وجهات
نظر
صبحي
حديدي
أنى بلغ
عمق الحوارات الخليجية/ الإيرانية، وأياً كانت آفاق التقارب ومستوياته، وشبكة
المصالح المشتركة التي تجمع الفريقين أو تدفع بهما إلى تنازع أشدّ، ثمة سقف كبير
يظلل السيرورة بأسرها، ويرتفع أو ينخفض وفقاً للوقائع والحوادث والمتغيرات، يتحدد
في واشنطن، قبل أن يتبلور في طهران والعواصم الخليجية.
ولكن لأنّ إيران ليست جمعية خيرية لإغاثة المستضعفين في الأرض، فإنّ قتال “حزب الله”، وكذلك مفارز «الحرس الثوري» الإيراني، إلى جانب وحدات نظام بشار الأسد الموالية، هو استمرار، وإنْ على أراضي الآخرين، للحروب المستديمة بين واشنطن وطهران. وتلك، كما هو معروف، ليست معركة تخصيب اليورانيوم، ولا معارك تصدير الديمقراطية إلى إيران، ولا صيانة أمن إسرائيل، فحسب، بل هي، كذلك، معارك “قوس الإسلام” العريض، والشيعي من باب التفضيل الإيراني الأوّل، الذي تجاهد إيران إلى إعادة رسمه بما يكفل تحويله إلى ساحة ستراتيجيات متصارعة.
المثير، لأننا نظلّ في الحقل التاريخي والدلالي لحكاية الجديد/ القديم هذه، أنّ الشطر الإيراني من تفاصيل المواجهة قد يكون محض طبعة جديدة ـ وإنْ مبتذلة تماماً ـ من النظرية العتيقة الشهيرة حول الاحتواء المزدوج، الآن إذ يبدو عراق ما بعد صدّام حسين، وسوريا الأسد في السنة الرابعة من الانتفاضة الشعبية، ولبنان في مهبّ السلاح الثقيل الأوحد والدولة المغيّبة… وكأنها ساحات جديرة بطراز من الاحتواء لا يقلّ ردعاً عن القديم، أو أشدّ ربما! ونتذكّر على الفور أن حصاد مفهوم الاحتواء المزدوج ظلّ يعتمد على أكثر من حرث وبذر واستنبات، ولكن الغلال ذاتها بقيت أسيرة المجهول، أو دفينة مستنقعات الوحول.
وحين شاءت إدارة بيل كلينتون فتح «حوار» مع طهران، صيف 1998، كان البيت الأبيض يستهدف ضمناً اختراق قوس الإسلام الافتراضي ذاك، من خلال نزوع الرئيس الإيراني الإصلاحي محمد خاتمي إلى الحوار. آنذاك أطلقت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية، تلك العبارة الشهيرة: «واضح أن عقدَين من انعدام الثقة لا يمكن محوهما في ليلة وضحاها. الهوّة بيننا ما تزال واسعة. ولكن الوقت قد حان لاختبار إمكانيات جسر الهوّة». و»بيننا» هذه كانت تعني الإدارة الأمريكية والحكومة الإيرانية، وتعني في المدلول اللغوي المباشر إمكانية قيام حوار بين فريقين يتحاوران بوصفهما اثنين على وجه الدقة، وليس بوصف واحدهما دولة عظمى تعتبر نفسها قيّمة على قِيَم الإنسانية وشرطية حارسة لأمنها واستقرارها، وثانيهما دولة «عاصية، مشاغبة ضد تلك القِيَم، وراعية «إرهاب» ومصدِّرة ثورة، وعاكفة على برنامج نووي…
وهكذا، فإنّ السؤال القديم يظل جديداً، ومتجدداً: كيف يمكن لشرق أوسط جديد، يولد بالضرورة من رحم القديم كما للمرء أن ينتظر منطقياً، أن يستوعب إيران الراهنة، بمعزل عن خدمة مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، وتهدئة المخاوف الإقليمية من الكابوس النووي؟ وبأيّ الوسائل، أساساً: الحرب، أم السلام؟ بالتسويات، حتى على حساب عذابات الآخرين وفي باحاتهم، أم بالمجابهة؟ في قم وطهران، أم في كربلاء والسيدة زينب؟ هذه، على الأرجح، ليست أسئلة إدارة باراك أوباما، أو قادة الخليج العربي، وحدهم، بل هي كذلك أسئلة أصحاب القرار الأعلى في طهران (مرشد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي أولاً، ولكن ليس الرئيس حسن روحاني ثانياً بالضرورة!). بل لعلّ القول الفصل هناك، تحت ذلك السقف، في واشنطن.
ملاحظة:
نشر المقال
هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق