وجهات نظر
ضرغام الدباغ
نسمع بين الحين والآخر من أقطاب العملية السياسية ممن هم في الحكم أو خارجه، تذمرهم من الوضع الطائفي، وبعضهم يعد الناخبين بنبذ المحاصصة الطائفية، بل قد يصل الأمر ببعضهم، أن يتهم الآخرين بالطائفية.
لا نريد أن نذكر بمواقف هذا الطرف أو ذاك، والأمر واضح حتى لمن لديه عين واحدة. أو لمن مصاب بالحول. فالعملية السياسية التي قامت بعد الاحتلال هي طائفية بامتياز، ومورست بكلطغيان وقوة على كافة الأصعدة وبتعسف كبير، في السياسة والإدارات، وسرت جرثومتها حتى إلى القوانين والمحاكم.
اليوم الشعب العراقي بأسره يدرك أن الطائفية لم تكن إلا فخاً سحبت إلى أتونها كل الطوائف والفئات دون استثناء، ومن يريد أن يتأكد فليراجع الاحصاءات والسجلات عن الحوادث المدمرة والقتلى، وليتأكد أن الخراب والتخريب لم تسلم منه أية قرية عراقية من الشمال وحتى الجنوب، فالقتل المنظم والمخطط للقيادات والشخصيات العلمية والعسكرية وشخصيات الاستقطاب، جرى ويجري اغتيالها بدون تمييز بالدين والطائفة، في إطار استراتيجية ما تزال تنفذ. هو تحطيم متواصل للكيان العراقي وللروابط بين مكوناته، واليوم تتعرض هذه المكونات للتهجير باختيارها أو قسراً، من وطن الذي كان يجمعهم ويعيشون فيه رغم ما مر عليه من أنظمة منذ استقلاله السياسي في العصر الحديث .
العراقيون يهجرون وطنهم دون تمييز في الدين أو الطائفة أو القومية. وفي ألمانيا مثلاً، تتحدث الاحصاءات الحكومية أن غالبية طالبي اللجوء إلى ألمانيا من قارة آسيا وهي الأعلى من بين الذين حصلوا على اللجوء، ينحدرون من: أفغانستان ب15227 تليها العراق ب11412 وإيران بنحو 8 آلاف شخص. أما غالبية اللاجئين الأوروبيين الحاصلين على اللجوء فقد قدموا من صربيا وكوسوفو ومونتنيغرو (الجبل الأسود) .
والآن يريد الجميع التبرؤ مما عملوا فيه، ومن بئر حفروه بأنفسهم.
جميل أن يدرك من روَّج للطائفية أنها جرثومة قذرة، حسناً، ربما يقبل الناس منهم هذا التراجع، ولكن فليعملوا إذن ضد التطرف الطائفي، وليتبرؤا علناً من تصريحاتهم ومواقفهم، وليقولوا للشعب أنهم أخطأوا ليس فقط في مجال الكهرباء، بل وفي التحريض والتهييج الطائفي أيضاً، جيد أن أن يدرك المرء خطأه، ولكن بتقديري أن الأمر في العراق بحاجة إلى أكثر من الاعتراف النظري الشفهي، بل بالحاجة الماسة إلى ترجمة النوايا، هذا إن كانت صادقة، والأفكار إن لم تكن مناورة انتخابية، إلى قواعد قانونية دستورية تفقد مصداقيتها إن لم تمارس بشكل عادل، وإلى إلغاء ما تأسس على الطائفية والمحاصصة، وإعادة الأمور إلى نصابها، ونعترف أنها عملية ليست سهلة.
لماذا العملية ليست سهلة؟
لأن ما حدث وبحدث منذ حوالي 11 عاماً يصبُّ في إطار التمزيق الطائفي، ونعترف أن هذه العملية هي من تخطيط وسيناريو وإخراج قوى أجنبية أكثر مما هي قوى عراقية، القوى الأجنبية ومن هو رهن إشارتها، قوى معروفة للعراقيين، صار لها اليوم في العراق ركائز ونفوذ يمكن اقتلاعه إن اتَّحدت النوايا وصدقت، ومن هنا فالأمر ليس بالسهل.
إن القوى الأجنبية التي تفرض على العراق إرادتها، تتغلغل في جميع مؤسساته السياسية والاجتماعية، لا تريد أن ترخي من قبضتها القوية على العراق، بل هي بصدد تشديد القبضة على ضوء من يدور في أرجاء المنطقة والعالم من أحداث، وتحالفات وائتلافات، وتكوين جبهات، وتآمر على مصالح شعوب المنطقة. فعلى ضوء هذه الأحداث من استقطاب شديد، يبدو لنا أن حديث معظم أطراف العملية السياسية في التخلي عن الطائفية هي مجرد شعارات لم نلمس من مطلقيها أنهم جادون ولو إلى الحد الأدنى من مستلزمات إلغاء الطائفية السياسية.
إذن إدانة الطائفية لفظاً، في حين تجري ممارستها سلوكاً، هي بتقديرنا (في معظمها) لا تبعد عن كونها دعاية انتخابية، فهم يدركون (وهذا جيد) أن الشعب العراقي قد أدرك أن الطائفية هي جرثومة، ولابد من اقتلاعها. وهو إدراك له تعبيراته اليوم، وسيتحول إلى فقرة أساسية في النضال الوطني العراقي، ونضال الشعب العراقي سيتواصل، والقوى الوطنية تراهن على عملية بلورة لوعي عراقي جديد يتبلور، ومن هنا على الجمهور العراقي أن يفرز بشكل واع ودقيق بين الدعاية وبين التوجه الصحيح المبرمج في منهاج واضح ذو مصداقية. فالعراقيون بدؤا يدركون تماماً الهدف من الدفع صوب الطائفية، أنن يتخلى العراقي عن ولاءه الوطني، ليسهل صياغة أي مشروع بعد أن يفقد الإنسان الوعاء الذي يضمه، والعمود الفقري الذي يوقفه على قدميه.
والطائفية هي مشروع غير تأريخي، لإنه :
* مشروع قائم على تجاهل فقرات أساسية، ولا ينطوي على أي محتوى سياسي واجتماعي واقتصادي، وبمحتوى ثقافي هزيل متطرف يفقده أي رؤية دقيقة للمستقبل.
* الطائفية توجه أحادي الجانب، لا يعد مشروعاً جمعياً لأنه يتعامل مع بعض المجتمع وليس بأسره، هو ليس حزباً سياسياً، لأنه تستند إلى أفكار غيبية، بل هو مشروع أقرب للحركة النقابية، حتى مع أفتقاره للإنتاجية في النشاط النقابي.
الطائفية سلاح القوى المعادية للشعب العراقي ..... الشعب يدرك اليوم ذلك وسيتصدى لتصفيته، فكراً وأدوات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق