عمر الكبيسي
انتظرت طويلاً قبل أن أكتب عمن تعبت من مناشدتهم ومهاتفتهم ومخاطبتهم، ولم يجدِ بهم نصح وإرشاد، فأصبحوا بعد أن أباحوا بتشبثهم بالعودة الى حكومة المالكي أنهم أسوأ خلق الله سلوكا وفعلا وسياسة وأنكرهم لحقوق شعبهم وأهلهم عرفانا ووجدانا، وأشدهم تنكرا للوعود ومكراُ في استغلال فرص الاحتيال والابتزاز، أعني بهم الوزراء الذين وعدوا واخلفوا وانتخبوا فأسرفوا وائتمنوا فخانوا حين انحدروا الى الحضيض، فأغراهم المنصب والمال والجاه ليقفوا الى جانب الدكتاتور والمتفرد والمتأزم وهو في أضعف وأحرج حلقات تخبطه يسوم ملايين المعتصمين والمتظاهرين تهميشا وازدراء وتسويفا وتنكيلا بعد أن نال بظلمه وطائفتيه وسجونه أبنائهم ونسائهم ومستقبلهم ومساكنهم ومواطنهم فهم بين معدومٍ أو مقتولٍ أو مسجونٍ أو مجتثٍ أو مطاردٍ ومشردٍ و مهجرٍ أو عاطل بطال لا عمل له ولا مأمن.
صحيح أن القائمة العراقية التي انتخبتها محافظات الحراك الشعبي قد تبخرت بعد ان انقسمت وتشرذمت واشتريت وبيعت بسبب سوء سياسة قياداتها وصراعاتها الشخصية على المكاسب والمناصب مما افقدها القدرة على التغيير باعتراف قياداتها انفسهم ، مما يحمِّل هذه القيادات مجتمعة مسئولية التقصير والتفريط بإرادة ناخبيها دون تمييز ، وصحيح انهم قبل عام كانوا خلف فض مظاهرات الجماهير المنتفضة بسبب سوء الخدمات في محافظات وساحات عديدة بظمنها بغداد والانبار ، وكثير منهم كان يروج لإقامة الأقاليم والتقسيم في حينها ، ومنهم من كان قد ساهم في إضعاف وتصفية شباب المقاومة الباسلة التي تستهدف الاحتلال بذريعة مواجهة الإرهاب والتكفيريين مما نحسبه جرائم كبيرة بحق شعبنا ، غير أن الموقف المستجد اليوم والمتمثل بتظاهرات واعتصامات المظلومين والمهمشين من أجل استعادة حقوقهم وخدماتهم بشكل سلمي ومشروع وتصدي سلطة المالكي لها بالتسويف والإنكار والترغيب والترهيب منذ ثلاثة شهور ، استوجب أن نميًّز بين من صحَّح مواقفه فسانده وساهم فيه وبين من يحاول استغلال أحداث الحراك واختراقه لتحقيق نوازعه وامتيازاته الشخصية والنفعية ، إذ لا يمكن السكوت والصمت عن ضرر متقصد وموقف معيب بحراك شعبي تطمح الحشود المنكوبة انه اليوم يشكل أملها الوحيد في تحقيق التغيير والنجاة من معاناتهم ونكبتهم المريرة ، ولهذا نحسب اليوم ان الوقوف في ساحات الحراك ومساندته والحفاظ على سلميته و وطنيته وتمسكه بوحدة العراق وتلاحمه ، هو المعيار الوطني الذي تقييم به المواقف والشخوص والسياسات .
الوزراء المتخاذلون العائدون الى حكومة المالكي والآخرون الموعودون بتولي مقاعد وزارية ، حين يلتحقون في هذا الظرف العصيب المتميز بمعاناة حواضنهم وناخبيهم ويسهموا في شد عضد المالكي ليفتتوا جموع أهلهم ويفرقوا اعتصامات محافظاتهم مرة بذريعة وعود بتحقيق مطالب وهمية للمعتصمين ومرة بحجة اختراقات تجمعات انتخابية لحشود الحراك ويستكثرون عليهم اقامة انتخابات لمجالس محافظاتهم تحقق لهم تغيير نوعي في الخدمات لأنهم يدركون جيدا انهم بسبب سوء سياساتهم وعدم نزاهتهم لن ينتخبوا ثانية ، لم تكن خيانتهم هذه مستغربة ولم يكن تشبثهم بالمنصب مفاجئة . نحن نعرف قبل غيرنا انهم كذابون ومراوغون وطلاب مال وجاه بأي ثمن ، لقد باع الكثير من ساسة الاحتلال المبادئ من قبل وبايعوا الاحتلال وصادقوا على الدستور و وافقوا على الاتفاقية الأمنية ونادوا بالأقاليم وقتلوا الكثير من شبابنا ومقاومينا الأبطال لقاء المال والمنصب والجاه ، لكن الكثير منهم عندما خيروا بين أن يكونوا مع الديكتاتور في ظلمه وتسلطه أو مع شعبهم في محنته ونكبته عادوا لصوابهم وتذكروا حليب مراضعهم ونخوة مواطنهم ولحمة جموعهم ، كان خيارهم جابَّا لما اقترفوا وبراءة لما فعلوا فاستعادوا مواقعهم وصححوا مواقفهم مع أن الله اعلم منا بسرائرهم ، لكنهم فعلوا ما استوجب فعله . أما انتم يا أشباه الرجال ، ومغتنمي الفرص والشواغر، والباحثين عن المال والدفاتر ، بعد أن لم يجد ِبكم النصح والتحذير والإنذار ، ثقوا إن رهانكم خاسر وفعلكم ماكر، لقد صمِّمَ شعبنا الثائر شبابا وعلماء وعشائر على خيار الاعتصام والتظاهر بسلمية متناهية حتى يؤذن الله بنصره القاهر ، وليميز بين الخبيث والطاهر ، وبين الباطن والظاهر ، وبين الشريف والعاهر ، وبين الأجير والصابر، بأن فعلكم جائر، وحظُّكم عاثر وإن الله على قصاصكم لقادر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق