موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الاثنين، 21 أكتوبر 2013

الأمم المتحدة وحمامات الدم العراقية

وجهات نظر
نزار السامرائي
نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه، كما أكد ميثاق الأمم المتحدة في ديباجته على الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، أما القوانين التي شرعتها دول العالم فقد أجمعت على أن جميع الأفراد متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون، بل إن معظم دساتير العالم نصت على هذه المبادئ.

ونحن في العراق لا نشذ عن هذا السياق الإنساني ونرى أن جميع العراقيين لهم حقوق وعليهم واجبات متساوية من دون تمييز أمام القوانين، ولا نرى فرقا في قطرة دم عراقية تسفك بصرف النظر عن المنطقة والعرق والدين والطائفة وبصرف النظر عما إذا كانت لأقلية أو لأكثرية، فالعراقيون يجمع بينهم بلد واحد رسمت معالمه إرادة الله منذ أن نشأت المجتمعات الإنسانية الأولى على سطح هذا الكوكب، ومنه انطلقت أولى خطوات التمدن والحضارة، ولم تثر فوقه تساؤلات عن أغلبية أو أقلية إلا عندما دخلت على خط تدمير مستشفى الولادة الذي رأت فيه الكتابة والعجلة النور لأول مرة قوى وجدت أن من مصلحتها إزاحة العراق من خارطة التأثير السياسي الاستراتيجي ليس على المستوى الإقليمي بل على المستوى الدولي، لأن هذا المستشفى يظل يذكّر السائرين في آخر ركب الإنسانية بتفوق العراقيين وتخلفهم، ولهذا فإن ما شهده العراق منذ الاحتلال الأمريكي وبسببه ونتيجة للجرائم التي ارتكبتها المليشيات المرتبطة بإيران أو قوى الإرهاب، كان يمثل جرحا نازفا لكل العراقيين وخسارة كبيرة للوطن، فضلا عما تسببه من أوجاع مريرة لعائلات الضحايا، ولكن لم يشعر عراقي واحد في أي يوم أنه يتعامل بانتقائية مع هذا الملف الحزين.
ولا نظن أن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الحالي في العراق ولا الذين سبقوه أو من سيأتي من بعده يجهلون هذه المبادئ التي تعد جوهر تحرك المنظمة العالمية على المستوى الدولي،وإلا فإن ذلك سيعد نقصا معيبا فيمؤهلاتهمومانعا من إشغال الوظائف في المنظمات الدولية، غير أن واقع الحال يقدم لنا قراءة أخرى وهي أن الأمم المتحدة التي كانت شاهد زور على كل ما حصل في العراق من دمار منذ أن صدر أول قرار من مجلس الأمن الدولي عام 1990 تحت الفصل السابع، بهدف منع الهواء والماء والطعام والدواء وأقلام الرصاص والورق عن العراقيين لإعادتهم إلى العصر الحجري كما هدد جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي في رئاسة جورج بوش الأب، ولا يبدو أن أيا من تلك الجهات تسعى بضمير نقي لتصحيح أخطائها المميتة التي انجبت كل المآسي والكوارث التي حلت بشعب أهدى الإنسانية أهم ما تعتز به اليوم.
لقد ظلت الأمم المتحدة تتجاهل الحوادث الكبرى التي مرت على العراق وخلّفت وراءها مئات الآلاف من القتلىوالكوارث الإنسانية وبذلك فقد ضلت طريق الرشد والقيم الإنسانية التي قالتإنها تعمل من أجل تكريسها كما حرصت على أن تظل تنادي بها في محاولة لتخدير المظلومين ومنعهم من الدفاع عن أنفسهم بالوسائل المتاحة لهم، وحتى حينما كانت تفعل ذلك فإنها كانت تستند على أسس انتقائية مثيرة لكل المواجع التي تسببت بها أو كانت شاهدا ساكتا عن قول كلمة الحق ولو لمرة واحدة سواء فيما يتعلق بما حل بالعراق من كوارث إنسانية جراء الحصار الاقتصادي الخانق الذي فرضته قوى التحالف الغربي على مجلس الأمن الدولي من دون أن تتحرك لدى الاتحاد السوفيتي أو الصين حمية إنسانية للدفاع عن مبادئ العدل أو عن حقوق العراقيين الذين فقدوا أكثر من مليون طفل من أبنائهم نتيجة منع الغذاء والدواء عنهم، أو نتيجة ما حل بالعراق بعد احتلال 2003.
شهد العراق خلال الشهور الأخيرة تصعيدا في أعمال العنف التي حصدت أرواح الآلاف من العراقيين وكانت المساجد أبرز أهدافها وتأتي من بعدها المقاهي الشعبية ومواقع تجمع العمال المؤقتين، وكانت تلك الأحداث المؤلمة مما يقصد منه إثارة فتنة طائفية يراد أن تكون مقدمة لحرب أهلية تنسف الركائز الأساسية التي قام عليها المجتمع العراقي وبقي صامدا بوجه كل محاولات التفتيت والتقسيم، ولكن الأمم المتحدة وكذلك ممثل الأمين العام بقيا صامتين إزاء الجرائم التي تحز رقاب العراقيين، وكأنها تحصل في كوكب آخر، وتشاء الصدف أن يتعرض المواطنون العراقيون من الشبك في شرقي الموصل إلى عمليات عنف مسلح أدت إلى مقتل عدد منهم وهو عمل مدان بكل المقاييس القانونية والأخلاقية، وإذا بممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق وكذلك السفارة الأمريكية في بغداد، يستفيقان من سباتهما الطويل ويصدران بيانين منفصلين استنكارا لما وقع ويطلبان من الحكومة بذل المزيد من الجهد للحفاظ على أمن الأقليات.
وعلينا أن نؤكد أن أي مكون عراقي سواء كان أغلبية أم أقلية، هو مكون عراقي قبل كل أن يكون مشمولا بالحماية الدولية سواء أو بالوصاية من الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة، ولكن أن يصمت ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وتصمت السفارة الأمريكية في بغداد مع كل ما كان يتعرض له العراق من مجازر رهيبة ولا تهزهما أنباء الضحايا التي يقدمها العراقيون نتيجة الاحتلال الأمريكي والتصميم الذي وضعته للعملية السياسية لتكون قنبلة متفجرة تهدد وحدة النسيج الاجتماعي العراقي فإن ذلك يعد أمرا صادما لمشاعر العراقيين، وباستثناء الأرقام التي ترد في الاحصائيات الصادرة عن "يونامي"عن أعداد القتلى والجرحى في العراق في نهاية كل شهر، بحيث يأتي البيان وكأنه معادلة رياضية خالية من أية مشاعر إنسانية، فإننا لم نشعر بوجود هذه الممثليات الخارجية.
ولهذا أثار بيان ممثل الأمين وكذلك بيان السفارة الأمريكية تساؤلات عن طبيعة دور الأمم المتحدة في العالم وفي العراق على وجه الخصوص، أما الولايات المتحدة التي تحدثت كثيرا قبل احتلال عام 2003 عما كانت تسميه بحقوق الأقليات في العراق وتعرضها للتمييز في المعاملة، فإنها على ما يبدو تريد أن تحافظ على هذه الوتيرة التي لا تسعى من خلالها لزرع الفتن الاثنية والدينية والطائفية داخل البلد الواحد وليس بهدف الدفاع عن هذا المكون أو ذاك، ذلك أن ميثاق الأمم المتحدة لم يقصر دور المنظمة العالمية على الدفاع عن حقوق الأقليات على الرغم من أن مثل هذه المهمة الأخلاقية تتقدم حتى على المبادئ القانونية وخاصة في المجتمعات التي تستهدف تلك الأقليات بوجودها ومصيرها، لكن التعاطي الحالي من جانب الأمم المتحدة ومن قبل الولايات المتحدة لا يكتسب هذا الطابع بقدر ما يهدف إلى إحداث شروخ في وحدة النسيج الاجتماعي لمختلف دول العالم بهدف إضعافها من خلال التحكم ببعض الملفات المحلية الشائكة التي تقبل التسلل إليها وتوظيفها على نحو يخدم مخططات خارجية، وقد ظل العراق زمنا طويلا عرضة لتدخلات من جانب دول إقليمية وأخرى كبرى وخاصة فيما يتعلق بالقضية الكردية التي تحولت إلى نزيف بشري واقتصادي وعسكري للعراق وأضعفته أمام دول الجوار وسمحت لأيدي القوى الخارجية بالعبث بملف الاستقرار في العراق.
ما نريد قوله هو أن قطرة دم عراقية واحدة بصرف النظر عن هوية من يحملها، من حيث العرق والدين والمذهب والعشيرة والمنطقةلا تختلف عن أخرى بصرف النظر عن عناصر التفضيل التي تسعى لإيجاد مكونات حاكمة وأخرى محكومة، ولا فرق بين عراقي وعراقي مهما حاولت الجهات التي تريد فتح ثغرة تتسلل منها إلى النسيج الاجتماعي الذي ظل متماسكا على الرغم من كل ما بذل من مال وجهد ودور استخباري منسق للعبث فيه، وقد أعرب العراقيون عن شجبهم للاعتداءات الأخيرة التي طالت عدة مدن كثيرة بما فيها ما تعرض له الشبك أو يتعرض له أي مكون عراقي وبصرف النظر عما إذا كان أكثرية أم أقلية، كما أن العراقيين أنفسهم أعربوا عن استهجانهم وبنفس القوة لانتقائية مكتب الأمين العام للأمم المتحدة والسفارة الأمريكية، وهما يذرفان دموع التمسيح على أقلية الشبك ولم يلتفتوا إلى الجرح العراقي الغائر والنازف منذ سنوات طويلة وما يتركه من ضحايا، وكأن ممثل الأمين العام والسفارة الأمريكيةاللذين أصدرا بيانات الاستنكار، ليس أكثر من فرقة محترفة للبكاء والاستبكاء، وهو دور ما يصطلح عليه باللهجة العراقية بـ(العدادات أو الملايات) المأجورات لإقامة مجالس العزاء.
بيانات ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق والسفارة الأمريكية في بغداد، تعبير عن الاستخفاف بالضحايا العراقيين الذين سقطوا في شوارع المدن العراقية نتيجة الاحتلال الأمريكي ووريثه الاحتلال الإيراني، بل يعد استخفافا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبميثاق الأمم المتحدة، وهما يفعلان ذلك عن سبق إصرار وتعمد للتفرج على مهرجانات الدم العراقي المجانية والشماتة بها.


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..