موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الأربعاء، 6 مارس 2013

الاستحقاقات السياسية للانتفاضة العراقية في شهرها الثالث

مثنى عبدالله
غالبا ماتكُسر السدود قبل أن يُهدد الفيضان العواصم.
بغداد اليوم أصبحت مركز الاشعاع الطائفي في المنطقة العربية أو هكذا يراد لها على أقل تقدير.
الانتفاضة العراقية خطر يهدد صميم هذا الدور، وانتصارها يقضي على أحلام الكثيرين.
علم ودستور ومجلس أمة، حلقات ليست من ضمن البناء السياسي الحقيقي والواقعي للدولة العراقية وليست لها وظائف كما رسمها لها علم السياسة، بل هي منصات يراد لها أن تكون قواعد إطلاق لبالونات ديمقراطية تحرر صاحب القرار الطائفي من تهم الاستبداد والدكتاتورية لا أكثر، وتتركه يسير على هواه في تنفيذ المسار المرسوم له من قبل زعيمة الطائفية في المنطقة ايران.


ما الذي أوجدته هذه الثلاثية على أرض الواقع العراقي؟ لاشيء يذكر سوى أنها أصبحت لافتات أعلانية كبرى لكل الطائفيين يثقفون من خلالها بالمنهج الطائفي، بينما أدوارها معطلة الى ما لانهاية.
دستور يحوي الف عثرة وعثرة وقد وضعت حوله الاف الاسوار والمعرقلات كي لايتم تغيره أو تعديله على أقل تقدير. برلمان عاجز عن أداء دوره وفيه الغالبية للصوت الطائفي وليس الصوت السياسي ويستحيل أن يُخرج حقا لمطالب. خدعة كبرى تلك التي يتسلى بها طاغية العراق حينما يقول بأن الحكومة أنجزت ماعليها من حقوق المتظاهرين. وهروب من أستحقاقات الانتفاضة عندما يُلقي الكرة في ملعب البرلمان. وسذاجة عندما يتم التجريم بواقعة رفع العلم العراقي القديم كما يسمونه، بينما يشيحون بوجوههم الكالحة عن الحقوق التي هي الاساس، حتى وصل المتظاهرون الى قناعة لا رجعة فيها بأن كل هذه المؤسسات قد تأسست لشرعنة الظلم الواقع عليهم. وأن كل شخوص العملية السياسية فرامل ضد نيلهم الحقوق والعيش بكرامة. لذلك باتت أستحقاقات الانتفاضة وهي تدخل شهرها الثالث فرض عين على الجميع شاء من شاء وكابر من كابر. أول هذه الاستحقاقات هي فرز الخنادق الذي أضحى ضاغطا على كل الذين تورطوا في المشاركة في مهزلة العراق الجديد، فلن يكون غريبا بعد الآن القفز من المركب الغارق والعودة الى صف المنتفضين، فعلى السياسي أن يغير طريقه بطريقة شريفة عندما يدرك بأن شعبه في الاتجاه الآخر، كما لن تكون مفاجأة عندما سيتحرك البعض من نفس النسيج الاجتماعي للمنتفضين في الاتجاه المضاد للتظاهرات والانحياز الى جانب السلطة. فكما المواقف الشريفة موجودة كذلك المواقف الانتهازية تظهر في الظروف الصعبة أيضا، خاصة عندما يجد الحاكم بأن سفينته باتت على شفا حفرة فيفتح خزائن ماله ومناصبه لضعاف النفوس للالتحاق به. أما الاستحقاق الاهم والاكبر الذي فرضته الانتفاضة فهو ولادة فضاء سياسي جديد، ليس له صلة بالقادمين مع الغزاة ولا نسب له مع الملتحقين فيما بعد الاحتلال. بعيد عن كل القوى المتحكمة بالمشهد السياسي، ومتشكل من نخب عاشت تجربة الاحتلال والمقاومة، والاقصاء والتهميش والسجن والتعذيب والاغتصاب والفقر والحرمان. أنه مشروع جديد يتضاد تماما مع السلطة الحالية، بل يتعارض كليا مع كل بنود وأعراف العملية السياسية التي قامت على أساس المحاصصة الطائفية والاثنية. وبذلك وضعت هذه القوة الجديدة قوى السلطة في مخاض عسير للمحافظة على وجودها كقوة كبرى تمسك بكل مفاصل الحياة في العراق منذ الغزو وحتى اليوم. بل أثار ظهورها الى الوجود عبر الانتفاضة اليقين لدى قادة العملية السياسية، بأن عمليتهم التي راهنوا عليها تعيش حالة تراجع في بنيتها الداخلية، وأنها باتت عاجزة تماما عن الاقناع حتى داخل صفوف المؤيدين لها.
كما أن توسل المنتفضين بوسائل سلمية للتعبير عن أحتجاجاتهم حشر السلطة وقواها العلنية والخفية في أصعب الزوايا. كانت السلطة تتمنى أن يكون الحراك مسلحا كي تضعه في صف القوى التي تسميها تكفيرية وظلامية وماضوية فتكسب شرعية أقليمية ودولية للتحرك ضده بالقوة. لكن الحراك أتى تماما خلاف توقعها فسحب القوة من يدها فباتت عارية. حتى أتهاماتها له بأنه صدى لأجندات قطرية وتركية وذا هوى قاعدي، لم يشكل لها أطلاقا أي منظومة تعاطف ضده، لذلك باتت مستميتة في صنع تهم تلصقها بقادة الحراك كي تقدم دليلا للاخرين لمساندتها ضده، وهو ما ظهر واضحا في كل التصريحات التي صدرت عن طاغية العراق وأعوانه مؤخرا. أن تنامي الزخم الجماهيري في المحافظات المنتفضة وتلاحم الرموز الاجتماعية معها قد أدى الى أنكسار حاجز الخوف. كما أن فشل القوى الامنية والاستخباراتية في تنفيذ قرارات القاء القبض على قادة الحراك الشعبي، نتيجة التفاف الجماهير حولهم وحمايتهم من السلطة وأجهزتها القمعية، عزز النتائج الايجابية للانتفاضة ووفر شعورا للمضطهدين والمحرومين بأنهم قادرين على حماية أنفسهم بعد الآن، كما بات هذا الشعور يأكل سريعا من جرف السلطة ويحفز الباقين على الخروج عليها والمطالبة بالحقوق، وهو مانشهده اليوم في بقية المحافظات العراقية التي بدأت تخرج عن صمتها بعد أن ملت من ترديد نظرية المظلومية الكاذبة، التي أستعملها ساسة الاحتلال كوسيلة تخدير وأستغفال لممارسة السرقة والاثراء. لذلك عجز طاغية العراق وحزبه الطائفي عن أخراج التظاهرات المؤيدة له بالرغم من أمكانيات السلطة التي بين أيديهم، فأقتصرت على بضع أنفار يتناقصون يوما بعد أخر. وفي مواجهة هذا الخطر الداهم بات الحزب الحاكم وأئتلافه الطائفي وجميع الاعوان المحليين والاقليميين يبحثون في كسر السدود، كي يبعدوا فيضان الغضب الجماهيري قبل وصوله الى أوكار السلطة، من خلال التلاعب بالنسيج الاجتماعي للمحافظات المنتفضة، وأثارة الانشقاقات داخل منظومة الوحدة المجتمعية، ودفع البعض للخروج على سياق التضامن، وتحفيز أخرين للاحتكاك بالاطر المعنوية للرموز الاجتماعية في المنطقة، في محاولة يائسة للامساك بزمام الامور وضبط الايقاع، بشكل أنها تقدر أن تتحكم ولو بمنسوب قليل في إدارة الشأن الداخلي للمحافظات المنتفضة، وبالتالي إدارة الحراك الجماهيري أيضا. 
لكن الرد الجماهيري على هذه الاساليب من منصة التظاهر والتأكيد على الوحدة المجتمعية، والدعوة الى أبعاد التظاهرات عن الخلافات الشخصية والتبرؤ من كل الملتحقين بالسلطة، أسقط جميع الرهانات على أمكانية أختراق الانتفاضة، وعزز من سمو هدفها الذي هو تحقيق المصلحة الوطنية. أنه تاريخ عراقي جديد يكتبه أولئك الرجال، الذين أستطاعت السلطة الباغية نزع كل شيء منهم على مدى عقد من الزمن، لكنهم فاجأوها بأنهم يمتلكون الايمان والتضحية والشرف الوطني، وهي صفات تفتقر اليها جميعا لأن البطولة لا يكتسبها الجبناء .

ملاحظة
نشر المقال هنا


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..