وجهات نظر
نواف شاذل طاقة
منذ أن قرر القضاء المصري حظر نشاط جماعة الاخوان المسلمين في مصر، لا يكاد يوم يمر دون أن تسمع فيه عن مواجهات مسلحة في هذه المدينة المصرية أو تلك بين قوى الامن المصرية والقوى الاسلاموية.
وفي حين كانت المواجهات المسلحة هذه تنتشر في المناطق النائية والبعيدة عن مراكز المدن وعن العاصمة المصرية، باتت اليوم تقترب تدريجيا من القاهرة، حتى أن الأنباء ذكرت مؤخرا أن المتمردين استخدموا، في سابقة غير معهودة، الأسلحة الثقيلة في معركة وقعت في القاهرة.
إن الصراع القائم بين الجيش المصري والقوى الليبرالية المؤيدة له وبين جماعة الاخوان المسلمين شأن مصري، من دون أدنى أشك، يرجع أمره للمصريين أنفسهم، لكن هذا الموضوع، والجدل الدائر بشأنه، يقود إلى موضوع أكبر يتعلق بمصير قوى الإسلام السياسي في المنطقة برمتها.
يشار في هذا الصدد، أنه إلى جانب افتقاره إلى الرؤية السياسية والبرامج الواضحة، واعتماده في بعض الأحيان على الدجل والخرافات، يُتَّهم (الاسلام السياسي) في مناطق عديدة من عالمنا العربي، ومنها مصر، بعلاقته الوثيقة والمريبة بالدول الكبرى التي استعمرت المنطقة، وهو اتهام له ما يبرره في كثير من الأحيان.
ففي العراق، على سبيل المثال، تعززت مصداقية هذا الاتهام بعد عودة (الاسلام السياسي) إلى البلاد، بوجهيه الشيعي والسني، على ظهور دبابات المحتل الأمريكي.
بيد أن بعض الباحثين يرون أن هذه الأحزاب، وعلى الرغم من تخلف بعضها وفسادها والشكوك التي تحوم حول مرجعياتها، كانت موجودة دائما في المنطقة ولازالت وقد تبقى مستقبلا، وأن القمع الذي مورس ضدها منذ أكثر من 80 سنة لم ينجح في القضاء عليها.
حول هذه الأحزاب، يستعرض استاذ التاريخ في جامعة ميشغان، يوان كول، في مقال نشره مؤخراً على مدونته الشخصية، تاريخ الأحزاب الاسلاموية في المنطقة ليخلص إلى القول بأن شاه إيران حاول قمع الاسلام السياسي لكن الاسلامويين يحكمون طهران اليوم، وكذلك فعلت تركيا العلمانية مع الاسلام السياسي وها هم الإسلامويون اليوم يقودون البلاد في تركيا. وفي العراق، وعلى الرغم من اعتراف الباحث بأن أحزاب الإسلام السياسي جاءت إلى البلاد بإرادة أمريكية، على حد وصفه، إلا أنه يلاحظ بأنها تمكَّنت من إعادة بناء قواعدها بسرعة على الرغم من القمع الذي كانت قد واجهته سابقا. ثم يمضى الباحث مستعرضا أمثلة أخرى لعودة هذه الأحزاب بدءاً من المغرب مروراً بالجزائر إلى ليبيا وتونس والسودان فمصر وغزة ثم سوريا فلبنان وصولا إلى أفغانستان وباكستان والشيشان.
يخلص الكاتب إلى القول بأن القمع الذي تعرض له الاسلام السياسي عبر عقود طويلة لم ينجح في القضاء على هذه الأحزاب وها هي اليوم تعود إلى ممارسة النفوذ في كثير من أقطار العالم الاسلامي.
إذا كان هذا الباحث مصيباً في ما ذهب اليه، واعتقد أنه كذلك، فلماذا تُصرُّ الأنظمة السياسية في العالم العربي على مواجهة هذه الأحزاب بأدوات أثبتت الوقائع فشلها؟
إن السؤال المنطقي الذي لا بد أن يرد إلى الذهن: لماذا لا يجرِّب السياسيون الوسائل الديمقراطية في (مواجهة) أحزاب الإسلام السياسي؟ ولماذا يهرع السياسيون إلى الانقلابات العسكرية أو العنف لردع الإسلام السياسي؟ ولماذا يُحشر الشعب بين لظى الأنظمة الدكتاتورية وظلم بعض أحزاب الاسلام السياسي المتخلفة؟ وإذا كانت الأنظمة السياسية القائمة اليوم تعتقد أن شعوبها ترفض ظلامية بعض أحزاب الإسلام السياسي، فلماذا لا تترك هذه الشعوب تقرر مصيرها بنفسها من خلال آليات ديمقراطية حقيقية، وليس عبر ديمقراطية تُفصَّل على مقاس أحزاب فاسدة كما هو واقع الحال في العراق؟
لقد عاشت أوروبا عقودا طويلة مع أحزاب يمينية ويسارية متطرفة، وأخرى شعبوية، واستطاعت احتواءها وتحجيمها ديمقراطياً، فلماذا لا نحاول دراسة تجارب غيرنا والاستفادة منها!؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق