عمر الكبيسي
لم يحدث في تاريخ الحراكات الشعبية العربية، وحتى العالمية، ان تتجلى مطالب وحقوق ملايين من المتظاهرين والمعتصمين بحالة تعكس معاناة ومكابدة شعب منكوب في كل مناحي الحياة وبشكل واضح وفاضح كتلك التي تعرضها وتفرزها الساحات العراقية منذ أكثر من شهرين، مضت دون ان يشابها نوع من عنف او اعتداء، بل تتزايد فيها اصوات الحكمة والتنسيق والتنظيم بمرور الوقت، لغاية أن منظميها اشترطوا إن سلميتها وانضباطيتها وعدم طائفيتها تشكل جوهر شرعيتها واستمرارها، والتي تكثفت في ست محافظات ليس بسبب حالة المعاناة المناطقية او الطائفية التي لا تجدها هذه المحافظات ولكن بسبب حالة من الانقسام الشعبي التي رسختها العملية السياسية التي أوجدها الاحتلال ورسختها سياسة حزب السلطة التي تقمع وتكتم الافواه في المحافظات الأخرى .
خطاب السلطة الحاكمة بان واتضح منذ الايام الاولى للتظاهر واتسم بوصف التظاهرات بالطائفية والنتة وتهديد رئيس الحكومة و وكيل وزير الدفاع بالإنهاء والقمع ومن ثم استخدام وسائل منع التجمعات بالقوة واستخدام السلاح الحي في الفلوجة والغازات والمياه في مناطق اخرى ناهيك عن الحصار العسكري وإقامة الحواجز ومنع التنقلات وتفاقم أسلوب المواجهة مؤخرا بالمداهمات والاعتقالات مما ينبئ بحالة تسويف وتهميش واستغلال الوقت لما ينذر بالتهيئة لمواجهة قمعية عنفية ، ربما بعد أن يكون المالكي قد استنفذ كل وسائل الاختراق لصفوف المعتصمين كتلك التي تمخض آخرها بتشكيل قيادة وميليشيا جديدة للصحوات التي يعول عليها إنهاء الاعتصامات كما يتخيل من داخل حواضنها كما فعل الجنرال باتريوس قبله ، ونسى أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ، اللهم إلا بتصميم على انتحاره .
تصعيد الخطاب السلطوي بدا واضحا حين حضر رئيس الحكومة اجتماعا لمحافظي الجنوب والوسط في محافظة البصرة حيث كان الإخراج الرسمي ان المالكي استجاب لمطالب 7 محافظات بلغت اكثر من 30 مطلبا وتعهد بتنفيذ هذه المطالب جميعا خلال يوم واحد القى خلال زيارته هذه رئيس الوزراء خطابا ناريا وصم فيه المتظاهرين في المحافظات الاخرى بالتبعية والطائفية وتبني فكر القاعدة والبعث والإرهاب والتهديد بالمقاضاة بعد ان وصف المتظاهرين بشكل مطلق بانهم غير عراقيين! وقد تزامن ذلك مع خطاب وكيل وزير الداخلية باتهام تظاهرات الفلوجة بإحداث التفجيرات في بغداد، وكذلك خطاب الخزاعي مستشار المالكي لشؤون المصالحة الوطنية الذي وصف المتظاهرين بتبعيتهم لأجندات اجنبية وفكر القاعدة وعدم عراقيتهم.
وتناسى المالكي الذي يطلب من المعتصمين الالتزام بالدستور أنه أول من يخالفه اليوم بتدخل سافر في شؤون الهيئات المستقلة والقضاء وهو اول من نادى بالأمس بضرورة تغيير الدستور كي يستطيع ان يحكم و هو حين ينكر طائفيته تناسى أيضا انه حين تشبث بتعيين وزير دفاع من خارج القائمة العراقية وفق حالة التوافق والمشاركة قال إن منصب وزير الدفاع من حصة السنة في العراق وليس من حصة القائمة، وهو القائل متسائلا تعقيبا على شاعر شعبي يحثه على المسك بالسلطة وعدم التفريط بها بإهزوجة شعبية في جمع عشائري (هو من سيعطيها حتى أحد يأخذها ؟) !. وتناسى أساسا ان تعينه لمنصب رئاسة الحكومة جاء وفقا لمحاصصة طائفية وعرقية ضمن تحالف شيعي كردي وبإرادة إيرانية كان يوصفه بالمقدس والدائم بالأمس واليوم يجد نفسه في حالة صراع متأزم مع الائتلاف الكردي ، في حين إن كتلاً أساسية في التحالف الوطني الذي يقوده الجعفري لا تتردد اليوم من التحذير من سلطة المالكي وتفرده بالسلطة بشكل تعسفي كالتيار الصدري والمجلس الأعلى ومكتب احمد الجلبي .
المطلوب اليوم شعبيا وجماهيريا لتلافي حالة المواجهة وما هو مبيت لإنهاء التظاهرات بأي ثمن ،هو المبادرة بردود فعل حازمة لقيادات ولجان الاعتصامات لتطويق مشروع حزب الدعوة للتفرد بالسلطة ولعل مناقشة التوصيات والمقترحات التالية تلقى اهتمامهم :
أولاً : الصمود والصبر والاستمرار على الاعتصام والتظاهر والتمسك بسلميتها وتوحيد الخطاب الوطني والمطالبة بالحقوق الوطنية والالتفاف حول قيادة تنظيميه موحدة ممثلة لجميع الساحات تناط بها مسئولية اتخاذ القرارات والخطوات وردود الفعل والمبادرات اللاحقة .
ثانياً : نحن كعراقيين بحاجة اليوم أكثر من أي وقت آخر الى وثيقة وطنية عراقية شعبية ملزمة تنزع فتيل المواجهة والإصطدام بين جميع أطراف المكون العراقي تحسب ان إراقة الدم العراقي جريمة لا تغتفر وخط أحمر على جميع أبناء القوى والأحزاب والطوائف والقوميات والاديان التمسك بها والتعهد بعدم شرعيتها لأي سبب أو بأية ذريعة وهي وثيقة ملزمة للسلطة وانصارها والمعارضة وأطيافها . كما نحن بحاجة الى التمسك بالوحدة الوطنية العراقية وعدم المساس بهذه الوحدة بأي وسيلة تنال منها وتنفذ الى التشظية والتقسيم .
ثالثاً : قيادة الحراك بحاجة ماسة لتبني كتابة ميثاق وطني يتبنى أسس العمل السلمي والسياسي لإحداث التغيير والثوابت الوطنية لحل أزمة الصراع على السلطة في العراق يلبي طموح كافة القوى الوطنية المناهضة والمعارضة على اختلاف مسمياتها ومواقعها وبالتالي فأن مؤتمرا وطنيا لأنبثاق هذا المشروع السلمي أصبح ضروريا وهاما . إن مثل هذا المؤتمر سيتبنى الحراك السلمي كوسيلة لتحقيق التغيير المطلوب بمطالب وحقوق شاملة غير مناطقية او عشائرية او طائفية مما سيحقق شمولية الحراك ويفعله لتحقيق اهدافه الوطنية في تأمين الخدمات ومستلزمات البنية التحية لحياة المواطن العراقي بأمن وسلام وعيش كريم ، وليكن هذا المشروع الوطني تحت لافتة (مشروع الحراك الوطني العراقي للتغيير والإنقاذ) تعبيرا عن دور الحراك الشعبي في إيقاض الهمم وتوحيد الصفوف.
رابعاً : إدانة الأعمال العنفية التي تستهدف الدم العراقي بكل وسائلها وتبريراتها وإدانة وجود كافة المليشيات المسلحة وحصر تحقيق الامن الداخلي بقوى الأمن في المحافظات والمناطق المعنية بها وسحب قوات الجيش خارج المدن وحصر مسؤولياتها بتأمين الدفاع عن الوطن فقط وعدم زجها في الصراعات الداخلية إلا في حالات طارئة بتوافق سياسي جامع .
خامساً : تحريم الطائفية والتمذهب السياسي بكل أشكاله والعمل على القضاء على كل مظاهره وتنظيماته ومؤسساته والتمسك بالعمل على إقامة الدولة المدنية العصرية التي تؤسس لدولة العدل والمساواة والحرية والديمقراطية .
سادساً : يكاد يجمع كل العراقيين والسياسيين ان الدستور الحالي يحمل عيوبه وسلبياته في نصوص ولفضيات تعيبه وان العراقيين بحاجة الى اعادة كتابة دستور بإرادتهم يحفظ وحدتهم ويلملم لحمتهم ويتعامل مع الجميع بروح العدل والمساواة لضمان حقوقهم وتحديد واجباتهم ، وهذا العمل يتطلب إنظاج قانون انتخابات بالقائمة المفردة والمفتوحة وحماية إجراء هذه الانتخابات بشكل شفاف ونزيه بحماية واشراف دولي . وحيث ان الحكومة والبرلمان الحالي والكتل المشاركة بالعملية السياسية اليوم أثبتت عدم قدرتها وفشلها لتحقيق ذلك ، فإن الامر لابد ان يوكل الى سلطة انتقالية كاملة الصلاحية لإنتاج ركائز عادلة لدستور مدني عصري وقانون انتخابات بقوائم فردية مفتوحة لتأتي ببرلمان يمثل الشعب تمثيلا صادقا وحكومة كفاءات تبني العراق وتنهض ببنيته التحتية وتنمية موارده واستغلال ثروته وتحافظ على وحدته وأمنه .
هذه بعض المقترحات التي أطرحها لقيادات الحراك وهيئاته ولكل القوى الوطنية العراقية للمناقشة والتذكير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق