هيفاء زنكنة
منذ جلاء قوات الاحتلال العسكري الامريكي، نهاية شهر نوفمبر 2011، وساسة نظام حزب الدعوة، برئاسة نوري المالكي، يتحدثون عن نجاح ' نضالاتهم' في التخلص من الاحتلال . وهي مفردة لها وقع غريب على الأذن، لأن ساسة العملية السياسية، المباركين من قبل البيت الابيض الامريكي وبريطانيا، بعربهم وكردهم، سنتهم وشيعتهم، كانوا يصابون بجلطة دماغية اذا ما حدث وجادلهم احد بان دخول القوات الانكلو امريكية، بمساعدتهم، الى العراق وتفكيكه وتخريبه واستهداف عقوله، وبكل المقاييس القانونية والانسانية، لم يكن تحريرا بل غزوا واحتلالا.
وقد شهد عام 2012، تراجعا في خطابهم ' التحريري' لتتصدر وجوه قادة حزب الدعوة شاشات التلفزيون وضمن بعض البرامج الكاشفة لفضائح الفساد المالي والاداري والابتزاز السياسي، متحدثة عن الاحتلال. حيث لا ضرر، من ادعاء الصراحة، خاصة، وان الساسة يعلمون بان التصريحات وتبادل الاتهامات لن تمسهم بأذى ولن تكلفهم مناصبهم كما انهم لن يتعرضوا للمساءلة او العقوبة.
غير ان خطاب نضالات حزب الدعوة لتحرير العراق من الاحتلال، لم يدم طويلا. وعاد حزب الدعوة الى عادته القديمة في استدعاء النجدة والخلاص من العم الكريم امريكا مع فسح المجال للدعم الايراني واستخدام العراق كحلبة لاستعراض العضلات ما بين امريكا وايران. فرأينا حزب الدعوة وهو يقوم بشحن عدد من قياديه الى واشنطن، في الاسبوع الماضي ' لاعادة تفعيل معاهدة الاطار الاستراتيجي بين امريكا والعراق'. وقد ضم الوفد فالح الفياض، مستشار الأمن القومي، بالاضافة الى سامي العسكري وعزت الشابندر، وياسين مجيد.
ولعل من المفيد التذكير هنا، لفهم سبب زيارة وفد حزب الدعوة وتوقيتها، بتصريح سامي العسكري، القائل أخيرا: ' لنكن صريحين، لم يكن بامكاننا التخلص من النظام البائد لوحدنا.' أي كنا بحاجة ماسة الى امريكا وقد توسلنا مساعدتها. وهو فعل طالما انكره حزب الدعوة. فهل سيلجأ الحزب الى استدعاء قوات الاحتلال الامريكي لمساعدته من جديد ؟ وممن سيتم التخلص هذه المرة؟
المعروف ان نظام المالكي كان قد وقع معاهدة الاطار الاستراتيجي، عام 2008، لتكفل سيرورة 'التعاون' مع امريكا اثر انسحاب القوات العسكرية، مع العلم ان الانسحاب لم يكن كليا. اذ لايزال لادارة الاحتلال اكبر سفارة في العالم وما يزيد على 6000 موظف وعسكري ومرتزقة وقوات خاصة لمحاربة 'الارهاب' ... الخ. وان اللقاءات مستمرة بشكل دوري بين ساسة النظام و'المستشارين والمدربين' الامريكيين. فما هي قصة تفعيل المعاهدة ولم الحاجة الى التفعيل واللقاءات 'الاستشارية' جارية بانتظام على كافة الاصعدة ومنها الأمنية والعسكرية والسياسية؟
يشير توقيت زيارة الوفد الحزبي (لاحظوا انه ليس وفدا برلمانيا او حكوميا) بانها جاءت نتيجة تخوف النظام، بشكل عصابي، من مسار التظاهرات وآلية تطورها الذاتية وخاصة مع فضح اساليب التعذيب الهمجية التي تمارس في معتقلات النظام وخرقه لكافة اساسيات حقوق الانسان. وقد ادى تصاعد التظاهرات والاعتصامات السلمية المستمرة منذ 25 كانون الاول / ديسمبر 2012، في العديد من المحافظات، الى زيادة حملة النظام الطائفية ونعت المتظاهرين بالاتهامات يمينا ويسارا خاصة عندما ادرك ساسة النظام فشلهم الشنيع في احتواء التظاهرات. وكان لاطلاق النار على المتظاهرين وقتل عدد منهم وجرح الكثيرين في مدينتي الفلوجة والموصل أثرا عكسيا . وقد ساهمت التظاهرات في فضح ادعاءات ساسة النظام وزيفهم، مع بروز النضوج والحكمة وضبط النفس لدى الجموع المحتشدة، وان لم يصل الامر الى احداث تغيير جذري بعد في الوضع العام. وكان للتقارير الحقوقية الدولية الموثقة لخروقات النظام وجرائمه الانسانية تأثيرها أيضا، في وقت أعلنت فيه الادارة الامريكية بانها في غنى عن التركيزعلى العراق وحده، في خضم اهتمامها بما يجري في فلسطين وسوريا. فبدت الحاجة الى ارسال وفد يستجدي الاهتمام وباسرع وقت ممكن ضرورة ملحة.
في واشنطن، التقى الوفد عددا من مسؤولي البيت الابيض ووزارة الدفاع (البنتاغون) مقدما تقارير حزب الدعوة عما يجري في العراق، مصورا (استنادا الى الاكاذيب التي نسمعها من الحزب عادة) بان البلاد باحسن حال وان الديمقراطية بخير لولا وجود 'حفنة' من المتظاهرين من 'الارهابيين ذوي الاجندة الخارجية وبمساعدة القاعدة وبقية انواع الارهابيين'. وقد خرج اعضاء الوفد من الاجتماعات وهم يرتدون اقنعة الرضا عن الحال. واكدت التصريحات الرسمية للوفد الحزبي اطمئنان حزب الدعوة الى دعم امريكا لنظامهم مستبشرين خيرا ومتفائلين بعد لقائهم مع نائب الرئيس الامريكي جو بايدن، من تأييد واشنطن 'للخطوات التي تتخذها حكومة المالكي في إدارة البلد، وحرصها على دعم العراق'، حسب تصريح العسكري. وأعرب بايدن عن التزام الولايات المتحدة 'العميق والدائم' بالشراكة بين الولايات المتحدة والعراق ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي المبرمة بينهما.
ويرى نظام حزب الدعوة، في هذه الاتفاقية ضمانا لبقائه في السلطة وتمرير العملية السياسية بالاضافة الى ابقاء العراق الحديقة الخلفية للتجاذبات الايرانية الامريكية. ولتبييض وجه النظام في واشنطن، شرع النظام بتوقيع اتفاقية مع مؤسسة بوديستا الامريكية المعروفة بتحسين صورة الانظمة الجائرة، للعمل على تحسين صورة المالكي ونظامه لدى الحزب الديمقراطي الامريكي والادارة الامريكية بعد ان ساد العلاقات بعض الفتور في الآونة الاخيرة. وفي تحليل لطبيعة عمل شركة بوديستا ومديرها توني بوديستا وسبب اختيارها من قبل نوري المالكي ومخاوف نظام المالكي من تركه خارج رضا الادارة الامريكية، ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية في تحقيق مهم لها بتاريخ 13 شباط / فبراير: 'ولكن لاداعي لقلق حكومة المالكي: فمع كمية المال التي تجرفها لشركة بوديستا، فأن الأبواب التي ستفتح امامها في دوائر السلطة الديمقراطية ستعمل، بلا شك، على تهدئة معظم مخاوفها... تهانينا القلبية لتوني بوديستا ونوري المالكي، وكل من سيهطل عليه هذا السخاء الوفير، في واشنطن، نتيجة هذا الزواج السعيد'.
ولاشك ان زيارة الوفد الحزبي الى مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية بواشنطن كان واحدا من ثمرات الزواج السعيد وخاصة حين تحدث مستشار الأمن القومي فالح الفياض الذي رأس الوفد، بعاطفة عن 'ان العراق دخل النادي الديمقراطي بمساعدة الولايات المتحدة'، مشيرا إلى 'تفهم الجانب الامريكي بأن الجنود الامريكيين الذين لقوا مصرعهم في العراق، إنما قضوا في سبيل حرية العراق وبناء الدولة' وبعد التخلص 'من الانظمة الشمولية التي خاضت حروبا استباقية في المنطقة' ودفع ثمنها الشعب العراقي بالشراكة مع الولايات المتحدة'.
ولم ينس الفياض، الذي اراد ان يثبت بانه اكثر كذبا من سلفه موفق الربيعي، باستعراضه منجزات المالكي ' الديمقراطية'، ان يرش على الحاضرين نفسه الطائفي عندما تحدث عن المتظاهرين والمعتصمين في بغداد والانبار والموصل وديالى وغيرها من المدن باعتبارهم 'المجتمع السني في المناطق الغربية' ومشيرا في الجملة نفسها الى وجود القاعدة 'مما جعل الشعب العراقي في دائرة المجابهة او التأثر بها'.
الملاحظ، من سنوات صعود حزب الدعوة الى سدة الحكم، انه انضم وتحالفاته، بسرعة قياسية الى قائمة الأنظمة العربية الجامعة ما بين الغنى الفاحش والفساد وقمع الشعب، بواجهة الديمقراطية الكاذبة، التي تغطي سيطرة الأشقياء والمليشيات الجديدة والقديمة، من جهة، وتدفع الأموال لشركات الدعاية في واشنطن من جهة أخرى. ويضيف المالكي الى هذه الخلطة عامل توفير المجال للمساومات الأمريكية -الأيرانية. وهي خلطة قد تفيد نظام المالكي لفترة قصيرة، وقد تمنح وفوده فرصة 'الترحيب' من قبل الادارة الامريكية الا انها ستنهيه كما انهت انظمة سابقة من قبله. ولن ينفعه التمسك بخطاب 'الحرب على الإرهاب' بعد الفشل الذريع لهذا المنظور وفي وقت يتزايد فيه صوت التنديد بالحرب على العراق في العالم، ناهيك عن غضب الشعب المتبدي بتظاهراته واعتصاماته ومطالباته بحقوقه الانسانية.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق