عمران الكبيسي
“الغريق يتعلق بقشة” مثل معروف في الأوساط العربية، واتضح لي انه لاتيني الأصل، ورد بصورة مجازية بليغة ضمن رسالة الخطيب الزعيم الروماني سنيكا، وترجم في أواسط القرن السادس عشر للميلاد إلى الإنجليزية “الغريق يتعلق بغصن صغير” ثم تداولته الألسن فشاع مثلا بصيغته الحالية، التي يقابلها في العربية قولهم “الغريق يتعلق بحبال الهوا” ويطلق بصفة عامة على البائس اليائس حيث تطحنه مقالب الدهر يتخبط فلا يجد معينا فيتعلق بأتفه الأسباب، وأصح ما يمكن ان نطلقه اليوم على إيران بعد أن خاب رجاها، وقادتها خطاياها إلى هلاك محدق وفاقت على حالها وهي تتخبط في ظلمات بحر لجي عات يغشاه موج من فوقه موج وسحاب كقطع الليل المظلم "وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه" فاطر43.
لقد طوحت بإيران أحلام اليقظة، فمنذ نجاح الثورة الإسلامية وهي تفكر بتصديرها وتبني على أوهامها قصور الجليد، كانت ترى في العراق العائق الوحيد أمام نبوآتها بإعادة أمجاد الفرس الغابرة، ورسمت لنفسها خارطة طريق على صفحة الرمال، فعصف بها صمود العراقيين في حرب امتدت ثمان سنوات خسرت فيها إيران مليون قتيل وجريح معاق، وكل وارداتها النفطية ومدخراتها، ورجعت من الحرب بخفي حنين. وأثناء الحرب العراقية أدركت إيران أنها ستخسر الحرب، فاتجهت صوب لبنان مستغلة ثغرة المحاصصة الطائفية في دستورها، وفسحة الحريات، وراحت تضخ أموالها والسلاح لتشتري الذمم، واستطاعت ممالأة نظام حافظ الأسد واستثمار الطائفة العلوية لخدمة مآربها ولاسيما بعد انتفاضة حلب وحماة عام1982م، وتمكنت تحت شعار الممانعة والمقاومة خداع الرأي العام العربي، وجعلت من صبيها نصر الله وحزبه دولة داخل دولة لبنان التي بالأصل تعاني هشاشة القوام، وازداد طموحها بعد حرب الخليج الثانية، فقدمت لأميركا كل ما لديها من مساعدات لوجستية في حملتها لاحتلال العراق وكانت أميركا تحلم بإخضاع العراقيين لتستعمرهم بيسر وتمتص خيراتهم، وحين خاب رجاؤها بفعل المقاومة سلمته لإيران وفق مساومات لتنجو بنفسها، فرسمت دولة فارس قوس قزح ورديا لهلال صفوي يشمل إيران العراق سوريا لبنان اليمن البحرين، ومنت نفسها باكتمال الدائرة على ما تبقى من الخليج، هذا ما باتت تحلم به وتحوك له غزلها حتى انفرط مع بزوغ شمس الربيع العربي.
نظام الأسد بعد احتلال أميركا الغاشم للعراق انتابته الخشية فاستغلت إيران الظرف لتدخل مع بشار باتفاقات سرية ويفتح لها الأبواب على مصراعيها، لتتغلغل بين مفاصل الدولة والمجتمع، وبعد انسحاب أميركا من العراق تلعق جراحها، دخلته إيران بقوة موهمة المالكي بسد الفراغ الذي تركته أميركا، فاستشعر بشار خطورة إيران عليه ولكن بعد فوات الأوان وصار يريد الخلاص من حكومة المالكي الطائفية في العراق حتى بدأ المالكي يهدده باللجوء إلى هيئة الأمم على انه يساند الإرهاب ويتعاون مع القاعدة، في الوقت نفسه استشعر السنة العرب في سوريا خطورة التغلغل الإيراني، وخاب رجاؤهم بالأسد وشعارات كان يطلقها باسم حزب البعث كذبا وبهتانا، وحفزهم التغلغل الإيراني في سوريا للخلاص من الأسد بقوة وجعلوا من معركتهم معركة موت أو حياة، ومضت إيران في مساندتها ودعمها للأسد ومدته بشبيحتها وسلاحها وأغرت روسيا بالوقوف إلى جانبها في المحافل الدولية حتى أصبح بشار الأسد مجندا لديها يأتمر بإمرة اصغر شبيح إيراني.
الأسد اليوم على أبواب الانهيار بضربات المقاومة، وأحست إيران أن أحلامها ستنهار بانهيار الأسد، ويضيع عليها الخيط والعصفور، وهي تعرف أنه بسقوط ألأسد تنهد أول لبنة في نظام المالكي المتهاوي في العراق، وسيصبح حسن نصر الله ومرتزقته عراة بلا ساتر يقيهم، وتنقطع عن الحوثيين إمدادات المال والسلاح، وتبقى إيران تندب حظها العاثر، لا حظيت بمالها ولا نجح مشروعها، وضاعت فلوسك ياخامنئي! “بالصيف ضيعت اللبن”، وهكذا فقدت إيران البوصلة وبدأت وهي في طريقها إلى الغرق تتعلق بقشه تنتشلها، وهيهات أن يأتي الغراب بغير الجيف، فلجأت إلى مناورات خسيسة لا يتورع أبناء فارس عن حياكتها بمكر ودهاء ووقاحة. إيران تناور اليوم عن ضعف في الاقتصاد والسلاح، وليس من قوة، فقد تحطم مشروعها الطائفي المقيت الذي قضت عمرها تعمل عليه، فشرعت تخلط الأوراق وتساوم بما لا تملك وترمي بآخر ورقة لديها مشروعها النووي ضمن تجمع الدول خمسة زائد واحد، بملف البحرين وسوريا، لعلها تسلم على نظام الأسد خائب الرجاء، خاصة أن بشائر الثورة تلوح في الأفق العراقي وأعلام طلائعها على مرمى بغداد، ومازالت إيران تجهل أن دناءتها واستهانتها بالعرب تحفزهم للوحدة والوقوف بوجهها وكسر شوكتها، ولن يجعلوا القشة التي تحاول إيران التشبث بها قارب نجاة، وإنما سيجعلون منها بإذن الله القشة التي تقصم ظهر البعير.
ملاحظة:
نشر المقال هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق