وجهات نظر
مثنى عبدالله
في العلوم العسكرية هنالك مبدأ معروف يقول ان القطعة
بأمرها، أي أن الفوج واللواء والفرقة والفيلق وكل التشكيلات الاخرى، شجاعة مراتبه
وضباطه في العموم هي من شجاعة القائد الذي يتولى مسؤوليته، وتخاذلهم وهروبهم
انعكاس لحالة القائد أيضا، حتى في حالة وجود عامل عدم تكافؤ القوة أحيانا الذي
يرجح كفة العدو، تصمد القطعات العسكرية لفترة من الزمن بفعل صلابة القائد وعزمه،
وبفعل البناء الذي عززه في قلوب وعقول جنده، من قيم عامة تسمو على الذاتية، فيفقد
عامل حب السلامة بريقه لدى كل فرد وتصبح سلامة الوطن والشعب همهم.
ستكونون على قناعة تامة بأن هذا الجيش ليس لديه أي نقص يمكن أن يؤثر على معنوياته. انقلوا زاوية نظركم الى الطرف الاخر في المشهد، الذي هزم أربع فرق عسكرية نظامية، ستجدونهم مجموعة مقاتلين لا تتجاوز أعدادهم المئات بأسلحة خفيفة، وهذا يشير الى مجموعة حقائق كانت سببا أساسيا في ما حصل. أولها ضياع الهوية الوطنية للزعامات السياسية الحالية، بضمنهم القائد العام، وقد انعكس بصورة واضحة على معنويات الافراد الذين انعدم لديهم الشعور بوجود وطن وعقيدة. ثانيا تحويل الواجب الاساسي للجيش من حماية الحدود والدفاع عن الوطن الى حماية المواكب الدينية المتجهة من محافظات العراق الى المراقد الدينية، ثم ينتهي الواجب ببرقية الى القائد العام يعلنون فيها النصر المبين، وهي ممارسات لا تضيف الى الجيش أي خبرات ميدانية يمكن أن يكون تراكمها موثرا في بنيته. ثالثا دخول الجيش كأداة في الصراعات السياسية الدائرة بين جميع الاطراف، ما أدى الى تكالب الخصوم لشراء ولاءات القادة فيه، كي تكون لديهم أوراق ضغط. رابعا الفساد المالي والاداري الذي بات العمود الفقري للجيش الحالي، حيث أصبحت المناصب والترقيات فيه تباع وتشترى بمئات الاف من الدولارات، حتى وصل الفساد الى الصفقات العسكرية التي يتم التعاقد عليها مع الدول الاخرى. أما الاجهزة الشرطية والامنية والاستخباراتية، فقد بات واجبها الاساسي فبركة القضايا والتهم على المواطنين الابرياء، بهدف الابتزاز المادي والاثراء على حساب معاناة الناس. لقد وضعت كل هذه العوامل والتصرفات، التي مارسها الجيش والاجهزة الامنية حاجزا بينها وبين المواطن، وجعله ينتظر بفارغ الصبر اليوم الذي يراها مُهانة. نعم هنالك حاضنة شعبية في العديد من المحافظات العراقية لثوار العشائر والفصائل المسلحة الاخرى، وهذه حقيقة حية لا يمكن طمسها أو الهروب منها مخافة الاتهام. ماذا تنتظرون من مواطن يتعرض للاهانة صباح مساء من قبل أفراد السيطرة العسكرية التي ينفذ من خلالها الى عمله ويعود الى بيته؟ وماذا تنتظرون من مواطن بريء تلّفق له تهمة كي يبتز ماله أو تجارته؟ بل ماذا تنتظرون من مواطن وطأت قوات الجيش بأحذيتها على رأس ولده أو شقيقه أو صديقه أو جاره بعد أن قتلوه، كما حصل في الحويجة؟ يقينا سيكون هذا المواطن مستعدا للتحالف مع أي قوة يجدها في الضد من كل هؤلاء، وسيكون سعيدا وهو يرى البدلات العسكرية والاسلحة الشخصية، والنظارات الشمسية والخوذ والدروع الواقية، كلها مرمية على الارض في السيطرات التي كان يُهان بها يوميا. لا تطلبوا من مواطن نسيان التصرفات والمواقف السيئة وتخدعوه بالقول انها فردية، ويجب أن يتخلى عنها في المواقف الصعبة التي يمر بها الوطن. انه هراء وسذاجة حد البلادة.
الوطن ليس أرضا فقط. انه كرامة وحقوق عندما يغيبان ويُهدران بيد سلطة لا تملك مثقال ذرة من وطنية، يتحول الانسان الى قنبلة موقوتة تنفجر في أي لحظة. دعوا القائد العام نوري المالكي يُبرر هروبه من أرض المعركة بالقول، انها كانت خدعة، واسألوه ان كانت حقا خدعة فكيف يُخدع وهو القائد الاعلى والوزير للعديد من الوزرات المختصة بالامن العام. واذا كما يقول انها مؤامرة فاسألوه لماذا كلما يخسر يُبرر خسارته بأنها كانت مؤامرة، فحين خسر الانتخابات عام 2010 أمام القائمة العراقية، ظهر على شاشات الفضائيات يهدد ويتوعد قائلا انها مؤامرة. منذ ثماني سنوات بيديه كل السلطات والاموال وفشل فشلا ذريعا في بناء المؤسسات، لانه اهتم في بناء الاضلاع والمرتكزات الطائفية، فانفجرت الجغرافية العراقية في وجهه. هرب الى أحضان الطائفية من الوطنية التي لا يجيدها ولا يؤمن بها، فانفجرت في وجهه الاستحقاقات الوطنية ومظلومية الناس. لقد تصور نفسه القائد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فاتهم كل من يعارضه بالخيانة العظمى. لقد أخذه حب السلطة والعنجهية الى واقع افتراضي وليس حقيقي. تذكروا جيدا كيف وقف أمام مؤتمر القمة العربي في بغداد، عارضا على المجتمعين استعداده لوضع خبرات العراق في محاربة الارهاب الذي كسر ظهره، في خدمتهم كي يستنيروا بها في محاربة الارهاب في أقطارهم على حد قوله، وها هو يولي هاربا أمام من قال عنهم انهم جرذان وفقاعة نتنة. لقد تصور أن الزعامة السياسية خطب رنانة خادعة، ولو تمت محاسبته وفق الاقوال والخطب التي يقولها لما بقي يوما واحدا في السلطة. أولها ادعاءاته المتكررة بأنه جاء بأصوات الشعب الى السلطة في نظام سياسي ديمقراطي. اذن لماذا لا يستقيل بعد هروبه المخزي من المعركة، ويضع نفسه تحت تصرف القضاء العادل كما يحصل في الانظمة الديمقراطية، بعد اهداره المليارات على التسليح الذي بات مرميا في الطرقات؟
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق