بعث الأستاذ محمد سيف الدولة بمقالته هذه، إلينا، متحدثاً فيها عن الجريمة الجديدة التي شهدتها صحراء سيناء مؤخراً، والتي أسفرت عن سقوط عشرات الشهداء والمصابين من قوات الأمن المصرية، والأهداف الصهيونية الكامنة وراء ذلك العمل الإجرامي، وغيره.
من غزة 1955 الى سيناء 2012
محمد سيف الدولة
ذكر هيكل فى كتابه حديث المبادرة ما قاله عبد الناصر وكوسيغن رئيس الوزراء السوفيتى وجاء فيه :
((أن ما أسعى إليه هو التوازن بين التنمية والسلاح , فنحن أمام عدوان توسعى , وإذا لم تكن التنمية محمية فإن ثمارها قد تقع بالكامل فى يد العدو . .. و فى سنة 1955 كان رأيى مثل رأيك .. كنت أريد التنمية ولم أكن أريد السلاح , ولكن التوسع الإسرائيلى فرض على أن أعيد النظر فى موقفى وأن أحصل على سلاح أحمى به عملية التنمية كما أحمى به حدود الوطن ))
كان هذا هو الدرس الاول الذى تعلمته مصر مع ثورة يوليو ، وهو ان اسرائيل لا تريد السلام ولا تريد الخير لمصر، فلقد بدأت يوليو كما نعلم بمبادئ ستة تستهدف الشأن المصرى وحده و لا تتضمن اى نوايا تجاه تحرير فلسطين او معاداة اسرائل ، وهو ما أكده وزير خارجية فرنسا عام 1954 حين أخبر بن جوريون بان عبد الناصر طمأنه بانه ليس له اى نوايا عدوانية تجاه اسرائيل وان تركيزه الوحيد هو بناء مصر وتنميتها ، وهو الامر الذى اثار قلق بن غوريون واستياءه !
كانت هذه هى توجهات ثورة يوليو فى البداية ، الى ان فوجئت مصر بالعدوان الصهيونى الاول على غزة تحت الادارة المصرية فى 28 فبراير 1955 والتى راح ضحيته 39 شهيد و33 مصاب ، والذى تلاه احتلال اسرائيل لسيناء فى العدوان الثلاثى عام 1956 بسبب قرار مصرى محض هو تأميم قناة السويس الذى لا يمس اسرائيل او القضية الفلسطينية ، ليدرك الشعب المصرى منذ ذلك الحين حقيقة وطبيعة هذا الكيان الاستعماري الاستيطانى العدوانى التوسعى الارهابى المسمى باسرائيل . ولتقوم ثورة يوليو بعدها بتصحيح وعيها و موقفها من الصراع العربى الصهيونى ، وهو الموقف الذى تأصل وتعمق بعد عدوان 1967 فى اتجاه حرب اكتوبر 1973، قبل ان يسرق منا النصر وتكبل مصر باتفاقيات كامب ديفيد .
فهل تحذو ثورة يناير حذوها وتقوم هى الاخرى بتصحيح موقفها من هذا الملف الذى تجاهلته او تحاشت الخوض فيه غالبية القوى السياسية منذ الثورة رغم انه الملف الاكثر خطورة .
***
· فبالامس 5 اغسطس 2012 سقط عشرات الشهداء والمصابين فى عدوان اجرامى جديد على قواتنا المرابطة على الحدود المصرية الفلسطينية (الاسرائيلية) ، و ادعت اسرائيل ان وراءه جماعات ارهابية ؟ وان لا شأن لها بهم !
· وفى اغسطس 2011 قامت اسرائيل بالاعتداء على جنودنا على الحدود مما ادى الى استشهاد ثمانية جنود
· وفى مارس 2012 صرح خبير عسكرى مصرى سابق لاحد القنوات الفضائية المصرية بان سبب تسفير (تهريب) المتهمين الامريكان فى قضية التمويل الاجنبى هو التلويحات الامريكية للادارة المصرية بعمليات عسكرية اسرائيلية فى سيناء ما لم يتم الافراج عنهم فورا
· ومنذ بضعة شهور صرح رئيس الاركان الاسرائيلى لوسائل الاعلام العبرية بانهم يستطيعون ان يعيدوا مصر الى الوضع الذى كانت عليه فى 1967
· وفى اول يونيو 2011 سرب لنا موقع نيوز وان الاسرائيلى ان نتنياهو حذر اوباما فى اتصال تليفونى بان اسرائيل لم تعد تحتمل ما يحدث فى مصر من فتح المعابر والانفلات الامنى فى سيناء وان كل الخيارات مفتوحة امامها بما فى ذلك اعادة احتلال سيناء
· ومنذ قيام الثورة و إسرائيل لم تكف لحظة واحدة عن تأليب المجتمع الدولي علينا بحجة اننا فقدنا السيطرة على سيناء وإنها أصبحت مرتعا للجماعات الإرهابية ، مع التهديد والتلويح المستمر بإمكانية تدخلها بنفسها لفرض الامن هناك . وهى تثير كل هذا الصخب رغم انها تعلم جيدا بالقيود التى فرضتها هى على تواجد القوات المصرية فى سيناء بموجب المعاهدة المشئومة .
· وكان وزير الامن الداخلى الاسرائيلى آفى ديختر قد قال فى محاضرة له فى سبتمبر 2008 ، اى قبل الثورة بثلاث سنوات ، ان إسرائيل قد خرجت من سيناء بضمانات امريكية للعودة إليها فى حالة تغير النظام فى مصر لغير صالح إسرائيل ، وان هذه الضمانات هى اخلاء ثلثى سيناء من القوات المسلحة المصرية بالإضافة الى وجود قوات أمريكية واوروبية صديقة لاسرائيل فى سيناء تحت اسم قوات متعددة الجنسية
· ومنذ عام 1979 ، لم تتوقف القوى الوطنية المصرية لحظة عن التحذير من خطورة القيود المفروضة على السيادة الوطنية فى سيناء بموجب المادة الرابعة من معاهدة السلام وملحقها الامنى وطالبت بكل الوسائل والطرق بضرورة تعديل المعاهدة بما يعيد لنا كامل سيادتنا المنتهكة هناك .
***
وبعد قيام الثورة كتبنا وحذرنا فى عشرات المقالات بان سيناء ستكون هى الفزاعة الرئيسية التى ستستخدم للانقضاض على الثورة المصرية ومحاولة اخضاع ارادتها . وقلنا بالنص فى دراسة بعنوان الثورة ضد الكتالوج الامريكى ان مصر كانت تدار وتحكم منذ عام 1974 ، بموجب كتالوج وضعه الامريكان للرئيس السادات ونظامه ، فالتزم به هو ومبارك من بعده . وكان هو الدستور الفعلى والحقيقى لمصر ، وله السيادة على دستور 1971. و كان الهدف الرئيسى لهذا الكتالوج هو تفكيك مصر التى انجزت نصر اكتوبر، صمولة صمولة ومسمار مسمار، واستبدالها بمصر أخرى غير راغبة فى تحدى امريكا او مواجهة اسرائيل ، وغير قادرة على ذلك ان هى رغبت . فمصالح أمريكا وامن اسرائيل ، هى الفلسفة والغاية التى من اجلها تم تصنيع مصر على الطريقة الامريكية . ولهذا الكتالوج المقدس ، خمسة ابواب ، اهمها على الاطلاق هو تغليب الأمن القومى الاسرائيلى على الامن القومى المصرى ، وابقاء سيناء رهينة ، بحيث يمكن لاسرائيل ان تعيد احتلالها فى اى وقت تشاء خلال ايام ، وذلك بهدف وضع أى نظام مصرى تحت تهديد وضغط مستمر ، يجعله يفكر الف مرة قبل ان يقدم على اى سياسة او خطوة تغضب منه الولايات المتحدة أواسرائيل . ولقد فعلوا ذلك من خلال الترتيبات الامنية القائمة فى سيناء بموجب اتفاقية السلام ، والواردة فى الملحق الامنى ، والتى بموجبها تم تقسيمها الى شرائح طولية موازية لقناة السويس اسموها من الغرب الى الشرق ( ا ) و ( ب ) و (ج) ، وسمح لمصر بوضع قوات مسلحة فى المنطقة ( أ ) فقط ، وبتعداد لا يزيد عن 22 الف جندى ، أى ما يوازى ربع عدد القوات التى عبرنا بها فى 1973 ، بعرق جبيننا وبدم شهدائنا ، والتى قبل الرئيس السادات إعادة 90% منها ، مرة اخرى الى غرب قناة السويس فى اتفاقيات فض الاشتباك الاول الموقعة فى 18 يناير 1974 . أما المنطقة ( ب) فمحظور وضع اكثر من 4000 جندى حرس حدود فقط مسلحين باسلحة خفيفة . وفى المنطقة ( ج ) بوليس مصري فقط ، أضيف لهم 750 جندى حرس حدود عام 2005 لتامين حدود غزة بموجب اتفاقية فيلادلفيا المصرية الإسرائيلية .
كما تراقبنا على أراضينا ، قوات أجنبية موجودة في قاعدتين عسكرتين فى شرم الشيخ والجورة ، بالاضافة الى 31 نقطة تفتيش اخرى . وهى قوات غير خاضعة للامم المتحدة ، يطلقون عليها قوات متعددة الجنسية ، 40 % منها قوات امريكية والباقى قوات حليفة لها من حلف الناتو وامريكا اللاتينية ، والقيادة دائما امريكية .
وهذه التدابير الامنية فى سيناء تحول دون قدرتنا على الدفاع عنها فى حالة تكرار العدوان الصهيوني علينا ، لاقدر الله ، على الوجه الذي حدث فى عامى 1956 و1967 . وان هذا الوضع هو بمثابة " طبنجة " موجهة على الدوام إلى راس مصر من اجل كسر إرادتها وإخضاع قرارتها .
***
قلنا هذا نحن وغيرنا مئات المرات ، ولكن للاسف الشديد انصرفت غالبية القوى السياسية عن هذه القضية الى خلافاتها التى لا تنتهى والتى تزداد عمقا يوما بعد يوم حول قضايا مفتعلة او هامشية .
واليوم نكرر ونؤكد اننا يجب ان نتوحد جميعا وفورا على تحرير مصر من هذه القيود التى تجرح سيادتها والتى تهدد أمنها وتستخدم لإخضاع إراداتها وقراراتها وتبقيها تحت رحمة الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل طول الوقت . فان لم نفعل فقد نفاجأ بعدوان 1956/1967 جديد ، او باعادة انتاج التبعية التى غرق فيها نظام مبارك حتى أذنيه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق