يوضح المقال المهم المدرج في أدناه مخاطر الصفقة التي أبرمتها حكومة العملاء الحالية في العراق، مع شركتي شل وميتسوبيشي، بشأن استثمار الغاز العراقي، بنوعيه: المُصاحب للنفط أو بحقول مستقلة.
ومع ان كاتب المقال، وهو خبير نفطي عالمي مرموق، توجه بمقالته إلى ما أسماه (مجلس النواب العراقي) مناشداً أعضاءه، وهو أمر نختلف تماماً معه، لأنمنا لا نرى في الغالبية العظمى منهم، أية غيرة على مصالح الوطن والشعب العليا، إلا ان قيمة المقالة وعمق تفاصيلها، جعلتنا نتجاوز هذه النقطة، لتوضيح مخاطر هذه الصفقة الجريمة، التي تُضاف إلى سلسلة جرائم العملاء المتحكمين بالعراق منذ احتلاله.
مع ملاحظة اننا كنا نشرنا وثيقة وكتبنا عن موضوع متصل بتاريخ 14 يونيو/ حزيران 2011، ويمكن الرجوع إليه بالضغط هنا.
مصطفى
------
ايها النواب العراقيون: هل ستحمون مصالح الشعب الذي انتخبكم؟
الحقيقة حول اتفاقية الغاز بين وزارة النفط العراقية و شركتي شل ومتسوبيشي
د. محمد علي زيني
موجز مبتسر
قامت وزارة النفط في الشهر الماضي بالتوقيع على اتفاقية الغاز مع شركتي شل ومتسوبيشي. ولقد طلبت لجنة النفط والغاز في مجلس النواب العراقي من تلك الوزارة نسخة من اتفاقية الغاز او العقد المبرم بينها وبين الشركتين المذكورتين لدراسته وتقديم التوصية المناسبة للمجلس. الا ان وزارة النفط لم تقدم العقد بكامله وبتفاصيله وملحقاته الى ممثلي الشعب العراقي – اذ بقي طي الكتمان – وقدمت، بدلا من ذلك، موجزا للعقد بخمس صفحات وردتني نسخة منه. وبعد الاطلاع على ذلك الموجز، لا يسعني الا ان اقدم مناشدتي الى مجلس النواب الموقر - ولربما للمرة الاخيرة – طالبا منه رفض هذه الاتفاقية حمايةً لمصالح الشعب العراقي وايجاد وسيلة اخرى للسيطرة على الغاز العراقي واستغلاله لمصلحة البلاد فقط، كما تجري الامور في السعودية وايران والكويت. وابدا هذه المناشدة بخلاصة تنفيذية لما كتبت.
خلاصة تنفيذية
اولا: ان الذي زودتكم به وزارة النفط، يا مجلس النواب الموقر، هو مجرد موجز مبتسر للعقد يتكون من خمس صفحات من معلومات منتقاة وارقام معدلة اريد بها تقديم صورة وردية لاتفاقية الغاز.
ثانيا: ان اتفاقية الغاز هذه تبدو مجحفة بحق العراق، ولربما كانت ستبدو اكثر اجحافا بكثير فيما لو قامت الوزارة بتقديم العقد بكامله وبجميع ملحقاته وتفاصيله.
ثالثا: ان وحدة تسييل الغاز بكلفة 4,400 مليون دولار، وهي كلفة اولية ستزداد كما ازدادت الكلفة الكلية من 12 مليار دولار الى 17.2 مليار دولار والتي بدورها ستزداد ايضا، لا حاجة لها وانما يُراد بها توريط العراق منذ البداية باستثمارات ضخمة في بنية تحتية متكاملة لتسييل الغاز العراقي حتى يبقى بعد ذلك اسيرا لتلك الاستثمارات وهي صُمّمت اساسا لمصلحة شل وحليفتها الاصغر متسوبيشي.
رابعا: ان معدل العوائد المالية التي ستدخل الميزانية العراقية من هذا المشروع ستكون بحدود 1,245 مليون دولار سنويا. ان هذا المبلغ تافه جدا اذا ما قورن مع العوائد السنوية الناتجة من تصدير النفط حاليا، فكيف اذا صعد انتاج العراق من النفط الى ثلاثة اضعاف ما ينتجه حاليا؟ ان هذا المبلغ السنوي التافه لا يستحق من اجله تعريض الاقتصاد العراقي الى اذىً كبيرا كما سنوضح ادناه.
خامسا: ان الغاز منافس للنفط، فلا يجوز من الناحية الاقتصادية تصدير الغاز ذو الريع القليل لينافس النفط ذو الريع الاكبر، والعراق دولة نفطية وليس دولة غازية.
سادسا: ظهرت الى العلن مؤخرا مطالعة قانونية حول اتفاقية الغاز من قبل المستشار القانوني لرئيس مجلس الوزراء تبين تعارض الاتفاقية مع العديد من القوانين العراقية، ولم تُضمّن تلك المطالعة في موجز وزارة النفط، ولا يُعرف كيف سُوّيت تلك المشاكل القانونية.
سابعا: اوصي برفض اتفاقية الغاز جملة وتفصيلا لضررها البليغ على الاقتصاد العراقي الذي سينشا من خنق قطاعات الاقتصاد العراقي الانتاجية، وبالاخص قطاع الصناعات التحويلية والقطاع الزراعي، المستندة الى استغلال الغاز العراقي الرخيص كمصدر لتوليد الطاقة الكهربائية وكمادة خام اولية.
راي مُفصّل
يمكن النظر الى اتفاقية الغاز موضوعة البحث على ضوء حالتين مختلفتين، هما حالة الاجبار وحالة الاختيار:
حالة الاجبار
ان هذه الحالة تعني ان الطرف العراقي، وهي وزارة النفط، مُرغمة او مُكرهة على القبول بهذه الاتفاقية والانصياع لما تمليه حيثياتها، وذلك لاسباب لا يعلمها الا الله و"الراسخون في العلم"! في هذه الحالة يتعين علي ان انظر الى هذا الامر باعتباره مشروع استثماري بحت بين وزارة النفط كطرف وشركتي شل ومتسوبيشي كطرف اخر، ثم القيام بتقييمه من الناحية الاقتصادية ومن منظور وزارة النفط كمستثمر فقط، دون الالتفات الى ما سيوقع هذا المشروع من اضرار جسيمة على الاقتصاد الكلي للبلاد. ومن اجل القيام بهذه المهمة لابد من توفر الكثير من المعلومات التي لم تتوفر. ذلك ان وزارة النفط امتنعت عن تقديم العقد بكامله الى مجلس النواب، وبدلا من ذلك اكتفت بتقديم موجز مبتسر للعقد يتكون من خمس صفحات من معلومات منتقاة وارقام معدلة اريد بها تقديم صورة وردية لاتفاقية الغاز. ورغم ذلك الانتقاء والتعديل فان اتفاقية الغاز هذه تبدو مجحفة بحق العراق، ولربما كانت ستبدو اكثر اجحافا بكثير فيما لو قامت الوزارة بتقديم العقد بكامله وبجميع ملحقاته وتفاصيله الى لجنة النفط والغاز في مجلس النواب من اجل الدراسة المتمعّنة.
على ان الامر الذي بدا لي مهم جدا من حيث وزنه في المصروفات الاستثمارية من جهة وكشفه عن النوايا الاساسية لشركة شل من جهة اخرى، هو تشييد وحدة تسييل الغاز بكلفة 4,400 مليون دولار. فمن ناحية كلفة هذه الوحدة نجد انها تبلغ 26.6% من كلفة الاستثمار الكلية. ولكن هذه الكلفة انما هي اولية تقديرية لربما تمثل الرقم الاقل من بين عدة تقديرات، لمجرد تزيين فكرة تصدير الغاز بهيئة سائلة، علما ان مثل هذه الكلفة تاخذ بالتصاعد عادة – وينطبق هذا الامرعلى الانشاءات الاخرى للمشروع – كلما ارتفعت اسعار النفط وكلما ازداد زخم الطلب على شركات الانشاء، ما يؤدي بالنهاية الى مضاعفة الكلفة المقدرة او تجاوز الضعف في العديد من الحالات. ولنا دلالة على ذلك في ازدياد المبلغ الكلي المقدر لاكمال هذا المشروع من نحو 12 مليار دولار عندما اعلن عن المشروع في البداية الى 17.2 مليار دولار كما هي الكلفة الكلية المخمنة الان. ولنا في هذا الامر مثل اخر – ومع شركة شل بالذات – حين تعاقدت الاخيرة مع روسيا لاستغلال الغاز في جزيرة سخالين بما يسمى "مشروع سخالين 2"، اذ تجاوزت الكلفة النهائية 24 مليار دولار في حين قُدّرت الكلفة في البداية بنحو 10 مليار دولار فقط.
لا اعرف لماذا يراد من العراق تصدير غازه الطبيعي بهيئة سائلة ولا تفصل العراق عن اسواق الاستهلاك بحار.ان الدول المستهلكة للغاز قريبة من العراق، ويمكن نقل الغاز اليها بواسطة الانابيب على اليابسة، وهي وسيلة ارخص من نقله بحالة سائلة نظرا لقصر المسافة. فبيع الغاز العراقي – هذا اذا فاض على الطلب المحلي – يمكن ان يكون في منطقة الخليج العربي، كما يمكن ان يتجه شمالا الى تركيا او غربا نحو سوريا ليتصل هناك بانبوب الغاز العربي الذي يحمل الغاز المصري الى الاردن ثم شمالا الى سوريا وتركيا مع فرع منه الى لبنان. ويمكن تصدير الغاز الذي يحمله هذا الانبوب من تركيا الى اوروبا سواء بصفة مستقلة او بالاتصال مع انابيب تنقل الغاز المصدر لاوروبا من منطقة بحر قزوين او حتى من ايران اذا تمكنت الاخيرة من تصدير غازها لاوروبا. ولكن، وكما يبدو من العقد، ان نية شل المبيتة هي توريط العراق منذ البداية باستثمارات ضخمة في بنية تحتية متكاملة لتسييل الغاز العراقي حتى يبقى بعد ذلك اسيرا لتلك الاستثمارات وهي صُمّمت اساسا لمصلحة شل وحليفتها الاصغر متسوبيشي.
حالة الاختيار
تعني هذه الحالة ان العراق ليس مجبورا على الاتفاق مع شركة شل – او اي شركة اخرى لهذا الغرض – فهو حر بالتصرف في موارده من الغاز الطبيعي، ويمكنه رفض الاتفاق اذا كان مضرا بمصالحه الاقتصادية. في هذه الحالة اوصي برفض اتفاقية الغاز موضوعة البحث جملة وتفصيلا لسبب اساسي يعلو على جميع الاسباب التي ذكرتها اعلاه، الا وهو ضررها الكبير على الاقتصاد العراقي الذي سينشا من خنق قطاعات الاقتصاد العراقي الانتاجية، وبالاخص قطاع الصناعات التحويلية والقطاع الزراعي المستندة الى استغلال الغاز العراقي الرخيص كمصدر لتوليد الطاقة الكهربائية وكمادة خام اولية (لقيم) رخيصة ايضا في مختلف الصناعات الكيمياوية والبتروكيمياوية.
ان الاقتصاد العراقي، ولاسباب اصبحت معروفة للجميع، قد تدهور تدهورا رهيبا. فصناعاته ماتت وزراعته اصبحت تشرف على الموت. ان المطلوب من العراقيين الوطنيين – وبالاخص اذا كانوا بموقع المسؤولية مثل اعضاء لجنة النفط والغاز في مجلس النواب العراقي – طَرق شتى السبل لاعادة الحياة لعامة القطاعات الاقتصادية، وعلى راسها قطاعي الصناعة والزراعة وهما القاطرة التي ستجر القطاعات الاقتصادية الاخرى على طريق النمو المستدام من جهة وخلق فرص عمل ذات دخل مجزي لابناء الشعب العراقي من جهة اخرى.
ان العراق اصبح، كما هو معروف، متخلفا تكنولوجيا، كما هو متخلف من حيث انتاجية اليد العاملة، نتيجة لما عاناه خلال الاربعة عقود الماضية من قهر وحروب وحصار اقتصادي وسوء ادارة وفساد. ان اهم وسيلة متوفرة لانعاش قطاعي الصناعة والزراعة في ظل التخلف التكنولوجي وانحطاط الانتاجية هو الاعتماد على رخص طاقته ومواده الاولية، وهنا ياتي الدور الحيوي للغاز العراقي ذو الوفرة العظيمة.
ان الغاز الطبيعي موضوع الاتفاقية بين وزارة النفط وشركتي شل ومتسوبيسي هو غاز مصاحب لاستخراج النفط من حقول الرميلة والزبير وغربي القرنة (مرحلة اولى)، وهو رخيص بطبيعته كونه مادة عرضية ليس مقصودا لذاته في العملية الانتاجية وانما المقصود هو النفط. وهو رخيص من جهة اخرى لكونه يُستهلك محليا (لانتاج الطاقة او كلقيم) وهو بهذا لا يتحمل كلفة النقل كما لو تم نقله من اجل استهلاكه في المانيا او اليابان مثلا، علما ان كلفة النقل تعادل نحو ثلث السعر النهائي للغاز. واخيرا، واستنادا الى هذا المنطق تمكنت السعودية - وقد احسنت صنعا – من اقناع منظمة التجارة العالمية، خلال الحوارات المضنية لدخولها كعضو بتلك المنظمة، بان منتجاتها الصناعية المستندة الى الغاز السعودي كمصدر طاقة او كمادة اولية انما هي رخيصة بطبيعتها نتيجة لرخص الغاز المستعمل وليس نتيجة لدعم الاسعار، علما ان منظمة التجارة العالمية لا تقبل بدخول اسواق الدول الاعضاء منتجات مدعومة الاسعار لان ذلك يؤسس لمنافسة غير عادلة. وتتعرض عادة المنتجات مدعومة الاسعار في اسواق الاعضاء – وهي الاسواق الاهم والاكبر في العالم لكونها تستحوذ على التجارة العالمية - الى رسوم جمركية اضافية تعادل مقدار الدعم. ونتيجة لرخص الغاز السعودي (75 سنتا لكل الف قدم مكعب او ما يقارب مليون وحدة حرارية بريطانية) اصبحت المنتجات السعودية البتركيمياوية تغزو اسواق اوربا وامريكا واليابان رغم كون تلك الدول رائدة في الصناعات الكيمياوية والبتركيمياوية.
والان تاتي شركة شل بوسيلة اوباخرى لتقنع وزارة النفط العراقية من خلال الاتفاقية موضوعة البحث ببيع الغاز الخام المنتج من الحقول المذكورة الى الشركة المشتركة، شركة غاز البصرة (BGC)، بالاسعار العالمية – وهي عملية مغرية لمن لا عقل له ولكنه سم مدسوس في عسل – لكي تقوم تلك الشركة بمعالجة الغاز الخام وبيع الغاز الجاف الناتج من المعالجة الى العراق بالاسعار العالمية ايضا. لقد حذّرتُ شخصيا من هذا الفخ مرارا وتكرارا في وسائل الاعلام، كما حذّرتُ لجنة النفط والغاز في مجلس النواب العراقي السابق، الا ان اللجنة تلك كانت مغلوبة على امرها بسبب اصطفافات القوى لصالح وزير النفط السابق. ولقد حذّرتُ ايضا ذلك الوزير في مؤتمر الكندي الهندسي المنعقد في فندق الرشيد ببغداد في تشرين الثاني 2008، وكذلك حذّرتُه في ندوة خبراء النفط والاقتصاد التي انعقدت بفندق الرشيد ايضا في شباط – اذار 2009 من اجل "مراجعة شاملة حول السياسة النفطية في العراق"، وقد اجابني السيد الوزير في احدى امسيات تلك المناسبة بان "لا خلاف بيننا وبينك بهذا الشان، وان كان هناك اختلاف فانه ظاهري وبالكلمات والتعابير فقط، وما عليك الا الانتظار". اقول والان تاتي شركة شل الى الاقتصاد العراقي المشرف على الموت، ليس لشد ازره ومساعدته على النهوض، وانما – وبمساعدة مسؤولين عراقيين - لتطلق عليه رصاصة الرحمة!
لا توقعوا بلدكم بالفخ!
اولا:- تم اشتقاق معدل السعر العالمي للغاز الجاف من معدل سعر زيت الوقود- على اساس المكافئ الحراري - الذي،بدوره، يعادل 74% من معدل سعر النفط الخام "برنت". وبناءً على تلك الصيغة ومعدل 75 دولار لبرميل خام برنت يكون سعر الغاز 9.58 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (BTU).
ثانيا:- يكون سعر الغاز الجاف المجهز من شركة غاز البصرة الى وزارة النفط 33.6% من السعر العالمي، اي 3.22 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، ويكون سعر الغاز الجاف المجهز من وزارة النفط الى السوق المحلية 1.04 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، اي ان الحكومة العراقية ستقدم دعما قدره 2.18 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية مجهزة الى السوق المحلية.
ثالثا:- ان سعر 75 دولار لبرميل برنت يبدو واطئا قياسا بمسوى الاسعار بالوقت الحاضر، وان 100 دولار للبرميل هو الانسب. في هذه الحالة سيرتفع السعر العالمي للغاز الجاف الى 12.77 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، ويرتفع سعر الغاز الجاف المجهز من شركة غاز البصرة الى وزارة النفط الى 4.29 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، ويرتفع سعر الغاز المجهز الى السوق المحلية الى 1.39 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية وبذلك سيرتفع مقدار الدعم الى 2.88 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
رابعا:- ان سعر الغاز الخام المجهز من وزارة النفط (شركة غاز الجنوب) الى شركة غاز البصرة يلفه نوع من الغموض المتعمد. ذلك ان موجز العقد المقدم من قبل وزارة النفط يقول بان سعر الغاز الخام يمثل عشر اجمالي ايردات المشروع. ولا يُعرف بالضبط كيف تم التوصل الى هذه الصيغة ولماذا وكيف يقارن هذا السعر مع السعرالعالمي الحقيقي للغاز الخام. فاذا افترضنا ان الغاز العراقي الخام سيجهز الى شركة غاز البصرة بالسعر العالمي، وهو سعر يحدده بصورة رئيسية سعر النفط العالمي (خام برنت مثلا) ثم نسبة الكبريت في الغاز وحجم السوائل النفطية المتوفرة به ونوعيتها، فكيف تتحمل شركتا شل ومتسوميشي 49% من كلفة تخفيض سعر الغاز الجاف المجهز الى وزارة النفط بمقدار 33.6%؟ اما اذا بيع الغاز الخام الى شركة غاز البصرة باقل من السعر العالمي وهذا ما يبدو واضحا بغياب العقد وملحقاته وتفاصيله، فكيف يُسمح لشركتي شل ومتسوبيشي بالاستفادة من السعر المخفض مع تصدير 49% من الغاز الجاف بالاسعار العالمية؟ اضف الى ذلك الغموض اننا لا زلنا لا نعرف ماذا سيحدث للسوائل النفطية المستخلصة، وهي ذات اهمية اقتصادية كبيرة.
خامسا:- نظرا للغموض الشديد الذي يلف عملية شراء الغاز الخام فان منظمة التجارة العالمية ستفترض بان العراق يبيع الغاز الخام الى شركة غاز البصرة بالاسعار العالمية وان العراق يشتري الغاز الجاف من شركة غاز البصرة بالاسعار العالمية ايضا. وفي هذه الحالة فان مقدار الدعم الذي يقدمه العراق الى الغاز الجاف المستهلك محليا هو 8.54 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية على اساس 75 دولار لبرميل خام برنت، ويرتفع ذلك الدعم الى 11.38 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية على اساس 100 دولار لبرميل خام برنت.
سادسا:- على اية حال، ومهما كانت قيمة الدعم التي ستتراوح بين 2.18 دولار كحد ادنى و11.38 دولار كحد اعلى لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، فان المنتجات العراقية المستندة الى الغاز المدعوم كمصدر طاقة او كمادة اولية ستصبح اغلى من مثيلاتها في الاسواق بمقدار الرسوم الجمركية المضافة والمعادلة لمقدار الدعم، وبذلك ستخسر تلك المنتجات تنافسيتها او ميزتها النسبية وستتعرض الى الكساد. ان هذا الامر سيكون سببا رئيسيا لمنع الاستثمار الاجنبي المباشر من دخول العراق – اضافة لعدم توفر البيئة المؤاتية - للمشاركة في الصناعات الكيمياوية والبتروكيمياوية، والعراق بامس الحاجة لها. بالمقابل، وبسبب تسعير الغاز السعودي بنحو 75 سنتا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية – دون تقديم اي دعم - نرى ان افضل الشركات العالمية قد دخلت السعودية للمشاركة في الصناعات المستندة الى الغاز السعودي، جالبة معها المال والتكنولوجيا وفنون الادارة الحديثة، حتى اصبحت الشركة السعودية للصناعات الاساسية سابك (SABIC) واحدة من الشركات العالمية الرائدة في صناعة الكيمياويات والبلاستيكيات والاسمدة والبوليمرات والمعادن، تتولى توريد هذه المنتجات لشركات الصناعات التحويلية حول العالم، واكبر شركة صناعية غير بترولية بالشرق الاوسط.
سابعا:- جاء في الموجز ان العراق سيحصل خلال مدة المشروع على عوائد مالية (بضمنها الضرائب والرسوم مطروحا منها مبلغ الدعم) مجموعها 31,138 مليون دولار، مقابل استغلال كامل الغاز المنتج من حقول الرميلة والزبير والقرنة (1) لمدة 25 سنة قابلة للتمديد. وذلك يعني ان معدل العوائد المالية التي ستدخل الميزانية العراقية ستكون نحو 1,245 مليون دولار سنويا، او اقل من 1.25 مليار دولار سنويا. ان هذا المبلغ تافه جدا اذا ما قورن مع العوائد السنوية الناتجة من تصدير النفط حاليا، فكيف اذا صعد انتاج العراق من النفط الى ثلاثة اضعاف ما ينتجه حاليا؟ بل ان هذا المبلغ هو اقل حتى مما يسرقه "الحبربش" من العراق سنويا!!! فلماذا يُراد توريط العراق بهذا العقد، وهو كما اوضحنا، مؤذي جدا اذ سيؤدي الى خنق الصناعات العراقية واعاقة عملية اعادة بناء الاقتصاد العراقي وتنويع مختلف قطاعاته وتنميتها من اجل تخليص العراق من الاعتماد الذي يكاد يكون كليا في الوقت الحاضر على الصادرات النفطية، اي، بمعنى اخر، تخليص العراق من كونه دولة ريعية؟
ثامنا:- لا بد من التذكير هنا ان العراق يملك ثالث احتياطي نفطي مثبت بالعالم، اي ياتي بعد السعودية وايران، هذا اذا التزمنا بما هو منشور في هذا المجال، ولكن العراق، كما هو معروف، لم ينجز اي استكشافات جدية في اراضيه منذ نشوب الحرب مع ايران في سنة 1980. اذ لا زالت هناك المئات من التراكيب الجيولوجية الواجب دراستها، وهناك احتمال كبير بان الاحتياطيات النفطية التي ستكتشف تعادل ضعف ما هو مكتشف حاليا. ان كل هذا يعني ان العراق دولة نفطية بامتياز، اي مصدّرة للنفط وليس دولة غازية، وسيبقى دولة مصدّرة للنفط لعشرات السنين في المستقبل. من جانب اخر نجد ان الغاز ينافس النفط، بل يفضل عليه في توليد الطاقة الكهربائية نظرا لنضافته وصداقته للبيئة. اضف الى ذلك ان وحدة الكهرباء المتولدة من حرق الغاز هي ارخص من مثيلتها المتولدة من حرق النفط في حالة استعمال الطوربينات الغازية ذات الدورة المدمجة او المغلقة (CCGT)، وهي اكثر كفاءة من الطوربينات البخارية المستعملة مع النفط. ان كل هذا يعني انه من الافضل بكثير اسعمال الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية بدلا من النفط لكون الغاز افضل من النفط بيئيا واقتصاديا، اي انه من الافضل للعراق حرق الغاز محليا لتوليد الطاقة الكهربائية بدلا من حرق زيت الوقود (نلاحظ هنا ان وزارة الكهرباء تفعل العكس، وهذا ناتج من قلة دراية المسؤولين وربما لامبالاتهم). قلنا ان الغاز ينافس النفط في مجال توليد الطاقة الكهربائية، فكل 5,600 قدم مكعب من الغاز يقوم العراق بتصديرها سيقلل الطلب العالمي على النفط بمقدار برميل واحد من النفط. فاذا كانت شركة غاز البصرة ستصدر، مثلا، 500 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا فان الطلب العالمي على النفط سيهبط بمقدار 90 الف برميل يوميا. ونظرا لان منظمة اوبك تقوم مقام المجهز الاخير للطلب العالمي على النفط، فان الطلب على نفط اوبك سيهبط بنفس المقدار. وبما ان حصة العراق المتعارف عليها هي 14.5% من الطلب الكلي على نفط اوبك، فان الطلب على النفط العراقي سيهبط بمقدار 13,050 برميل يوميا او نحو 4.8 مليون برميل سنويا، ما يكبد العراق خسارة مالية قدرها نحو 480 مليون دولار سنويا. من كل هذه الحسابات اريد القول بان تصدير الغاز العراقي بدلا من استغلاله محليا، اضافة الى اثره التدميري لنهضة العراق الاقتصادية، ينتج عنه تلويث البيئة العراقية وتوليد طاقة كهربائية اغلى، نظرا لاستعمال زيت الوقود بدلا عنه في توليد الطاقة الكهربائية. اضف الى ذلك ان تصدير الغاز، وهو المنافس التقليدي للنفط، سيؤدي الى الاضرار المالي بالعراق كما تم حسابه اعلاه.
تاسعا: من الناحية القانونية، ظهرت مذكرةً الى العلن صادرة من مستشار رئيس الوزراء للشؤون القانونية، الدكتور فاضل محمد جواد. وبموجب مطالعته القانونية يبدو ان المستشار رفض عقود انشاء شركة غاز البصرة جملة وتفصيلا لتعارضها مع العديد من مواد قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997. وقد بين الدكتور المستشار – اضافة الى تعارض تلك العقود مع القوانين العراقية - ان مجالات الاستثمار (الخاص) سواء كان وطنيا او اجنبيا في القطاع النفطي محددة حصرا في الوقت الحاضر في مجال تصفية النفط الخام وفي مجال استيراد وبيع المشتقات النفطية، وان الغاز العراقي ليس مجالا للاستثمار الوطني الخاص، ناهيك عن الاستثمار الاجنبي. لم ياتي ذكر لهذه المطالعة ضمن الموجز الذي قدمته وزارة النفط، ولا يُعرف كيف سُوّيت تلك المسائل القانونية الخلافية.
مناشدة وتحذير
اخيرا اود ان اذكر بان هذا العقد غير متوازن، فهو يميل بشدة لصالح الشركات. وهنا اناشد اخوتي في لجنة النفط والغاز – بصفتهم ممثلي الشعب العراقي في هذا الوقت – بضرورة اخذ الحيطة والحذر والتوصية الى مجلس النواب الموقر بعدم المصادقة على هكذا عقد. ذلك انه يضر ضررا بليغا بالعراق ويحرمه من الاستفادة من الميزة النسبية الناشئة عن رخص الغاز في اعادة بناء الاقتصاد العراقي وتطويره. اما اذا تم، لسبب او لاخر، تمرير هذا العقد والمصادقة عليه فان العراق في حالة استكانة شعبه سيبقى فقيرا، معتمدا دوما على ما تدره صادرات النفط من اموال لاستيراد البضائع المصنعة من دول الجوار وكذلك استيراد منتجاتها الزراعية، ولربما هذا ما تريده هذه الدول من العراق، وهو ان يبقى دولة ريعية ضعيفة متخلفة تابعة للغير، لا تملك الا بيع النفط واستيراد ما تحتاجه من بضائع مصنعة ومنتجات زراعية من دول الجوار. نعم، تريد تلك الدول ان يبقى العراق نهبا لكل من هب ودب من اللصوص، لا يعرف كيف يوفر ابسط الخدمات الاساسية للمواطنين رغم مرور اكثر من ثماني سنوات على سقوط النظام السابق، ولا يعرف كيف يبني محطات كهربائية لتلبية ما يحتاجه شعبه المظلوم من كهرباء، ولا يعرف كيف يبني مصافي لتلبية حاجات الشعب من المشتقات النفطية بدلا من استيرادها من الخارج، بل عليه بدلا من ذلك الامتثال لتلبية ما يُطلب منه ويُملى عليه، ومن بين تلك المطالب تصدير الغاز من جهة ثم استيراده من ايران من جهة اخرى – وهذا ما وافق عليه مجلس الوزراء مؤخرا - لكي ينطبق عليه المثل العراقي الدارج "يبيع تمر ويشتري خرمة".
ولكن الشعب العراقي العظيم كعادته لن يستكين. ففي حالة اذا كان العراق مكرها لسببٍ او لاخر على قبول هذا العقد الاخرق نتيجة لضروف غير طبيعية يمر بها الان، فانني على يقين بان هذا العقد لن يدوم وسيُرفض من قبل الشعب حال تبدل الاوضاع الراهنة. كنت اعتقد ان شركة شل تعلمت من تجربتها السابقة في سخالين حين تمكنت في سنة 1991 من استغلال ضعف ادارة الرئيس يلتسن والفوضى العارمة التي كانت تلف روسيا انذاك، واقتطفت خلال تلك الفوضى عقدا يميل بشدة لصالحها. ولكنها، وبعد تحسن الاوضاع السياسية في ظل الرئيس بوتين، اضطُرت الى التخلي عن الحصة الاكبر (51%) لصالح شركة الغاز الروسية غازبروم (Gazprom).
ولكن يبدو ان شل لم تتعلم من تلك التجربة، مع شديد الاسف، فهي تحاول جاهدة تكرار نفس التجربة مع العراق ولكن بطريقة اسوأ وأحقر كثيرا من سابقتها.
غير ان الشعب العراقي سوف لن يستكين حين يكتشف حقيقة ما قامت به هذه الشركة. وستتعرض شل لصدمة كبرى حين يتولى شؤون العراق ساسة وطنيون يضعون مصلحة البلاد فوق كل اعتبار.
14/8/2011
ملاحظة من الناشر: يمكن الاطلاع على معلومات اضافية عن موضوع الغاز العراقي، بالتوجه الى هنا.
هناك تعليق واحد:
لقد ابتلي العراق بمصيبة المصائب ليس فقط احتلال العراق وانما حكومة عميلة وسارقة وغبية لاتكتفي بالسرقة ولكن تعزم حلفاؤها من الصهاينة والصفويون لمشاركتها السرقات
واحسرتاه على القائد الشهيد صدام حسين الذي امم النفط وطرد الشركات الاجنبية التي كانت تستغل نفط العراق ومن ظمنهم شركة شل التي يتعاقد معها العملاء الان
نقول ان الزمن دوار وسياتي اليوم الذي ينتصر فيه شرفاء العراق ويدحر المستعمر كل عميل وسارق
إرسال تعليق