هيفاء زنكنة
يقول كل المنخرطين في العملية السياسية، بلا استثناء، بأنهم يؤيدون 'المطالب المشروعة' للمتظاهرين. وهم يعلنون تأييدهم صباحا ومساء امام اجهزة الاعلام بشكل بيانات وبرامج تلفزيونية وتصريحات وخاصة تلك المنطلقة من على المنصة المنصوبة في المنطقة الخضراء، داخل مبنى البرلمان، المسماة منصة التصريحات البرلمانية.
وهذه المنصة لامثيل لها، يعتليها النواب رجالا ونساء، بشكل فردي او جماعي بمعدل خمسة رجال وامرأتين، عادة، على مدار ساعات النهار، وامامهم ذات المايكروفانات لذات القنوات الفضائية والمحلية ليقضوا جل وقتهم، يهددون ويتوعدون ويتهمون أما بفتح ملفات فساد او ملفات ارهاب او حتى اغتصاب، كما حدث في الآونة الاخيرة، عندما اتهم النائب صباح الساعدي، عضو لجنة النزاهة في مجلس النواب، بالفساد والتهم الاخلاقية! وتكاد لا تخلو نشرة اخبار عراقية من نواب المنصة ولسان حال النواب يقول سعيد من يحظى بالوقوف على المنصة وملعون ذلك الذي لاينتمي الى اهل المنصة.
وقد تصدرت مطالب المتظاهرين 'المشروعة' تصريحات اهل المنصة لتصبح ديدن القوم، منذ بدأت التظاهرات والاعتصامات، في العديد من المدن والمحافظات، منذ 25 كانون الاول من العام الماضي، فوقف من وقف ونزل من نزل بعد ان اتيحت له فرصة توصيف 'المطالب المشروعة' واطلاق مايشبه الفتوى بشأنها كل على هوى مصلحة 'الكتلة' التي ينتمي اليها.
فما هي المواصفات التي يجب ان تتحلى بها المطالب الجماهيرية لتصبح 'مشروعة' ومؤهلة لكي يحاول ساسة العراق الجديد النظر فيها؟
من الصعب ايجاد تعريف محدد للمطالب المشروعة استنادا الى تصريحات الساسة، فالتصريحات مطاطية ، تعتمد على منصب المتحدث ضمن الحزب او الكتلة ولا اقول الحكومة، لانه ليست هناك حكومة تقوم بتصريف عمل الدولة الوطنية الجامعة بالمعنى المتعارف عليه. ماهو موجود، في الواقع، هو مجموعة احزاب، اقرب ما تكون الى المافيات، تحتل كل واحدة منها مبنى وزارة حيث الولاء للحزب والكتلة هو الحق وماعداها الباطل.
فرئيس الوزراء وامين عام حزب الدعوة، وهو حزب طائفي، يصف مطالب المتظاهرين بانها 'طائفية' واضعا تصوره الخاص لمفهوم المطالب المشروعة. فهو يريد الا 'تسلم اليه مطالب المتظاهرين عبر السياسيين لكونهم قاموا بتسييسها فضلا عن محاولتهم لركوب موجتها'. متعاميا عن حقيقة انه لايجرؤ على لقاء ممثلي المتظاهرين وان السياسيين الذين يتحدث عنهم هم شركاؤه بالعملية السياسية. وانهم ذاتهم الذين لو اراد العمل بملفاتهم 'منذ استلامه لرئاسة مجلس الوزراء لوقع الكثيرون'.
وقائمة توصيف المطالب كثيرة لدى المالكي. اذ 'يجب ان تكون دستورية'، وان 'طلب تبييض السجون غير ممكن التنفيذ ويعد طلبا غير مشروع'، مع العلم ان ايا من المتظاهرين لم يطالب بـ 'تبييض' السجون وأن الدستورليس كتابا مقدسا بل وجبة من المتناقضات التي طبخت على عجل في ظل الإحتلال، بإعتراف السياسيين أنفسهم، ونصوصه تحتاج ستين قانونا لتفعيلها، وبالتالي خاضعة لاجتهادات الاحزاب والكتل المافيوية.
ولايفوت المالكي، وهو الذي يقدم نفسه باعتباره واعظا اسلاميا ورعا، ان ينصح المتظاهرين بالصبر، قائلا: 'ان ما يريده المتظاهرون من مطالب مشروعة، ينفذ شريطة استمرارهم بالصبر والالتزام بالقانون' (البغدادية 25 / 1/ 2013). اذن. القصة كالآتي: بعد ان تستوفي مطالب المتظاهرين الشرعية، وفق مواصفات المالكي، عليهم ان يستمروا بالصبر والالتزام بالقانون لكي يتم تنفيذها. عن اي صبر يتحدث المالكي؟ وعن اي قانون؟ قانون الميليشيات وعصابات الفساد واقطاعيات المعتقلات؟ الصبر على الاهانة والاعتقال العشوائي والتعذيب؟ الاعتقالات الكيدية واغتصاب الرجال والنساء؟ هل وضع نهاية للاعتقالات وتطبيق القوانين الغاشمة مستحيل اذا ما توفرت النية؟ والى متى يستمر المتظاهرون بالصبر، وقد صبروا عشر سنوات بانتظار صحوة النظام ومافياته؟
وهل سيتم ايجاد حلول جذرية للمطالب حقا، ومن يشرف على تطبيقها يتنافس مع المالكي على اتهام المتظاهرين بالعمالة؟ اذ هاهو النائب سامي العسكري، عضو ائتلاف دولة القانون، ينفي عن المتظاهرين كونهم يطالبون بحقوقهم نتيجة ما اصابهم من حيف مزمن، متحدثا عن وجود اطراف 'تقف خلف التظاهرات' وهي تقوم بسلسلة 'خطوات غايتها الاساسية زعزعة العملية السياسية واستقرار البلد والدفع باتجاه الاقتتال الطائفي'. مؤكدا في مقابلة يوم 11 شباط بانها 'اجندة لدول اقليمية وترتبط بالقاعدة'.
واذا ما قرأنا تصريحات كتلة الاحرار (التيار الصدري)، المنضوية في التحالف الحكومي برئاسة المالكي، لوجدنا ان موقفها من مطالب المتظاهرين أعلامي، حرباوي لايختلف في جوهره عن بقية ساسة العملية السياسية. مثال ذلك تصريح النائب حسين الشريفي الذي طالب نوري المالكي بتنفيذ مطالب المتظاهرين 'المشروعة'. فماهي 'المطالب المشروعة' وفقا للنائب المحترم؟ يقول النائب: 'اذا كانت سلمية ولا تهدد مصلحة العملية السياسية، وان تشمل الخدمات واطلاق سراح الابرياء'،
واضاف 'اما اذا كانت المطالبات تخص الغاء قانون المساءلة والعدالة وقانون 4 إرهاب والمخبر السري فنحن ضد هذه المطالب، ولا نقبل بها إطلاقا'. أي ما معناه احتواء نقمة المتظاهرين من خلال اطلاق سراح الابرياء بدون وضع حل جذري لالغاء القوانين والتشريعات التعسفية التي ادت اساسا الى اعتقالهم او وضع حد لما سيؤدي، مستقبلا الى اعتقالهم من جديد.
والحال أن التظاهرات، على الرغم من أنها غيرت توازن القوى النفسي تجاه العملية السياسية المتزعزعة، فانها لم تغير شيئا، حتى الآن، في اوضاع المعتقلين أنفسهم. اذ لم ير الأهالي الثلاثة آلاف معتقل الذين أعلن عن إطلاق سراحهم من قبل اللجنة الوزارية عالية المستوى، حسب النائبة لقاء مهدي وردي (الحرة عراق 11 شباط / فبراير 2013). وذلك أما لأن كلا منهم متهم بعشرين او ثلاثين تهمة أخرى نتيجو وشاية المخبر السري، أو لأن الأجهزة الأمنية والقضائية، وهي إقطاعيات تم شراء مناصبها العليا بالملايين، مصرة على إسترجاع أثمان تلك المناصب بإبتزاز المواطنين، أو السياسيين، أو بعضهم بعضا. فالمعتقل، في معظم الحالات، ليس الا رهينة في دولة الإقطاع السياسي المصاب بالصمم والمتفوه بالأكاذيب.
ان مطالبة المتظاهرين بالافراج عن المعتقلات والمعتقلين والغاء قانون المساءلة والعدالة والمادة 4 ارهاب هي مطالبات تمس كل المواطنين وليست خاصة ب'مكون' معين كما باتوا يقسموننا، انها من صلب حقوق الانسان، وقد اساءت هذه الاجراءات والقوانين بما فيه الكفاية حتى الآن، ولم يعد بامكان اي مواطن يعتز بكرامته وعزة نفسه القبول باستمرارها.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
هناك تعليقان (2):
سالم
كلما اقلب واتابع ماتنشروه يا استاذنا مصطفى ازداد نشوة ورفعه بما يدلو به احرار العراق فهذه هي المراه الشجاعه الابيه هيفاء زنكنه اخت بنت آل شبيب البطله وهي شقيقه خوله بنت الازور تدلو بدلوها .... روحي الله يرضى عليك وعلى اهلك وذويك وابناء وطنك اينما كانو الاحرار منهم وتبآ لمن ارتضى العماله وانساق لها والله ناصرنا
ياسيدتي الفاضله هذا نظام فارسي مجوسي عميل لايرتجى اي خير منه..... الم يحمل السلاح مع الفرس ضدالعراق العظيم طيلة ثمان سنوات ؟؟؟؟ الم يدخل العراق وراء سحب غبار الدبابات الصليبيه ؟؟؟؟ فأي خير يرتجى منه.... تقبلي فائق الامتنان سيدتي الفاضله
إرسال تعليق