موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الأحد، 24 فبراير 2013

التجربة المصرية بين الحزبية وخصوصية التوازنات المدنية

محمود خالد المسافر

اتفق بدءا فيما ذهب اليه البعض بشأن الفرصة التاريخية التي تتضمنها عملية فوز الدكتور محمد مرسي مرشح الاخوان المسلمين/ حزب الحرية والعدالة، بمنصب رئيس جمهورية مصر العربية في تحقيق اهداف الأنتفاضة الشعبية المصرية المباركة. ولكني اختلف فيما ذهب اليه الكثيرون من ان مصر ستصبح دولة دينية او ما اطلق عليها الأعلام اخونة الدولة، وان مصر ستكون كإيران. واختلف ايضا مع ما ذهب البعض اليه من ان مخاض اليوم الصعب قد يؤدي من بين سيناريوهات اخرى الى عسكرة الدولة، اي سيطرة العسكر، بمعنى دولة كتركيا او كباكستان. 

ان مصر لن تصير دولة دينية ولن تكون كايران، ليس لأن الأخوان لا يمثلون الأغلبية، اذ قد يمثلونها احيانا مثل اي من الديمقراطيات في العالم، وليس غريبا على الأخوان كحركة ســـياسية عريقة ان تمثل احيانا رأي الأغلبية، ولكن وحتى في وجود الأغلبية ليس يسيرا اخونة المجتمــــع المصري او الدولة المصرية. موضوعيا لأن مصر دولة تتمتع فيها المؤسسات باستقلالية نسبية اكثر من غيرها او من شبيهاتها من دول العالم الثالث. وذاتيا، لأن المجتمع المصري مبني ومنذ القدم على التوازنات الأجتماعية، ورغبات المصريين المختلفة لا يمكن استغفالها من قبل اية جهة مهما كانت هذه الجهة جماهيرية او منظمة. وان المصريين بسيطهم قبل مثقفهم لا يمكن استغفاله دائما، لا بالشعارات او اللافتات او بفرض الأيديلوجيا بالقوة.
وسأسوق هنا بعض الشواهد، حضرت لقاء في القاهرة في خريف 2002 ضم نخبة من المثقفين المصريين بينهم سفراء متقاعدين ورؤوساء تحرير بعض الصحف والمجلات المصرية، وكان النقاش موضع الحديث هو منهج التوريث في العالم العربي لا سيما بعد مجيء الرئيس بشار الاسد الى السلطة خلفا لوالده الرئيس حافظ الاسد، وكان النقاش واركانه شجاعا الى الدرجة التي ادرج فيه موضوع توريث جمال مبارك السلطة في مصر. اعترض احد الحاضرين وهو مفكر قومي معروف قائلا لا هذا لن يحدث في مصر، فقلت له وللحاضرين ولم لا وما الفرق، مصر كغيرها من دول العالم العربي الواحد، ولا اختلاف بين اجزاء الشعب العربي الواحد، فنظرتي القومية آنذاك وحدت الخصوصيات وهذا خطأ وقعت فيه واعترف اليوم به. حملت معي هذه الفكرة وسألت عارفا قوميا بالشأن المصري وهو الدكتور محسن خليل السفير السابق في القاهرة وممثل العراق لدى الجامعة العربية فأجابني بنعم إذ لا تسمح الشخصية المصرية بحدوث ذلك، واسرني قائلا انه باقدام النظام على هذه الخطوة فإنه يعني ان النظام بدأ يرسم نهاياته الفعلية. انتابتني موجة تشكيك دامت اكثر من ثماني سنوات لولا ان رأيت البرهان في نهاية عام 2010 وكنت في زيارة للقاهرة، فقد كانت فكرة التوريث قد استتبت وامنّت خطوط سيرها في مصر، وان النظام لم يعد يبالي بأحد. ثم جاءت الانتخابات الكارثية لتعبر بوضوح عن تهور النظام في التعامل مع الشخصية المصرية. كنت ارى الحنق والغضب في الشارع وعند البسطاء من الناس قبل المثقفين، فتذكرت ما قاله المفكر القومي المصري، وتذكرت ايضا ما اسرني به المرحوم محسن خليل في ان التوريث في مصر تهور سوف يؤدي لا محالة الى انهيار النظام امام ارادة الشعب في رفض فكرة التوريث. وحصل فعلا، فقد تجاوز النظام حدود تهوره وسقط ولم يسمّ عليه احد كما يقول المصريون. قاد المصريون انتفاضة شعبية شارك بها الجميع وان اختلف حجم الفعل وخط الشروع عند المشاركين، لذلك فإنه من الواضح القول بانه لا توجد فئة او حزب او حركة سياسية تستطيع ان تحمل لوحدها فضائل التغيير الذي نجم عن الأنتفاضة. 
نظريا ان كل الأنتفاضات الشعبية تشترك في انها تقوم بعد ان تعقد الجماهير عزمها على رفض الظلم والفقر والتهميش والبطالة، لكن المصريون ثاروا وانتفضوا ليس لذلك فقط، بل، وبما يثبته التوقيت ان المصريين انتفضوا ضد التوريث، اي ان انتفاضتهم الشعبية ليست ساذجة محدودة بمحدودية طلب العيش، ولكنها انتفاضة اجتماعية ذات بعد سياسي. ولم يكن ذلك وليد لحظة التوريث التي تثبتت بتزوير الانتخابات وهيمنة جمال مبارك واحمد عز على سلطات الحزب ومن ثم الدولة، وانما ولدت مع لحظات توقع التوريث وكان ذلك قبل مدة طويلة من تاريخ خط شروع أنتفاضة الخامس والعشرين من يناير، من خلال ولادة حركة كفاية ذات الكفاءة في ان تقول لا في زمن الـ (نعم)، بغض النظر عن رأينا في بعض رموزها. واستمرت الـ (لا) المصرية المستقرة في ضمير الشعب المصري لتواجه خطوات التوريث حتى حصل الانفجار. 
وطالما انها لن تصير للأخوان فقط فإنها لذلك لن تكون دولة دينية ليخاف المسيحيون ولن تكون دولة طائفية ليخاف كل من به خلة طائفية. المصريون يريدون دولة مدنية، بالاخوان وبغيرهم فانهم يريدون ان ينشؤوا دولة مدنية، وهذا لا يعني ان ما كان هو دولة عسكرية ولا نقول عسكرية كما هو الحال في تركيا، اذ العسكر هناك وهذا لا يخفى على كل ذي لب يمثلون مؤسسة مؤدلجة راعية ومدافعة عما بناه ابو تركيا بواقعها اليوم وهو اتاتورك، تركيا القومية العلمانية التي جاءت على انقاض الدولة العالمية الدينية. في حين ان عسكر مصر ليسوا كذلك البتة، بل من الخطأ الربط بين الظاهرتين العسكريتين، فليس لعسكر مصر غير ان يدافعوا عن مصلحة مصر العليا وبعض مصالحهم الصغرى احيانا، وليس في ذلك خلّة، ولا توجد قوى عالمية تساندهم ولو كانت لما كانت هزيمة شفيق ممكنة اليوم، على الاقل على الشاكلة التي رأيناها. لا ينبغي ايضا ان ننسى ان الجيش وقادته كانوا مع الشعب في بواكير انتفاضته، وعندما حصل التغيير فإن العسكر كأي جهة قوية ادلت بدلوها لتدير دفة الربان الى حيث وجهتها وما كان يمثل رغبة الشعب الذي هو وعاء يحتوي العسكر كما يحتوي كل فئاته الاخرى بضمنهم من يسمون تجريحا بالفلول. لا اعتقد ان الاخوان المصريين في ظل الخصوصية المصرية يستطيعون ان يقدموا تنازلات سياسية سيادية واخلاقية للغرب كما قدمها كل من الاخوان التونسيون والاخوان الليبيون وقبلهم الأخوان العراقيون الذين ركبوا موجة الأحتلال باسوأ مما فعل العلمانيون. الاخوان المصريون محكومون بمنظومة التوازنات المصرية التي ان جاز لي التعبير ان اقــــول ان لفنان او اعلامي مصري معروف تأثير كحجم تأثير رجل دين مشهور ومعروف والاثنين مؤثرين على الشارع ولا يمكن نكران دور اي منهما في تحريك الشارع. اذن نحن امام تجربة مصرية فريدة ليس كمثلها تجربة، وسنقلل من شأنها بتشبيهها بأي تجربة اخرى وان كانت تجربة كبيرة وناجحة نسبيا مثل التجربة التركية، ولكنها بالضرورة ستستفيد من التجربة التركية لسببين واضحين اولهما ان القيادة التركية الجديدة تمثل بشكل ما حركة الاخوان المسلمين العالمية، وثانيهما انها تجربة بذات الأقليم الذي نعيش فيه وفيها بعض الخصائص المتشابهة التي يمكن الاستفادة منها جزءا وليس كلا.
اختم بالقول ان مصر حاول فيها المحتل سابقا فتمصر وحاولت فيها الحزبية وفشلت، فقط لأن مصر دولة توازنات اجتماعية خاصة تفرض نفسها على كل قائم بالسلطة. مصر هي مصر ام الدنيا كما يسميها المصريون ويفتخرون ولا يمكن لأم الدنيا ان تلتزم مصلحة جزء دون اخر. وتبقى خصوصية مصر ظاهرة عندما تمشي في خان الخليلي فتجد العربي والآسيوي والأوربي وهم يحاولون جاهدين بالتحدث باللهجة المصرية ذات الخصوصية. الخصوصية التي تجدها حاضرة في الأهرامات عندما تجد الباعة يتحدثون الايطالية مع الأيطالي والاسبانية مع الأسباني والانكليزية مع الأنكليز والأمريكيين الشماليين، انها خصوصية يعبر عنها البسطاء هناك بافضل مما يعبر عنها السياسيون. واذا لم يفهم السياسيون (سلطة ومعارضين) عمق هذه الخصوصية فإنهم سيفقدون بوصلة الرشاد وسيؤدي ذلك الى مزيد من الصراعات والتجاذبات السياسية. ولكن خصوصية المجتمع المصري ستقوّمهم لتعود الأمور الى نصابها وستنتصر الخصوصية المصرية وتخسر الحزبية واي جزئية اخرى. والله على نصر اهل مصر لقدير.



ملاحظة:
نشر المقال هنا.

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..