علي الكاش
(لتكن إنتفاضة الأنبار فوق أي إعتبار)
يبدو إن مصيبة العراق ليست مع الولايات المتحدة الأميركية وذيولها الأوربيين فحسب، وليس مع الأخوة الأعداء الذين تجمعهم الجامعة العربية في كونتونات مظللة، فقط، وليس مع الجيران الذي لا يعرفون من صفات الجوار إلا العدوان ودس إنوفهم الطويلة في شؤون البلد ونهبه في أوقات ضعفه.
إنها، أيضاً، مع الأمم المتحدة وأمينها العام وممثلها في العراق مارتن كوبلر الذي أصبح من رهط الحاكم الشيعي، بعد إن أدى مرسم الحج الى مدينة النجف، والتقى بمرجعه الديني الأعلى السيد السيستاني. لقد حسم كوبلر مرجعيته الدينية والسياسية. ونعتقد إنه بعد إنتهاء مهام عمله سيتفرغ للعبادة والكهانة في حوزة قم أو النجف او يكون مستشارا للمالكي فهو على وزن بقية المستشارين خفة وبلادة.
لا يختلف موقف الأمين العام الحالي بان كي مون تجاه العراق على أقل تقدير عمن سبقوه من أمناء لا يعرفون الأمانة ولا النزاهة ولا الحياد في تعاملهم مع الشعوب المستضعفة. فمن خلال تجاربنا السابقة والحالية معهم، تبين للجميع ان هذا المنصب لا يشغله أحد من العباد إلا بعد أن يصلي في محراب البيت الأبيض، ويتعهد لآلهة المتاهة بتنفيذ الأوامر الصادرة بكل حذافيرها.
إن الحصار الإقتصادي الجائر وما تلاه من حروب مدمرة قُتل فيها الملايين من العراقيين كان للشرعية الدولية يدا طولى فيها. ولا ننسى تقارير المراقب الدولي هانز بليكس، قائد الفيلق الأممي للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق وزميله العربي العميل محمد البرادعي، ودورهما الدنيء في التمهيد للعدوان على العراق.
وربما شعر السويدي بتأنيب الضمير بعد فوات الأوان، الامر الذي يفتقده زميله العربي لحد الآن! فقد صرح بليكس لقناة (CNN) مؤخرا بأنه بعد عقد من الزمان "اسأل نفسي عن أسباب حدوث هذا الخطأ الفظيع، والمخالفة الصريحة لميثاق الأمم المتحدة". ويبدو أن بليكس لا يفرق بين الخطأ والجريمة! وأية جريمة ارتكبها بحق الملايين؟ سيما بعد أن ختم تصريحه بالقول "كان الهدف من الحرب تدمير اسلحة الدمار الشامل، ولم يكن في العراق أي منها. وكذلك القضاء على تنظيم القاعدة فيه، ولم يكن للقاعدة أي وجود في البلاد".
وعلى هامش مؤتمر المحاسبة والعدالة الذي عقد في جنيف يومي 14-15 شهر آذار الجاري والذي لم يكلف فيه الأمين العام ولا لجنة حقوق الإنسان ارسال أي ممثل عنهم لحضور المؤتمر رغم أهميته وذلك من أجل عيون الرئيس الامريكي وعدم اثارة غضب اسيادهم في البيت الأبيض بفضح حقيقة الديمقراطية الدموية وشلة العملاء الذين نصبوهم حكام على العراق. فقد ذكر نائب الأمين العام السابق للأمم المتحدة (هانس فون سبونيك) والذي تولى مهمة التنسيق الإنساني في العراق للأعوام 1998 - 2002 بأنه إستقال من منصب الأممي "لكي لا أتحول الى شريك في الجريمة". إذن هي جريمة من قبل الأمم المتحدة وفق كل المقاييس كما عبر عنها سبونك! لكي لايحاججنا أحد ويعترض.
هذه هي حكاية الشرعية الدولية، حكاية مقرفة وظالمة ومجرمة.
والعجيب إن هذه الشرعية الدولية لم تمل ولم تكل، لا قبل ولا بعد حرب الخليج الثانية من إصدار قرارات وتصريحات ظالمة للعراق بمناسبة أو بدون مناسبة، حتى أصبحت قراراتها مهزلة أممية لعدم وجود سابقة ولا لاحقة لها في تأريخ الأمم المتحدة. فقد واصلت ظلمها من خلال تجاهلها لجرائم الغزو الأمريكي- الفارسي للعراق رغم ان العراق مايزال متفيئاً تحت خيمة البند السابع لقرار مجلس الأمن سيء الصيت، والذي لن يرفع إلا بغمزة خليجية من عيون آل الصباح.
يشير عداد المصائب في العراق بأن حصيلة الغزو الامريكي حوالي مليون شهيد ومعوق، ومليون أرملة وخمسة ملايين يتيم، وثمانية مليون أمي لا يعرفون القراءة والكتابة، واعمال ارهابية تحصد حوالي 500 عراقي شهريا حسب الإحصائيات الرسمية الكاذبة، وعشرات الآلاف من المعتقلين على الهوية (من أهل السنة)، وإغتصاب النساء في المعتقلات (من أهل السنة)، وعشرات الميليشيات الإرهابية المسلحة تتحكم بالبلد، وفساد اداري ومالي بلغ مئات المليارات، وفقر مدقع يزيد عن 35% من اجمالي الشعب، وبطالة تقارب 35% من الأيدي العاملة ناهيك عن المقنعة، وشلل في الحياة الصناعية والزراعية والعمرانية، واعتداءات وتدخلات من دول الجوار، واستيطان اراضي عراقية من قبل ايران والكويت، وقطع مياه دولية على العراق من قبل نظام الملالي، وعدم توفر الخدمات الرئيسة من ماء صالح للشرب وكهرباء ووقود، وانتفاضة جماهيرية في عدة محافظات تطالب بحقوق مشروعة دون ان تثمر شيئا لحد الآن، وإطلاق الرصاص على المتظاهرين العزل في الانبار والموصل، وانتهاك حقوق الإنسان من قبل جيش وشرطة الطائفة الواحدة، والإستيلاء على مساجد الله وتحويلها الى مساجد للحسين (حسينيات)، ومنع التعبد في بعض اماكن العبادة كالأعظمية والعشرات من المصائب. لكن أين منها الشرعية الدولية؟
لنطلع على تقرير الأمين العام للأمم المتحدة للعام2012-2013 المستمد معلوماته المشوهة من سماحة المرجع الأعلى (آية الله كوبلر) وافر الضلال. حيث أشار الأمين العام (الغافي ورجله في الشمس) بأن بعثته الراشدة تواصل مراقبة أوضاع السجناء وأماكن الإحتجاز التي تقع تحت مسؤولية وزارة العدل في مختلف مناطق العراق. لكنه لم يشر الى ما هو أدهى! وهي السجون السرية التي كشف عن بعضها وهناك العشرات لم يكشف الستار عنها، ولا سجون وزارات العمل الداخلية والدفاع. ولا سجون حزب الدعوة وبقية سجون الميليشيات. ولا نفهم كيف يراقبها الأمين العام والسجون ممنوع أصلا دخولها على نواب البرلمان؟ ويبدو ان وزير الظلم حسن الشمري يرتب احدى قاعات السجون كمركز ضيافة ويوجه دعوة لكوبلر كي يزوره فيها. ليقدم تقريرا مفعما بالكذب بأن السجن عبارة عن فندق خمسة نجوم كما نوه الوزير الشمري سابقا.
والعجيب إن الأمين العام يناقض نفسه بأن "بعثة الأمم المتحدة لم تُمنح فرصة الدخول إلى مراكز الإحتجاز العائدة لوزارة الداخلية"! ثم يذكر بأن العديد من المحتجزين والسجناء الذين قابلتهم البعثة في سجون وزارة العدل وعوائل المحتجزين في سجون وزارة الداخلية اعترفوا بالإعتداءات وسوء المعاملة والتعذيب الذي نالهم في بعض الأحيان"! هل هي فزورة يا كي مون؟
ثم يعود ليصرح بأن "الظروف السائدة في مرافق الإحتجاز الخاضعة لوزارة العدل تشهد تحسنا مستمرا، بما في ذلك برامج إعادة التأهيل والخدمات الطبية والنفسية"! هذا الأمعي الأممي يتحدث عن خدمات صحية ونفسية داخل سجون المالكي! غباء ام إستغباء ام تأجير ضمير للغير او رشوة؟ هذا كلام لايمكن أن يصدر عن إنسان سوي وعاقل فكيف بمسؤول دولي؟ لإنه يستفز الملايين من الشعب وجميع المعتقلين في السجون، تشويه مريع للصورة الحقيقية! ثم يرجع كي مون عن كلامه قائلا "إن نظام العدل العراقي تعتريه نقاط ضعف" حيرتنا ايها الكي مون! كإننا نلعب (الحية والدرج).
في طلاسمه الأممية يحدثنا كي مون عن عقوبة الإعدام في العراق حيث تتنافس حكومتي نجادي والمالكي، الشيعيتين، على احراز المرتبة الأولى عالميا في عدد المحكومين بالإعدام. فقد وجه نداءً شفافا بوقف الإعدامات! نحمد الله على هذا الإنجاز العظيم من الأمين العام، إنه يستحق الزغاريد!
لكن حكومة المالكي- التي يمتدحها كوبلر في كل تقاريره- كرمت الأمين العام على مناشدته الشفافة بثلاثين جثة لأشخاص حكم عليهم بالإعدام خلال الإسبوع الثالث من شهر آذار الجاري فقط. مع إصرار من وزير العدل حسن الشمري- بعد إستهداف وزارته الطائفية ثأرا للمعدومين من الأبرياء- بلهجة التحدي الصلف للشرعية الدولية "إن الوزارة ماضية في تنفيذ حكم الإعدام مهما كان الأمر" أي: طز وألف طز بالشرعية الدولية وأمينها العام وممثله الهمام.
نفس هذا الوزير الشمر سبق ان صرح بأن الوزارة أوقفت تنفيذ حكم الإعدام وفقا للمادة/ 4 من قانون مكافحة الإرهاب، (أهل السنة) إستجابة لمطالب المتظاهرين! لكن تبين إنه يكذب أو ربما هي تقية! حكومة عجيبة تكذب من كبيرها إلى صغيرها.
لكن كي مون يستدرك بأن "الإعدامات تطبق على الجرائم الخطيرة سيما الإرهاب" ويبدو ان هناك اشكال قانوني او سوء فهم عند كي مون؟ ربما لم يتسن له بعدُ ان يقرأ ميثاق الأمم المتحدة! فالميثاق أقر بالمقاومة الوطنية المسلحة عند تعرض البلد للإحتلال، والمقاومة مشروعة ولا تدخل في إطار الإرهاب حسب الميثاق نفسه، ومعظم المعدومين من المقاومين للإحتلالين الامريكي والفارسي. فكيف يأخذ كي مون بتصنيف حكومة المالكي للمقاومين بإعتبارهم إرهابيين؟
كما !ن جميع المعدومين هم من طائفة واحدة (أهل السنة) فلماذا تجاهل الكي مون العامل الطائفي وهو المعيار الذي تعتمده حكومة المالكي في التعامل مع المحكومين؟ وماذا عن السجون السرية، وإغتصاب المعتقلات من قبل المحققين والضباط؟ لماذا قفز كي مون على هذه الفقرات؟ ولماذا لم يتحدث عن هوية المعتقلين المذهبية؟ ولا عن تسييس القضاء، ولا عن تقارير منظمات العفو الدولية ومراقب حقوق الإنسان والمنظمة العربية لحقوق الإنسان التي تتعارض جميع تقاريرها مع تقارير كوبلر وتكشف تحيزه وفساده ودجله وتزيفه الحقائق. والتي لا يمكن تفسيرها الا بعامل الرشوة.
آخر تقرير لمنظمة العفو الدولية بشأن إطلاق النار على المتظاهرين العزل تضمن الآتي "إن التحقيقات التي قامت بها وزارة الداخلية بشأن الإعتداءات على المتظاهرين في الانبار والموصل غير مستقلة، لأنها تمت بإيعاز من الأشخاص المسؤولين عن الحادث أنفسهم". وذكر (جاك ستروك) مسؤول قسم الشرق الأوسط في المنظمة بأن "قوات الأمن العراقية تطلق النار بشكل متكرر على المتظاهرين، ويتعين على الحكومة محاسبة كل من استخدم القوة مع المتظاهرين".
يساور كي مون القلق بشأن التظاهرات التي تحدث في المناطق الغربية ويدعو المتظاهرين بالإستمرار في الإعراب عن مطالبهم بالطرق السلمية، كأنهم ولليوم التسعين لم يكونوا مسالمين في تظاهراتهم؟ لكنه لحد الآن يعتبر اطلاق الرصاص من قبل الأجهزة الحكومية على المتظاهرين، وقتل عدد منهم في الانبار والموصل خلال الربع الأول من هذا العام، واستقالة وزيرا الزراعة (عز الدين الدولة)، والمالية (رافع العيساوي) بسببها، هي مجرد ادعاءات! بقوله "ندعو الى إجراء تحقيقات بصورة شفافة في الإدعاءبوقوع انتهاكات لحقوق الإنسان"! عجبا! كل هذه الجرائم هي مجرد ادعاءات! وكل هذه مجرد إنتهاكات وليست جرائم! منظمة العفو متأكدة كل التأكد من الجرائم رغم انها لا تمتلك مكتبا في العراق. بينما الأمين العام للأمم يعتبرها ادعاءات ولديه ممثلية في العراق! إذن ما يفعل كوبلر في العراق؟ نزهة وثراء فقط. وهل بقيت مصداقية للأمم المتحدة؟
السلطة القضائية وصاحبها مدحت المحمود يقبعان تحت مداس المالكي وحزبه الأوحد، والكي مون يصرح "يساورني بالغ القلق ازاء بعض القصور في الوفاء بمعايير المحاكمة العادلة". لاحظ رجاء يقول بعض القصور! ويطالب مجددا "بالتحقيق في حالات سوء المعاملة المزعومة"! الأمين العام لا يزال يشك بمصداقية سوء المعاملة لذلك يصفها بالـ(المزعومة).
في حين جاء في تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان الصادر في 16/3/2013 بأن "التقارير الواردة من أروقة المحاكم التي تنظر في المادة/ 4 إرهاب تشير بأن إدانة المتهمين تتم بموجب اعترافات الغير. أو أن اعترافات المتهم قد انتزعت تحت التعذيب، في محاكمات صورية تفتقر الى أدنى متطلبات العدالة. حيث يمنع تدقيق اعترافات المتهمين من قبل خبراء محايدين، ويمنع عرضهم على لجان طبية محايدة (حالات التعذيب). علاوة على النظر في هذه التهم الخطيرة بصورة سريعة دون بحث دقيق". وانتهت منظمة العفو الدولية بالقول "إن الحكومة العراقية تستخدم المؤسسات القضائية لتنفيذ اجندات سياسية ذات طابع فئوي وطائفي". وزادت عليها بأن "محاكمات وزارة العدل غير عادلة، وتفتقد للمعايير الدولية، حيث تنتزع الإعترافات تحت وطأة التعذيب كأدلة إدانة".
هذه التقارير صادرة من جهات دولية معترف بها ومحايدة، وتتضمن معلومات مؤكدة وموثقة، وهي تكشف الزيف والمكر الذي تتضمنه تقارير كوبلر. وليس من الصحيح ان يلبس الأمين العام لجام كوبلر ويسير وراءه بلا حذر ولا تدقيق للمعلومات التي يرفدها له. لا عذر للأمين العام مطلقا، لا في جهله ولا في تجاهله اتجاه ما يحدث في العراق من انتهاكات صارخة من قبل الحكومة واجهزتها الطائفية القمعية، إنها إنتهاكات يتصبب لها جبين الإنسانية عرقا وخجلا.
لقد ذاق العراقيون الأمرّين على أيدي الشرعية الدولية وتقاريرها المفبركة وانصياعها المعيب لإرادة البيت الأبيض من عقدين ونيف. وبات من الضروري لهذه الشرعية الدولية ان تحترم نفسها وتحترم نصوص ميثاق الأمم المتحدة والصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. وتراقب بجد ممثلي الأمين العام الذين إصابتهم عدوى الفساد الوظيفي من المسؤولين الذين يتعاملون معهم في مناطق عملهم.
ان هذه المواقف اللامسؤولة من قبل الأمم المتحدة وأمينها وممثليه، وخذلانها للشعوب المقهورة وتعاطفها غير النزيه مع الطغاة والفاسدين هي السبب الرئيس لتمادي الحكومات الظالمة في انتهاكات حقوق شعوبها، وخنق حرياته الأساسية.
اما ان تدخل الشرعية الدولية كطرف محايد وناصرة للحق والعدالة، او تنأى بنفسها بعيدا عنا! فقد طالتنا سيئاتها ولم نبصر شيئا من حسناتها. وهذا الثعلب الأممي كوبلر، آن له أن يرحل عن ديارنا. فقد بات ضيفا ثقيلا غير مرغوب به، إنه مصدر من مصادر بلائنا المزمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق