وجهات نظر
عبدالواحد الجصاني
أولا : أعلن رئيس
البرلمان الإيراني علي لاريجاني يوم 28/5/2014 أن نظام الجمهورية الإسلامية يواجه
(تحديات موجعة) لم يواجهها من قبل حتى خلال الحرب العراقية الإيرانية، مضيفاَ (إن
ايران أمام تحديات من نوع آخر لم تواجهها في السابق بتاتاً)، واصفاً هذه التحديات
بالموجعة والعدائية مضموناً.
ثانيا : في العراق، خسرت ولاية الفقيه
آيديولوجيا وشعبيا، وتيقن العراقيون أن ولاية الفقيه وميليشياتها هم أسوأ من أسوأ
مستعمر عرفته البشرية، والعملية السياسية التي تديرها ايران في العراق وصلت الى
الحضيض في كل شيء، وولاية الفقيه اليوم حائرة هل تدعم المالكي ام تستبدله ؟ فإن
ابقته تزداد النقمة عليه وعلى اسياده وسيسرّع ذلك بزوال بقايا مشروع الإحتلال،
وإذا إستبدلته فهي لا تضمن أن يكون البديل افضل، فجميع عملائها في العراق هم خريجو
نفس المدرسة الطائفية الصفوية التي رفضها شعب العراق، وفوق هذا وذاك فقد وصل
التنافس على المال والسلطة بين الأحزاب والميليشيات التابعة لولاية الفقيه في
العراق حدا جعل من الصعب عليها السيطرة عليه وادارته.
ثالثا : في سوريا إهتزّ تحالفها الاستراتيجي
مع بشار الأسد بقوّة بعد أن إزدادت قناعة بشار الأسد بأن هذا التحالف الذي دشنه
والده لم يجلب لسوريا إلاّ الكوارث، وأن دولا عربية كثيرة وبعض الدول الغربية تدعم
المعارضة للإطاحة به لإنه حليف إيران الرئيسي في الوطن العربي (مقال الدكتور تودنهوفر
بعنوان "الحرب العبثية" في صحيفة دير شبيغل الألمانية يوم
11/4/2014)، ولذا
وجه بشار الأسد مؤخرا رسالة الى المملكة العربية السعودية عبر دولة غربية قال فيها
انه مستعد لإنهاء تحالفه مع ايران اذا قبلت السعودية بتسوية سياسية تحفظ له
ولطائفته ماء الوجه.
رابعا : في لبنان سقطت هيبة حزب الله وتكشّف
للبنانيين أن (سيد المقاومة) ليس سوى قائد ميليشيا تتدخل في الصراع الداخلي السوري
وتقتل السوريين بناء على اوامر ايرانية. والجدير بالذكر أن العلماء الشيعة العرب في لبنان ومنهم السيد محمد حسن
الامين وهاني فحص وعلي الامين وصبحي الطفيلي حرّموا
مشاركة اللبنانيين في القتال في سورية، إلاّ أن حزب الله واصل تنفيذه الأعمى
للأوامر الإيرانية من أجل إعطاء النزاع الداخلي السوري بعدا طائفيا.
خامسا : وفي الملف النووي تواصل ايران تقديم التنازلات للغرب على طريقة التعري
البطيء (ستربتيز)، ومع كل تنازل تقدمه تعلن عن انتاج سلاح جديد (صواريخ وطائرات
مسيّرة وغواصات) لذر الرماد في عيون شعوب ايران. وآخر التنازلات التي قدمتها ايران
تسريعها تدمير ما انتجته من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% والتعهد بإكمال التخلص
منه كليا خلال الشهرين القادمين، وتوقفها عن تركيب الطاردات المركزية لتخصيب
اليورانيوم ووقف العمل في انشاء مفاعل (آراك) الذي يعمل بالماء الثقيل والذي يشك
أن ايران كانت تنوي استخدامه لإنتاج البلوتونيوم الضروري لصنع القنبلة الذرية. كما
اتفقت إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم 20/5/2014 على خمسة إجراءات
جديدة من بينها تقديم معلومات عن أنشطتها السابقة في مجال الشحنات شديدة الانفجار
ونقل النيوترونات وهما نشاطان متعلقان ببرنامج ايران النووي العسكري.
إن هذه التنازلات
المتتالية دعت الباحث بيركوفيتش نائب رئيس مؤسسة (كارنجي) لإبحاث السلام الأمريكية
أن يطلب من مجموعة 5+1 الرأفة بإيران وعدم اجبارها على كشف كذب مرشدها الروحي كونه
اصدر فتوى تعهد فيها بعدم السعي لإنتاج القنبلة الذرية، وإقترح السيد بيركوفيتش
سلوك طريق دبلوماسي لا يجبر ايران على الاعتراف بكذب مرشدها لكنه يكشف الحقائق عن
برنامجها النووي العسكري.
(أنظر مقابلة مع جورج
بيركوفيتش George
Perkovich نشرت في مجلة الشؤون الخارجية يوم 21/5/2014)
سادسا : أما
على الصعيد الداخلي، فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ايران تزداد
تدهورا حيث تعاني إيران من مشاكل متفاقمة كالفقر والبطالة والإدمان على المخدرات
يصاحب ذلك هبوط مريع في قيمة العملة الإيرانية، والشعوب الإيرانية أخذت تدرك ان
سبب تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية هو مغامرات ولاية الفقيه
الخارجية وأن جزءا كبيرا من دخل إيران العالي يذهب للتسليح ودعم وكلاء إيران
في العالم بدلاً من رفع مستوى دخل المواطنين، يضاف الى ذلك حالة الغليان لدى شعوب
ايران غير الفارسية نتيجة التهميش والتمييز والإضطهاد الذي تعانيه ومطالبتها بحق
تقرير المصير، وخاصة شعب الاحواز العربي الذي مافتئت ثورته ضد الإحتلال الفارسي
تتصاعد.
سابعا : ان الخطأ الإستراتيجي الذي وقعت فيه ولاية الفقيه هو انها تبنت سياسة
التوسع والهيمنة تجاه الدول العربية لإستعادة امجاد امبراطورية فارسية غابرة من
خلال إستخدام شعار تصدير الثورة. الثورة الايرانية مثل بقية الثورات والحركات الإصلاحية هي تغييراتفي بنية المجتمعات تؤثر وتتأثر بما
حولها في دول الجوار وفي العالم، ولكنها ليست بضاعة لكي تصدّر أو تستورد، وتصدير الثورة الإيرانية الى الوطن العربي كان محكوما عليه بالفشل المسبق
بسبب الطبيعة الطائفية والفارسية العنصرية للنظام السياسي الذي نشأ بعد الثورة
الإيرانية وتبنيه نظرية (ولاية الفقيه) الغريبة على المجتمع العربي وعلى الفقه
الإسلامي بمذاهبه الخمسة، أضف إلى ذلك إن ممارسات ولاية الفقيه فضحت حقيقة
اهدافها العدوانية التي تتناقض مع شعاراتها الثورية، فحالما إحتاجت دولة ولاية
الفقيه الناشئة الى السلاح تفاوضت مع الشيطان الأكبر الأمريكي لشرائه ونقلته من تل
ابيب الى طهران لمقاتلة العراق العربي المسلم. وآخر تناقضاتهم هو تصريح مرشد
الثورة خامنئي خلال لقائه بالبرلمانيين الايرانيين يوم 26/5/2014 قائلا بأن الجهاد
لن يتوقف إلا بهزيمة المستكبرين وأولهم الأمريكان، وفي ذات الوقت تواصل ايران منذ
مارس 2013 مفاوضات سرية مع الأمريكان في مسقط.
ثم جاء عامل ثالث فرضته
نهاية الحرب الباردة، وهو تراجع الصراع الجيوسياسي العالمي وتزايد اهمية التنافس
الإقتصادي والبحث عن الكرامة من خلال الرخاء، ولكن قادة ولاية الفقيه لم يستوعبوا
هذا الدرس وواصلوا التركيز على زيادة قدراتهم العسكرية ومدّ نفوذهم الإقليمي
بالقوة ودعم الميليشيات المسلحة وتحويل بعض الدول العربية الى ساحة لهم لممارسة
الحروب بالنيابة، كما حصل في العراق ويحصل في سوريا وفي محافظة صعده اليمنية.
ثامنا : كيف ستتصرف ولاية الفقيه إزاء هزائمها وفشل مشروعها ؟ المنطق يقول ان عليها
أن تعترف بخطأ سياساتها وتعمل على تصحيحها وبناء عللاقات جديدة مع جيرانها العرب
على اساس الإحترام المتبادل والمصالح المشتركة والتوقف نهائيا عن التدخل في الشؤون
الداخلية للدول العربية والتفاوض مع دولة الإمارات العربية المتحدة حول الجزر
العربية الثلاث والإستجابة لمطالب شعب الأحواز العربي المشروعة.
لكن ولاية الفقية، وعلى
طريقتها المعتادة في الهروب من الازمات بتصعيدها، قالت على لسان الفريق يحيى رحيم
صفوي المستشار العسكري للمرشد الخامنئي يوم 3/5/2014 أن حدود ايران باتت على ضفاف البحر المتوسط ! وإكتفت، ضمن اسلوبها الصفوي
المراوغ، بإرسال الرسائل والمندوبين الى الدول العربية تدعوها للحوار، وهي تعلم
انه سيكون حوار طرشان يخدم هدفها في إمتصاص الغضب والحصول على فسحة من الوقت
وتخدير محاوريها العرب بالوعود.
تاسعا : هذان نداءان:
الأول للمسؤولين العرب الذين سيتحاورون مع الإيرانيين: لا
تقبلوا بالوعود الزائفة وتنازلات الغرف المغلقة بل طالبوهم بإجراءات عملية معلنة
وبآجال زمنية محددة لإستعادة الحقوق العربية ووقف التدخل الايراني في الشؤون
الداخلية العربية.
والثاني لشعب العراق: إعلموا ان العملية السياسة التي جاء بها
المحتل على وشك الإنهيار وإن راعيها الإيراني أضعف من أن يقدر على نفخ الروح فيها
من جديد، فاحزموا امركم وطهروا بلدكم من العملاءالطائفيين واللصوص والقتلة.
والله المستعان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق