) التي فتكت بالثروة الحيوانية، فضلاً عن منعها الدواء والغذاء عن خمسة وعشرين مليون مواطن عراقي .

هذه الأساليب والأفعال كلها كانت أمريكا تستخدمها ضد الشعب العراقي وتدعي إنها جاءت لتحريره من ديكتاتورية بنت العراق بناءً حضارياً للجميع بدون تمييز، وحاربت الجواسيس والعملاء، وحين حلت فرصة الحادي عشر من سبتمبر- أيلول 2001 أعلنت أمريكا حربها الإرهابية على العالم وقسمته (معي أو ضدي)، فضربت أفغانستان واحتلته وضربت العراق واحتلته ودمرت كيانه وفككته.. إن السلوك الأمريكي هذا لم يكن مفاجئاً .. بمعنى إن فكرة الاحتلال قد رسمت وخطط لها قبل أكثر من عقد من الزمن وليس بعده كما يتوهم البعض، وإن النزعة العسكرية الأمريكية لم تتغير في وقت الحصار والعقوبات وحظر الطيران وقصف المواقع الحيوية والمدنية على حد سواء.
لقد اعترف المسئولون الأمريكيون، السياسيون والعسكريون بأن ذرائع غزو العراق واحتلاله وتدميره كانت وهمية وملفقة إستخبارياً .. وهذه الاعترافات ترتب حقوقاً قانونية تضع أمريكا في دائرة الإدانة والمسئولية الأولى عن ما حدث ويحدث في العراق .. ألم يدفع العراق تعويضات عن دخوله الكويت، فعلى أمريكا أن تدفع تعويضات عن ما لحق بالعراق وشعبه من دمار منذ تنفيذ قرارات الحصار الأممية عام 1991 حتى الوقت الحاضر، بدلالة وقرائن مادية ووثائق ومستندات موثقة لا تقبل الجدال .
التدخل الإقليمي في العراق لم يكن مفاجئاً جاء نتيجة تحليل أكاديمي يقول بمبدأ (ملء الفراغ) أو فراغ الأمن، الذي يدفع القوى الإقليمية إلى المنافسة من أجل ملئه، إنما التدخل الإقليمي، وخاصة الإيراني، هو محصلة اتفاقات حصلت بين إيران وأمريكا في واشنطن، تمت على أساس الصفقة التي وقع عليها (عبد العزيز الحكيم) رئيس ما يسمى المجلس الإسلامي الأعلى- وهو بالمناسبة تشكيل من التبعية الإيرانية/ المسفرين- مع بوش الابن في أعقاب مؤتمر لندن سيئ الصيت، حين شكل أعضاء المؤتمر لجان هرعت إلى واشنطن وتوزعت على البنتاغون والكونغرس ووزارة الخارجية ووزارة الخزانة والمخابرات المركزية الأمريكية، لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في المؤتمر موضوع البحث .. كما أن احتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني تم بناء على قرار صهيوني- بريطاني قبل أكثر من عقدين من السنين حين جابه العراق تهديدات (إسرائيل) للدول العربية بحزمة من الصواريخ التي أسقطت نظرية الأمن الإسرائيلي في عمقه الإستراتيجي .. من هذا اليوم كان قرار الحرب على العراق جاهزاً، تساوق مع الرغبة البريطانية في شن الحرب نتيجة الصفعة الكبرى التي تلقتها لندن حين أمم العراق ثروته النفطية لكي يؤسس قراره الاقتصادي المستقل، الأمر الذي وضع عواصم صنع القرار في واشنطن ولندن وتل أبيب وطهران وغيرها أمام قرار موحد هو، ليس إنهاء حكم العراق الوطني فحسب، إنما تدمير الدولة وتفكيكها .!!
أما مسألة توصيف الأمر بـ( أن التدخل الأمريكي قد خلع كل أبواب العراق الأمنية أمام جماعات التطرف المعروفة باسم (القاعدة) للتدخل الإقليمي المجاور- وتحاشي ذكر إيران ـ الذي يشتكي منه الآن البعض، ويتساءل، أليس هذه السياسة نفسها هي التي دفعت بأوضاع المنطقة كلها إلى التأزم وإلى مخاطر الحروب الأهلية ).؟!
هذا الكلام يقلب الحقائق ويأخذ بعضها من المنتصف لاسباب معروفة لدينا، كما أن تصوير خلع الأبواب الأمنية، ودخول الجماعات المتطرفة مهد للتدخل الإيراني، يعطي الانطباع بأن إيران لا علاقة لها بالمحتلين الأمريكيين والبريطانيين وغيرهم، فهم كانوا ينتظرون خلع الأبواب ليتسللوا إلى العراق لملء فراغ الأمن أو القوة .. وهذه مغالطة كبيرة وفاضحة، لأن إيران ضالعة مع المحتلين :
  1. حيث مولت أمريكا مؤتمر لندن في نهاية عام 2002، وإن المشاركين فيه تلقوا أموالاً أمريكية، وكان الاتفاق هو أن يكون لفيلق بدر التابع للمجلس الأعلى الإسلامي – آل الحكيم دوره في الحرب على العراق، وإن فكرة المؤتمر والمشاركة فيه كانت مصممة أمريكياً .
  2. اعتراف " أبطحي" المسئول الإيراني المعروف ( لولا مساعدة إيران لما استطاعت أمريكا احتلال العراق)، والمساعدة هذه لم تحكمها الصدفة إنما جاءت نتيجة اتصالات أمريكية إيرانية في ألمانيا و واشنطن قبل مؤتمر لندن مع كل من ( مارتن إندك و خليلزاده و كردشمان )، وأثناء المؤتمر وبعد انتهائه وتوزع أعضائه على مؤسسات صنع القرار الأمريكي.
  3. اعتراف محمود احمدي نجاد ولومه للأمريكان وتأففه من ضغوطهم على الرغم من تعاون بلاده معهم على احتلال العراق وأفغانستان .. ألم تكن هذه الوقائع وغيرها الكثير، تثبت التواطؤ الإيراني مع المحتلين الأمريكيين قبل احتلال العراق وبعده وحتى الوقت الحاضر، وليس أن الإيرانيين قد وجدوا الفرصة لبسط نفوذهم في العراق بطريقة (ملء الفراغ) ، كما يروج لذلك، لكي يعطوا الانطباع الآخر بأن إيران على صراع مع أمريكا، حتى تستمر اللعبة لعمل إستراتيجي مشترك واسع النطاق.

-  أما التوصيف الذي جيء به من (أن النظام الوطني في العراق يتحمل مسؤولية إحضار القوات الأجنبية إلى المنطقة) فهو توصيف يعد تجنياً على الحقيقة للأسباب الآتية :
أولاً- الأجنبي موجود في قواعده ومعسكراته على الأراضي العربية منذ زمن، وهناك تفصيلات دقيقة عن كثافته وسلاحه ورجاله، ولا حاجة للتفاصيل .
ثانياً- خلال الحرب الإيرانية العراقية، حين كان العراق قد توغل في عمق الخليج العربي ليضرب بطائراته الحربية موانئ ومنصات تصدير النفط الإيراني ومنها جزيرة ( خرج ) الإيرانية، أعلنت الكويت أنها ستصدر نفطها في بواخر ترفع العلم الأمريكي والبريطاني ، فيما كانت شروط هذه العملية أن تكون هناك حماية أمريكية لهذه البواخر، ويتبين من ذلك أن إشعال إيران نيران الحرب على العراق هو الذي مهد لاتساع كثافة القوات الأجنبية في الخليج .
ثالثاً- إن النظام الوطني في العراق هو أول من دعا إلى إخلاء المنطقة، ومنها منطقة الخليج العربي على وجه التحديد، من الأساطيل الأجنبية المرابطة في الأراضي والمياه الإقليمية العربية، فضلاً عن القواعد العسكرية المنتشرة في معظم أراضي الدول العربية.
رابعاً- كان العراق قد دعا في إعلانه القومي إلى إخلاء المنطقة من الوجود العسكري الأجنبي.
هذه المواقف التي سجلها التاريخ هل تنطلي افتراءات البعض على أن العراق هو الذي أحضر الأجنبي إلى المنطقة ؟، فيما تتحمل الطغم العميلة في الكويت ومصر وإيران مسئولية استدعاء القوى الأجنبية للتدخل، فالعراق وافق على الانسحاب منذ الأسبوع الأول في حينه، وبدلاً من معالجة الحالة العربية داخل البيت العربي، تم فتح الأبواب لتدفق القوات الأجنبية إلى المنطقة.
لم تكن مأساة العراق الراهنة مزيجاً مركباً، كما يقال من خطايا الماضي والحاضر، لأن في هذا الكلام مغالطة واضحة، فالمأساة الحقيقية بدأت ولم تنتهي بعد منذ عام 2003 ، الأمر الذي يطرح سؤالاً مهماً ومحدداً ، ماذا جرى وماذا يجري الآن بعد عشر سنوات من الاحتلال؟!
الكل يعرف النتائج، والشعب في العراق يعلم ببواطن الأمور، والشعب العربي يعلم من كان يدافع عن حقوق الأمة، والكل يعلم أن أمريكا وبتوافق إستراتيجي قدمت العراق لإيران على طبق من ذهب.
أما المقولة التي تطبل لها إيران من (أن إنهاء الاحتلال الأمريكي للعراق لم يكن موضع نقاش أو خلاف بين العراقيين .. وإن بعض العراقيين رفضوا الاحتلال وقاوموه، لكن بهدف العودة إلى الماضي الذي كان سائداً قبل الاحتلال )!!
أين هي المغالطة في هذا النص ؟ :
أولاً- ليس هنالك شعب في العالم يتعرض للاحتلال ولا يقاوم، وهذه مسألة محسومة كقاعدة عامة.. ما حصل في العراق البعض لم يقاتل ونفذ فتوى مرجعية بعدم القتال ، وقد تسلم "علي السيستاني مبلغ (200) مليون دولار من رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي حسب اعترافه بالصوت والصورة، لأن إيران متواطئه مع المحتل الأمريكي في إطار صفقة الدعم والإسناد الأمريكي في عدوانه على العراق، وهذا ما قاله (أبطحي) صراحة، وكذلك محمود أحمدي نجاد نفسه وعدد من المسئولين الإيرانيين تفاخراً ولوماً.
ثانياً- القوى التي قاومت وناهضت الاحتلال، هي القوى الوطنية والقومية والإسلامية وكل الشخصيات الوطنية، والتي ما تزال تقاوم بمختلف الوسائل، أما القوى التي ساندت الاحتلال منذ عام 2003 ولحد الآن، فهي القوى العميلة وعناصر الجاسوسية، التي توزعت بين أمريكا وتابعوها الغربيات وبين إيران وأجهزة صهيونية من مصلحتها إبطال مفعول "خط الفناء الخلفي المعادي للكيان الصهيوني" وهو العراق .. ومن ذلك يتبين أن فرزاً موضوعياً بات واضحاً بين قوى الشعب التي تريد أن تحرر العراق وتبنيه بناءً وطنياً، وبين القوى التي تدعم الاحتلال وتسعى إلى المزيد من التدمير والقتل والنهب وإبقاء العراق ضعيفاً ومنهكاً وفناءاً أمامياً للنظام الصفوي في طهران.. وأمام حالة الشعب العراقي الراهنة لا تستقيم الأمور إلا لصالح الشعب مهما طال الزمن وكثرت التضحيات.
ثالثاً- لا احد من المقاومين الوطنيين والمناهضين والمنتفضين يريد السلطة ويسعى إلى الحكم بما فيهم حزب البعث، كما يتصور البعض، إنما يريد التحرر الكامل والشامل، يريد العراق حراً وذو سيادة على أرضه ومياهه وسماءه، ومهاباً وقوياً لا يعتدي على أحد ولا يسمح بأن يعتدي عليه أحد، يحكمه أبناؤه الوطنيون .
رابعاً- النظام بعد التحرير يأتي بانتخاب حر تعددي لا يحتكره حزب أو فئة أو شخص أو عائلة أو عشيرة، ولا يتم توصيفه طائفياً ولا عرقياً.. الحكم لكل الشعب بكل مذاهبه ودياناته وقومياته يقوم على الأسس الوطنية والكفاءة والنزاهة، مكفول بديمقراطية شعبية ليس لأحد الوصاية عليه .. وهذا ما اتفقت عليه كل القوى الوطنية والقومية والإسلامية الوطنية، التي تتمسك بالثوابت الوطنية والقومية وحقوق الإنسان وكرامته، والبعث أحد هذه القوى الوطنية الرافضة للاحتلال والمناهضة له منذ انطلاق الرصاصة الأولى للمقاومة، وهو ليس من طلاب السلطة إنما هو من طلاب التحرير.!!
 مع خالص تحياتي وأسمى اعتباري..

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..