وجهات نظر
عبدالحميد صيدم
قال الطلاب لأستاذهم:
حدثنا عن الربيع
العربي وأين وصل وهل بقي ذاك الربيع ربيعا أم انقلب إلى خريف فشتاء؟ وماذا عن
الانتخابات في بلادكم والانفتاح الديمقراطي الذي بشرتنا به؟ أما زال مستمرا أم أن
الديمقراطية لم تجد لها مكانا في بلادكم فانكفأت على عقبيها خاسرة بعد أن تصدى لها
العسكر والإرهابيون والطغاة؟
قال الأستاذ لطلابه المنتظمين في مساق «الإسلام والديمقراطية»، إن حكاية الربيع العربي تصيب القلب في مقتل. فقد تحالف بسطار العسكر مع بئر النفط مع البراميل المتفجرة مع سيف الإرهابي مع أجهزة المخابرات الأجنبية، لإجهاض التجربة الفريدة في العصر الحديث فحولوا الربيع إلى خريف فشتاء، والزهور إلى أشواك وحبات الندى إلى قطرات من دم، فشردوا العباد وهدموا البلاد وشتتوا دعاة الحرية وسجنوا أو قتلوا كل من صرخ يوما «الشعب يريد إسقاط النظام». استخفوا بعقول الشعوب عندما قرروا عقد انتخابات هزيلة ليس لها من مؤشرات الديمقراطية نصيب إلا الاسم، وليس لها علاقة بالحكم التمثيلي الحقيقي الشفاف التنافسي المراقب دوليا، والمفتوح والموسوم بتساوي الفرص وحيادية الحكومة وأجهزتها، والبعيدة عن التزوير والتلاعب بالقوانين والتمديد والعرقلة والتهديد والإغراءات. سمّ ذلك أي شيء، لكن لا تسمه ديمقراطية كما تعلمناها ودرسنا قوانينها واطلعنا على أهم نظرياتها ورأينا نماذج كثيرة منها تطبق ليس فقط في بلاد الغرب بل في كل أرجاء العالم من أوروبا الشرقية إلى أمريكا اللاتينية، ومن أفريقيا إلى آسيا ومن بينها دول إسلامية كالسنغال وماليزيا واندونيسيا وتركيا- دول عرفت النموذج فاتبعته فوصلت مراتب عليا من التنمية والازدهار.
وسنذهب معا أيها الطلبة الأعزاء في رحلة قصيرة نتوقف فيها في خمس محطات لنسمع رأي مواطن عادي أو مواطنة عادية في ما جرى في بلده أو بلدها، مما يسميه الإعلام المنافق المزيف المبرمج بالعرس الديمقراطي.
لبنان- ممنوع علينا أن نمارس شيئا من الديمقراطية
دستور بلدنا أيها الرفاق والرفيقات لا يسمح
بالتجديد للرئيس بعد ست سنوات من البقاء في قصر الرئاسة. الرئيس يخدم دورة واحدة
ويرحل إلا إذا قررت الشقيقة الكبرى غير ذلك حاضرة أوغائبة. في 13 تشرين
الأول/أكتوبر 1995 قررت شقيقتنا الكبرى أن يبقى الرئيس إلياس الهرواي نصف دورة
إضافية وهكذا كان. وكرروا المشهد مع إميل لحود عام 2004، وتم التمديد له نصف دورة.
بينما قتل الرئيس المنتخب رينيه معـــوض في ظروف غامضة بعد 17 يوما من انتخابه
بتاريخ 5 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، ولم يتم التحقيق في مقتله ولم يجتمع مجلس
الأمن ولم يتم تشكيل محكمة جنائية دولية، كما حدث بعد مقتل رئيس الوزراء السابق
رفيق الحريري بتاريخ 14 شباط/فبراير 2005.
هذه المرة لم يسمح لنا يا إخوتنا أن ننتخب كما حدث عام
2007 عندما تدخلت قطر وأخذتنا إلى
الدوحة وانتخبنا ميشيل سليمان. هذه المرة لا الدوحة ولا الرياض ولا دمشق قادرة على
ذلك. الصراع في الشقيقة الكبرى انتقل إلينا، مطلوب منا أن نحارب إن حاربت وننقسم
على أنفسنا إذا انقسمت. قسم منا يرسل المقاتلين لذبح الشعب السوري وقسم يرسل
المتفجرات والمفخخات لذبح الجزء الآخر. وعندما تنتهي الحرب هناك ستنتهي هنا وعندما
يعدون القتلى هناك سنعدهم هنا.
هذه أحوالنا في لبنان. تجربة الانتخابات الدورية صودرت
منا، وها هو مبنى البرلمان مغلق ومحاط بأسلاك شائكة ومتاريس وعساكر ينتظر التوافق
في العواصم القريبة والبعيدة ليسمح لنا بأن نمارس حقنا في انتخاب من ترضى عنه
العواصم الموزعة في أحياء بيروت.
سوريا- انتخابات رئاسية – عن جدّ؟
لا أعتقد أن واحدا في هذا العالم العريض
الواسع المنوع المزركش المتعدد الأعراق واللغات والأديان والألوان يؤمن أن عندنا
انتخابات رئاسية حقيقية وجادة، خارج دائرة الرئيس ومجموعته الضيقة وبعض
المنحبكجية. مسرحيتنا تافهة لدرجة الملل حيث لم يأت الجمهور لحضورها. كنا نسميها
بيعة فغيرنا اسمها إلى انتخابات تعددية. من عام 1970 ونحن نعيش المشهد الهزيل. سبع
سنوات وبيعة بنسبة 99٪، وهذه المرة سبع سنوات وتغيير في شكل البيعة لا في الجوهر،
ونسبة متواضعة وصلت إلى نحو 89٪ فقط. لماذا لم يمددوا للرئيس سنة أو سنتين أو سبعا
لا فرق كما كنا نفعل في لبنان؟ كان يمكن أن يصدر بيان رسمي عن مجلس الشعب يقرأه
السيد محمد اللحام، رئيس المجلس ويقول فيه: لقد قررنا نحن ممثلي الشعب السوري، على
الأقل من بقي منهم أحياء أو من بقي منهم تحت سيطرة الدولة، أو من نحن متأكدون من
ولائه لنا – وبسبب الظروف العصيبة التي تعيشها البلاد ومكافأة على إنجازاته في
حماية الشعب والوطن وحرصه على أمن المواطنين وحقن دمائهم وحماية ممتلكاتهم وتأمين
مصادر رزقهم وتصديه للمؤامرة الكونية ومحاربته للإرهابيين من أمثال داعش وأخواتها
– قررنا أن نمدد للرئيس نصف دورة فقط إلى أن تشهد البلاد الاستقرار المنشود لعقد
انتخابات تعددية وحرة وعادلة وديمقراطية». لا نعرف هل هناك ضرورة لهذه الأرقام
المهينة. من أين جاءت الملايين العشرة للإدلاء بأصوتها؟ إذا كان هناك تسعة ملايين
ونصف المليون بين مهجر ومشرد. فكيف تأتي هذه الأرقام. من هم الـ73٪ من الشعب الذين
صوتوا وأعطوا الرئيس نحو 89٪ يسمونها انتخابات تعددية. هل هناك تعددية حقيقية؟ من
يذكر أسماء المرشحين الآخرين؟
العراق- عن أي عراق نتحدث؟
يحكى أن عراقنا كان تحت حكم الدكتاتورية
البغيضة. فقرر الأمريكان أن يخلصونا من الدكتاتورية التي، كما قيل لنا، إنها تخزن
أسلحة الدمار الشامل، الذي يهدد حلفاء الولايات المتحدة. وقالوا لنا إن العراق بعد
إسقاط الدكتاتورية سيعود إلى أهله الطيبين ويتحول إلى جنة الله في الأرض، ففيه كل
مقومات التنمية وسيشرف على مسيرة التنمية رجال ونساء صادقون بعيدون عن الفساد
رحماء في ما بينهم، ولا علاقة لهم بالطائفية، وسيعم الخير الجميع وسينتشر العدل
ويسود القانون ويقام نظام يتسع للجميع بلا استحواذ ولا إقصاء. فأين نحن الآن من
تلك الوعود؟ الحقائق موجعة. العراق الآن ممزق جغرافيا وسياسيا وطائفيا، يرفع فيه
أكثر من علم ويتلى فيه أكثر من نشيد وطني. والعراق لا يكاد يخرج من موجة عنف إلا
دخل في أخرى. الجيش يخوض حربا في الأنبار. وأبناء العشائر يتمردون على السلطة
الظالمة والإرهابيون يستغلون الوضع فينشرون الرعب بسياراتهم وأجسادهم المفخخة.
العراق الآن يحتل المرتبة 171 من مجموع 177 دولة على سلم
الفساد، حسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية. واقرأوا خارطة العنف فقط لشهر أيار/
مايو ـ شهر الانتخابات البرلمانية: حسبما جاء في بيان بعثة الأمم المتحدة لمساعدة
العراق (يونامي) أن أعمال العنف والإرهاب في شهر مايو في العراق أدت إلى مقتل 799
شخصا وجرح 1409. ومن بين القتلى سقط 603 من بين المدنيين وجرح 1108. كما قتل 144
من بين أفراد الشرطة المدنية وجرح 218. كما قتل 196 من أفراد قوات الأمن العراقية
وجرح 301. وللعلم فإن هذه الأرقام لا تشمل ضحايا العمليات المسلحة التي ينفذها
الجيش العراقي في محافظة الأنبار حالياً. ففي مثل هذه الأجواء تعقد الانتخابات ولا
عجب أن يعود المالكي وحزبه إلى الصدارة في ظل التجاذب الطائفي ومعركة الأمن
وانتشار الخوف.
مصر: مرشحان
والثاني ترتيبه
الثالث- أين الثلاثون مليونا؟
الثالث- أين الثلاثون مليونا؟
قد تستغربون يا سادة لماذا هذا العزوف عن
المشاركة في الانتخابات الرئاسية في بلدي؟ دعك عن الأرقام المعلنة والتمديد ليوم
ثالث. كي تعرفوا ما الذي حدث بالضبط إسمعوا صراخ إعلام الفلول وهم يحرضون الناس
على المشاركة في الانتخابات.
«أبوس رجليكم- عايزين إيه» هذا ما صرخ به توفيق عكاشة في
قناة الفراعين وهو يناشد الناس بالذهاب الى صناديق الاقتراع. «يا جماعة- تذكروا من
حرق كنائسكم الستين»، صاحت لميس الحديدي محرضة الأقباط للنزول للمشاركة في
الانتخابات. وإبراهيم عيسى يصرخ بدوره متهما الشعب المصري بأنه «مش متعلم ومش
متربي وما حدش غرقنا غير بتوع 25 يناير». ومصطفى بكري يتهم من لم يشارك في
الانتخابات بالخيانة، وعمرو أديب يتهم الإخوان بتوزيع فلوس لعدم النزول «خد فلوس
وما تنزلش». كلها يا رفاق مسرحية باهتة.. لا تكون الانتخابات هكذا ترشح اثنان
للرئاسة فجاء ترتيب الثاني الثالث، حيث حلت الأوراق الملغية في المرتبة الثانية
ربما لأول مرة في التاريخ على حد علمنا. أين الملايين التي سارت في مسيرة اقتلاع
الإخوان من الحكم في 30 حزيران/يونيو 2013 وفوضوا اللواء عبد الفتاح السيسي الذي
رقى نفسه لرتبة مشير، وبين ليلة وضحاها يصبح بطلا أسطوريا بدون أن يخوض أية معركة
في حياته إلا معركة اقتلاع مرسي بتمويل من السعودية الحريصة جدا على الديمقراطية.
عزوف الشباب عن المشاركة مهم، لم ينخدعوا بمسرحية
الانتخابات التي تريد أن تعطي صك تفويض وشرعية لحكم العسكر. الرقم الذي اعتمدته
لجنة الانتخابات هو 23 مليون وبعض مصادر المعارضة تنزل بالرقم الى 4.8 مليون. لكن
مهما كان الرقم الحقيقي أين الثلاثون مليونا الذين نزلوا يوم 30 يونيو؟ الحقيقة أن
الذي حدث في بلادنا كان استفتاء وليس انتخابات وأن المسرحية التي أخرجت بمنتهى
الإحكام قد وصلت إلى فصلها الأخير.
الجزائر- شعب عنيد يستحق قيادة حقيقية
بعد خمس عشرة سنة من الحكم وبعد تغيير الدستور
ليسمح للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة للترشح لدورة ثالثة اعتقدنا مخطئين أن
الانتخابات الرئاسية هذه المرة ستكون حقيقية ويتنافس فيها رجال ونساء مخلصون
لوطنهم، وقريبون من مشاعر جيل من الشباب يصل إلى نسبة 70 بالمئة من الشعب. لقد
كانت مفاجأة لنا جميعا عندما قررت المؤسسة العسكرية ـ الأمينة ترشيح الرئيس
بوتفليقة لدورة رابعة، وهو الذي أصيب بجلطة نصفية أقعدته شهورا في المستشفيات
الفرنسية ولم يعد قادرا على المشاركة في أي نشاط جسماني، كصلاة العيد أو المشاركة
في احتفالات الاستقلال. كنا نريده أن يستريح في بيته معززا مكرما لكن المؤسسة لا
تأخذ برأي الشعب بل وتستخف به وتقرر ما تريد وتدبج من المبررات الكثير، لكن لا أحد
هنا مقتنع أن الانتخابات الرئاسية يوم 17 نيسان/ابريل الماضي وفاز فيها بوتفليقة
بنسبة 82٪ لها علاقة بالديمقراطية.
قال الأستاذ لطلابه بعد الانتهاء من مداخلات المواطنين العرب
الخمسة- هذا هو الحال في بلادنا ولذلك طلبت من الإدارة أن تعفيني من تدريس هذا
الكورس قائلا: كيف لي أن أتحدث عن الديمقراطية في العالم العربي بعد هذه
المسرحيات؟ فقال لي مدير القسم وهل من أحد يستطيع أن يوضح للطلبة ما جرى في بلاد
العرب أفضل منك؟
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق