مثنى عبدالله
يقينا لم تكن الانتفاضة العراقية التي انطلقت منذ أكثر من شهر، بطراً ولا أشراً. ولم يكن من بين الشهداء الابرار والمنتفضين البواسل من له ثأر شخصي مع طاغية العراق وحلفائه وأعوانه، بل كان الهم عراقياً بامتياز.
كانت هتافات المتظاهرين صدى آهات الجياع والمحرومين في بلد النفط. وكانت لافتات الحقوق التي ارتفعت في الساحات أعلان عن ضياع الانسانية في بلد يسمى العراق الجديد الديمقراطي، الذي جيّش فيه الامريكان كل قواهم بحجة زرع قيم الحق والعدالة فيه، فأثمر مئات السجون السرية والعلنية التي يمارس فيها اغتصاب النساء والرجال على حد سواء، ويُلقى المغدورون في مياه دجلة أو على أعتاب الطب العدلي، دون معرفة هوية الجاني.
كان خروج المتظاهرين واجب وفرض عين بعد أن تجاوز طغاة السلطات الثلاث كل مديات الظلم، حتى بات جميع الشرفاء من العرب والعالم يتساءلون بألف علامة تعجب وأستفهام عن حدود الصبر العراقي ومتى سيحين اوان أنفجاره ليحطم أصنام الطائفية والتخلف واللصوصية. ولأنه أنفجر فقد باتت من الطبيعي أن تكون استحقاقاته شاملة، وأن يجلس الجميع الى الحق كي ينال كل نصيبه. فلا مجاملة على حساب الحق خاصة عندما يكون الحق حق عام، والمدعي به هو شعب العراق في كل حدود جغرافيته وليس حق خاص. ففي القانون قد يسقط الحق الشخصي بالتراضي، لكن الحق العام لايسقط، وانتفاضة العراق هي من أجل حق عام وليس شخصيا، ولذلك بات على الجميع أن يعرفوا بأن التنازل غير ممكن، وأن الحقوق حزمة كاملة مترابطة لاتقبل التقسيم والتأجيل وأنصاف الحلول.
فالدم العراقي الجاري منذ 10 سنوات ومعاناة الهجرة وقطع الارزاق، والاعتداء على الحرمات واغتصاب النساء وسرقة المال العام ونشر الطائفية والفساد، ليس من حق أي زعيم قبلي أو رجل دين أو سياسي أن يوزع أثمها بين أطراف السلطة كي يتم التستر على الظالم الاول المسؤول، ويدعي تملقا للمالكي وطمعا بالمكرمات بأنه ليس المسؤول الوحيد عما جرى وأنه لايتحمل المسؤولية كاملة. نعم أننا نعتز بمايقدمه شيوخ العشائر من جهود وأموال لإدامة عجلة التظاهر وهم أهل للمكرمات، وأن مايقدمونه هو لابنائهم وأخوانهم الذين رفعوا رؤوس العراقيين جميعا بنخوتهم ووقفتهم في ساحات الحق ضد السلطة، كما نعتز بوقوف رجال الدين مع المتظاهرين مشاركين وناصحين وموجهين، لكننا لسنا حقول تسمين كي نباع غدا من أجل منصب أو جاه لهذا وذاك، وأبناء الفلوجة الذين سقطوا بالتظاهرات السلمية لايمكن أن تُباع دمائهم. لذلك تلقينا بأستغراب شديد تصريحات رئيس مجلس شيوخ الانبار في أحدى القنوات الفضائية، الذي كال المديح للمالكي وأعلن عن تفاؤله بالحل بينما أجاب على سؤال محاوره بأن أي شيء لم يحصل من قبل السلطات في الاستجابة لطلبات المنتفضين لحد الان. أذن أين يمكن أن نضع هذه التفاؤل؟ ولماذا حاول الشيخ حميد الشوكه أعطاء المالكي صك براءة بينما مازالت دماء شهداء الفلوجة طرية على ثرى العراق وفي الذاكرة ؟.
لقد صدَّع رئيس السلطة التنفيذية رؤوس جميع العراقيين بصلاحياته الدستورية التي حاجج بها كل الذين أختلفوا معه، وأحتكر لنفسه منصب القائد العام للقوات المسلحة ومنصب وزير الدفاع والداخلية ومسؤول الامن والمخابرات، وكل هذه الاجهزة هي المسؤولة عن القتل والاعتقالات والتعذيب والتهجير والاغتصاب. أذن بات في حكم القانون هو المسؤول الاول عن كل الذي جرى، ولابد أن يتحمل وزر كل المعاناة التي سببها للشعب، والخطر الذي بات يهدد وحدة وسلامة الوطن. يجب أن لاينسى البعض بأن هذا الرجل وحلفاءه في الحزب والطائفية قد أوغلوا في الظلم والحاق الاذى بالابرياء، وكانت صلاحياته الدستورية التي يتشدق بها هي التي أجبرت الكثير من علية القوم والكوادر الوطنية والعلماء وأساتذة الجامعات على العيش في المنافي والتسول على أبواب منظمات اللاجئين، والوقوف في طوابير طويلة كي يحصلوا على قطعة خبز أو علبة حليب، بعد أن أجتثوا ولم يعد لهم مكان في الوطن، وغيرهم الكثير ممن شملهم بالمادة 4 أرهاب وأصبحوا مطاردين في الوطن وفي خارجه، بينما كان غيرهم من زعماء المليشيات الطائفية يظهرون علنا على شاشات التلفاز يهددون بقتل أبناء الشعب العراقي، ولم تشملهم هذه المادة أطلاقا بل لم يتعرضوا الى أية مساءلة.
أن اللجان التي شكلت لتنفيذ حقوق العراقيين التي رفعها المتظاهرون، والتي لم يلمس أحد منها شيئا لحد الان برغم الوعود والمؤتمرات الصحفية والتصريحات، يجب أن لاتكون جواز مرور للمالكي للعودة الى السلطة مجددا، وأن لاتكون براءة ذمة له من حقوق العراقيين التي أغتصبت طيلة وجوده في قمة هرم السلطة، وعلى الجميع أن يعرف بأن الكلام المعسول الذي يتسول به اليوم الى المتظاهرين، هو بسبب الاصرار البطولي في أستمرار الوقوف في ساحات العز والكرامة. فقد كان قبل ايام قليلة يصف التظاهرات بالفقاعة والحقوق بأنها نتنة وأنه سوف ينهيها بالقوة، ويصر على أنه يحكم في دولة القانون التي تحرم التظاهر حتى لو كانت من أجل الحقوق حسب فلسفة حزبه الطائفي. لقد كان يحسب أن التظاهرات التي عمت محافظات العراق أنما هي كالزكام تنتهي من تلقاء نفسها دون تحقيق المطالب، بسبب الغرور الذي ركبه حتى بات يظن أنه أفلاطون القرن الحادي والعشرين وهذه هي مدينته الفاضلة، لكن الاصرار هو الذي أنزله الى أرض الواقع وجعله يتلمس حقيقة السياسات الفاشلة التي أنتهجها طوال سنين حكمه، فبات يريد الهرب من المصير بالقاء تبعة ذلك على البرلمان مرة وعلى القضاء مرة أخرى، وهو يعلم جيدا بأن كل تلك المؤسسات هي هياكل وهمية وضعها في جيبه.
لقد صوّر التراث العربي القديم الانسان المظلوم أو القتيل الذي لم يؤخذ بثاره، بأن روحه تتحول الى طائر ينعق فوق رؤوس الجميع ولن يسكن حتى تؤخذ حقوقه، ويقينا أن أرواح الملايين من المغدورين والمغتصبة حقوقهم قد غطت سماء العراق باحثة عن من ينصفها، وقد حانت لحظة الانصاف كي تستقر الاجساد البريئة في أماكنها، والنفوس المكلومة في الوطن والمهاجر، والعيون الدامعة على فقد أبن أو أخ أو أب أو دار أجبر على تركها، وعلى الطغاة أن يعلموا بأن التظاهرات سلمية وستبقى كذلك، لكن أيضا لها أسنان تعرف كي تنتزع الحقوق التي أقرتها الشرائع السماوية والوضعية، وأن العراق لن يعود الى ماقبل خط الشروع الذي كان لشباب وشيوخ ورجال الدين في الانبار الفضل في أنطلاقته، وواهمون أولئك الطغاة الذي يعتقدون أن بأمكانهم أن يخدعوا شعبنا من أجل غايات أنتخابية قادمة، فيقوموا بأخراج بضعة أبرياء من السجون، لكنهم يعتقلون مئات جدد هذه الايام بسبب مشاركتهم في التظاهرات، فلقد عقد العزم كل المتظاهرين على رفع سقف المطالب مقابل خداع السلطة، وباتت كل أركان العملية السياسية بضمنها الدستور والمحاصصة والاثراء غير المشروع وسرقات المال العام خاضعة للحساب، وأن جميع الحقوق يجب أن تستحصل بأثر رجعي وليس بما ترتأيه السلطات، فلقد سقطت مقولة خذ وطالب، لأن الزمن الذي أعطي لهؤلاء المتسلطين على رقاب شعبنا لم يكن فترة قصيرة يمكن العبور من فوقها وتجاهلها، حيث بات التراكم السلبي خلال العشر سنوات من عمر الاحتلال وحكوماته لايمكن حله بأنصاف الحلول وعمليات الترقيع وتقبيل اللحى، بل بعلاجات جذرية تؤسس لردع شعبي فاعل يمنع تكرار المأساة، ولايعطي عفوا خاصا أو عاما عن الطبقة السياسية الراهنة كي تعود الى غيها وممارساتها تحت شعار عفى الله عما سلف. فالدول التي تحترم نفسها وشعوبها تقضي بحرمان كل شخص من العمل في الحقل السياسي أذا تسبب بأضرار عامة وأساء أستخدام السلطات، وبما أنهم يدعون أن نظامهم ديمقراطي فعليهم أن يخضعوا لمعايير الديمقراطية. فقد بات من العدل أن يخضع كل طغاة العراق الجديد الديمقراطي الى قانون الاجتثاث الذي هم سنوه
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
هناك تعليق واحد:
نعم ياسيدي الفاضل يجب ان نأخذ حقوقنا كاملة غير منقوصه من عيون الهالكي وجماعته .... الله اكبر والنصر للثوار.... الله اكبر والنصر للعراق العربي الاصيل
إرسال تعليق