وجهات نظر
يحيى العراقي
- مدلولات الحدث وطريقة تناوله وفهمه أهم وأخطر من الحدث ذاته
- المقاربة المطلوبة في تناول وتحليل أفعال المجرمين والهدف من ورائها
في الأيام الماضية وخلال إحياء ذكرى وفاة الإمام محمد الجواد التي كانت قد وقعت في التاسع والعشرين من ذي القعدة من سنة 220 هــ وصادف ذكراها هذا العام يوم الأحد الماضي، السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 2013، إنطلق الموتور المملوء بالأحقاد ثائر محسن الدراجي لتنفيذ صفحة جديدة من جرائمه وعدوانه الذي سبق وأن نفذ صفحة منها في وقت سابق في حي العامرية ببغداد.
وثائر هذا لمن لا يعرفه هو غرٌ من مواليد عام 1982 يعمل معلماً في مدرسة إبتدائية حكومية في العراق وهو ناشط في مجال الدعوة للأفكار السياسية/ الدينية الصفوية المنحرفة. ظهر وبرز في الإعلام عقب الإحتلال كنفاية مسمومة من نفاياته.
هذا الدراجي إنطلق هو وشلة ترافقه من الشباب المارق المضلل ممن حُشِيّتْ رؤوسهم بالخرافات والأباطيل المعادية للأمة والتي توارثوا جانباً منها من أجيال سابقة بقيت تعشعش في عقولهم دهوراً من دون سعي جاد لمكافحتها، إنطلق هؤلاء يتجولون في مناطق من بغداد الأبية المقهورة، تحت أنظار ورعاية وحماية القوات الأمنية الرسمية وبمساندتها ومشاركتها، مرددين، وعبر مكبرات الصوت، شعارات وهتافات تشتم وتلعن عدداً من الرموز والأعلام الخالدة المؤسسة لهذه الأمة ونجوم صدر تاريخها العظيم وعلى رأسهم أم المؤمنين السيدة عائشة زوجة الرسول الأكرم عليه صلوات الله وسلامه، والفاتح العظيم والصحابي الجليل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.
توصيف هذه التصرفات الإجرامية وردود الفعل الأولية عليها توزع على الشكل التالي:
1- رد فعل وإستنكار حكومي متأخر ومبهم وملتبس جاء بعد إنكار للواقعة. فبعد تصريحات للعميد الغر سعد معن الناطق بإسم وزارة الداخلية كذبت وقوع الحادث وإعتبرت شريط الفيديو المنشور عنه مفبركا، تحدث رئيس الوزراء، خلال تواجده في أحد المؤتمرات، عن محاولات بعض المشبوهين لبث الفتنة بين ابناء الشعب العراقي من خلال التعرض لصحابة رسول الله والرموز الدينية، معتبرا أن ذلك يأتي ضمن مخطط للفتنة يهدف هؤلاء الجهلة لتحقيقه. لم يفت (الحكومة) في إستنكارها للحادث أن توزع إتهاماتها على الجميع بما في ذلك من هم في موقع الضحية والمدافعون عن شرف وقيم الأمة في إطار إستكمال الحكومة لعدوان الدراجي وزمرته المارقة عليهم عبر الطعن بهم وإرهابهم والسعي لإخراسهم لتسهيل تمرير الجرائم والمخططات اللاحقة. إدَّعت الحكومة بعد ذلك عبر مكتب رئيس الوزراء ووزارة الداخلية أنها أصدرت مذكرة إلقاء قبض على الدراجي ورغم أن لا دليل على صدق دعوى الحكومة لكن حتى لو صحَّ الخبر فلن يعدو أن يكون دعابة كاذبة تشبه دعاباتها السمجة السابقة في هذا المجال، ومنها مذكرة القبض على المجرم المدعو واثق البطاط زعيم تنظيم (حزب الله في العراق) وقائد ميليشيا (جيش المختار) وصاحب المؤتمرات الصحفية والتصريحات النارية في الإعلام ومتبني جرائم إطلاق الصواريخ على معسكر ليبرتي في بغداد الذي يضم لاجئي منظمة مجاهدي خلق المعارضة الإيرانية المحمية من الأمم المتحدة.
2- بيان من مقتدى الصدر بإدانة وإستنكار وإستهجان الفعل ووصفه بأنه تصرفات (سذج وأصحاب عقول ناقصة يفعلون ما أمرهم به أسيادهم، لتأجيج الكراهية). وتضمن البيان إعتذاراً لأهل السنة ولأهالي منطقة الأعظمية في بغداد على وجه الخصوص والتي يقال أن هذه الممارسة المقيتة جرت في شوارعها.
3- صمت وموقف غامض وباهت من المرجعية الدينية في مدينة النجف بكافة شخوصها وممثليها ومنابرها تمثل في البدء بعدم وجود أي تصريح، ثم تلاه ظهور خبر في الإنترنت عن فتوى صدرت عن المرجع الأعلى علي السيستاني مع عدم وجود ما يدعم ذلك الخبر في الموقع الرسمي له بل وجود تناقض بين رقم الفتوى المزعومة وأعلى رقم للفتاوى فيه. وقد كذبت صفحة للمدعو ثائر الدراجي على الإنترنت خبر الفتوى ووصتمه بأنه (فبركة فوتوشوب). الأنكى أن هناك خبراً يشير إلى أن صدر الدين القبانجي قد تحدث في خطبة الجمعة في مدينة النجف، يوم 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2013، عن الفتوى المزعومة وعند مراجعة صفحة بإسمه على الفيس بوك وجدت حديثاً عن مواضيع الخطبة لكن لم ألحظ إشارة إلى أي كلام عن الموضوع. وحتى لو صحَّ خبر الفتوى فإن الأمر لا يعدو أن يكون لعبة إعلامية مشابهة لألعاب الحكومة، لأن من المعروف أن مقام المرجعية في المدرسة والمذهب الشيعي لا يشبه مقام سائر العلماء الذين يتعاملون بالفتاوى فهو يتمتع بمكانة وقدرات في التأثير والإلزام للأتباع بما يتجاوز إصدار الفتاوى العابرة فهناك تنظيم مالي وإداري وكيانات مادية (حسينيات) تربط المقلدين والأتباع به بما يختلف نوعياً عن سائر العلماء والمدارس والمذاهب، وأن المتدينين في الغالب يلجأون إلى ما يسمى بـ(الإستشراع) وهو طلب رأي المرجع قبل القيام بالفعل.
4- دعوة من بعض المثقفين إلى التغاضي عن الموضوع وإهماله بإعتبار ذلك هو التصرف العقلاني والحكيم المناسب، إما بإعتباره حدثاً فردياً صادراً عن جهلة ولا يستحق الإهتمام، أو لكونه مكيدة ومؤامرة خارجية (أمريكية صهيونية) يتم تنفيذها بأيادي البعض مستهدفة إثارة الفتنة والفرقة والصراعات بين أبناء المجتمع.
5- بيان مطالبة من الشيخ عبدالحكيم عبدالرحمن السعدي، وهو أحد علماء العراق وشقيق العلامة الشيخ عبدالملك السعدي، الرمز الديني السني المعروف، تدعو المرجعيات والمثقفين الشيعة لتحديد مواقفهم إزاء هذا الموضوع الحساس.
6- تصوير الأمر من قبل البعض على أنه إعتداء طائفي من قبل أفراد ينتمون لطائفة معينة على أفكار ومشاعر وقيم ورموز طائفة أخرى ضمن إطار الشعب العراقي الواحد، مما يتطلب إعتذاراً من هؤلاء إلى هؤلاء لتنتهي القصة.
لاشك أن صمت كبار رجال الدين والمرجعية الدينية في مدينة النجف وأيضاً الشخصيات السياسية والرموز الثقافية والإجتماعية في مجتمعنا إزاء هذا المسلك الشائن الخطير يعد أمراً مستنكراً وغير مقبول لأنه صمت وإمتناع عن كلام ضروري صريح وقاطع مطلوب إعلانه بوضوح وبصوت عالي في موضع الحاجة له، ولما يترتب على التهاون والترك والصمت من ضرر ومفسدة كبرى من خلال إساءة تفسير ذلك السكوت والتراخي على أنه رضا وتشجيع ومباركة لذوي النفوس الضعيفة على هذا المسلك الضار والمنحرف والفاسد. ولاشك أيضاً أن إعتذار الصدر، الذي هو موضع إحترام وترحيب وإعتزاز وتقدير وتثمين من قبل الجميع لما لهذه المواقف، الإيجابية السريعة، من أثر فعال في إزالة أي سوء فهم وقطع للطريق على المتصيدين في الماء العكر والتخفيف من أجواء الشحن والتشنج والإحتقان التي تثيرها أفعال الدراجي الشريرة الأثمة هو وأضرابه.
إلا أن الأهم والأخطر من هذه المواقف بسلبيها وإيجابيها هو طبيعة المدخل والإطار والكيفية التي نفهم بها هذه التصرفات الدراجية الإجرامية المقيتة والتي على أساسها تتحدد عدة أمور هامة ومنها طبيعة ردود الأفعال على هذه الجرائم وإنتخاب أفضل السبل لقطع دابرها بشكل جذري.
1- البعض يفهم تصرفات الدراجي وأضرابه على أنها نزق وتصرفات فردية طائشة تنطلق من نفر من (السذَّج، أصحاب العقول الناقصة، المشبوهين، الجهلة) من بعض الموتورين من الشيعة وهي موجهة ضد الطائفة السنية في مناطق معينة وضد رموزها وقيمها كجزء من التعبير عن أفكار منحرفة وأحقاد متوارثة وعن رغبة في ممارسة السلطة والتلذذ بها. هي تصرفات تنم عن روحية عنصرية وطائفية وفاشية ورغبة في الإقصاء، وتضع الطائفة الشيعية بالمجمل موضع الإتهام حتى تتبرأ من الفعل. مثل هذا التحليل يستدعي وضع الأمر في إطاره الفردي الشاذ ومواجهته على هذا الأساس بإعتبار الأمر لا يتجاوز الأفراد القائمين به على الأرض والظاهرين في الصورة. وهنا القصة يمكن أن تنتهي تماماً بإعتذار الرموز والقبض على الجناة.
2- البعض يفهم تصرفات الدراجي على أنها تصرفات مدفوعة من أطراف خارجية غير إسلامية (أمريكية وصهيونية تحديداً) يقوم بها نفر من (السذَّج، أصحاب العقول الناقصة، المشبوهين، الجهلة) وهي تستهدف إثارة الفرقة وتعميق الإنقسام والصراع بين أبناء الأمة الواحدة. وهي، هنا، تمثل مخططاً خارجياً لا صلة مباشرة به بالطوائف في الداخل وبثقافتها إنما يتورط فيه البعض (والبعض فقط) من هنا ومن هناك عن وعي أو عن جهل. مثل هذا التحليل يستدعي الحذر والتعقل والصبر لعدم الوقوع في هذه المخططات الإستفزازية.
3- البعض يفهم تصرفات الدراجي على أنها تنفيذ لمخطط وأجندة خارجية ترتبط بفكر صفوي سياسي ديني منحرف يستهدف العدوان على الأمة وقيمها ورموزها بقصد الإستهانة بها وإسقاطها معنوياً ونشر الفكر المعادي البديل عبر الإسقاط والإنحلال التام وإحلال البديل.
إن نظرة فاحصة إلى المقاربتين الأولى والثانية توضح لنا جلياً أنهما لا تتماشيان ولا تنسجمان مع المعطيات والحقائق الكثيرة على أرض الواقع:
1- ما طرح من شعارات وهتافات ذو صلة وطيدة وعميقة وقديمة بالأفكار الصفوية السياسية الدينية المنحرفة المعادية للأمة والتي نجحت ومنذ زمن بعيد في إختراق وعي جانب من جماهير الأمة متسترة بروايات الميثولوجيا (الشيعية) المنسوجة في أجواء الصراعات السياسية القديمة.
2- ثائر الدراجي وزمرته من الواضح إرتباطهم الظاهر بأجندة السلطة وأجندة أسيادهم في طهران وعدم وجود صلات ظاهرة مباشرة بينهم وبين الأمريكان والصهاينة أو الثقافة الغربية الليبرالية.
3- الرعاية والمشاركة الحكومية في هذه الفعالية، وفي أشباهها، والتي ترافقت معها منذ إنطلاقها وأثناء حدوثها، ثم ما يظهر من تراخي في إجراءات المحاسبة المطلوبة عقب الإحتجاج عليها والإستنكار لها، كل ذلك يؤكد على عدم العفوية وعدم الآنية في الحدث وأنه يأتي في سياق مخطط تشارك فيه قوى السلطة ومحازبيها وأنصارها. ومن المعلوم جيداً حجم إرتباطات هذه السلطة ورموزها وأحزابها بالأجندة الصفوية المعادية للأمة سواء على مستوى الفكر أو على مستوى العمل الميداني.
4- تجيء هذه الممارسة التصعيدية عقب حملات من التطهير السكاني الطائفي جرت وتجري على قدم وساق في عدن مدن من محافظات البصرة والناصرية وديالى وفي مناطق حزام بغداد وعقب تلميع وإبراز لصورة هذا الدراجي المجرم التافه إعلامياً من خلال إظهاره قبل حوالي شهر في مقابلة على قناة بلادي التابعة للمجرم الدعوجي إبراهيم الجعفري رئيس كتلة التحالف الصفوي اللاوطني في مجلس النواب.
هذا وغيره كله يؤشر وبوضوح تام إلى أن المقاربة الثالثة هي التي تبدو أكثر قرباً للحقيقة مما يعني أن المخطط ليس هدفه الرئيسي الفرقة والتناحر كما يظن البعض ويذهب إلى ذلك، وإنما المقصود به مهاجمة وتحطيم أركان الهوية القومية العربية الإسلامية للأمة من خلال إثارة اللغط والشبهات حول تاريخها ورموزها وقادتها ومحاولة تجرئة الناس وتشجيعهم على الإستهانة والإستخفاف بهم والحطِّ من قدرهم ومن مكانتهم في النفوس وإسقاط الثابت والراسخ عنهم وعن سمو خلقهم وسلوكياتهم وهذا يمثل خطوة أولى على طريق إحلال الهوية السياسية الدينية الصفوية كبديل عن الهوية العربية الِإسلامية بعد تحطيمها والقضاء عليها.
هذا هو جوهر المشروع الصفوي وهذه هي ركيزته الفكرية والأيديولوجية الحقيقية الثابتة على مر الزمن. وهنا هو قد لا يشبه المشاريع الإستعمارية الأخرى لجهة حجم وحدة استهدافه الشديد لقضية الهوية بإعتباره يصارع الأمة تحت ذات العنوان الإسلامي بمضامين منحرفة كاذبة مزيفة.
لابد لنا أن ندرك جيداً وبوضوح تام أن بث الفرقة وإثارة الصراع والإحتراب الطائفي في مجتمعاتنا لم يعودا هدفاً رئيساً لإيران ولأجندتها الإمبراطورية الصفوية السياسية الدينية الخبيثة كما كان في السابق، أيام الحكم الوطني القوي، وذلك لحدوث متغيرات كبيرة على أرض الواقع من قبيل الإحتلال وهيمنة أذناب الأجندة الصفوية على شؤون ومقدرات العراق بكل مناطقه وخصوصاً على العاصمة بغداد.
لقد غدا هدف إيران الأساسي والرئيسي اليوم هو تثبيت وتعميق سيطرتها ونفوذها في العراق برمِّته عبر هذه الممارسات وأمثالها والتي يقصد بها إستخدام الفكر الطائفي كوسيلة لإختراق وتوظيف فئات إجتماعية طائفية معينة لصالح تحطيم هوية وتاريخ وثقافة الأمة بمجملها بكل طوائفها وإثنياتها وإستبدالها بثقافة بديلة يتم العمل على تسويقها ونشرها، تُعلي من شأن الفكر والدور غير العربيين بما يجعل أبناء الأمة طيعون موالون وجزءاً من المشروع الكوني الإمبراطوري الصفوي. هنا لم يعد من المصلحة إستثارة المواطنين ذوي الخلفية الثقافية السنية لضرب أخوتهم وشركائهم في الوطن من الشيعة بل صار المطلوب تحويلهم جميعهم إلى أداة طيعة عبر ضرب ثقافتهم أو القضاء عليهم عند الإستعصاء.
من هنا فإن الإعتذارات لوحدها ليست بكافية ولا ينبغي أن يكتفى بتوجيهها إلى الطائفة السنية لوحدها لتبدو وكأن الإعتداءات التي وقعت، وتقع، إنما تقع عليها وحدها حصراً، والإنزلاق إلى إعتبار أن الرموز التي جرى ويجري التطاول عليها ليست رموزاً للأمة بمجملها، بسنيها وشيعيها ومسلمها ومسيحيها بل وكل إنسان عاش ويعيش في كنفها، إنما هي رموز طائفية وفئوية خاصة.
المطلوب اليوم أن يقول الجميع أن هذه الرموز التي جرى التطاول والإعتداء المعنوي عليها هي رموز للعربي الشيعي كما هي رموز للعربي السني حتى وإن كان لم يرض هؤلاء أو أولئك على بعض تصرفات هذه الرموز، لأن المسألة لم تعد تقييم أولئك الرموز، بل هي مصيرنا ومستقبلنا وحياتنا وهويتنا نحن.
من هنا يحق للبعض أن يؤكد أن العرب السنة اليوم لا يدافعون عن قضية (طائفية) خاصة بهم كما يشتهي الأعداء والمغرضون وقصيري النظر تصوير الأمر كذلك، وإنما هم يدافعون عن قيم ورموز وهوية تخص الأمة، كل الأمة، بكل أطيافها وأديانها وطوائفها، ومن هنا حقَّ للعرب السنة الإدعاء والتفاخر بأنهم يمثلون اليوم الأمة كل الأمة في موقفهم وفي دفاعهم، وهذا ليس من باب الإنحياز الطائفي أو من باب العد والعدد وحساب النسب والأكثرية والأقلية، وإنما من باب الموقف والمعاني والمصالح الإستراتيجية المرتبطة به.
مع الشكر الجزيل للسيد مقتدى لكننا نأمل منه ومن غيره القول وبكل صراحة وبأعلى الصوت، وهذا تثبيتاً وإظهاراً وإستعراضاً لإنتمائهم للأمة العربية الإسلامية التي يعد عمر من آبائها المؤسسين ورمزاً كبيراً من رموزها، نأمل منهم القول أن الخليفة والصحابي الجليل وصهر الرسول عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، هو رمز للعرب الشيعة كما هو رمز للعرب السنة وهو رمز للعرب المسيحيين كما هو رمز للعرب المسلمين، حتى وإن كان السيد مقتدى أو من في صفه من الأمة لا يجدون في نفوسهم رضا وقبولاً تاماً بجميع تصرفات سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فالرضا والقبول عن تصرفات رمز شيء وإعلان الوحدة والإنتماء للأمة وثوابتها ورموزها شيء آخر.
هذا الموقف لا يعني عصبية وتقديساً للأشخاص والرموز ومصادرة حق النقد والبحث العلمي الأكاديمي المنضبط لهم، فهذا الحق، في إطاره العلمي وبشروطه وضوابطه، حق ثابت ومحترم وعملت الأمة به في أوقات السلم والنهضة وعلَّمته للعالم، ولكن هناك فرق بين شاسع بينه وبين التشهير والإستهانة والإستخفاف والتسقيط في زمن الصراعات والحروب والعدوان والحاجة لتثبيت الهوية والدفاع عنها وعن الوجود.
وأنا أختم كلامي هنا أجد من الضروري التعليق على قول يردده البعض في هكذا أحداث ومناسبات يجري فيها التطاول على الرموز، حيث يطالب البعض بإهمال الموضوع من باب أن الرمز، سواء كان الإله أو الرسول او النبي أو الإمام أو الصحابي أو الخليفة الجليل، خالد معنوياً وتاريخياً وهو أكبر من أن تنال منه الأقاويل والإستخفافات.
من يقول هذا الكلام يتناسى أن المقصود بعملية الدفاع ليس هو الرمز موضوع الطعن والإستخفاف وإنما وإلى جانبه وجود وكرامة وحقوق الأشخاص والمجتمعات المعتقدة به، والتي تدين له بالولاء والإحترام والإقتداء والتأسي والسير على المنهج الذي إختطه وبإعتباره منشئ ومؤسس وراعي ورمز للمجتمع وللفكر الذي يعتنقون، والذي به تنتظم وإليه تستند حياتهم ومجتمعاتهم وبه تبرز كينونتهم وهويتهم.
من هنا نكون نحن المستفيدين من هذا الدفاع عن الرمز، وليس الرمز ذاته، ومن هنا نكون نحن ذوي الحاجة وليس الرمز. هنا تأتي الحكمة القائلة:
من يهن يسهل الهوان عليه...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق