موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الخميس، 17 أكتوبر 2013

مجلس الأمن والأزمة السورية: الأهداف الخفية للقرار 2118

وجهات نظر
عبدالواحد الجصاني
تمهيد
سؤالان جوهريان أثارهما اعتماد مجلس الأمن القرار 2118 في 27/9/2013 الخاص بنزع الأسلحة الكيميائية في سوريا والبدء بتطبيقه وهما:
  • هل سيساعد القرار في خلق بيئة مواتية للحل السياسي في سوريا ويعيد الإستقرار اليها؟
  • وهل إن هذا القرار يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة ومع معايير وقواعد القانون الدولي؟


الإجابة الموضوعية على السؤالين تستوجب التجرّد عن الميول السياسية تجاه أطراف الصراع في سوريا عملا بقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) صدق الله العظيم
أولا :  التداعيات السياسية للقرار 2118 على الوضع في سوريا
 قبل إستعراض التداعيات السياسية المحتملة للقرار 2118 لا بد من إستذكار حقيقة أن مجلس الأمن هو المؤسسة الوحيدة في العالم التي لم تصلها رياح الديمقراطية بعد. الأعضاء الخمسة الدائمون في المجلس يقررون نيابة عن العالم، فهم الذين يعدّون مشاريع القرارات ويصدرونها وهم الذين يفسرونها ويحددون طريقة تطبيقها، ولذا فإن البحث في تبعات وتداعيات هذا القرار المحتملة على الوضع في سوريا والمنطقة يبقى رهنا بتفسيرات الخمسة الدائمين ، مجتمعين أومنفردين  ، خاصة وإن المشاورات بينهم حول تفسير نصوص القرار وآليات تطبيقها بقيت طي الكتمان، كما أن الأجندة الخفية لكل منهم تبقى سرا من اسرار الدولة العليا . لكن ما هو أكيد وواضح من نصوص القرار 2118 ومن السوابق هو ان الدول دائمة العضوية الغربية الثلاث  (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) وضعت في هذا القرار من الإشتراطات والألغام ما يتجاوز نزع فئة من الأسلحة ويعطيها حيزا واسعا للضغط السياسي على الحكومة السورية وعلى أصدقاء الحكومة السورية  . أما العضوان الدائمان الآخران (روسيا والصين) فقد حققا كسبا مؤقتا باستبعاد احتمالات العمل العسكري الغربي المنفرد ضد سورية وبتخفيف التوتر في علاقاتهما مع الدول الغربية الثلاث ومع بعض الدول العربية ،  لكنهما خسرتا الكثير مقابل هذا الكسب المؤقت مما سيرد تفصيله .
والحصيلة النهائية لن تظهر قريبا ، فعامل الوقت لا يضغط على الدول الغربية الثلاث ، ولن يتعجلوا تفجير الغام القرار 2118 ، فالمهمة ذات الأولوية لهم الآن هي الإسراع في تدميرالأسلحة الكيميائية السورية ومعدات إنتاجها  ولا يحبذون أن تظهر أزمات كبيرة تعرقل عمليات التدمير المخطط لها ان تنتهي في النصف الأول من عام  2014، وتصفية الحسابات السياسية تأتي بعدما تصبح الترسانة الكيميائية السورية من الماضي.

وأهم الإنعكاسات السياسية المحتملة هي الآتية 
1- إن أعمال التفتيش ، التي إنطلقت يوم 6/10/2013 ، ستعطي للمفتشين معلومات تفصيلية عن أنواع الأسلحة الكيميائية السورية وتركيبتها وتواريخ صنعها وانواع القذائف المستخدمة ، وسيجري مطابقتها مع المعلومات التي جمعها مفتشو الأمم المتحدة عن القذائف المستخدمة ومواصفات السارين المستخدم في غوطة دمشق من حيث التركيبة وتاريخ الصنع وبقية المعلومات ، فإن وجد المفتشون انها تحمل دلائل تعزز إتهامات الدول الغربية للحكومة السورية بإستخدام السلاح الكيمياوي في الغوطة ، فسيكون لدى الثلاثة الدائمين ما يعتبرونه دليلا ماديا يستوجب تنفيذ الفقرة 15 من القرار 2118  التي تقول (يعرب عن اقتناعه الراسخ بضرورة مساءلة الأفراد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية في الجمهورية العربية السورية) وسيطلبون إتخاذ إجراءات عقابية ضد الحكومة السورية بموجب الفصل السابع من الميثاق ولربما يكون من بينها تحويل الرئيس السوري وقادة الجيش الى المحكمة الجنائية الدولية.
ليس معروفا كيف ستتصرف روسيا والصين إزاء هذا الإحتمال، وهل ستعترضان وتتهمان المفتشين بالإنحياز وتلفيق الوقائع ، أم توافقان عليه ؟ وفي الحالتين ستكون هناك أزمة جديدة سيكون من بين تداعياتها رفض المعارضة الجلوس مع ممثلي الحكومة السورية في (جنيف 2) وفي المؤتمر الدولي اللذان دعا اليهما القرار 2118 في فقرتية 16 و 17. ولو رفضت روسيا والصين اصدار قرار جديد من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع فهذا سيعطي للدول الغربية الثلاث مبررا للتهديد باللجوء إلى العمل العسكري المنفرد ضد الحكومة السورية تحت ذريعة  فشل مجلس الأمن في القيام بواجبه ، وفي هذه الحالة لن يجد قادة الدول الغربية الثلاث معارضة قوية من المؤسسات التشريعية ومن الرأي العام في بلدانهم.
بعض التخمينات تقول إنه خلال التفاوض الثنائي بين روسيا والولايات المتحدة (الذي أفضى الى إتفاق 14 أيلول 2013 الذي حدد أطار للعمل  بشأن تدمير الاسلحة الكيميائية السورية) إتفقت الدولتان سرا على تجاوز موضوع المسؤولية عن مجزرة الغوطة . لكن هذا الإتفاق السري ، إن حصل ، تستطيع الولايات المتحدة الإلتفاف عليه بطرق عديدة منها تكليف فرنسا أو بريطانيا أو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومفتشيها أو دول غربية اخرى كشف النتائج ووضع روسيا أمام الأمر الواقع.
أما إذا لم تثبت علاقة الحكومة السورية بمجزرة الغوطة، فعلى الأرجح أن لا يعلن شيء حفاظا على ماء وجه أوباما الذي قال في كلمته امام الجمعية العامة يوم 24/9/2013 (إنها إهانة للعقل البشري ولشرعية الأمم المتحدة أن يتم الإيحاء بإن أي شخص آخر غير النظام السوري قد نفذ هذا الهجوم). ومعروف إن الأمم المتحدة ومفتشوها ضعفاء أمام إملاءات الولايات المتحدة ، وفي سابقة معروفة حصلت خلال أعمال التفتيش في العراق ، تقدمت ايران بمعلومات الى الأمم المتحدة قالت انها إستقتها من جنوبي العراق تقول إن الجيش العراق إستخدم السلاح الكيمياوي ضد (الإنتفاضة الشعبانية)  عام 1991 ، وقامت بعثة من مفتشي اللجنة الخاصة بزيارة ايران والتقت بمن إدعوا أنهم ضحايا هذا الإستخدام ، كما زارت البعثة أهوار العراق وجمعت عينات من الماء والتربة والنبات الطبيعي والأحياء ، ومرت شهور عديدة لم تعلن الأمم المتحدة خلالها نتائج تحقيقاتها لإن الولايات المتحدة لا تريد إعطاء مصداقية لإعلانات الحكومة العراقية ، وبعد أن نسي الرأي العام الواقعة حشرت اللجنة الخاصة سطرا واحدا في أحد تقاريرها التفصيلية الطويلة  تقول فيه لم يثبت استخدام الأسلحة الكيمياوية في الاهوار. (تفاصيل هذا الموضوع تضمنها مقالنا بعنوان : البارونة الفاجرة إيما نيكلسون)
2- جاء القرار 2118 بآليات تدخليّة وطلبات شبه تعجيزية من الحكومة السورية هدفها المعلن نزع السلاح الكيميائي باسرع وقت ممكن وهدفها غير المعلن هو إيصال الحكومة السورية الى حالة (عدم الإمتثال) .
الفقرة الرابعة من القرار فرضت على  الحكومة السورية توفير سبل الوصول الفورية وغير المقيدة إلى جميع المواقع التي يطلبها المفتشون وتفتيشها والوصول فورا ودون قيد إلى اي يشخص يريدون استجوابه ، وقررت الفقرة الثالثة عشرة إحالة حالات عدم الإمتثال الى مجلس الأمن ، وقررت الفقرة الحادية والعشرين أنه في حالة عدم الإمتثال يفرض المجلس (على سوريا) تدابير تحت الفصل السابع من الميثاق.
من غير المتوقع أن تكون الحكومة السورية ، وهي في وضعها الصعب الحالي ،  قادرة على الإيفاء بمتطلبات القرار كاملة وبتوقيتاتها ، وسيكون هناك قصور إداري أو فني أو لوجستي أو ضعف التوثيق أو تصرف فردي لمسؤول من رتبة دنيا  أو رد عفوي عنيف على إجراءات إستفزازية من المفتشين وغيرها من الحالات التي شهدناها في العراق . المفتشون منهمكون الآن بالتحضير لتدمير المخزون من الأسلحة الكيميائية الذي أعلنت عنه سوريا ، ولكن في المرحلة التالية التي ستشهد البحث عن  تاريخ البرنامج الكيميائي السوري بكل تفاصيله ووثائقه والمؤسسات الساندة له والمساعدة الخارجية التي تلقاها وسجلات المشتريات ودور الأسلحة الكيمياوية في العقيدة العسكرية السورية وآليات اتخاذ القرار في استخدامها وطلب  استجواب قادة سياسيين وعسكريين ، ستظهر الخلافات والتفسيرات وستدخل جميع الأطراف في أزمات متصاعدة.
ولا بد من الإستدراك بالقول إن فضائح التزوير والتجسس والإستفزاز التي مارسها المفتشون في العراق جعلت كثيرا من الدول والرأي العام العالمي لا يقبلون إستنتاجات المفتشين على علاّتها ويطالبوهم بوقائع موثقة ومقنعة ، ووزير الخارجية الروسي قال في كلمته عند إعتماد القرار2118 أن بلاده لن تقبل اتخاذ إجراءات بموجب الفصل السابع إلا إذا كانت حالات عدم الإمتثال موثقة بنسبة 100% . وبالمقابل فقد إستفاد المفتشون من تجربة العراق وسيكونون حذرين  في  البحث عن حالات عدم الإمتثال وتوثيقها ، وهذا سيحتاج الى وقت حيث سيبدأ المفتشون بدراسة الإعلانات السورية ويزوروا المواقع ويحصلوا على الوئائق ويلتقوا بالمسؤولين ثم يبحثون عن حالات عدم التطابق ويثيرونها كحالات عدم إمتثال . ولقد ظهرت اولى حالات الإختلاف عندما أعلن المفتشون أنهم لم يقتنعوا بالإعلانات السورية عن موجودات الأسلحة الكيمياوية وتوسطت روسيا مع سوريا لتقديم  إعلانات جديدة ( محدثة ).
3 – في بيانهما المشترك في 14/9/2013 طلبت الولايات المتحدة وروسيا من منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية أن تشرك معها الأمم المتحدة في تنفيذ مهمة تدمير الأسلحة الكيميائية السورية كما طلبتا أن يشارك مفتشون من الدول الخمس دائمة العضوية في أعمال التفتيش والتدمير, وطلبت الفقرة الثامنة من القرار 2118  من المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمين العام للأمم المتحدة  أن يتعاونا بشكل وثيق وبالذات في الأنشطة التنفيذية في الميدان. وجرى تبرير هذا الإجراء الى أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية غير قادرة على تنفيذ التدمير بالسرعة المقررة لإنها لا تملك المفتشين الكافين ( مجموع مفتشي المنظمة هو 125 مفتشا فقط ) ولا الموارد الكافية ( ليس في ميزانيتها باب للصرف على هذا النشاط ).
 وحال صدور القرار 2118  إستنفرت الدول الغربية الثلاث مفتشيها الذين عملوا في العراق للإنضمام الى فرق التفتيش وبدأت حملات إعلامية حول مخاطر الأسلحة الكيميائية السورية والنصر الذي تحقق للإنسانية بقرار إزالتها ، وإستنفرت وزارة الدفاع الأمريكية خبراءها للإسراع في إنجاز المهمة ( انظر – البنتاغون يضع خطة لتسريع التخلص من الأسلحة الكيميائية السورية- جريدة الشرق الأوسط ليوم 7/10/2013).
إن إشراك مفتشين من الدول التي تعتبر نفسها أطرافا في الأزمة السورية وبميزانية تقدمها هذه الدول ( أول المتبرعين هي بريطانيا بمبلغ ثلاثة ملايين جنيه استرليني) سيبعد المهمة عن طبيعتها الفنية المحددة في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وسيجعلها نهبا للإجتهادات والتفسيرات السياسية، ولقد شهدنا كيف تدخلت (الأمم المتحدة) في عمليات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في العراق من خلال سيء الذكر (ديفيد كي) وغيره من موظفي المخابرات الأمريكية وحرفت الوكالة عن مهماتها الفنية الى مهمات تجسسية وإستفزازية.  
4 - القرار حقق للدول الغربية الثلاث هدف (تدجين) الموقف الروسي والصيني بقبول روسيا والصين إعادة ملف سوريا الى حظيرة مجلس الأمن  من باب الإجراءات القسرية بعد أن كانتا تصران على يبقى دور مجلس الأمن محصورا في دعم تنفيذ قراري مجلس الأمن 2042 و2043 اللذين إعتمدا في شهر نيسان 2012 والخاصين بتسهيل الحل السياسي عبر مهمة المبعوث الخاص للأمين العام الدكتور الأخضر الإبراهيمي  وفريق مراقبي الأمم المتحدة. وجرى إرضاء روسيا والصين بإضافة فقرتين إلى القرار (من مجموع 22 فقرة) تدعوان لعقد مؤتمر جنيف 2 والمؤتمر الدولي بشأن سوريا ، لكن الإجراءات القسرية المفروضة على الحكومة السورية في القرار والتهديد بعقوبات وإجراءات أشد قسوة لا توفر الأرضية السياسية المناسبة لتفعيل مفاوضات جنيف والمؤتمر الدولي . وهذا يذكرنا بقرارات مجلس الأمن عن العراق فهي تحاصر شعبه وتنتهك سيادته وتدعو بنفس الوقت إلى ضرورة إحترام سيادة العراق وسلامته الإقليمية.
5 – لم يحدد قرار المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في 27/9/2013 ولا قرار مجلس الأمن 2118 أطارا زمنيا لإنهاء الإجراءات الخاصة بشأن الأسلحة الكيميائية السورية وعودة الوضع الطبيعي للتعامل مع سوريا كدولة عضو في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية . الأطار الزمني الوحيد الذي ورد في قرار المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيمياوئية هو ما جاء في الفقرة الأولى /ج منه :  (تتم إزالة جميع مواد الأسلحة الكيميائية ومعداتها في النصف الأول من عام 2014) . ولكن ماذا بعد تدمير الأسلحة والمعدات؟  هل تستمر عمليات التفتيش والتحقق بموجب الصلاحيات المطلقة الواردة في قرار مجلس الأمن وهل يبقى سيف (عدم الإمتثال) مشرعا؟ وإلى متى؟
القرار يقول في فقرته (12) إن استعراضا منتظما للتنفيذ سيجري ، ولكن لكي يقرر مجلس الأمن خلال الاستعراض انتهاء عمليات التفتيش يحتاج الى موافقة الخمسة الدائمين وأي فيتو سيعطله ، فكيف وافقت روسيا والصين من جديد على ما إعتبرتاه غلطة منهما بالموافقة على العقوبات على العراق وعلى تدمير اسلحته من دون تحديد سقف زمني لذلك ؟ تجربة العراق أوضحت إن عدم وضع جدول زمني محدد لإنهاء أعمال التفتيش سيجعلها تتحول من هدف القضاء على الأسلحة المحظورة الى هدف القضاء على النظام السياسي.

ثالثا : أوجه  تجاوز القرار 2118 على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي
1 -  أثناء التفاوض على مشروع القرار طلبت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أن يعتمد القرار بموجب الفصل السابع وأصرت روسيا والصين على إعتماده بموجب الفصل السادس فوافق الثلاثة الغربيون لكنهم وضعوا فقرة تمهيدية تسبق الفقرات العاملة تقول (يؤكد أن الدول الأعضاء ملزمة بموجب المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها).
وهذه الفقرة أريد بها القول إن قرارات مجلس الأمن ملزمة لجميع الدول سواء أكانت بموجب الفصل السادس أم السابع ، لكن الإشارة إلى الفقرة 25 من ميثاق الأمم المتحدة جاءت مبتورة بتعمد ، فالفقرة 25 من ميثاق الأمم المتحدة تنص على (تعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق) . وعبارة (وفق هذا الميثاق) تعني أن الدول ملزمة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن طالما أنها تصدر وفق مقاصد ومباديء الميثاق ، وبكلمة أخرى إن أي خروج على مقاصد ومباديء الميثاق تجعل تلك القرارات غير ملزمة للدول ، نظريا على الأقل. والخمسة الدائمون لا يرغبون أن يخضعوا سلطة مجلس الأمن إلى قيود الميثاق الذي كتبوه بأيديهم ، لذلك توافقوا على هذا النص المبتور.
2 -  نصت الفقرة العاملة الأولى من القرار على (يقرر أن استخدام الأسلحة الكيميائية أينما كان يشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين).
والمقصود من هذه الفقرة إعطاء المسوّغ القانوني لتعامل مجلس الأمن مع الأسلحة الكيمياوية في سوريا وفي سواها من الدول ، فثبّت قاعدة عامة تقول إن إستخدام هذه الأسلحة ، أينما كان ، هو تهديد للسلم والأمن الدولي ويندرج تحت مسؤوليات مجلس الأمن بموجب المادة 24 من الميثاق . وإنطلاقا من هذه الصلاحية التي أعطاها المجلس لنفسه تدخّل في إجراءات منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية للتعامل مع نزع الأسلحة الكيمياوية السورية وفرض شروطا تتجاوز بكثير تلك الواردة في إتفاقية حظر الأسلحة الكيمياوية .
لكن فات على الخمسة الدائمين أن هذه القفرة كشفت ، من جديد ، معاييرهم المزدوجة ، فإذا كان إستخدام الأسلحة الكيمياوية يشكل تهديدا للسلم والأمن الدولي ، فمن باب أولى، وإنطلاقا من مبدأ التناسب ومن الخطر الداهم الذي تشكله الأسلحة النووية على بقاء الإنسان والحضارة ، أن يكون إستخدام الأسلحة النووية هو الآخر تهديدا للسلم والأمن الدولي ، فلماذا لم يقرّ مجلس الأمن يوما أن إستخدام الأسلحة النووية يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين ، ويصر في جميع قراراته ذات الصلة على إعتبار أن إنتشار الأسلحة النووية هو التهديد للسلم والأمن الدولي وليس الأسلحة النووية نفسها ؟ (أنظر قرارات المجلس بشأن العراق وقرار المجلس 1540 بتاريخ 28/4/2004 المشار اليه في الفقرة 14 من القرار 2118.(
قطعا لم يكن تجاهل مجلس الأمن لمخاطر استخدام الأسلحة النووية إعتباطا . ولو إعتبر أن إستخدام الأسلحة النووية يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين لأصبح مطلوبا منه أن يسعى لنزع الأسلحة النووية ، أي أن ينزع الخمسة الدائمون أسلحتهم النووية ، ولأصبح مطلوبا منه أن يعطي للدول غير النووية الأعضاء في معاهدة عدم الإنتشار تعهدا قانونيا ملزما بعدم إستخدام هذه الأسلحة ضدها ، وهو ما يسمى في أدبيات نزع السلاح بالضمانات السلبية ، وفي هذه الحالة ستنتفي مشروعية إمتلاك الأسلحة النووية ونقترب خطوة كبرى نحو هدف الإنسانية الأسمى بتخليص كوكبنا من الأسلحة النووية إلى الأبد.


3 -  في فقرته العاملة الرابعة قال القرار :(يقرر ألا تقوم الجمهورية العربية السورية باستخدام أسلحة كيميائية أو استحداثها أو إنتاجها أو حيازتها بأي طريقة أخرى أو تخزينها أو الاحتفاظ بها، أو بنقل الأسلحة الكيميائية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى دول أخرى أو جهات من غير الدول).
ولقد تعهدت الحكومة السورية بما ورد في هذه الفقرة بإنضمامها في 14/9/2013 الى إتفاقية حظر الأسلحة الكيمياوية وأعلنت أنها ستمتثل لأحكامها بأمانة وإخلاص وستطبقها بصفة مؤقتة إلى حين بدء نفاذها بموجب الإجراءات الدستورية المعتادة ، فلماذا يقرر مجلس الأمن في أمر قبلته الحكومة السورية ورحبت به الجهة الفنية ذات الإختصاص وهي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ؟ السبب الرئيسي لذلك هو ضمان إستمرار تعامل مجلس الأمن مع هذا الملف الى ما لا نهاية ، وكذلك قطع الطريق امام إمكانية إنسحاب سوريا في المستقبل من الإتفاقية ، فالإتفاقية تنص في مادتها السادسة عشرة على (تتمتع كل دولة طرف ، في اطار ممارستها للسيادة الوطنية ، بالحق في الإنسحاب من هذه الإتفاقية إذا ما قررت أن أحداثا إستثنائية تتصل بموضوع الإتفاقية قد عرضت مصالح بلدها العليا للخطر ). ولو رأت سوريا النظر مستقبلا في الإنسحاب من الإتفاقية فلن تستطيع ذلك لإن قرار مجلس مجلس يفرض إلتزاما قائما عليها وعلى الحكومات التي تأتي من بعدها . وبغض النظر عن الطبيعة الإفتراضية لموضوع إنسحاب الحكومة السورية من الإتفاقية ، فإن هذه الفقرة تمثل تجاوزا على حقوق الدول السيادية بموجب المعاهدات الدولية.
4 - حثت الفقرة (11) من القرار ( جميع الأطراف السورية والدول الأعضاء المهتمة التي لديها قدرات ذات صلة بالموضوع على العمل بشكل وثيق مع بعضها بعضاً ومع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة من أجل الترتيب لكفالة أمن البعثة المعنية بالرصد والتدمير، مع التسليم بأن الحكومة السورية تتحمل المسؤولية الرئيسية في هذا الصدد).
وكما هو واضح فإن القفرة فيها غموض كبير وتفتح الباب أمام تفسيرات تصل الى حد إعطاء الدول (ذات القدرات) حق إرسال قوات مسلحة الى داخل سوريا وأن تعمل (بشكل وثيق) مع أطراف محلية سورية بدعوى توفير الحماية للمفتشين في المناطق الخارجه عن سيطرة الحكومة السورية.
لا شك أن الوضع الأمني في سوريا قلق وأمن المفتشين مهمة ذات أولوية ، ولكن لماذا لم تكلف دائرة عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة بتوفير الحماية الأمنية لهم عند الحاجة وهي تملك جيوشا من قوات حفظ السلام ؟ وما هو تعريف (الدول ذات القدرات) ومن يضمن أن تدخل هذه الدول لا يتجاوز موضوع حماية المفتشين؟

رابعا : ملاحظات ختامية
1 - إن دكتاتورية مجلس الأمن تحتاج الى وقفة جادة من المجتمع الدولي ، فلم يعد مقبولا ، بأي معيار ، أن يقرر الخمسة الدائمون نيابة عن بقية المائة وثمانية وثمانون  دولة الأعضاء في الأمم المتحدة  ، ولو أن دولة شجاعة أعلنت أن التفويض الذي أعطته في المادة 24 من ميثاق الأمم المتحدة لمجلس الأمن بالتصرف نيابة عنها يشترط تطابق قرارات مجلس الأمن مع مباديء الميثاق ، وأن ما يصدر من المجلس خلافا له ليس ملزما لها  لفتحت الباب لربيع دولي ينهي هيمنة الخمسة الكبار . ولو عرضنا قرارات مجلس الأمن منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945على مباديء الميثاق لوجدنا أن الغالبية العظمى منها تخالف مبادي أساسية في الميثاق منها على سبيل المثال:
احترام الحقوق الأساسية للإنسان وكرامة الفرد.
احترام الحقوق الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي.
الدفع بالرقي الإجتماعي قدما.
التعايش بسلام وحسن جوار.
ترقية الشؤون الإقتصادية والإجتماعية للشعوب جميعها.
احترام حق الشعوب في تقرير المصير.
احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا.
عدم التدخل في الشؤون التي تكون في صميم السلطان الداخلي لدولة ما ( عدا حالات القمع المشار اليها في الفصل السابع من الميثاق).
الإمتناع عن التهديد بالقوة أو إستخدامها ضد سلامة الأراضي والإستقلال السياسي لأي دولة.
2 - لقد تراكمت وتزاحمت الدروس المريرة على العرب ، وخلاصتها أن الأمن القومي العربي والأمن الوطني للدول العربية مترابطان وحمايتهما مسؤولية العرب . حان الوقت لكي يشرع العرب بخطوات جادة لبناء منظومة تعاون عربي سياسية- إقتصادية عابرة للخلافات وأن يؤسسوا مجلس أمن عربي ومحكمة عدل عربية ويفعّلوا السوق العربية المشتركة بدلا من أن نحيل قضايانا الى مجلس الأمن كما تفعل جامعتنا الآن.
3 - إقترب العالم من هدف النزع التام للأسلحة الكيميائية والبايولوجية ، وبقيت الأسلحة النووية تهدد وجود الحياة على الارض  . القرار 2118 ، بإجراءاته التمييزية ، يفتح بابا للمطالبة بالنزع التام والشامل والسريع للأسلحة النووية كونها تشكل تهديدا للسلم والأمن الدولي، ومطلوب من الدول غير النووية أن تضيق الخناق على الدول النووية مستندين الى فتوى محكمة العدل الدولية عام1997 التي أكّدت فيها أن الأسلحة النووية غير مشروعة بطبيعتها بمقتضى القانون الإنساني.

والله المستعان.

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..