عبدالقادر فايز
رغم المهمة الثقيلة التي تلقى على عاتق أي انتخابات في إيران -كون النظام يرى فيها استفتاء شعبيًا على تأكيد شرعيته وشرعية ولاية الفقيه- إلا أن 30 عامًا من التاريخ تؤكد أن الانتخابات في الجمهورية الإسلامية لا تغير من ثوابت النظام, ولا تترك تعديلات جوهرية على سياسة النظام خاصة في السياسة الخارجية.
وهنا، لا يبدو أن انتخابات الرئاسة المزمع عقدها منتصف يونيو/حزيران المقبل ستشكّل استثناء لهذه القاعدة، لكن من المؤكد أنها ستكون مختلفة عن سابقاتها بشكل كبير، كونها ستأتي محكومة بإفرازات عام 2009 الذي أدخل البلاد في أزمة داخلية لا تزال تداعياتها قائمة حتى يومنا هذا, ومن أهمها:
- سقوط الجدران التقليدية التي تمثلت بانحصار المنافسة بين المحافظين والإصلاحيين, خاصة بعد بروز ظاهرة الرئيس محمود أحمدي نجاد وقدرته على رسم خطوط عريضة لتيار جديد يمكن تسميته بـ "النجادية" كونه يرفض الانطواء تحت راية المحافظين ويعتبر نفسه خصمًا شرسًا للتيار الإصلاحي.
- قناعة الجميع في إيران بضرورة أن تكون الانتخابات منعطفًا نحو تغيير السلوكيات السلبية التي حكمت العلاقة بين أهل الحكم لثماني سنوات، هي فترة حكم الرئيس أحمدي نجاد وسببت الكثير من الإحراج لأركان النظام.
- بروز خلافات داخلية حادة وعلنية جرّاء ما يُجمع عليه أغلب أقطاب التياريْن: المحافظ والإصلاحي بشأن سوء إدارة حكومة أحمدي نجاد, واتهامات الأخير لبعض النافذين في النظام بشنّ حرب على حكومته بهدف تشويهها.
- امتعاض شعبي يتزايد جرّاء أوضاع اقتصادية صعبة في ظل غليان إقليمي بفعل ما سُمي بثورات الربيع العربي وتوجس طهران من استغلال هذه الظروف لنقل عدوى التحركات الشعبية إلى الداخل الإيراني.
هذه الصورة التي عليها إيران اليوم جعلت من الانتخابات الرئاسية حدثًا مفصليًا يحتم على الجميع التعامل مع استحقاقاتها بحساسية عالية لتحديد الأولويات ورسم حدود المسموح والمحظور.
المرشد والاستحقاق الانتخابي
في ظل الأوضاع الراهنة فإن الانتخابات الرئاسية المرتقبة ستكون غاية في الأهمية بالنسبة للمرشد علي خامنئي كونه رأس النظام؛ ففترة حكم الرئيس أحمدي نجاد استدعت دخول المرشد على خط الأحداث بشكل مباشر لكبح جماح الرئيس في أكثر من مناسبة, وتذكيره بأن هناك خطوطًا حمراء لا ينبغي لأحد تجاوزها. من هنا فإن للمرشد حساباته الخاصة التي تُعرف هنا بحسابات النظام الإستراتيجية, وبالإمكان استطلاع حدود ما يريده المرشد من الاستحقاق الانتخابي عبر إدراج النقاط التالية:
- إخضاع العملية الانتخابية برمتها لمنطق واحد يتلخص بمصلحة النظام التي تقتضي العمل وبكل الاتجاهات على إعادة ثقة الإيرانيين بالنظام القائم, فثماني سنوات من حكم الرئيس أحمدي نجاد توصف اليوم داخليًا بأنها الأضعف أداء في تاريخ الحكومات الإيرانية خاصة في المجال الاقتصادي, وهذا وجّه ضربة لجزء من هيبة النظام.
- لدى المرشد حرص خاص على أن تكون الانتخابات الرئاسية فرصة عملية للتخلص من كل التداعيات السلبية التي غصت بها الساحة الإيرانية بعد انتخابات عام 2009، والتي أنتجت تيارًا رفع السقف عاليًا عبر المطالبة بتخفيض صلاحيات المرشد, وفي هذا نقطتان أساسيتان بالنسبة للمرشد:
- إعادة صياغة العلاقة بين المرشد ومؤسسة الرئاسة، خاصة وأن فترة حكم أحمدي نجاد شهدت إشكالات كثيرة أهمها تدني التنسيق بين الرئيس ومكتب المرشد إلى مستوى لم تشهده البلاد حتى خلال حكم الإصلاحيين. هذا أثبت للمرشد قبل غيره أن أولئك الذين رفعوا رايته وشعارات ولاية الفقيه كانوا الأكثر تمردًا عليه, ويتمثل ذلك اليوم بالتزام صارم من قبل المرشد ومستشاريه بعدم تزكية أي من المرشحين أو من يعتزمون ترشيح أنفسهم منعًا لتكرار تجربة العام 2009، لاسيما حين قال المرشد آنذاك: إن أفكار أحمدي نجاد أقرب إليه من غيره من المرشحين, واليوم يعتبر ذلك الموقف بمثابة الاستثناء الذي أكد صحة القاعدة الأصلية.
- إعادة صياغة المعادلة السياسية الداخلية من خلال الانفتاح على جميع التيارات والأحزاب بعد ثماني سنوات شهدت فيها البلاد حذفًا وتغييبًا لتيارات مهمة كالتيار الإصلاحي, وهجومًا شرسًا على بعض الشخصيات الأساسية في النظام كهاشمي رفسنجاني؛ ما أدى إلى تشظي التيار المحافظ وسبّب خسائر للمحافظين والنظام معًا. اليوم يريد المرشد تهيئة الأجواء الصحية لعودة الجميع -إصلاحيين ومحافظين وما بينهما- إلى حضن النظام للتنافس تحت عباءة المرشد وسقف ولاية الفقيه. هذا التوجه عدا أنه يدخل ضمن إستراتيجية رفع نسبة المشاركة الشعبية -وهو مطلب مهم للمرشد- فإنه يحقق أيضًا مكسبين اثنين: الأول: يتمثل بعدم إعطاء الذريعة لأحد كي يعلن مقاطعة الانتخابات ما يهدد بإعادة إنتاج ظاهرة جديدة شبيهة بظاهرة مير حسين موسوي ومهدي كروبي التي شكّلت تحديًا خطيرًا للنظام عام 2009. أما المكسب الثاني فيتلخص بقطع الطريق على كل من يحضّر للتحرك داخليًا لضرب شرعية النظام والانتخابات معًا؛ إذ إنه سيكون سهلاً على النظام وبعد انفتاحه على الجميع اتهام أي تمرد ولو بسيط بأنه مؤامرة تستهدف البلاد.
- تمهيدًا لتحقيق الهدف أعلاه أعطى المرشد الضوء الأخضر للسلطة القضائية بفتح ملفات جميع المتهمين بقضايا انتهاكات حقوق الإنسان ضد المتظاهرين عام 2009, ومعظم هؤلاء من المقربين من الرئيس أحمدي نجاد، وهذه الخطوة من شأنها إسقاط المسؤولية عن بعض مؤسسات النظام الأساسية.
- حتى قبل أن تكتمل دائرة المترشحين للانتخابات الرئاسية عاد المرشد وذكّر الجميع بحدود صلاحيات الرئيس من خلال حسم القضايا الحساسة المتعلقة بالأمن القومي كي لا تكون جزءًا من الدعاية الانتخابية لأحد، وقطع بشكل واضح وصريح الطريق على كل من يريد الاستثمار انتخابيًا في قضايا من قبيل الحوار المباشر مع أميركا، والموقف من ثورات الربيع العربي -وبالأخص ما يجري في سوريا- فضلاً عن الملف النووي الإيراني, فهذه الملفات غير خاضعة للعبة الانتخابية ومن غير المسموح لأحد اتخاذ قرار بشأنها حتى لو كان رئيس الجمهورية.
التيارات المتنافسة: حدود التنافس وإستراتيجيات البقاء
التيار الإصلاحيلا يوجد جدل اليوم حول أن التيار الإصلاحي بات مقتنعًا بأن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستشكّل المدخل الطبيعي لعودته إلى الساحة السياسية الداخلية, كما أنه ما من شك بأن عودة الإصلاحيين باتت مطلبًا ملحًا للنظام, خاصة التيار المحافظ التي دفع فاتورة ثقيلة من التشظي بفعل تغييب الإصلاحيين لسنوات. معرفة الإصلاحيين لهذه الحقائق لا يعني أن لدى التيار أوهامًا بأن مؤسسات النظام وتحديدًا مجلس صيانة الدستور سيفرش السجاد الأحمر أمام عودتهم. لهذا فالإصلاحيون يسيرون اليوم بخطى هادئة نحو تمهيد الأرضية الواقعية لعودتهم وفق مصالح التيار نفسه, ومن أهم هذه الخطوات:
- السعي للحصول على مباركة مبكرة من المرشد لعودة التيار الإصلاحي, وهذا دفع أقطاب التيار لطلب عقد جلسة خاصة مع المرشد والاستماع لآرائه وتوجيهاته بشأن الانتخابات, كما أن موسوي لاري -وهو وزير الداخلية الأسبق في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي- زار المرشد وخرج ليقول أمام الصحافة: إن التيار الإصلاحي يتجه نحو دخول العملية الانتخابية.
- طرح أسماء عدة في بورصة الانتخابات بشكل غير رسمي لمعرفة ردة الفعل الرسمية عليها, خاصة من مجلس صيانة الدستور الذي يتوجب على كافة المترشحين عبوره والحصول على موافقته, وكذلك لقياس ردة فعل بقية التيارات والشرائح الاجتماعية تجاه فكرة الائتلاف أو الإجماع على مرشح واحد يمثل التيار بأكمله.
- التركيز على أسماء إصلاحية قادمة من صفوف النخبة الأكاديمية المتخصصة في السياسة والاقتصاد؛ إذ يعتقد التيار بأن ذلك يؤمّن له استعادة ثقة القواعد الشعبية بأن لدى الإصلاحيين فريق عمل مهنيًا ومتخصصًا وقادرًا على حل مشاكل البلاد.
ولتحقيق عودة قوية يتجه التيار الإصلاحي نحو اعتماد إحدى الإستراتيجيتين التاليتين لخوض السباق الانتخابي:
- إستراتيجية الإجماع حول مرشح ملك يتمتع بحضور سياسي فاعل ومؤثر, ويجري التركيز في هذه المرحلة على اسم الرئيس السابق محمد خاتمي باعتباره الوحيد القادر على لملمة شظايا التيار, فضلاً عن التسليم بقدرته على جرّ كل أصوات القواعد الشعبية للإصلاحيين وبعض أصوات من يُعرفون بالمحافظين المعتدلين.
- إستراتيجية الحكومة الوطنية في حال فشل التيار في الإجماع على مرشح واحد, وتقوم هذه الإستراتيجية على تشكيل ائتلاف يضم الإصلاحيين وتيارات أخرى على الأغلب ستكون من المحافظين المعتدلين الذين يرون في ذلك فكرة جيدة ومكسبًا للنظام وصورته الخارجية.
ولمواجهة التحديات القائمة خاصة الشعبية منها يطرح الإصلاحيون برنامج عمل يبدو ثقيل الوزن, ويحاولون الترويج له مبكرًا عبر مستويات ثلاث:
- بالمجمل يرى الإصلاحيون أن مشكلة البلاد المركزية هي مشكلة دبلوماسية بامتياز, تتمثل كما يقولون بضعف الكادر الدبلوماسي الذي بات أقل اعتمادًا على الحوار, ويروج الإصلاحيون هنا لمقولة: إن إيران "دولة على خارطة العالم وليست ثورة تريد مواجهة العالم".
- التركيز على ضرورة العودة لاحترام مبادئ حرية التعبير وتعدد الأحزاب وقدسية الحرية الاجتماعية من خلال تخفيف حدة الأجواء الأمنية لتأمين عودة النخب الأكاديمية إلى ساحة قيادة المجتمع وتوجيهه طبيعيًا نحو المسارات الصحيحة.
- اقتصاديًا، يرى الإصلاحيون أن العقوبات أرهقت المجتمع الإيراني ويطالبون باعتماد دبلوماسية الحوار لحل الخلافات السياسية مع الغرب وإعادة بناء الثقة بين طهران والمجتمع الدولي كمدخل لرفع العقوبات وإعادة هيكلة اقتصاد البلاد.
تيارات المحافظينتبدو التيارات المحافظة مضطرة للتروي قبل إعلان شكل مشاركتها النهائي في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي, فأية خطوة من هذا القبيل تبقى مرهونة بما يقرره التيار الإصلاحي. صحيح أن عودة التيار الإصلاحي للحياة السياسية تعتبر مطلبًا للمحافظين, لكن التيار المحافظ يبقى يراقب وعن كثب شكل هذه العودة وآليات عملها. وقد جاء دخول المحافظين على خط الانتخابات مبكرًا عبر إستراتيجية أولية تُعرف بـ "إستراتيجية التبعثر المدروس"، كونها تعتمد توزيع المرشحين الأقوياء للتيار على طبقات مختلفة تكون قادرة على تحقيق الإجماع المطلوب في حال قرر الإصلاحيون خوض الانتخابات بمرشح واحد, أما إذا ما فكر بالانسحاب فيكون لدى المحافظين القدرة على تقديم أكثر من مرشح. ووفقًا لهذه الإستراتيجية يتوزع مرشحو المحافظين كما يلي:
- الائتلاف الثلاثي: ويضم مستشار المرشد للشؤون الدولية علي ولايتي وعمدة طهران القادم من صفوف الحرس الثوري محمد باقر قاليباف ورئيس البرلمان السابق غلام حداد عادل.
- السائرون على نهج الإمام: وهو الخط الثاني من المحافظين، وأبرز مرشحيهم وزير الخارجية السابق منوتشهر متكي الذي عزله الرئيس أحمدي نجاد بطريقة أغضبت الجميع بمن فيهم المرشد.
- جبهة الصمود: التي رشحت القائد الأسبق للحرس الثوري والمتخصص في الاقتصاد محسن رضائي.
- جبهة الثبات: وهي تيار محافظ يلتقي وسياسات الرئيس أحمدي نجاد, لكنه يختلف معه عبر رفضه العلاقة الحميمة بين الرئيس ومدير مكتبه السابق إسفنديار رحيم مشائي الذي يتهمه المحافظون بقيادة تيار يسمونه تيار الفتنة. هذه الجبهة ترشح أمين مجلس الأمن القومي الحالي سعيد جليلي.
إستراتيجية كهذه تحمل في طياتها دلالات تشي بما يفكر به المحافظون, وتركز على نقطتين تبدوان أقرب إلى تطلعات المرشد:
- المحافظون في شقهم التقليدي يريدون كرسي الرئاسة ولن يتخلوا عنه بسهولة, وهذا يبدو واضحًا من خلال اعتماد أسماء تشكّل نقيضًا للرئيس محمود أحمدي نجاد؛ فأغلب هذه الشخصيات إما من خصوم الرئيس, أو من منتقدي سياساته باستثناء مرشح جبهة الثبات سعيد جليلي كونه جزءًا من حكومة أحمدي نجاد, لكنه وبالنظر إلى المنصب الذي يشغله فهو رجل المرشد بامتياز.
- يبدو واضحًا أن كل الأسماء المطروحة هي محسوبة على خط المرشد مباشرة ولديها خبرة طويلة في الاقتصاد والسياسة وحتى الشؤون العسكرية والأمنية, وهذا يُظهر توجه المحافظين نحو رئيس يخفف من حدة الخلافات الداخلية ويحول دون تصادم المحافظين فيما بينهم والذي سجّل أرقامًا قياسية خلال فترة حكم الرئيس أحمدي نجاد.
"النجادية" وإستراتيجية البقاءيمكن سوق الكثير من الأدلة على أن الرئيس أحمدي نجاد ليس من الأشخاص الذين يستسلمون بسهولة لتحدي إزاحته من مربع السلطة, فهو اليوم يفكر عمليًا بالبقاء في الساحة السياسية من خلال قيادة تيار يصر على إعطائه خصوصياته التي تميزه عن بقية التيارات السياسية في البلاد. من هنا ليس من المجازفة القول بوجود تيار سياسي-فكري جديد هو تيار "النجادية"، ويستعد لخوض العملية الانتخابية المقبلة وفق قاعدتين اثنتين:
- النجادية هي خط سياسي وفكري مستقل لا ينتمي للتيار المحافظ وبعيد كل البعد عن أفكار الإصلاحيين ومعتقداتهم السياسية.
- من الناحية التنظيرية والفكرية فإن التيار النجادي لديه نهج تنفيذي مختلف عن النهج الرسمي للنظام السياسي القائم.
هذه الأسس نفسها , فضلاً عن شخصية الرئيس أحمدي نجاد وضعت التيار الوليد أمام تحديات عديدة، من أهمها:
- شخصية وسلوكيات الرئيس محمود أحمدي نجاد توصف داخليًا بأنها مدرسة في صناعة الأعداء, وهذا خلق للرئيس وتياره خصومًا أشداء داخل جميع التيارات السياسية تقريبًا.
- توتر علاقة التيار مع الأصدقاء القدامى من المحافظين الذين أيدوا سياسات أحمدي نجاد في بداياتها -خاصة أولئك المقربين من المرشد- جرّ عليه مشكلة كبيرة تتمثل بمجلس صيانة الدستور الذي بات يشكّل سدًا منيعًا أمام أي مرشح قد يطرحه التيار النجادي لخوض السباق الانتخابي.
- عدم إيمان أحمدي نجاد والمقربين منه بفكرة الائتلاف السياسي التي قد يضطر لها أي حزب أو تيار بهدف الوصول إلى السلطة.
- اعتقاد الرئيس وتياره بأن لهم قواعد شعبية قوية ومتماسكة تتكون من الطبقات الفقيرة في الأرياف, مع أن هذا الاعتقاد صحيح نسبيًا إلا أنه قد يمنح النجاديين شعورًا زائفًا بالثقة.
للبقاء في السلطة يبدو التيار النجادي مترددًا بين خيارين يشكّلان معًا ما يطلق عليه النجاديون "إستراتيجية البقاء":
- الخيار الأول، استطلاع قدرة التيار على تقديم مرشح رئاسي من داخل التيار وتحديدًا من الدائرة الضيقة للرئيس أحمدي نجاد, هنا يكشف بعض منظري التيار النجادي عن أن لدى أحمدي نجاد قائمة بأسماء من يراهم مرشحيه المفضلين:
- على رأس هؤلاء يأتي مدير مكتبه السابق إسفنديار رحيم مشائي مع أنه الأقل حظًا لعبور سد مجلس صيانة الدستور كونه متهمًا بقيادة ما يُسمى بتيار الفتنة, فضلاً عن أن المرشد أمر بعزله من منصب النائب الأول للرئيس بعد تصريح له وصف فيه الشعبين: الإيراني والإسرائيلي بالصديقين.
- غلام حسين إلهام، وهو وجه محافظ معروف وناطق سابق باسم مجلس صيانة الدستور قرر الانضمام لحكومة الرئيس أحمدي نجاد والدفاع عنها, مع ذلك فإنه قد لا يواجه أية صعوبة في الحصول على تأييد مجلس صيانة الدستور.
- علي أكبر صالحي، وزير الخارجية الحالي والذي قد يشكّل مفاجأة أحمدي نجاد الانتخابية, فهو شخصية أكاديمية مرموقة وبعيد عن أي تيار أو توجه سياسي واضح, كما أنه قادر على خلط الأوراق لدى جميع التيارات لتمتعه بشعبية لا بأس بها خاصة في صفوف الجامعيين والنخب الأكاديمية.
- يتلخص الخيار الثاني للتيار النجادي باعتماد مرشح من خارج التيار عبر طرح شخصية تلقى تأييد أركان النظام ويصعب على التيارات الأخرى التشكيك بولائها. يدور الحديث عن شخص هاشمي شاهرودي الذي قويت علاقاته بالرئيس أحمدي نجاد بعد تركه منصب رئيس السلطة القضائية. إن فعل النجاديون ذلك قد يحرجون بعض مؤسسات النظام وبقية التيارات, هذا بالطبع في حال نجح أحمدي نجاد بإقناع شاهرودي بالترشح لخوض الاستحقاق الانتخابي.
مهما كانت خيارات تيار أحمدي نجاد فإن برنامجه الانتخابي سيكون مختلفًا عن برامج بقية الأحزاب التي ستركز على تحميل حكومة أحمدي نجاد المسؤولية عن سوء أحوال البلاد اقتصاديًا واجتماعيًا, بينما أغلب الظن أن يقوم النجاديون بطرح برنامج انتخابي يعتمد الأسس التالية:
- الاعتراف صراحة بالتقصير سياسيًا واقتصاديًا, وأن شعار الرئيس أحمدي نجاد بتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية لم يتحقق في كثير من الجوانب. الهدف من ذلك يكمن في التقليل من تأثير الانتقادات التي ستُكال للحكومة وسياساتها من قبل التيارات الأخرى.
- العمل على كشف بعض المستور أو ما يسميه التيار بالحقائق الغائبة بشأن وقوف شخصيات أمنية وعسكرية وسياسية محسوبة على النظام في وجه تطبيق برامج الحكومة خاصة الاقتصادية منها كونها لا تصب في مصلحة بعض النافذين في البرلمان ومجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور.
- تركيز جهود الدعاية الانتخابية على سكان الأرياف والقرى البعيدة عبر استهداف الطبقات الفقيرة التي حرصت الحكومة على الاهتمام بهم أكثر من غيرها خلال الولاية الرئاسة الثانية لأحمدي نجاد.
المطالب الشعبية: الاقتصاد أولاً وأخيرًا
لم يشكّل الاقتصاد يومًا العامل الحاسم في تحديد هوية الرئيس في إيران, فغالبًا ما تحتل الصدارة عوامل أخرى لها علاقة بأولويات النظام ومدى التزام المرشحين بقواعد أركان النظام ومبادئ ولاية الفقيه, لكن القضية على الطرف الشعبي تبدو مختلفة هذه المرة؛ فالظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد جرّاء العقوبات الغربية والدولية أرهقت المواطن الإيراني وقلصت قدرته الشرائية إلى حدودها الدنيا, خاصة مع ارتفاع الأسعار حتى للمواد التي تُنتج محليًا. هذا الوضع دفع المواطن الإيراني كي يضع الاقتصاد على رأس أولوياته في التعامل مع الاستحقاق الانتخابي القادم باعتباره همه الأول والأخير في هذه المرحلة. وهنا يبدو التخوف الرسمي جليًا من إمكانية أن يتحول هذا الامتعاض إلى تحرك شعبي تصعب السيطرة عليه, خاصة والمنطقة تعيش على وقع الثورات والتحركات الشعبية التي تطالب بالتغيير والإصلاح. وفي محاولة لمعرفة ما الذي يريده الإيرانيون من الرئيس القادم أجرى موقع إلكتروني متخصص بقضايا الاقتصاد استطلاعًا مستقلاً حددت نتائجه أولويات الشارع على النحو التالي:
- أولوية العمل على وقف التضخم الاقتصادي بشكل يسمح بزيادة فرص العمل وتقليص نسبة البطالة.
- وقف تدهور العملة المحلية مقابل الدولار، والعمل على تقليص الاعتماد على النفط في صك ميزانية البلاد.
- إعادة تأهيل البنوك والمصارف الحكومية فضلاً عن تجديد النظر في سياسة تقليص القروض المتعلقة بالإعمار ومشاريع الاستيراد والتصدير.
- وقف سياسات التقشف التي تتبعها الحكومة الحالية وفتح المجال أمام المستثمرين المحليين.
- أخيرًا جاءت قضايا كحرية التعبير والحريات الاجتماعية.
اتجاهات المشهد الانتخابي
يبدو واضحًا أن لا أحد من التيارات السياسية مستعد لتقديم تنازلات في هذه المرحلة, فحتى قبل أشهر من انطلاق الماراثون الانتخابي يمكن لعدة عوامل أن تحدد اتجاهات المشهد الانتخابي وتوجهاته:
- هناك من يرجح كفة المنافسة الشرسة بين التيارات المختلفة والتي قد تتطور إلى حروب اتهامات تعبر الخطوط الحمراء عبر التشكيك بصحة النتائج؛ ما يفتح الباب أمام الحديث عن التزوير, وهذا ما سيحاول النظام وعلى رأسه المرشد نفسه منعه والتعامل معه بصرامة.
- خوض التيار النجادي للانتخابات عبر مرشح خاص به ينتمي لتياره وفكره سيشكل تحديا للمؤسسات المسؤولة عن سير العملية الانتخابية، لا سيما مجلس صيانة الدستور، وقد يؤدي إلى مزيد من تشظي التيارات المحافطة بين مؤيد ومعارض لمثل هذا التوجه.
- حتى الآن يبدو أنه من الصعب على التيار الإصلاحي العائد من سباته الطويل تحقيق نتائج مفاجئة, وهذا يزيد من احتمالات أن تنحصر المنافسة بين المحافظين أنفسهم خاصة وأنه من شبه المستحيل أن يُجمع المحافظون بمختلف توجهاتهم على مرشح واحد.
- سيطرة الهواجس الأمنية والتخوف من حدوث مفاجآت قد يستدعي حضورًا أمنيًا في أغلب مفاصل العملية الانتخابية منعًا لتكرار سيناريو عام 2009.
في النهاية يبقى الأكيد بالنسبة للجميع أنه سيكون لازمًا على أي رئيس قادم ومن أي تيار كان إعادة رسم حدود العلاقة مع المرشد لصالح ما يراه المرشد صائبًا, خاصة في ملفات السياسة الخارجية وبعض الملفات الداخلية الحساسة.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق