وجهات نظر
مصطفى كامل
تسببت زيارة السيد طارق الهاشمي إلى مقر الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بإزعاجٍ واضحٍ للسلطة العميلة في المنطقة الخضراء، ببغداد المحتلة، واعتبر البعض ان هذا بحد ذاته يعدّ إنجازاً يستحق الإشادة، فهل هنالك ما تحقق غير ذلك؟
ابتداءً مجرد زيارة شخص يطالب الجلاد نوري المالكي باعتقاله ويرسل مذكرة تحري عنه إلى الشرطة الدولية، الإنتربول، إلى مقر الاتحاد الأوروبي يعني ان هذه المنظمة الدولية لا تعترف بما يصدر عن حكومة المالكي وقضائه الظالم من أحكام، وهذه سابقة دولية مهمة يمكن التأسيس عليها، مستقبلاً، ويمكن الاعتداد بها في أي حالة مماثلة قد يتعرض لها أي من العراقيين الذين أصدرت محاكم المالكي الظالمة مذكرات قبض أو تحرٍ بخصوصهم، دون اتهامات حقيقية، وهم كُثر..
ولعلها المرة الأولى التي تقدم فيها، في مقر الاتحاد الأوروبي، شخصية من قلب السلطة السياسية في العراق، وثائق ومقاطع فديوية تثبت تورط المالكي ومكتبه وقواته في أعمال تعذيب وانتهاكات خطيرة لحقوق الانسان، على نحو يصعب التغاضي عنه مستقبلاً، رغم اننا نعرف ان العالم مشغول بقضايا (أكثر أهمية) من مئات آلاف الأشخاص الذين تعرضوا ويتعرضون لأشد أنواع التعذيب!
الشيء الآخر المهم البارز الذي تحقق هو افتضاح جرائم هذه السلطة العميلة المتحكمة بالعراق، والتي هي حصيلة المشروع الاحتلالي، الأميركي الإيراني المشترك، والمسمى (العملية السياسية) المرفوضة من قبلنا قطعياً، أقول افتضاح جرائم هذه العملية من على منبر دولي، وهذا مهم جداً، فالكلام من على منبر الإتحاد الأوروبي يختلف كثيراً عن الكلام في الصحف ووسائل الاعلام الاخرى المختلفة، وبالتالي فإن الاتحاد الأوروبي الذي لديه بعثة تمثيلية ومعاهدة صداقة مع (الحكومة) العراقية يراجع الآن تلك المعاهدة نظراً لانتفاء الحكم الرشيد فيه، على حد ما ذكره النائب في البرلمان الأوروبي ورئيس اللجنة البرلمانية للعلاقات مع العراق ستراون ستيفنسن، وهذا انجاز مهم آخر لو تحقق.
وإذا نظرنا إلى تصريح وكيل وزارة خارجية المالكي، لبيد عباوي، وتأكيده ان حكومته كانت طلبت من الانتربول ملاحقة الهاشمي، والذي كشف فيه عن أنها ليست المرة الأولى التي يحاول الهاشمي الظهور في بروكسل، إذ سبق وأحبطت محاولة سابقة له، من خلال التنسيق مع الخارجية البلجيكية، مايعني ان أوروبا لم تعد تستمع إلى هراء حكومة المنطقة الخضراء، فما كانت تلك السلطة قادرة على فعله من قبل، لم تعد قادرة على فعله مرة أخرى.
كما ان التأكيد على ان هذه السلطة المجرمة تدفع العراق الى الحرب الأهلية او التقسيم، وهو أمر يجعل مستقبل العراق محفوفاً بالمخاطر، مسألة مهمة تعني الأوروبيين وتوجه رسالة قوية لهم.
لقد سمعت أوروبا، من خلال هذا المنبر، كلاماً لم تسمعه من أية شخصية رسمية في العراق الحالي، وبالتالي فإن إيصال صوت العراقيين إلى هناك ضروري جداً، وهو أمر لم يكن من السهولة تحقيقه، لولا هذه الزيارة. صحيح ان الكثير من القوى الوطنية حاولت (اختراق) الاتحاد الأوروبي من قبل وتيسَّر للبعض منها ذلك ولم يتيسَّر لعدد آخر، بشكل كامل، أو ان ما تحقق كان مجرد لقاءات على مستويات دنيا، رغم ان السيد ستيفنسن التقى عدداً من الشخصيات الوطنية المناهضة للاحتلال ومشروعه السياسي في العراق عدة مرات.
ومن بين الانجازات الاخرى المتحققة، تهديد السلطات في العراق بإيقاف الاستثمارات الأوروبية هناك، وهذا أمر له وقعه في العالم، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي وانما على المستوى السياسي أيضاً.
إعلان مسؤولية إيران، رسمياً، عن الجرائم التي تحدث في العراق، واحدة من انجازات تلك الزيارة، وهو انجاز مهم، لا ينبغي القفز عليه، حيث جرى توضيح تفاصيل التدخل الايراني بكل مفاصل الحياة في العراق.
ولاشك ان الانزعاج الهائل الذي شعرت به السلطة المجرمة كان واضحاً حينما دفعت بعض رعاعها في غرب أوروبا للتظاهر خارج مقر البرلمان الأوروبي، وهي محاولة فاشلة مدفوعة الثمن، فطبقاً لما أكده لنا مصدر في بروكسل، فقد دفعت سفارة المالكي في بروكسل مبالغ مالية لمن أحضرتهم من بلجيكا وهولندا المجاورة، من الرعاع الطائفيين، لكنها فشلت ولم تحقق أيا من أهدافها، فحتى التشويش على الزيارة لم يتحقق، بينما مضى الزائر في برنامجه المقرر سلفاً.
ولعل مواجهة المجتمع الأوروبي بحقائق عما تسبب به الغزو الإجرامي للعراق عام 2003، وتحميلهم مسؤولية الغزاة عن جرائمهم في هذا البلد والمطالبة بالعدالة في هذا الصدد، منجز مهم، أيضاً.
كما انه من الأهمية بمكان ان يعرف العالم المشغول بمواجهة الارهاب، انه بدعمه للسلطة العميلة القائمة في العراق الان، فإنه يدعم قوة إرهابية بكل ما تعنيه الكلمة، وقد صارح الهاشمي أوروبا بهذه الحقيقة بكل وضوح.
ولمّا كانت قضية تقسيم العراق واحدة من المشاغل التي تعنينا، كعراقيين، رافضين لكل مايمس بوحدتنا الوطنية، فقد أكد الهاشمي للأوروبيين رفضه لأي محاولة لتقسيم العراق، وسعيه إلى تعزيز وحدة العراق الذي يستظل بالقانون والعدالة.
ولعل العالم سيكون أكثر اهتماماً بالقضية العراقية بعدما سمع عن ظاهرة التطهير العرقي والطائفي الجارية في البلاد، وعن الإعدامات المتواصلة خلافاً للقانون الدولي ولمطالبات الجهات الحقوقية والانسانية في العالم، ومن بينها جريمة إعدام أبرياء، حكم قضاء المالكي، نفسه، ببراءتهم، كما حدث مع الشاب أركان العبيدي، يرحمه الله، عشية عيد الأضحى المبارك.
ومن المنجزات المهمة كانت كلمات المسؤول الأممي عن مراقبة حقوق الانسان في العراق، السيد طاهر بومدره، لتمثل صرخة مدوية وشهادة سومية عن مأساة شعب العراق وما يتعرض له من انتهاكات، وعن فساد المؤسسات الأممية وتواطئها مع إجرام حكومة المالكي، حيث أدلى بشهادة مهمة أكد فيها حدوث حالات اغتصاب لسيدات عراقيات، بل انه أكد اغتصاب سيدتين، على الأقل، في غرفة مجاورة لمكتب وزير الداخلية، وان إحداهما قد فقئت عيناها. وشرح كيف تم اغتيال برلماني عراقي، في العام 2010، كان من المقرر أن يستجوب وزير الداخلية عن هذه الجريمة، حيث جرى الاغتيال في اليوم التالي لتقديم طلب الاستجواب، إثر خروجه من صلاة الجمعة.
وقال انه بوسعه تقديم الكثير الكثير من الأمثلة على انتهاكات حقوق الانسان في العراق، ومنها تحقيق خاص عن معتقل سري في الموصل، وجد فيه 600 معتقل تحت الأرض لم يروا الضوء منذ خمس سنوات، و 70 معتقلاً لم يروا الضوء منذ 3 سنوات.
كما فضح بو مدره كيف ان بعثة يونامي الأممية، برئاسة مارتن كوبلر كانت تعمد إلى تزييف الحقائق عما يجري في العراق وتطالب بكتابة تقارير إيجابية على العكس من ذلك، في تواطؤ خسيس يُوجِب على الأمن العام للأمم المتحدة فتح تحقيق رسمي بشأنه.
أيضاً، فإن كشف الفساد والرشى في العراق وتهريب الأموال التي تصل إلى 800 مليون دولار إسبوعياً، حقائق تعني المجتمع الأوروبي، خصوصاً انها تتسلل إلى مصارف أوروبية وربما يتم من خلالها تمويل الإرهاب العالمي، وبينما أنفقت السلطات في العراق نحو 660 مليار دولار يعيش 30 % من العراقيين تحت خط الفقر وفي ظل فساد متراكم وفي جميع المجالات. هذا منجز آخر تحقق في بروكسل.
ماتحقق في بروكسل مهم، ولكن هذا لا يكفي وحده، فالعالم ما يزال يغض النظر عن مايجري في العراق، ولابد من جلب الأنظار إلى الكارثة المروِّعة المتواصلة في العراق في ظل الاحتلال الأميركي/ الإيراني المشترك، ومشروعه السياسي الكارثي، الذي أثبتت الأيام فشله بالكامل، من خلال استمرار مثل هذه الزيارات التي تطرق سمع العالم الأصم، إذ لم يعد ممكناً أن يصم العالم أذنيه على مآسي شعب يُذبح كل يوم من الوريد إلى الوريد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق