موفق جاسم العاني *
راعني ما شاهدته على بعض القنوات الفضائية امس لاهلنا في ام قصر الذين تحاول السلطات العميلة في بغداد ازالة دورهم ومزارعهم التي بنوها وزرعوها منذ اكثر من 50 عاماً، اي حتى قبل ان تكون الكويت دولة برعاية بريطانية، وتهجيرهم عما يسمونه بخط الحدود بين العراق والكويت.
واذكر اني عندما كنت اعمل قنصلا في الكويت في السبعينات من القرن الماضي كانت حدود الكويت في نقطة العبدلي، وتأتي بعدها منطقة حدودنا في صفوان وهنا لانريد الرجوع الى التاريخ البعيد في مسألة الحدود بين البلدين كنقطة المطلاع، ولكننا نشير الى وقوع جريمة قتل خارج سور ما يسمى بمدينة الكويت (العاصمة الان) حينها ادعى شيوخ الكويت ان ليس لديهم سلطة التحقيق بالجريمة كونها وقعت خارج حدود ولايتهم وان هذه المسألة هي من اختصاص السلطات في البصرة!
وبالعودة الى ما آلت اليه اوضاع الحدود بين البلدين وخاصة بعد العدوان الثلاثيني على العراق وفرض مجلس الامن وتحت البند السابع حدوداً جديدة وبشكل مجحف بحقوق العراق السيادية والتاريخية وبدون الرجوع الى الطرف المعني وهو العراق الذي رفض في البداية رفضا قاطعا الاعتراف بهذا القرار، كون مجلس الامن ليس جهة اختصاص بالبت في مسائل الحدود بين البلدان مخالفا بذلك ميثاق الامم المتحدة والقوانين الدولية التي تحكم هذه القضايا، الا انه وافق عليه لاحقا تحت تأثير الوعود بإنهاء الحصار عليه وان الرفض لا يصب في مصلحة البلاد بسبب ربط القرار بالبند السابع الذي يخول دولا في المجلس استعمال القوة لتنفيذه، وعلى اساس ان هذا القرار قد بني على اساس باطل وان للعراق الحق في نقض القرار في مرحلة لاحقة لعدم وجود ولاية للمجلس في البت في مثل هذه القضايا والتي لاسابق لها في تاريخ المجلس.
ان النظر بقضايا الحدود بين البلدان هو من اختصاص محكمة العدل الدولية والتي تشترط موافقة طرفي او اطراف النزاع على ولاية المحكمة بالنظر بالقضية المطروحة من قبل الاطراف المعنية بالنزاع، وان امتناع اي طرف يسقط حق المحكمة المذكورة بالنظر بالقضية.
وهناك العديد من الامثلة بهذا الصدد، ومنها موافقة كل من البحرين وقطر على منح الولاية لمحكمة العدل الدولية بالنظر في النزاع بين الدولتين حول عائدية بعض الجزر الواقعة بين البلدين والتي قضت بها المحكمه بأحقية البحرين بها، وانتهى الامر بقبول الطرفين بحكم المحكمة، في حين تطالب دولة الامارات العربية المتحدة، منذ سنين طويلة، تطالب ايران بالذهاب الى محكمة العدل الدولية للتحكيم بشأن عائدية الجزر العربية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى، التي احتلتها ايران في بداية السبعينات من القرن الماضي، الا ان ايران لم توافق لاعلى الذهاب الى المحكمة ولا حل القضية بالمباحثات الثنائية بين البلدين، الامر الذي منع محكمة العدل الدولية قبول النظر بالقضية لعدم توفر موافقة الطرفين على ولاية المحكمة فيها.
وبالعوده مرة اخرى الى قضية حدودنا مع الكويت، نذكر انه كان هناك قضايا مختلف عليها مع بعض الدول العربية المحاددة للعراق كانت قد حلت بشكل سلس وسريع ومرضي لجميع الاطراف وذلك بحكمة قائدنا الشهيد رحمه الله والذي كانت له نظرة وحدوية عربية لمثل هذه الامور متأتية من فكره القومي الوحدوي الذي يؤمن ان الدول العربية ليست الا كتلة جغرافية واحدة كرس الاستعمار تقسيمها في سايكس بيكو، وان الاصل ان تكون دولة واحدة كما كانت ايام الدولة الاسلامية، وان قطعة ارض هنا او هناك بين اقطارنا العربية لن تصب الا في اهدافنا في وحدة الامة.
ومن خلال هذا المنظور حلت هذه الاختلافات مع المملكة العربية السعودية والاردن بشكل اخوي وسلس، في حين كانت القيادة السياسية تدعو حكام الكويت للجلوس على طاولة واحدة لحل المشاكل المتعلقة بالحدود التي كانت مثار جدل على الصعيدين السياسي والشعبي في البلدين، وفي أكثر من مناسبة، الا ان حكام الكويت لطالما استعملوا سياسة التسويف والتنصل والهروب من هذه القضية تحت ذرائع واهية، وبنفس الوقت يقضمون الارض العراقية شيئا فشيئا ويحفرون الابار النفطية على حدودنا ويستخرجون النفط بالطرق الافقية امتدادا تحت العلامات الحدودية غير المثبتة رسميا بين البلدين، وحتى اثناء الحرب العراقية الايرانية، حيث كان العراق يدافع عنهم وعن دول الخليج العربي الاخرى من خطر التمدد الايراني الى دولهم، ويكفي ما قدمه العراق من شهداء في شبه جزيرة الفاو الذين تجاوز عددهم 50 الف شهيد، كي لا تصل القوات الايرانية الى الحدود الكويتية ولتمتد بعدها الى الدول الاخرى في الخليج العربي.
اما في ايامنا هذه فنحن لا نتوسم بحكام المنطقة الغبراء خيرا في الدفاع عن ارضنا لانهم ببساطة قبضوا الثمن مقدما واستلموا جوائزهم حتى قبل العدوان الامريكي وغزوه للعراق، ولكننا نشيد بأهلنا في محافظة البصرة الوطنيين الذين يتمتعون بالغيرة الوطنية العالية، وبكل الشرفاء من ابناء شعبنا الصامد بوقوفهم بوجه الوجوه الكالحة في الكويت وحكام المنطقة الغبراء، وان للتاريخ عودة.
*سفير عراقي قبل الاحتلال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق