وجهات نظر
مصطفى زين
شيطنة الآخر وتصويره شراً مطلقاً لإخافة الناس منه، تمهيداً لإبادته، أو شن الحرب عليه، إحدى الأدوات الأساسية للمكارثية. اعتمدها ماك آرثر في الخمسينات في الولايات المتحدة لأبلسة الشيوعية وكل من يحمل فكراً اشتراكياً. واعتمدها جورج بوش الابن، بمساعدة المحافظين الجدد، خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول، وخلال التمهيد لاحتلال العراق، وبعد الاحتلال.
خلال هذه المرحلة نشطت كل وكالات الاستخبارات الأميركية في التجسس على الداخل والخارج. لم تستثن صديقاً أو حليفاً، أو مواطناً، خصوصاً إذا كان مسلماً أو أسود. وانتشرت ثقافة الخوف، ليس في الولايات المتحدة وحدها، بل في سائر أنحاء العالم، ساهمت في نشرها شبكات التواصل الاجتماعي التي حفلت بصور الذبح والنحر وهيئات القائمين بها، وتحليلهم قتل كل من يخالفهم الرأي. وساهم في ذلك أيضاً الإعلام والدراسات الحافلة بتوصيف مدى القوة الأميركية، والأفلام التي تصور الأميركي إنساناً خارقاً لا يقهر ولا يموت. جندي المارينز سوبرمان، همه نشر الحريات في العالم. يرسل إلى أقاصي أرض لا يعرف عنها، ولا عن ساكنيها، شيئاً، بل لا يعرف عن بلاده ولا عن ماضيها شيئاً (غور فيدال).
الخوف سيطر على الأميركيين، وعلى حلفاء واشنطن وأصدقائها في عهد بوش.
كان الجميع يعرف أن الاستخبارات تتجسس عليه. لكن أحداً لم يجرؤ على قول ذلك. من هنا كان غضب الإدارة الأميركية عندما نشرت وثائق «ويكيليكس» وفضحت خوف مسؤولين وتواطؤهم وتزلفهم لواشنطن. ومن هنا غضبها الحالي من نشر عميل الاستخبارات السابق ريتشارد سنودن وثائق تؤكد التجسس على هواتف 35 زعيم دولة، بينهم صديقا واشنطن، هولاند وميركل التي اعتبرت الأمر خيانة للأمانة.
لم يكن غريباً ما فضحه سنودن فالأمر معروف. لكن الذين نشرت أسماؤهم هالهم أن يعرف سكوتهم عن «الخيانة» طوال هذه السنوات. وهالهم أن تعرف شعوبهم مدى خوفهم من بأس واشنطن لذا استدعوا السفراء واحتجوا. لكن هذا الاحتجاج لن يتعدى الكلمات الديبلوماسية وسيعود الجميع إلى «الحضن الدافئ» لتنسيق السياسات والحروب فمصلحة الأنظمة تقتضي ذلك، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتقاسم النفوذ والسيطرة على العالم، وليأخذ «الأخ الأكبر» الحصة الكبرى.
وإذا كانت وثائق التجسس تفضح «خيانة الأمانة»، على حد تعبير ميركل، فالفضيحة الكبرى أن تسكت هي، وربما الزعماء الخمسة والثلاثون عما هو واضح للجميع، شعوباً ومسؤولين. فأمام سمعهم وبصرهم، وبمساعدتهم تشن القوات الأميركية حروباً «ناعمة» تستخدم فيها طائرات من دون طيار، وتغتال وكالة الاستخبارات زعماء ومسؤولين. وتدبر انقلابات، وتغذي حروباً أهلية. وتكافئ أنظمة وتقتص من أخرى. وهذا السلوك لا يقتصر على إدارة من دون أخرى.
أطلق غور فيدال على أميركا اسم«UNITED STATES OF AMNESIA»، أي فاقدة الذاكرة. يبدو أن العالم فاقد ذاكرته فكلما وصل رئيس جديد إلى البيت الأبيض يتجدد أمله بالأمن والسلام.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق