موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الخميس، 28 مارس 2013

القمة العربية ... ولعنة العراق


نزار السامرائي
مرة أخرى تلتئم الجامعة العربية في قمة جديدة هي الرابعة والعشرون، ومرة أخرى يتطلع العراقيون بخيط من سراب الوهم على الرغم من مرارة التجارب السابقة، إلى مؤسسة النظام الرسمي العربي "جامعة الدول العربية" لكي تزيل جانبا مما علق في الذاكرة العراقية من آثام الجامعة التي أسهمت بالقسط الأكبر في مآسي العراق، حينما أسهمت في جلب القوى الدولية الكبرى التي شنت عدوانها الثلاثيني على العراق عام 1990، حتى لو كان ذلك في الجانب الشكلي لإخراج مسرحة غزو العراق، حينما اتخذت الجامعة قراراها المشؤوم في قمة القاهرة في آب/أغسطس 1990، عبر الدور الخبيث الذي قام به الرئيس المصري السابق حسني مبارك، بفرض قرار لتدويل قضية دخول القوات العراقية إلى الكويت ومنع الحل العربي الذي كان له أن يؤمن انسحابا مشرفا وحماية لقوة العراق التي هي الرصيد الحقيقي للأمة العربية والذي فرطت به، ثم شعرت بعد عقدين من الزمن أية جريمة ساهمت بارتكابها وفتحت أرضها للأخطار الإيرانية.


نجح حسني مبارك في تأدية دوره كاملا على مسرح الكوميديا الدولية، حينما تبنت قمة القاهرة إحالة الملف بكامله إلى مجلس الأمن الدولي، الذي كان أشبه بتمساح نهم فتح فكيه عن آخرهما لالتهام فريسته دفعة واحدة، أمريكا كانت قد هيأت مسرح عملياتها بما يؤمن لها تصويت المجلس على أي نص تريد، خاصة بعد وصول النظام الشيوعي إلى خريف العمر، وصعود النجم الأمريكي كمركز استقطاب وحيد في عالم لم يكن يقبل في الماضي اختلال التوازن الإستراتيجي، ويطلق يد طرف واحد ليعبث بالأمن والاستقرار الدوليين.
بالمقابل بذل عاهل الأردن الراحل الملك حسين جهودا استثنائية من أجل إبقاء الملف داخل البيت العربي وفي إطار المؤسسات العربية الرسمية، ولكن إصرار مبارك على تدويل القضية وجلب القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، جعل القمة العربية تخرج عن ميثاقها بحتمية اتخاذ قراراتها بالإجماع، فقد اتخذ قرار التدويل بأغلبية الأصوات الميكانيكية، ومن مفارقات تاريخ الجامعة العربية أنها خرجت لأول مرة على ميثاقها عام 1961 حينما قبلت الكويت في عضويتها ولم يؤخذ باعتراضات العراق في حينه، وفي المرة الثانية في عام 1991 حينما اتخذت قرارا بإحالة ملف العراق إلى مجلس الأمن بشأن قضية الكويت أيضا من دون أن يحصل إجماع عربي في القمة التي تعجل حسني مبارك لجمع أطرافها ورتب الأمر بليل، وكان لكل من مبارك وحافظ أسد دورا مصلحيا وانتهازيا رخيصا في الدفع باتجاه التدويل فسقطت الشعارات القومية التي كانت ترفع في دمشق للمرة الثانية بعد سقوطها حينما تراصف النظام الطائفي في دمشق إلى جانب إيران في حرب الثماني سنوات، واللافت أن نظام بشار وريث عرش أبيه حافظ الأسد يشكو اليوم من قرار قمة الدوحة بإعطاء مقعد سوريا للمعارضة من دون حصول إجماع على هذا القرار فيا لها من مفارقة الزمن البغيض.
 هل هي لعنة العراق تنتقل من حاكم إلى آخر كما حصل لذل مبارك على سرير المرض أمام المحكمة، أو تنتقل إلى ورثة الملك المضاع في دمشق؟
 حينما عرضت قضية دخول العراق للكويت على أسرع قمة في تاريخ العرب، نسقت مع مبارك وحافظ أسد، دول أخرى كان بعضها يتحرك في الواجهة وكان الآخر يتحرك من وراء ستار، ولكنها جميعا وخاصة مجموعة الثمانية التي قدمت فيها رشوة سياسية مؤقتة لكل من مصر مبارك وسوريا حافظ، لتكون واجهة زائفة لضمان أمن الخليج العربي على وفق ما أشيع حينذاك والتي سرعان ما تفككت كفص ملح في حوض ماء، هذه الدول ستبقى تعاني قبل غيرها من تداعيات إثمها وموقفها الشائن الذي جلب أساطيل العالم لتدمير العراق، فقد أحدثت شرخا في موازين القوى الإقليمية وخاصة في منطقة الخليج العربي لصالح إيران، من خلال مساعدتها على توجيه الضربة العسكرية التي أخرجت العراق من منظومة الأمن القومي العربي، فكشفت ظهرها هي بنفسها وأصبحت ضيعة تتنافسها خطط قوة القدس الإيرانية أو مليشيات حزب الله اللبناني أو المليشيات الناشطة في العراق بأسماء لا تعد ولا تحصى، أو بتحرك متعدد المحاور للحوثيين في اليمن أو لتعبث بأمن البحرين لتمسك بمداخل الجزيرة والخليج العربي ومداخلهما لصالح مشروع تصدير الثورة، مما جعل من المنطقة أرضا مكشوفة مياها ورملا وجبالا، مستباحة في ثرواتها الثمينة وموقعها الإستراتيجي، ثروة لا تجد قوة تحميها من التواطئات الإقليمية والدولية.
 ما جرى في عدوان 1991 وما بعده من حصار اقتصادي خانق على الشعب العراقي، ثم شن حرب 2003 والتي انتهت باحتلال العراق لم يكن هناك شك لدى كل ذي عقل وبصيرة أن نتائج الاحتلال سيتم تجييرها لصالح إيران وحدها من دون أن تخسر اطلاقة واحدة أو تنزف قطرة دم، سلمت بعدها الولايات المتحدة العراق على طبق معدني لإيران لتعبث به ومن بعده بأمن المنطقة وتطرح نفسها قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها في كل القرارات المتعلقة بالأمن الإقليمي.
بعد عشر سنوات من الاحتلال عقدت قمة عربية جديدة وفي كل مرة يحلم العراقيون بأن يكفّر النظام الرسمي عن جريمته حينما بتر بيده اليسرى يده اليمنى الضاربة وجمجمته ومخزن رجاله، ولكن شعورا بالإثم لم يرد على خاطر أحد، مع أن النظام الذي فتح قناة السويس أمام الأساطيل الأمريكية قد سقط وأصبح جثة ترميها الجماهير بالحجارة، كما ترمي الحجيج الجمرات على الموقع الذي أراد فيه الشيطان غواية سيدنا إبراهيم عليه السلام، ليمنعه من تنفيذ أمر الله ولكنه رجع خاسئا وهو حسير، لكن شيئا لم يتغير مع تغير الخطاب الرسمي الجديد، كان العراقيون يتوقعون أن يلحق بسقوط فرعون مصر وطاغوتها، سقوط السياسات التي أختطها النظام القديم بعد أن بدأ الربيع العربي يطرق أبوب مصر، ولكن عقدة الخوف من إيران وأمريكا أو الرغبة في وصالهما وقوة تأثير البترودولار، (الذي يضيع في العراق بالأكوام والمليارات من دون رقيب أو حسيب ويمكن أن يضل طريقه نحو الغرب بدلا من الذهاب إلى الشرق كما هو معتاد)، كانتا حاضرتين ويسيل لهما لعاب كثير، فلم يلتفت أحد من القادة العرب إلى ما يعانيه الشعب العراقي من خسف وظلم وقهر على أيدي طواغيت يمارسون انتهاكات للحقوق والأعراض، وصيحات وصلت إلى سمع الملوك والرؤساء والأمراء العرب الذين التقوا في الدوحة عبر فضائياتهم التي تغطي أحداث العالم لحظة بلحظة وتتعمد إغفال أخبار العراق.
 عانى العراقيون وما زالوا يعانون من ظلم حكومة المالكي التي لم يشهد مثله العراق مثيلا في أي وقت من الأوقات، ولكن صمت الأشقاء كان أقسى وأمر عليهم من ظلم حكامهم الطغاة، ومما يلاقونه من تعذيب منهجي مقرر عليهم من أعلى سلطة في البلاد مستغلة المضي قدما في طريقها، لأن الصمت العربي لا يحصل إلا عندما يتعلق الأمر بالعراق.
لسنا على وهم حينما لا نتوقع أن نجد أذنا واعية تسمع أنين خمسة ملايين يتيم عراقي وصبر مليون أرملة، فقد تعودنا على هذا ومثله وأكبر منه وهو المشاركة في جيوش العدوان، لكن واحدا من العراقيين لم يتوقع أن يتغير الموقف الرسمي العربي من قضية العراق التي هي نتاج حقيقي لتآمر مؤسسة النظام الرسمي عليه وتسليمه لقوى الاحتلال الأمريكي التي سلمته بدورها للاحتلال الإيراني، وحينما نقول ذلك فإننا على ثقة بأن من صنع الكارثة التي حلت بالعراق لن يقدم على خطوة واحدة لتغيير مسار الأحداث فيه، ولو من باب غسل اليد عن المساهمة في نحره على مذبح اللئام، حتى ليتساءل المرء عن أسباب هذا التجاهل اللئيم لصيحات العراقيين بعد الدور الأكثر لؤما في تحشيد الجيوش لتوجيه ضربة الإجهاز النهائية على العراق.
 فهل أرادت بعض النظم العربية التي كانت تغيظها مواقف العراق القومية والتي لم تكن لتتجرأ أن تحذو حذوها، ووقوفه إلى جانب قضايا الأمة والتحامه بها على مر التاريخ المعاصر، فأرادت أن تدفع عن نفسها حرج العجز عن الوقوف مثل مواقفه على الصعيد القومي في مواجهة الأخطار التي تهدد الأمن القومي العربي، أرادت أن تسكت الصوت الذي يحرجها ويعريها أم الجماهير والتاريخ، فكان خيارها إزاحة ذلك النظام بدلا من الاقتراب منه ودعمه حتى تمتلك الأمة ناصية غدها بدلا من ارتهانه بيد أعدائها.
يبدو أن أصوات العراقيين لم تدخل قاعة القمة العربية لأنها خضعت لتدابير عزل الصوت العراقي الذي لا يمثله اليوم إلا الحراك الشعبي، بدلا من ذلك جاء ممثل فاشل ليجلس على كرسي العراق ويلقي خطبة تحمل من اللكنة الفارسية بالولاء أو بلحن القول ما يجعل هذا الحضور معيبا، ليس للعراقيين بقدر ما هو معيب لكل من ارتضى أن يقصّر من قامته حتى يصل إلى مستوى من قال ظلما إنه يمثل العراق الأبي الشامخ، الذي لن ييأس من استرداد أصالته ووجهه العربي، مما تعرض له من تزييف ومحاولات تغيير الهوية الوطنية والقومية، من بلدان أتعبت آذاننا من طنين الحديث عن حق الشعوب في الحرية والديمقراطية وضمان حقوق الإنسان.
العراقيون لن يتسولوا عطفا أو شفقة من أحد، وهم ليسوا بحاجة إلى من يربت على أكتافهم، لقد اجتازوا كل المراحل، وربيعهم كالربيع السوري يتطلب صبرا كصبر أيوب، وتضحيات لا تقل عما قدموه حتى اليوم ولمن نسي تضحيات العراقيين، فإنها زادت على مليوني قتيل، وعدة ملايين مهجر، ولكنهم لم يجعلوا من تلك التضحيات الغالية عبثا بلا قيمة، فهم وحدهم الذين انتصروا على أمريكا معتمدين على أنفسهم فقط من دون دعم خارجي بل رغم الحصار الذي فرض على المقاومة من الأشقاء والأقارب والأصدقاء والأعداء، وكأنهم التقوا في حفل نحر العراقيين، ولكن المقاومة العراقية ألحقت بأكبر دولة في العالم وأقوى دولة في العالم أشنع هزيمة ستظل عالقة في ذهن الأمريكيين وكل طرف تدفعه أوهامه للتقرب من أسوار العراق، وستتحول تلك الهزيمة إلى دروس ميدانية في أرقى المعاهد العسكرية في العالم لاسيما ويست بوينت الأمريكية.
إن العراقيين حينما يريدون من العرب سماع صوتهم فإنهم لا يفعلون ذلك عن عجز أو ضعف، بل يظنون أن من يقف إلى جانبهم فإنه يقف إلى جانب نفسه بالدرجة الأساس فمن المحال دوام الحال والعراق قوة ودور وإرادة وثروة وموقع لن تستطيع كل قوى الأرض ولو اجتمعت على حذفه من خارطة الأحداث، ومن لا يعرف هذه الحقائق فلا يظلم إلا نفسه، وستلاحقه لعنة العراق كما حصل لمن أراد إذلال العراقيين فقد أصيب بخيبة أمل لا نجاة منها لأن العراقيين كانوا أعز من أعدائهم وأكبر منهم وإن اجتمعوا، والعراقيون سيصنعون مستقبلهم بأيديهم وليس بقرارات تتخذها هذه القمة أو تلك.


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..