في أدناه مقالان مهمان، وصلاني من كاتبيهما عبر البريد الألكتروني، يستعرضان جوانب مفصلية من مسيرة عمر سليمان المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية في مصر، يتزامنان وتصدّره قائمة مرشحي الرئاسة المحتملين، وفق نتائج استطلاع الرأي المعلن على الصفحة الرسمية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة على موقع "فيس بوك"، حاصداً 21 % من الأصوات المشاركة، ومتخطيًا سائر المرشحين.
عمر سليمان.. اتهامات في انتظار التحقيق
تحقيق: عبد الرحمن عكيلة
الرجل الغامض.. أو كما يطلق عليه الصندوق الأسود لنظام مبارك، الذي يعرف جميع الخبايا وخفايا الأمور بحكم عمله السابق كمدير لجهاز المخابرات، والذي تولى منصب نائب الرئيس خلال أحداث الثورة.
عمر سليمان.. الرجل المسكوت عنه، ورغم الكثير من الشكوك والشبهات التي تحيط به ما زال حرًّا طليقًا لم يُفتح معه أي تحقيق إلى الآن، ولم يقدم دليل واحد يدينه، بل قد نراه مرشحًا في انتخابات الرئاسة القادمة، فالرجل يبدو أنه يعرف كيف يخفي آثار ما صنعت يداه جيدًا، وكيف لا وهو مدير المخابرات السابق لمدة قاربت الـ18 سنة؟.
جرائمه تبدأ من علاقته المشبوهة بجهاز المخابرات المركزية الأمريكية "السي آي إيه"، إلى مواقفه المناهضة للمقاومة الفلسطينية؛ وخاصةً حركة حماس، والداعمة للكيان الصهيوني وآخرها إفساده لعلاقات مصر بدول حوض النيل، فلو طالعنا ما نشر حوله لوجدنا الكثير من الجرائم التي تجره- بلا شك- إلى مبارك وأولاده داخل قفص الاتهام.
نشرت صحيفة "الكورييري ديلا سيرا" الإيطالية تحقيقًا استقصائيًّا حول عمر سليمان، قالت فيه: إنه هو من لفَّق كذبة تعاون الرئيس العراقي الشهيد صدام حسين مع تنظيم "القاعدة"، وهي التهمة التي بررت للرأي العام الأمريكي قرار غزو العراق واحتلاله.
وكشفت كذلك أن سليمان هو الذي لفَّق تهمة انتماء الشيخ "أبو عمر" لـ"تنظيم القاعدة"، وهو مَن تولى اختطافه في إيطاليا وتسليمه للأمريكان، الذين توصلوا إلى عدم صحة الاتهام الذي لفَّقه.
وأضافت الصحيفة في عددها الصادر في 3 فبراير 2011م أن وسائل الإعلام الأمريكية نبشت هي الأخرى مؤخرًا الماضي الأسود لعمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات المصرية، الذي أصبح قبل يومين نائبًا لرئيس الجمهورية؛ حيث قالت: إن سليمان كان يدير بتفويض من وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه"، برنامج " EXTRAORDENARY RENDITION" الذي بدأ في العام 1995م، وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بموجبه باعتقال أو اختطاف أشخاص بتهمة الإرهاب وقامت بتحويلهم إلى بلدان مختلفة؛ حيث عانوا هناك في سجون سرية من التعذيب الشديد؛ لانتزاع معلومات منهم تفيدها في حروبها في الخليج، ولاحقًا في أفغانستان.
واستطردت الصحيفة: "تم تحويل أكثر من 70 شخصًا من أولئك الإرهابيين المفترضين ومن بينهم الإمام أبو عمر– إمام مسجد مدينة ميلانو في إيطاليا– والذي تم اختطافه في شهر فبراير من عام 2003م إلى مصر؛ حيث قامت مجموعة من رجال الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" بالوصول إلى مدينة ميلانو دون علم الحكومة الإيطالية رسميًّا، وبالاتفاق مع رئيس الحكومة الإيطالية شخصيًّا "سيلفيو برلسكوني" ورئيس جهاز الاستخبارات الإيطالية "سيسمي"، واختطفت إمام المسجد من الشارع وخدرته ونقلته إلى مطار "لاي نات" بحسب مصادر استخبارية إيطالية، ثم تم تحميله على طائرة خاصة نقلته إلى مصر؛ حيث قام عمر سليمان بالإيعاز إلى جهاز المخابرات المصري بتعذيبه وانتزاع الاعترافات منه، وتبيَّن فيما بعد أن الإمام "أبو عمر" لم يكن ينتمي إلى أي تنظيم إرهابي، ولم يتمكن عمر سليمان من انتزاع أي معلومات مهمة منه؛ ما دفع الأمريكان إلى مطالبة جهاز المخابرات المصرية بإطلاق سراحه بعد سنواتٍ من التعذيب، إلا أن القضاء الإيطالي أصرَّ بعد أن كُشفت القضية على التحقيق في الحادث، رغم معارضة رئيس الوزراء الإيطالي، بحجة أن ذلك يضر بالأمن الإيطالي وبالمصالح الوطنية العليا في إيطاليا.
وتابعت: "كلف قاضي التحقيق الإيطالي الشرطة بالبحث عن الكيفية التي دخل بها الـ"سي آي إيه"، وبعد جلسات كثيرة أصدر القاضي الإيطالي المكلف بالقضية أحكامًا بالسجن على عدد من ضباط المخابرات الأمريكية والإيطالية، كما دار جدل ونقاشات حادة بين الأوساط السياسية والأمنية الإيطالية؛ حيث قالت مصادر صحفية: إن القاضي الإيطالي كان يصرُّ على إصدار مذكرة اعتقال بحق عمر سليمان بتهمة الاعتداء على حرية الآخرين، وتهمة اختطاف إيطاليين من الشوارع العامة والتعذيب، إلا أن الرئيس الإيطالي تدخل بقوة ومنع إصدار تلك المذكرة.
وأضافت أن عمر سليمان قام بالتعاون مع أجهزة استخبارات عربية أخرى للغرض نفسه، وتقول المصادر الإعلامية الأمريكية: إن من القصص التي تشير إلى مدى العلاقة بين عمر سليمان وأجهزة الاستخبارات الأمريكية أنه حينما قامت القوات الأمريكية في أفغانستان بقتل شخص اعتقدت أنه أيمن الظواهري، طلبت من عمر سليمان أن يقوم بمقارنة الـ"دي إن إيه" للجثة وشقيق أيمن الظواهري في مصر؛ ليتأكدوا من شخصية القتيل، ورد عليهم عمر سليمان: "إذا أردتم، يمكن أن أبعث لكم بإحدى يدي شقيق الظواهري، وأنتم تقومون بفحص الـ"دي إن إيه".
أيضًا حينما تم اعتقال (شيخ الليبي) في أفغانستان قامت القوات الأمريكية بإرساله إلى عمر سليمان في مصر، وطلب جهاز الـ"سي آي إيه" منه أن ينتزع منه اعترافات بأنه من أعضاء القاعدة الكبار، وأن هناك علاقات بين القاعدة وصدام حسين في حينها، وتحت وطأة التعذيب الشديد اعترف الرجل بما طُلب منه الاعتراف به، وأُرسلت الاعترافات إلى أمريكا؛ حيث تم تمريرها إلى (كولن باول) والذي استخدمها كمعلوماتٍ مُوثَّقة في الأمم المتحدة لتبرير الهجوم على العراق واحتلاله.
لقد قدم عمر سليمان واحدًا من أهم المبررات لاحتلال العراق، وكان ذا فائدة كبيرة للأمريكيين، ومن المفهوم اليوم أن تكون الولايات المتحدة تدفع باتجاه أن يكون الرئيس القادم لمصر هو عمر سليمان رجل الـ" سي آي إيه " القوي في المنطقة.
وفي تحقيقٍ مُوسَّع كتبه "يوسي ميلمان" معلق الشئون الاستخبارية في صحيفة "هارتس" الصهيونية بعنوان: "عمر سليمان.. الجنرال الذي لم يذرف دمعة خلال حملة الرصاص المصبوب" قال: إن عمر سليمان معروف للعشرات من كبار العاملين في الأجهزة الاستخبارية الصهيونية، بالإضافة إلى كبار الضباط في الجيش الصهيوني، وموظفين كبار في وزارة الدفاع، بالإضافة إلى رؤساء حكومات ووزراء.
يضيف أنه منذ أن تولى مهام منصبه كرئيس لجهاز المخابرات عام 1993م، فإنه يقيم اتصالات دائمة بمعظم قادة الأجهزة الاستخبارية الصهيونية، وضمنها: الموساد، والمخابرات الداخلية "الشاباك"، وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان".
وينقل ميلمان عن رئيس الموساد الأسبق شبطاي شفيت قوله إن لقاءاته مع سليمان كانت أحيانًا تتطرق لقضايا شخصية؛ حيث كان يتحدث له عن عائلته وأولاده الثلاثة وأحفاده.
كراهية
ويقدم وزير الداخلية الصهيوني الأسبق عوزي برعام في مقال نشره في صحيفة صهيونية شهادة ذات دلالة حول محاولات عمر سليمان التودد للصهيونيين عبر الحديث عن الدور الذي يقوم به النظام المصري في ضرب جماعة الإخوان المسلمين .
ويشير إلى أنه خلال زيارته للقاهرة بصفته وزيرًا للداخلية عام 1995م، التقى عمر سليمان الذي وُصف آنذاك بأنه "الذراع اليمنى" لمبارك؛ حيث تفاخر سليمان أمامه بنجاح النظام المصري في توجيه ضربات للإخوان المسلمين.
ويضيف سليمان أن الإخوان المسلمين أقوى بكثير مما هو متصور لدى العالم الخارجي، ونقل عنه قوله بالحرف الواحد: "نحن نقطع الليل بالنهار في حربنا ضدهم، من أجل وقف تعاظم قوتهم، وهذا أمر صعب؛ لأن المساجد تعمل في خدمتهم"، وبعد ذلك تحدث بالتفصيل عن الطرق التي يتبعها النظام في محاربة "الإخوان".
ويؤكد ميلمان أن سليمان يعتبر أحد الأشخاص الذين أسهموا في التوصل لصفقة بيع الغاز المصري للكيان الصهيوني، وهي الصفقة التي يعترض عليها ويرفضها المصريون؛ لأن مصر التزمت فيها ببيع الغاز بأسعار رمزية مقارنةً بسعر الغاز في السوق العالمية.
ويضيف أن رئيس الموساد الأسبق "شفتاي شفيت" الصديق الشخصي لسليمان استغل علاقته به، وطلب منه تسهيل التوصل لصفقة بين الحكومة المصرية وشركة صهيونية يملك شفيت نسبة كبيرة من أسهمها.
وتقول "ميرا تسوريف"، المحاضرة في مركز "ديان" بجامعة تل أبيب: إن تولي عمر سليمان مقاليد الأمور بعد مبارك يمثل بالنسبة لـ"إسرائيل" "استمرارية مبارك"، مشيرةً إلى أن طريقة حكم مصر عندها لن تتغير، بل تصبح فقط أكثر لينًا ومرونة .
جلاد دولي
وأشار الصحفي البريطاني ستيفن جراي، الحائز على جوائز دولية في الصحافة الاستقصائية، إلى جرائم عمر سليمان التي أوردها في كتابه "الطائرة الشبح" الذي يتربع على رأس أكثر الكتب مبيعًا حول العالم، وذلك خلال حديث شخصي مع صحفي سوري معارض، حيث أكد أن عمر سليمان كان ولم يزل الطرف المصري الأساسي في التعامل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، والقناة الأساسية للتواصل بين الإدارة الأمريكية ومبارك حتى في قضايا لا علاقة لها بالاستخبارات والأمن.
ويضيف في كتابه أن اختيار مصر مبارك كمحطة لتعذيب المختطفين لم يأت بمحض المصادفة، ففي مصر تراث من التعذيب وأقبية التعذيب يعودا في عصرهما الحديث إلى اليوم الذي ساق فيه عبد الناصر مناضلي الشعب المصري إلى زنازين أبو زعبل وليمان طره، أما الميزة الأخرى فهي وجود ضابط دموي جلاد على رأس المخابرات العامة يُدعى عمر سليمان يهوى رؤية القتل والتصفيات الجسدية بعينيه، بل حتى ممارستها بيديه!.
ويتابع جراي بالقول: في 21 يونيو 1995م، وقَّع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون توجيهه الرئاسي باختطاف وتعذيب كل مشتبه فيه بممارسة الإرهاب حول العالم، ولم يكن على "ساندي بيرجر" مستشاره لشئون الأمن القومي سوى أن يطلق عملاءه عبر العالم، وكان أول هؤلاء ضابطًا مصريًّا يدعى عمر سليمان، وما أن تلقى إشارة واشنطن حتى مد رجاله مع رفاقه الأمريكيين إلى كرواتيا في سبتمبر 1995م؛ ليختطفوا طلعت فؤاد قاسم إلى سجن أبو زعبل شرقي القاهرة، ومن ثَمَّ تصفيته هناك بعد زيارة "ودية" إلى أقبية عمر سليمان في المخابرات العامة!.
أما المعتقل الأسترالي السابق ممدوح حبيب، الذي تولى عمر سليمان أيضًا تعذيبه شخصيًّا في القاهرة وفقًا لجراي، فنقلته إحدى طائرات الشبح من باكستان إلى أقبية مخابرات مبارك، وهناك فشل سليمان في إرغامه على الاعتراف، فلم يكن أمامه سوى أن يقتل زميله التركمانستاني أمام عينيه كما لو أنه يفسخ دجاجة!.
عمر سليمان اللغز.. وخدعة التصويت الإلكتروني
أحمد عز الدين
كان من دواعي العجب أن يتصدر عمر سليمان نائب الرئيس المصري السابق، هذا الأسبوع، ولأول مرة- قائمة مرشحي الرئاسة المحتملين، وفق نتائج استطلاع الرأي المعلن على الصفحة الرسمية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة على موقع "فيس بوك"، بعد أن حصل على 21 % من الأصوات المشاركة، متخطيًا سائر المرشحين.
الخبر السابق بدا للبعض وكأنه حقيقي، حتى أن "بوابة الأهرام الإلكترونية"، التابعة لمؤسسة الأهرام الصحفية نشرته دون تعليق.
ثم اتضح أن هناك عملية تزوير كبيرة حدثت لصالح سليمان بواسطة بلطجية الإنترنت أو من أسمتهم الصحافة "ميليشيات إلكترونية".
كانت صفحة المجلس العسكري قد أطلقت في 19 يونيو الماضي استطلاعًا للرأي حول المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، وضمت القائمة عددًا من الأسماء المتداولة، من بينهم سليمان الذي حاز قرابة 1500 صوت، ارتفعت في يومين فحسب إلى عشرات الألوف!!
وقال موقع "الجريدة" الإلكتروني إن مجموعة تدعمها سيدة مقربة من سليمان تجند شبابًا لتأسيس حسابات وهمية على موقع"فيس بوك" والتصويت لصالح سليمان ودفعه إلى صدارة المشهد.
استطلاعات غير دقيقة
ولا تعد استطلاعات الرأي عبر الإنترنت وسيلة علمية تعكس واقع المجتمع، أي مجتمع، فالتصويت الإلكتروني لا يأخذ بأي معايير في اختيار العينات من حيث التوزيع الجغرافي، أو السن، أو العمل، أو الجنس، وهو ينحصر بين فئة معينة من الناشطين عبر الشبكة العنكبوتية، لا تزال تمثل نسبة بسيطة من الشعب المصري، وإن كانت في تزايد مستمر.
كما يمكن للشخص الواحد التصويت أكثر من مرة، والتغلب على العوائق التي تحول دون ذلك، ويمكن توجيه الاستطلاع عبر الدخول بكثافة بأسماء مستعارة للتصويت لصالح شخص بعينه.
وفي استطلاعات الإنترنت لا تختار الجهةُ التي تقوم بالاستطلاع العينةَ التي يتم استطلاع رأيها، ولكن المصوتين يشاركون في الاستطلاع من تلقاء أنفسهم، ويوجهون الدعوة لآخرين للمشاركة.
وإضافة لما سبق، فإن متصفحي الإنترنت لهم اهتماماتهم الخاصة، وهم يعتادون على الدخول على مواقع معينة، وقد يستخدم البعض الإنترنت بكثافة ومع ذلك لا يدخل على بعض المواقع إلا نادرًا أو لا يراها مطلقًا.
ورغم الأسباب السابقة، يلجأ البعض لاستطلاعات الرأي على الإنترنت ربما لتهيئة الرأي العام لبعض القرارات والمواقف، أو خلق حالة من التواجد الافتراضي.
وتثير محاولة "تلميع" عمر سليمان ودفعه إلى الواجهة الاستغراب، وتدفع للاستفهام؛ فقد كان من بين مطالب الثورة بعد نجاحها مطلب عدم تمكين عمر سليمان من تولي أي منصب سياسي أو سيادي، خاصة بعد أن شكك في أول حديث له لمحطة "إيه بي سي" بعد توليه منصب نائب الرئيس في استحقاق الشعب المصري للديمقراطية، ثم تكشفت وقائع ومواقف وشبهات كثيرة حوله.
في خدمة النظام
قضى عمر سليمان قرابة عقدين من الزمان رئيسًا لجهاز المخابرات العامة، أقحم فيها المخابرات في تنفيذ سياسات النظام البائد، ويقول الصحفي البريطاني ستيفن جراي في كتابه"الطائرة الشبح"Ghost Plane إنه استغل الحرب الأمريكية على ما يسمى بالإرهاب لاختطاف عناصر مصرية من الخارج، كما جعل من مصر بالاتفاق مع المخابرات الأمريكية محطة لتعذيب المختطفين ضمن برنامج "التسليم فوق العادي".
كما ذكرت صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية في 3 فبراير الماضي أن رجال سليمان اختطفوا نحو 70 شخصًا منهم طلعت فؤاد قاسم من كرواتيا في سبتمبر1995، وممدوح حبيب من باكستان، و"أبو عمر" من إيطاليا، و"ابن الشيخ" الليبي، وأن عمر سليمان هو صاحب مقولة تعاون صدام حسين مع القاعدة التي قُدمت للرأي العام الأمريكي لتبرير غزو العراق.
وتقول تقارير إنه حين قامت القوات الأمريكية في أفغانستان بقتل شخصاعتقدت أنه أيمن الظواهري طلبت من عمر سليمان مقارنة الحمض النووي للجثة بحمض شقيق الظواهري في مصر للتأكد من شخصية القتيل، فرد عليهم سليمان: "إذا أردتم يمكن أن أبعث لكم إحدى يدي شقيق الظواهري لتقوموا بالفحص".
لم يكن عمر سليمان حلقة الوصل بين المخابرات المصرية والمخابرات الأمريكية فحسب، بل كان "قناة الاتصال الأساسية بين الإدارة الأمريكية ومبارك "، كما كان مكلفًا بملف العلاقات مع الكيان الصهيوني.
وكانت لسليمان علاقات وثيقة مع رؤساء الوزارات والوزراء وكبار ضباط الجيش والمخابرات الصهاينة كما يقول يوسي ميلمان معلق شؤون الاستخبارات في صحيفة "هاآرتس"الصهيونية الذي يؤكد أن سليمان أحد من أسهموا في التوصل لصفقة بيع الغاز المصري لإسرائيل، بعد أن استغل رئيس الموساد الأسبق شفتاي شفيت صداقته لسليمان، وطلب منه تسهيل التوصل لصفقة مع شركة يملك شفيت نسبة كبيرة من أسهمها.
وقد نشر الإعلام المصري وثائق بخط يد سليمان يوجه فيها وزير البترول الأسبق، كما يستعجله بشأن إتمام الصفقة. والغريب أن يُحاكم مبارك وحسين سالم بشأن هذه الصفقة ولا يأتي ذكر لسليمان.
القضية الفلسطينية
وينقل يوسي ميلمان عن أحد قادة الاستخبارات الإسرائيليين قوله إنه التقى سليمان عندما كانت الانتفاضة الثانية في بدايتها، حيث سب سليمان ياسر عرفات بأقذع الشتائم، لأنه لم يستمع لنصائحه بالعمل على وقف الانتفاضة، وأن سليمان انتقم من عرفات أشد الانتقام، فعندما شنت إسرائيل حملة "السور الواقي" عام 2002، اتصل عرفات بسليمان واستعطفه أن تتدخل مصر وتقوم بإجراء رمزي للتعبير عن رفضها السلوك الإسرائيلي، لكن سليمان تجاهل عرفات ورفض الرد على اتصالاته، وسمح بتوفر الظروف التي أدت إلى حصار عرفات وانهيار السلطة في ذلك الوقت.
كما مارس عمر سليمان ضغوطًا شديدة على حركة حماس، وتخصَّص في الضغط على سورية إثر اغتيال رفيق الحريري.
مع الصهاينة .. ضد الإخوان
ويقدم وزير الداخلية الصهيوني الأسبق عوزي برعام في مقال له شهادة ذات دلالة حول محاولات سليمان التودد للإسرائيليين عبر الحديث عن الدور الذي يقوم به في ضرب الإخوان المسلمين، ويشير إلى أنه خلال زيارته للقاهرة بصفته وزيرًا للداخلية عام 1995، التقى سليمان الذي تفاخر أمامه بنجاح النظام المصري في توجيه ضربات للإخوان (المحاكمات العسكرية في نفس العام)، وأبلغه أن الإخوان أقوى بكثير مما هو متصور لدى العالم الخارجي ونقل عنهقوله: "نحن نقطع الليل بالنهار في حربنا ضدهم، من أجل وقف تعاظم قوتهم، وهذا أمر صعب، لأن المساجد تحت تصرفهم " (بدأت حرب تأميم المساجد). وينقل يوسي ميلمان عن معارف سليمان في إسرائيل قولهم إنه كان شديد الكراهية لجماعة "الإخوان المسلمين"، وحين اضطر للاجتماع بهم بعد الثورة ادعى عليهم ما لم يقولوه إذ قالوا إنهم طلبوا الاجتماع به مباشرة من دون البرادعي وخرج من الاجتماع ليعلن أن المجتمعين اتفقوا على كذا وكذا، وهو ما لم يحدث.
كما قام سليمان بإظهار مشاعره تجاه الإخوان للأمريكان، ووصفه السفير الأمريكي السابق بالقاهرة فرانك ريتشاردوني (وهو أيضًا من رجال المخابرات) بأن مهمته الوحيدة وهمّه الأكبر حماية النظام وحياة الرئيس، ولاؤه لمبارك صلب كالصخر، موضحًا أن السلطات المصرية دأبت على التخويف بغول الإخوان.
وقالت د. ميرا تسوريف، المحاضرة في مركز "ديان" بجامعة تل أبيب –قبل الثورة-إن تولي سليمان مقاليد الأمور بعد مبارك يمثل بالنسبة لإسرائيل "استمرارية مباركة"، مشيرة إلى أن طريقة حكم مصر عندها لن تتغير، بل تصبح فقط أكثر لينًا ومرونة.
واعتبرته صحيفة "معاريف" الصهيونية (30/1) صديقًا مؤيدًا لإسرائيل.
وكشف موقع ويكيليكس، نقلاً عن مصادر إسرائيلية، أن سليمان كان يتواصل مع إسرائيل عبر خط ساخن، كان يستخدم يوميًا، كما كشف أنه كان شخصية محورية في ترتيب صفقة الغاز مع إسرائيل، وقد تعهد لإسرائيل بتطهير سيناء من مهربي الأسلحة.. وأنه كان دائمًا مرشح إسرائيل المفضل للرئاسة.
وفي أثناء الثورة نقلت الإذاعة العبرية عن وزير شؤون الاستخبارات الصهيوني دان مريدور قوله إنه "رغم التوقعات السوداوية التي تسود لدينا فإن الأمل الوحيد الذي نتعلق به هو أن تؤول الأمور في النهاية إلى السيد عمر سليمان، فتجربة العلاقة بيننا وبين هذا الرجل تجعلنا نؤمن بأن العلاقات في عهده ستكون أكثر رسوخًا مما كانت عليه في عهد الرئيس مبارك".
وأخيرًا فقد كان سليمان رجل ليبيا في مصر، وفق ما جاء بحديث وزير الخارجية الليبي المنشق على القذافي، عبد الرحمن شلقم لصحيفة "الحياة" اللندنية، وأنه أدى خدمات للقذافي من قبيل "نقل" وزير الخارجية الليبي الأسبق المعارض للقذافي، منصور الكخيا من مصر إلى ليبيا، الذي لم يُعثر له على أثر حتى الآن.
لغز التحقيقات مع سليمان
وفي26 مايو الماضي، نقلت صحيفة "الأخبار" المصرية أن سليمان شهد - أمام جهات قضائية - بأن مبارك كان على علم بتفاصيل قتل الثوار، وأن "مبارك"كلف القوات المسلحة والمخابرات العامة بمتابعة المظاهرات وبوقف المتظاهرين، وأن سليمان كان يتلقى التقارير كل ساعة من حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، وينقلها فورًا إلى مبارك، وكانت تتضمن كل عمليات إطلاق الرصاص الحي والمطاطي على المتظاهرين، وأن مبارك كان على علم كامل بكل رصاصة أطلقت على المتظاهرين وبأعداد من سقط، سواء شهيداً أو جريحاً وحتى الشهداء الأطفال، وبكل التحركات العنيفة للداخلية في التصدي للمتظاهرين ودهسهم بالسيارات وتفريقهم بالقوة، وأنه لم يعترض على أي من هذه الإجراءات.
وبعد أن أدلى سليمان بهذا الاعتراف توارى عن الأنظار ثم نشرت عدة صحف نقلاً عن مصدر مسئول قريب منه أنه يتفرغ حاليًا لحياته العائلية ولا يمارس أي عمل سياسي أو عسكري، وينفى ترشحه للرئاسة.
وقد كتب حمدي قنديل معلقًا على الخبر بقوله: هل هي شهادة أم اعتراف؟ وماذا كانت صفته:شاهدًا أم متهمًا؟.. ومن الذي سأله بالضبط؟.. ما تلك الجهات القضائية التي أدلى بأقواله أمامها، هل هي النيابة العامة أم أنها جهات أخرى؟.. وأين تم الإدلاء بالأقوال، في مكان خاص أم في مقر رسمي؟.. هل هذه الأقوال موثقة في محضر، وما هو رقم وتاريخ هذا المحضر؟.. وهل تمت في حضور محاميه، وهل استكملت بشهادة شهود؟..وماذا كان تصرف الجهة التي استمعت للأقوال؟.. وماذا تم بشأنها بعد ذلك؟.. إلى من أحيلت، وبأي غرض؟ ويضيف قنديل بأن عمر سليمان الذي هو"الصندوق الأسود" لـ18 سنة من عصر مبارك يجب أن يكون الشاهد/ الشريك الأول في محاكمة مبارك، إذ لابد أنه كان هناك دائمًا كلما وقعت أي واقعة، ولابد أنه يحتفظ حتى الآن في مكان ما بكل المعلومات والوثائق والمستندات والصور والتسجيلات المتعلقة بكل ما سوف يثار في قاعة المحكمة، فهو بحكم موقعه كان شاهدًا/شريكًا على أهم الأحداث الخاصة بسياسة مصر في الخارج وبما يحدث في الداخل أيضًا..
والغريب أيضًا أن صحيفة "المصرى اليوم" عادت ونشرت ما أسمته "أقوال عمر سليمان أمام النيابة"وجاءت مناقضة لما سبق أن نشرته صحيفة "الأخبار"، فقد نفى عن مبارك والعادلي إصدار أوامر بإطلاق الرصاص.
ولم تقدم النيابة العامة أي توضيح للموقف!
شوق لمنصب الرئاسة
نعود إلى موضوع ترشح عمر سليمان للرئاسة، ولا يخفى أن سليمان كان تواقًا للمنصب، خاصة وقد تعمق في كواليس السلطة وأمسك بخيوطها ربما أكثر من مبارك نفسه، وقد ظل اسما الثنائي عمر سليمان وجمال مبارك يترددان باستمرار قبل الثورة باعتبارهما المرشحين الأوفر حظًا، من داخل العصبة الحاكمة.
وفي أوائل سبتمبر 2010، وقبل أشهر من الثورة، ظهرت ملصقات في شوارع القاهرة تدعو إلى ترشيح سليمان لرئاسة مصر، باعتباره "البديل الحقيقي" بعد أن ظهرت ملصقات لتأييد ترشيح جمال مبارك.
وبعد الثورة ظهر مرتين في صلاة الجمعة في مسجد المطار، ورغم أنه لم يكن مصحوبًا بحراسة خاصة كما قيل إلا أن خطيب المسجد عرف بوجوده (!!)، ونبه المصلين إلى أنه معهم، وهو سيناريو يبدو مفتعلا، كما أن قرار التفرغ للحياة العائلية لم يصدر عن سليمان شخصيًا ولكن عن مصدر مقرب منه.
وفي التحقيقات المنسوبة إليه قال إنه كان هناك "إصرار من جميع الطوائف المتظاهرة بأعداد ضخمة جدًا على ضرورة عمل تفويض باختصاصات رئيس الجمهورية إليه". لكن الثورة قوضت آماله؛ فلا هو بقي رئيسًا للمخابرات ولا نائبًا للرئيس يطمح للرئاسة، بل هو الآن مهدد بأن تطاله يد العدالة في أي لحظة.
ورجل مثل سليمان لا ينسحب من المشهد بهدوء؛ أو على الأقل لا يستسلم بهدوء، ولا يسلم معصمه للقيد الحديدي بسهولة.
فماذا ينوي هذا الرجل أن يفعل؟
هناك تعليق واحد:
يعني نفهم ان الاخوان المسلمين ليس لديهم علاقات متينة مع الكيان الصهيوني ؟
إرسال تعليق