مثنى عبدالله
عوَّدنا دائما على رسم راية الديمقراطية ترفرف فوق الرؤوس، استماتَ في تزييف صورة الامن الموعود والامان المفقود كي يقول بانه نجح في قيادة العراق، شنّفَ اذان الجميع بعبارات الوطنية والمواطنة والمساواة ونبذ الطائفية، استخدم كل حروف اللغة العربية كي يقول تعابير رنانة وعبارات دينية مغلفة بالسياسة، بشَّرنا بالرخاء والحياة الرغيدة والحلم الموعود، عقد المؤتمرات بالتوسل والرشى كي يستخدمها ابواق لخطاباته الجوفاء لعله يبرز دوره المزعوم في انشاء المدينة الفاضلة، لكنه في كل مرة كان كمن يمط غطاءه القصير لعله يجد فيه متسعا لتغطية عوراته فلا يجد ذلك.
هكذا تصرف طاغية العراق على مدى سنوات حكمه وتحكمه بكل شيء في العراق الجديد.
وها هو يعلن اليوم تزامنا مع الذكرى العاشرة للغزو بان الحرب الطائفية على الابواب، متناسيا كل تلك الوعود والاحلام الوردية التي كان يرسمها امام الملايين، على وقع سياط جلاديه في السجون السرية والعلنية، وسيل الدماء التي كانت كل مدن وقرى العراق تنزفها يوميا، وصرخات الشرف الرفيع للعراقيات وهن يواجهن مغتصبيهن المرتدين الزي الرسمي لاجهزة الدولة. فما الذي حدث؟ وما هي الدوافع التي ساقت الطاغية لكي يلعب بورقة الطائفية؟ مذكرا العراقيين مرة اخرى بالجثث الملقاة في القمامة والشوارع التي تخلو من الحياة، والتدافع على منافذ الحدود تاركين الديار والاهل والاحباب. ان الظروف الداخلية خاصة في المحافظات التي تشهد انتفاضة جماهيرية كبرى، والاقليمية المحيطة بالعراق وخاصة الوضع في سوريا، قد انتزعت من بين يديه كل الخيارات السياسية التي كان يستخدمها في سياساته، ووضعته لاول مرة وجها لوجه مع الجماهير، في وقت كان يعتقد فيه بانه احسن حالا من الحكام الاخرين الذين اسقطهم الشعب. انه بات يعرف تماما اليوم بان انفصال مدينة الرقة السورية عن السيطرة الحكومية، اضافة الى قرارات الجامعة العربية باعطاء مقعد سوريا الى المعارضة السورية، والسماح بتسليحها لمن يريد ذلك، كلها عوامل باتت تقلق طاغية العراق الذي نظر اليها على انها قوى دافعة توحد المتظاهرين ضده وتعطيهم الامل في موقف مماثل لهم مستقبلا. اما بالنسبة للوضع الداخلي للمحافظات المنتفضة فقد بات يعرف جيدا بان استمرار التظاهرات وزيادة زخمها، دليل على ان الوعي السياسي للمنتفضين يشير بوضوح الى انهم فقدوا الثقة تماما بالطبقة السياسية جميعها، لان امال الشعب العراقي لم تكن لها اية انعكاسات في قرارات الحكومة والبرلمان طيلة الفترة الماضية، بل حتى في ظل خروج المتظاهرين بكل هذا الزخم المستمر منذ اكثر من شهرين، لم يجد المتظاهرون اي موقف حاسم يلبي طلباتهم بنفس السرعة التي كانت تتخذ فيها اجراءات الاقصاء والتهميش والاعتقال ضدهم، وبذلك اصبح يرى بان ايقاف الانتفاضة قد خرج من بين يديه اليوم. لذلك تبخرت حالة الغرور التي كان عليها في الايام الاولى، عندما هدد وتوعد المتظاهرين بالويل والثبور وعواقب الامور ووصفهم بصفات لاتليق بمسؤول يدعي انه جاء بصوت انتخابي.
انه اليوم وكما نرى في خطابه بمناسبة يوم المراة يحاول اللعب بالكلمات. انه يثني على المتظاهرين في الانبار لانهم مزقوا الخرائط التقسيمية ورفضوا دعوات التقسيم والفدراليات، محاولا اظهار نفسه بانه في نفس الخندق بينما وصفهم بالفقاعة والنتانة واصحاب الاجندات الخارجية والخارجين الى التظاهر بمئة دولار. انه يدعو المتظاهرين الى عدم السماح للسياسيين باستغلال حراكهم لانهم على حد وصفه اصحاب اجندات خارجية، بينما يقوم هو وباقي سياسيي حزبه باخراج تظاهرات تاييد له بجهد الدولة المدني والعسكري والمالي، لحسابات طائفية ضيقة لاتخدم الوطن بل تخدم البيت السياسي الطائفي الذي ينتمي اليه. انه يخاطب المتظاهرين قائلا (ارفعوا اصواتكم بوجه التامر على العراق والفتنة الطائفية القذرة والشاملة التي تريد حرقه) ،لانه يريد بهذا النداء حرف زاوية النظر لدى المتظاهرين والراي العام في الداخل عن ممارساته القمعية، وقمع الاصوات التي تتظاهر ضد ظلمه وجبروته. ان دعوته بان الحرب الطائفية على الابواب هي ليست تذكيرا كي تنفع الذكرى، بل هو تهديد مبطن ضد المتظاهرين حينما يقول بان مايجري في العراق انما هو مرتبط بما يجري في المنطقة.
اي انه يريد القول بان العراق كان في حالة رخاء وامن واستقرار، لكن الذي يجري فيه هو حراك طائفي متضامن مع مايجري في المحيط العربي. وهو كــــذب وافتراء وتقبيح للحراك الذي انطلق بارادة اهــــلنا في الانبار والمحافظات الاخرى. انه اليوم بات يلقي كل موبقات السلوك السياسي على شركائه في الحكم محاولا تنزيه نفسه عن كل الذي جرى، بينما يمتلك كل قوى السلطة ويحتكرها لنفسه دون شريك. فما عدنا نسمع منه الا لغة التنصل من المسؤولية السياسية والاخلاقية والقانونية التي تلبست به، بينما لازال مصرا على المنصب والحكم والعملية السياسية.
لقد تكشفت الكثير من الستر التي كان يتستر بها الغزاة في عمليتهم الخائبة في غزو واحتلال العراق في الذكرى العاشرة للحدث. وكان الاخير منها هو قيام قادة الاحتلال بتشكيل وتمويل وحدات امنية خاصة من مليشيات طائفية وبقيادات امريكية من ما يسمى فرق الحروب القذرة.
وتشير المعلومات الى ان هذه الوحدات انشات معسكرات اعتقال وتعذيب على اسس طائفية لانتزاع المعلومات والاعترافات، كما انها ساهمت بدور كبير في اشعال الحرب الطائفية التي اجتاحت البلد. بل تحولت هذه القوات الى فرق موت كانت تستخدم سيارات وهويات واموال وتسهيلات الاجهزة الامنية التي تعمل فيها، للقيام بافعال عرف بعضها بينما لازال الكثير خافيا حتى اليوم. وليس مصادفة ان ينطلق الحراك العراقي تزامنا مع هذه الذكرى، ليكشف هو الاخر للعالم اجمع بان هذه الوحدات الطائفية خرجت مرة اخرى من جحورها، وشهرت سيوفها بوجه المتظاهرين السلميين. فها هو القتل بالكواتم ينطلق في احياء العراق مستهدفا بشكل خاص كل الداعمين والمشاركين في التظاهر. وها هي دماء الابرياء تسيل في ساحات الاعتصام في الفلوجة والموصل. بينما تنقض وحدات الطاغية في كل ليلة على مساكن قادة التظاهرات كي تعتقلهم وتروع عوائلهم، ثم تصدر البيانات الكاذبة التي تتهمهم بانهم قاعدة وتكفيريون وماضويون.
يقينا لقد اسقط شعبنا السوط من بين يدي الطاغية وحلفائه الصغار، وبات ذلك السوط لسانا يعترف بكل جرائمهم ضد الشعب والوطن. انه يوم الحق فاما انت في خندق الشعب والوطن او في خانة السلطة ومحازيبها وشركائها، ولسنا بحاجة الى صالح المطلك والصميدعي وخالد الملا وغيرهم ممن يدفنون رؤوسهم في الرمال، ويظهرون عبر شاشات التلفاز في لجان خماسية وسداسية ولجنة حكماء، يعددون انجازات الحكومة استجابة لحقوق الشعب. فوعي المتظاهرين للعبة اكبر واعمق من هؤلاء الذين يسكنون في دور المنطقة الخضراء، واذا ساروا الى بيوتهم يسيرون وسط الاف الحمايات، او يركبون السيارات المصفحة المهداة لهم من الطاغية. انهم صم بكم عمي لان الضمير وحده هو الذي يرى ويسمع ويصرخ في وجه الظالمين.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق