قبل قراءة هذه المقالة، لكاتبتها المناضلة العراقية السيدة هيفاء زنكنة، أود التذكير أن العراقيين كلهم واقعون تحت حكم الاحتلالين الأميركي والإيراني والسلطات العميلة، بالاعدام، فجريمة الاحتلال المستمرة، ومنجم عنها، يضع العراقيين الشرفاء كلهم تحت طائلة هذا الحكم الجائر، وانتهز هذه الفرصة للتذكير بأن سجون العراق ومعتقلاته العلنية منها والسرية، تمتلئ بعشرات ألوف الأبرياء ومنهم الذين اعتقلوا قبيل انعقاد (الزفة) العربية المشؤومة في بغداد نهاية مارس/ آذار الماضي.
مئات العراقيين في زنزانات الاعدام اليوم
هيفاء زنكنة
تعاقبت مراحل تصفية العراقيين بعد الإحتلال من العمليات التي نفذتها قوات المارينز الأمريكية بدءا، ثم الفرق العراقية القذرة التي إختار المارينز عناصرها ودربوها طوال التسع سنوات الماضية، وبرفقة ميليشيات التطهير الطائفية، حتى التصفيات القانونية بالجملة التي تخطط لها وتنفذها 'الحكومة'. بعض الميليشيات صارت جزءا لايتجزأ من الشرطة والجيش. أما الفرق الخاصة، الأمريكية منها والعراقية فلم تكن فقاعات كي تختفي، بل ترسخت وألحقت بمكتب رئيس الوزراء، وبه أيضا التحق القضاء كما في أي حكم شمولي آخر.
الأساليب السابقة لم تستنفد تماما وإنما تجري بعيدا عن الأنظار، ليضاف اليها، اليوم، تصفيات تصبغ بالقانون، كما في مجرى إنتقال رؤساء مافيات سابقين الى الشرعية من خلال مكاتب الدولة.
التعتيم الاعلامي على الكارثة في العراق منهجي من قبل معظم اجهزة الاعلام العربية والاجنبية، بضمنها من يلعب دوره البارز تجاه مجازر سورية ومآسيها، في حين يواصل حكام 'العراق الجديد'، تصفية المواطنين. والتعتيم الأعلامي، كما هو معروف، ضرورة لايمكن للحاكم المستبد، سادن القوى الاجنبية والمحتمي بها في آن واحد، الاستغناء عنها. وباستثناء، منافذ قليلة، لم يعد للمواطن العراقي، من يساعده على كشف جرائم وخروقات النظام الحالي.
من بين الاستثناءات، اصدار منظمتين دوليتين، في الاسبوع الماضي، بيان ادانة ونداء عاجل وتقرير عن حال المواطن العراقي، في ظل نظام يجمع ما بين القمع والطائفية والاستخذاء للاجنبي. وهي توليفة نادرة حتى بمقياس الانظمة العربية والأقليمية المهمومة باضطهاد مواطنيها.
أدان البيان الذي اصدرته منظمة العفو الدولية التفجيرات وقتل المدنيين في بغداد ومدناً اخرى يوم الاثنين 23 تموز/ أغسطس التي ادت الى قتل وجرح المئات' داعيا الى اجراء تحقيق فوري ونزيه واخضاع مرتكبي الجرائم لقضاء عادل لايدين المتهم مسبقا بحكم الاعدام.
أما النداء العاجل فقد اصدرته ذات المنظمة، بعد يوم واحد، داعية فيه الى تحرك سريع لأيقاف تنفيد حكام الأعدام بحق 196 شخصا أعلنت وزارة الداخلية، يوم 23 تموز/ يوليو أن عقوبتهم في المرحلة النهائية، وعلى وشك التنفيذ بعد ان ايدت محكمة النقض كل الاحكام. وكالعادة، لم يتم تقديم أي تفاصيل حول الاشخاص المدانين، اسمائهم او التهم الموجهة ضدهم. كما انه ليس من الواضح إذا كان قد تم بالفعل تنفيذ أي من أحكام الإعدام التي صادق عليها مجلس الرئاسة العراقية. ويشير النداء الى انه قد تم، منذ بداية عام 2012 إعدام 70 شخصا على الاقل في العراق.
والمعروف ان عقوبة الإعدام كانت قد ألغيت بعد الغزو الأنكلو أمريكي. ولكن اياد علاوي، حال تعيينه رئيسا للوزراء من قبل الحاكم العسكري الامريكي بول بريمر، أعاد العمل بها في آب/ أغسطس 2004. وحسبما جاء في نداء منظمة العفو "منذ ذلك الحين، استخدمت عقوبة الإعدام على نطاق واسع جدا. اذ حكم على المئات بالإعدام، وأعدم كثيرون".
وترى المنظمة ان عقوبة الإعدام تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان الأساسية، على النحو المنصوص عليه في المادتين 3 و 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أي حق الحياة والحق في عدم التعرض للتعذيب أو التعرض لأية عقوبة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة. وتعتبر المنظمة عقوبة الإعدام منتهى القسوة واللاإنسانية والاهانة. وكان سعيد بومدوحة، الناطق باسم منظمة العفو الدولية، قد صرح بداية العام الحالي، ان العراق يأتي في مرتبة متقدمة في قائمة أسوأ البلدان من ناحية تنفيذ الاعدامات. واشار الى ان اعداد المعتقلين الذين ينفذ بهم حكم الاعدام او الذين يقتلون تحت التعذيب يفوق عدد الاعدامات المنفذة التي تعلن عنها الحكومة العراقية.
ودان بومدوحة الهيئات القضائية العراقية التي قال انها 'تصدر احكام اعدام لا تتوفر فيها المعايير الدولية حيث تقوم باصدار الاعدامات بناء على اعترافات تعلم سلفا، انها منتزعة تحت التعذيب وخارج اطار المعايير الدولية.
وكان نداء منظمة العفو الدولية قد جاء في اعقاب بيان أصدرته الحركة الشعبية لإنقاذ العراق، بتاريخ 12 تموز/ يوليو حول خرق جسيم آخر لحقوق الانسان من قبل نظام المالكي. اذ قام جلادون من استخبارات الفرقة الاتحادية الثانية في الكاظمية (الشعبة الخامسة سابقا) بتعذيب الشاب صدام حسن مخلف وهيب بطاوي بعد اعتقاله وشقيقه وعدد من ابناء منطقته يوم الثامن من تموز 2012.
واثناء التعذيب توفي الشاب. ثم قام الجلادون بتقديم تقرير دونوا فيه انه توفي اثر قفزه من السيارة محاولا الهرب. وقد قام عدي الزيدي، سكرتير عام الحركة الشعبية، بتضمين البيان، معلومات تفصيلية باسماء الجلادين ورتبهم العسكرية ومكان الاعتقال وتاريخه بالاضافة الى المعلومات الوافية عن الضحية. وهذه مسألة مهمة جدا، ومن الضروري اتباعها، لتقديم المسؤولين عن التعذيب او القتل الى العدالة ولو مستقبلا. وقد ادى شيوع خبر مقتل الشاب صدام مخلف تحت التعذيب الوحشي الى اصدار المالكي توجيها يوم 25 تموز / يوليو الى "وزارة الداخلية بتشكيل لجنة تحقيقية في ملابسات حادث موت المتهم صدام مخلف والمطلوب وفق المادة 4 ارهاب وحجز الضباط المسؤولين عن الموضوع واحالتهم الى القضاء في حال ثبوت تقصيرهم وعرض نتائج التحقيق امام وسائل الاعلام وبما يضمن او يكفل حقوق الانسان". وهذه خطوة قد تمنح الناس بعض الأمل فيما لو طبقت ولم يتم الاكتفاء باستخدام 'التوجيه بتشكيل لجنة التحقيق'، كما مئات اللجان التحقيقية السابقة، كاعلان دعائي لامتصاص النقمة ولتزيين صورة النظام القمعي. وقامت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين باصدار تقرير عن اللاجئين العراقيين المقيمين في سورية. جاء فيه أن 'العنف والتهديد أرغم أكثر من عشرة الاف لاجئ عراقي في سوريا على الفرار خلال الأسبوع الماضي، عاد معظمهم إلى بلادهم على الرغم من المخاوف الأمنية'. وعلى الرغم من تخوف اللاجئين الهاربين من العودة وقلقهم إزاء الخطر الذي يتهدد سلامتهم في العراق، الا انهم لم يجدوا مفرا من العودة بالنظر إلى التهديدات الأمنية في سورية. وحسب
المكالمات الطارئة التي تلقتها المفوضية من اللاجئين العائدين فانهم يطلبون المساعدات الغذائية والاحتياجات الأساسية كما هناك حاجة ماسة إلى الرعاية الصحية ناهيك عن السكن والتعليم. ان انضمام المهجرين السوريين الى العراقيين والعراقيين الى الفلسطينيين، خلال فترة قصيرة نسبيا، ومعاملتهم بشكل مهين وبلا كرامة، ومع وجود حكام ومسؤولين متعامين عما يجري، عربيا وعالميا، سيؤدي لامحالة الى خلق جيل جديد من الشباب الضائع في البرزخ الشاسع الفاصل بين البلدان العربية نفسها من جهة والبلدان العربية والعالم من جهة اخرى. انه جيل سيفاجئنا ويفاجأ العالم بما سيفعله.
ملاحظة:
نُشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق