جاسم الشمري
يمتاز رئيس الحكومة العراقية الحالية نوري المالكي بأنه صاحب أكبر عدد من المناصب في العراق والعالم، فالمالكي، حالياً، هو رئيس كتلة دولة القانون، وزعيم حزب الدعوة الإسلامية، ورئيس والوزراء، والقائد العام للقوات المسلحة، ووزير الدفاع والداخلية والأمن القومي والاستخبارات بالوكالةً، وفي نفس الوقت لا يصدر أي قرار بالعراق (الديمقراطي) إلا عبر هذا الرجل، الذي صار في دنيا السياسة مشكلة العراق الأولى.
ومنذ أكثر من (70) يوماً، والمتظاهرون العراقيون في ست محافظات عراقية، بينها نصف العاصمة بغداد، يرددون هتاف: "الشعب يريد اسقاط النظام"، وهو- أي المالكي- بالمقابل استخف بالمتظاهرين، ووصفهم بأوصاف مخجلة، ومنها أنهم فقاعة، وإرهابيون، وقطاع طرق وغيرها من النعوت الباطلة، والأدهى والأمر تجاهله المتعمد لمطالبهم المشروعة، والمتعلقة بكرامة الإنسان، وحقه بالعيش الرغيد كبقية شعوب المنطقة، وكأنهم يعيشون على كوكب آخر!
والسؤال الذي يردده الكثير من المتابعين: لماذا تتجاهل حكومة المالكي مطالب ملايين المتظاهرين؟!
بداية، لا أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال بسيطة وميسرة؛ لأن المشهد العراقي الحالي مركب ومعقد، وبالتالي الاجابات ستكون عسيرة، وربما غير واضحة في بعض الأحيان.
وفي محاولة الرد على هذا التساؤل، يمكن أن نسجل بعض الاحتمالات، ومنها:-
1. من أهم الأسباب التي تدفع المالكي وأعوانه لتجاهل مطالب الجماهير، هو توهمهم بأنهم يمتلكون المال والسلطة، وهذا لعمري، من أكبر الأوهام التي عشعشت برأس الحكومة وأتباعها؛ لأن المال والسلطة انهارتا أمام الارادة الشعبية في بلدان هي أعتى، وأقوى من المالكي وميليشياته، والدلائل الحية شاخصة أمامنا في ليبيا ومصر وغيرهما!
2. ربما يعتقد المالكي، أو قُدمت له النصائح بتجاهل هذه الحشود؛ لعلها تسئم وتمل؛ بسبب برد الشتاء القارص، وانقطاع مصادر الرزق؛ بسبب تفرغهم التام للمشاركة بالاعتصامات المفتوحة في الانبار والموصل وصلاح الدين.
وهذه الحسابات، أو السياسات خاطئة، والتعويل عليها نوع من العبث؛ حيث إن الأيام أثبتت أن هذه الفرضيات أُجهضت بالكرم العشائري العراقي، والتلاحم النادر بين العراقيين، وتسابقهم في ميادين العز والشرف لخدمة بعضهم البعض.
3. مراهنة المالكي ولعبه على وتر الطائفية الحساس والدقيق في العراق المتعدد الأعراق والأديان والطوائف، وأراد المالكي وزمرته تهييج الشارع "الشيعي"؛ واصفين المظاهرات بأنها "سنية"، ومناهضة " للشيعة" على اعتبار أن " المالكي يمثل هذه الطائفة المهمة من طوائف الشعب العراقي"!
وهذه السياسة– أيضاً- لا يمكن التعويل عليها؛ لأن شيعة العراق الأصلاء يعرفون قبل غيرهم، أن إخوانهم من السنة بعيدون كل البعد عن هذا الثوب الممزق (ثوب الطائفية)، وأكبر دليل على هذا الكلام هو مشاركة بعض ممثلي المدرسة الخالصية، وبعض وجهاء وشيوخ عشائر الجنوب لإخوانهم في اعتصامات الرمادي وصلاح الدين والموصل، وهذا يؤكد اللحمة الحقيقية بين مكونات الشعب العراقي!
حكومة المالكي تعاني من أزمة سياسية حقيقية جعلتها لا تعرف كيف تتعامل مع الواقع، وقبل أيام، وبدلاً من أن يتوجه المالكي إلى إحدى محافظات الاعتصام نجده يزور مدينة البصرة في أقصى الجنوب، في زيارة وصفت بأنها لأغراض انتخابية، وإلا كان الأولى به- إن كان يدعي أنه "زعيم لكل المواطنين"- أن يتوجه على الأقل للقاء أعضاء مجالس الحكم في المحافظات الثائرة؛ للدلالة على أنه "قائد وطني"، إلا أن التجربة أثبتت أن هذا الرجل هو من منابع الطائفية في العراق، وهو يفعل عكس ما يقول، والسياسية السليمة هي أقوال وأفعال تنتج ما يخدم الوطن والمواطن.
مواكب المتظاهرين في العراق سائرة نحو تحقيق أهدافها الشرعية سواء رضي المالكي، أم لم يرض، وأساليبه الفاشلة المغطاة بالاتهامات الباطلة والتجاهل والتمييع والوعود الفارغة، كل هذه السياسات ستزيد من إصرار المتظاهرين على أهدافهم النبيلة، أما التعذر بأن بعض هذه المطالب غير دستورية، فلا أعتقد أن الدستور الذي كتبه المحتل الأمريكي مقدس إلى هذا الحد! وأظن أن الأيام القادمة حبلى بالأحداث التي لا يمكن التنبؤ بها بدقة، في حال استمرت الحكومة وأتباعها بتجاهل مطالب المتظاهرين!
خلاصة القول إن هذه الحكومة أثبتت فشلها الساطع في إدارة الأزمات بالبلاد، وهذا ما نراه في الشارع العراقي اليوم.
ولا أعتقد أن الحكومات التي تتجاهل نصف شعبها جديرة بالاستمرار في الحكم، وهذا ما ينطبق تماماً على حكومة المالكي الطائفية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق