وجهات نظر
عمران الكبيسي
من حق أي عربي أن يفخر ويعتز بمصر وتاريخها العظيم، ويخشى على مستقبلها، فمصر عزيزة على قلوبنا، وما يصيبها من خير وشر يصيبنا معا، مصر اليوم على مفترق طرق، وتحتاج إلى تضافر جهود أبنائها، ووقوف العرب خلفها داعمين ماديا ومعنويا، فحالها تغيظ الصديق وتسر العدى.
أخطأ الإخوان حين ظنوا بمجرد انتخاب مرسي رئيسا يستطيعون حكم مصر بمفردهم معتمدين على الحشد الشعبي، وفات عليهم أنهم مجرد ديكور، وأن تحتهم دولة عميقة تحفر وتنخر، وفجأة وجدوا أنفسهم بلا غطاء وانهارت الأرض من تحت أقدامهم، وبالإطاحة بهم أطيح بالمسار الديمقراطي، ويعد تدخل العسكر في الحياة المدنية والسياسية خطأ قاتلا، أربك الدولة وشل أنشطتها، بسبب ما رافق التدخل من تداعيات وتخبط أعاد البلاد إلى ما قبل ثورة يناير.
تلاحم الجيش بالشعب ضمانة لأمن مصر واستقرارها وطنا وشعبا، ومن مهمات القيادة تربية الجيش على احترام إرادة الشعب للحفاظ على صورة الجيش في مخيلة الشعب محاطة بهالة التقدير والتعظيم، ولذلك يبقى على الجيش بثكناته خارج المدن منعا للاحتكاك بالحياة اليومية، ويحددون مهمته بالدفاع عن الوطن ضد العدوان الخارجي، ويوكلون حفظ الأمن لوزارة الداخلية، فالجيوش تعد لحفظ سيادة الدول وليس لإدارة شؤونها عسكريا.
كان على الجيش المصري الإدراك أن حركته في 30 يونيو، غير الثورة على مبارك الذي حكم البلاد نصف قرن لم ينتخب بطريقة ديمقراطية نزيهة ينافسه فيها مكافئ، فطالبه الشعب بالتنحي، واستجاب وعهد بإدارة البلاد إلى المجلس العسكري. بينما اختطف العسكر الرئيس المنتخب بعد رفضه التخلي عن منصبه وغيَّبه بالقوة ولا يعرف مصيره، وعين رئيسا مغمورا أشبه بما يدعى بمصر "عريس الغفلة" مع الاحترام، ولا يجوز خلع الرئيس المنتخب ديمقراطيا قبل انتهاء مدته إلا بانقلاب.
إن وزير الدفاع ووزير الداخلية وآخرين كانوا جزءا من نظام الرئيس المنتخب وانقلبوا عليه، وأي خلل أمني وأخطاء جسيمة حصلت هم مسؤولون عنها، وكان عليهم وفق المعادلة الديمقراطية إصلاح الشأن أو الاستقالة، لا الانقلاب على النظام، فوزير اخفق في حفظ الأمن والاستقرار قبل التصحيح لا يستطيع حفظهما بعده، هذا إن لم يكن خلف ما حصل ويحصل، الشعب لم يسقط النظام وإنما العسكر بقوة السلاح واتخذ تأييد المتظاهرين سلما لأهدافه، الجيش لا يؤهل للحكم والتدخل في السياسة، والأولى بالشعب الدفاع عن رئيسه المنتخب إذا احتجز بالقوة، إن لم يكن بالتظاهر السلمي والاعتصام فبالمثل، وإلا لماذا يحلل لوزير الدفاع استخدام القوة والعنف ويحرم على غيره. وليس صحيحا أن يبقى الشعب يتوسل العسكر لإطلاق سراحه.
أما الحديث عن الثورة، وعن تسييس الدين، ودين السياسة، فلا الفريق السيسي ولا شيخ الأزهر، ولا بابا الأقباط، ولا رئيس المحكمة الدستورية كانوا ثوارا على مبارك ليتظاهروا بقيادة حركة التصحيح ويستمد الانقلاب الشرعية منهم، ولكنهم سيسوا الدين وهم من أنكر تسييسه، وبتخلي الجيش عن مهمته الأساسية أصبح عسكرا بلا دين وبلا سياسة. وكان للجيش إن أراد تصحيح المسار بطريقة الثورة الديمقراطية، الدعوة إلى استفتاء الشعب على صلاحية الرئيس المنتخب من عدمها، وتعديل الدستور المستفتى عليه، وحل مجلس الشورى، قبل إيقاف العمل بركائز الشرعية، بانقلاب وإعلان دستوري أعيب على الرئيس المنتخب استخدامه، فما بالك برئيس الظل المنصب.
مرت أشهر لم تهدأ الحال ولم تتوقف التظاهرات في المحافظات والمدن والقرى والمدارس والجامعات ضد العسكر وعسكرة الدولة، ولم تتقدم خطة الطريق، بل فرضت الطوارئ ثم مدّدت، وأغلقت عشرات الصحف والقنوات الفضائية وقيِّدت الأقلام، وفُضَّت الاعتصامات بالعنف المفرط، وسقط مئات الضحايا بل الآلاف، واعتدى بلطجية الداخلية على المتظاهرين وقتلوا كثيرا منهم، وهناك ضحايا قتلوا بعد اعتقالهم، وأحرقت مساجد وكنائس، وخُوِّن قياديون أيدوا الانقلاب لمجرد اعتراضهم على العنف، وأوقفت منابر المساجد وخطباؤها، وكمِّمت أصوات الطلبة في الجامعات واعتقلت الطالبات، وتورط الجيش باعتقال آلاف من الشوارع، وبمداهمة المدن بالدبابات والطائرات، وغرست جذور الفتنة بين المسلمين والأقباط، وتفاقم انقسام الشعب بفئاته وأحزابه، وأطلق الحبس الاحتياطي للمواطنين بلا مدى زمني، وازداد تراجع اقتصاد البلاد سوءا، وأغلق معبر رفح وحوصرت غزة وزُجَّت حركة المقاومة بالخضَّم، وعزلت مصر نفسها عن الدول العربية ودول الخليج واصطفَّت إلى جانب إيران وحزب الله، ورفضت معاقبة الأسد على استخدام السلاح الكيميائي ضد شعبه، فأضعفت قرار جامعة الدول العربية بهذا الشأن بدفع من رئيس جبهة تمرد الموالية للفرس، فماذا أبقى العسكر لثورة يناير؟
لقد بدأ قياديون حزبيون وشخصيات ثورية مستقلة ومرشحون سابقون للرئاسة التكتل لتكوين تجمعات كالخط الثالث، وجبة طريق الثورة، إضافة إلى فئات ائتلاف الدفاع عن الشرعية ووقف تجاوزات العسكر، ولم نعد ندري إلى أين وكيف يسيّر العسكر الأمور في ارض الكنانة وأم الدنيا بعد اليوم، وبكل حزن وألم نقل: سلامات يا مصر.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق