وجهات
نظر
هيفاء
زنكنة
من بين العقود
التي تم الحديث عنها بتصريحات متناقضة من المسؤولين الامريكيين والعراقيين سوية،
نية البنتاغون بيع طائرات حربية ومدرعات ومناطيد مراقبة الى العراق، بقيمة تبلغ نحو مليار دولار. يتضمن
الاتفاق، تسليم 24 طائرة و 200 مركبة مصفحة، واسباب موافقة البنتاغون المعلنة هي
مساعدة العراق على الدفاع عن منشآته النفطية ضد الهجمات
الإرهابية، وتمكين قواته من الاتكال على نفسها لفرض الاستقرار، وكأن البنتاغون
منظمة خيرية مهمتها تمكين الدول الضعيفة للوقوف على قدميها!
وبينما أكد وزير الخارجية الامريكي جون كيري، 7 كانون الثاني/يناير، بان امريكا لن ترسل قوات قتالية الى العراق لمساعدته قائلا « هذه معركتهم ولكننا سنساعدهم في معركتهم»، صرحت ماري هرف، المتحدثة باسم وزارة الخارجية، بان المساعدة ستتم تسليم عبر تزويد العراق بالاسلحة المتطورة ومن بينها الطائرات بلا طيار (عشرة الآن و48 أخرى نهاية العام)، بالاضافة الى الـ 75 صاروخ هيلفاير الذي تم تسليمه.
تقول ماري هرف بان الطائرات استطلاعية. ولكن هل هي طائرات استطلاع، فقط، حقا؟ ان استخدام امريكا لهذه الطائرات في العراق وافغانستان واليمن بالاضافة الى الاستخدام الاسرائيلي لها في فلسطين ولبنان، يبين بانها ليست للاستطلاع حصرا بل للقتل وضرب الاهداف المعتبرة «ارهابية».
في مقالة للصحافي براتاب جادرجي المتخصص بالتحقيقات في مجال الاسلحة والشركات الاحتكارية الكبرى (15 ايار/مايو 2014)، عن الطائرات بلا طيار، يفضح براتاب اكذوبة ادارة اوباما في ان استخدام هذه الطائرات سيساعد على تقليل الضحايا من المدنيين لانها تستهدف الارهابيين فقط.
يقول براتاب بان معظم الناس يظنون بان لدى الشخص الجالس في امريكا او اي مكان آخر ليوجه الطائرات، قائمة باسماء واماكن ارهابيين، لتتم «صيدهم وتصفيتهم». لكن الحقيقة هي ان موجهي الطائرات انما يتابعون «المطلوبين» من خلال الهواتف الخليوية، أيا كان حاملها او مكانها. واذا ما حدث وقتل احد المدنيين الابرياء فانه يعتبر خطأ ثانويا.
المفارقة المبكية ان وكالة الأمن القومي الامريكية تستخدم أداة تعرف باسم جلجامش لصيد وقتل «أهداف ذات قيمة عالية». وجلجامش، هنا، ليس ملك اوروك السومرية، المعروف، في تاريخ العراق القديم، ببحثه عن نبتة الخلود، كما انه لاعلاقة له بالملحمة التي تعتبر اول عمل أدبي انساني مكتوب، ويعالج قضايا الحياة والموت ومعنى الوجود.
استولت أمريكا، كعادتها في الهيمنة وقتل الرموز التاريخية الممثلة للحضارة البشرية، على جلجامش لتجعل منه اسما حركيا لجهاز خاص يتم تركيبه على الطائرات بدون طيار، ليمكنها من تتبع الهواتف المحمولة للأفراد، دون علمهم، من خلال تظاهر الجهاز بانه برج للهاتف الخليوي. وهو واحد من اجهزة اخرى، تستخدم للرصد والمتابعة وتسهيل عمليات الصيد والقتل، وتوفرها امريكا لزبائنها.
ان مشاركة أطراف دولية واقليمية متنافرة في مد النظام بصفقات سلاح أو غيرها، تهدف الى إبقاء نظام إستهلاكي مغرق في الدماء والفساد في حالة إحتضار طويلة، أي تحييده وإعتباره مجرد سوق مفتوح للسلاح والطعام والملابس والأجهزة، وحقل تجارب وتدريب المارينز والمخبرين العراقيين في معارك الإرهاب. وقد كان تحييد العراق، باتفاقات دولية مع روسيا وأقليمية مع ايران والسعودية، أهم نتائج تقرير بيكر- هاملتون نهاية عام 2006، الذي كان أساس أسترجاع المؤسسات الأمريكية وفاقها الداخلي حول الأمن القومي وتخليها التدريجي عن مشروع القرن الأمريكي الجديد في العراق قبل سنوات من الإنسحاب العسكري. وقد تم تبني نفس الموقف من أفغانستان فيما بعد، وهو أمر دعا اليه، سابقا، هنري كيسنجر، وزير الخارجية الامريكي السابق ومهندس انسحاب امريكا من فيتنام.
لذلك، يشعر مسؤولو النظام العراقي ان خطر التغيير الحقيقي هو تغيير الأطراف الدولية لمواقفها تجاههم. وفتح ابواب التزود بالسلاح من بلد يملك ثروة هائلة طعم لابقاء الوضع على ما عليه مع مواصلة التطبيل الاعلامي عن محاربة الارهاب والديمقراطية والانتخابات.
ففي شهر ايار/مايو، مثلا، ونتائج الانتخابات مثل كرة القدم تتقاذفها تصريحات الساسة عن انتصار هذا ودحر ذاك، ومع استمرار قصف المدن بالاضافة الى صدور التقارير الدولية التي تدين قصر نظر النظام بالتعامل مع المواطنين سواء من ناحية توفير الخدمات والامان لعموم الشعب او توصيل المساعدات الى النازحين من المحافظات المعرضة للقصف الذين زاد عددهم على 400 ألف شخص، حسب احصائيات الامم المتحدة التي تشير، ايضا، الى ان من بين 73 ألف عائلة مسجلة كنازحة هناك على الاقل 51 ألف عائلة بقيت محاصرة في محافظة الانبار، غرب العراق.
في هذه الاجواء، بدأت حملة الترويج للتزود بالسلاح تأخذ مساحة كبيرة من الاعلام الدعائي، وبتفاصيل حول قدرة هذه الاسلحة ودقتها. مما يثير تساؤلا مهما: كفاءتها في ماذا؟ الدفاع عن العراق ؟ كيف والحدود مع تركيا وايران مفتوحة على سعتها للقصف والتهريب.
هل هي لحماية الناس ؟ كيف والطائرات تقصف بشكل عشوائي وتهدم البيوت بمن فيها، والقوات الحكومية تقصف المناطق المأهولة بالبراميل المتفجرة كما اوضحت منظمة (هيومن رايتس ووتش) في تقرير لها (27 ايار/مايو). مشيرة إلى انها اطّلعت على أشرطة فيديو وصور تظهر بقايا تلك البراميل بعد انفجارها ؟ ام انه دفع الاموال الطائلة لتجار السلاح ومصنعيه، مكافأة لهم على قتل العراقيين؟
ان التعاون الامريكي الروسي في تزويد النظام العراقي، بالاسلحة المتطورة، هو سباق للحصول على عقود بالمليارات، لتنشيط صناعة السلاح القاتلة، ومكافأة تجار الحروب، بشروط محددة من بينها الاعتماد على البلد المصنع للتزود بقطع الغيار والا تستخدم الاسلحة ضد البلد المصنع او البلدان التي لديها اتفاقية امنية مع البلد المصنع. مما يعني استخدام السلاح، غالبا، ضد مواطني البلد الذي يحكمه الزبون. وهذا ما يحدث الآن وسيستمر حدوثه مستقبلا، سواء كانت امريكا او روسيا هي مصدر التسليح . وكما ذكر جون كيري: «سنساعدهم في معركتهم» ضد الارهاب، وهل عاش العراق ارهابا اكبر من ارهاب الاحتلال وحكوماته المتعاقبة؟
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق