وجهات نظر
مثنى عبدالله
بدون وعي وقف وزير العدل العراقي ليعلن على الملأ انجاز واتمام المسودتين النهائيتين لمشروعي قانون الاحوال الشخصية الجعفري، وقانون القضاء الشرعي الجعفري، اعتمادا على فقه الشيعة الامامية الاثني عشرية، بعد عام ونصف العام من العمل المتواصل كما قال، وقد تم إحالة المسودتين الى مجلس شورى الدولة، الذي تولدت لديه القناعة بصلاحية احالتهما الى الامانة العامة لمجلس الوزراء، تمهيدا لمناقشتهما من قبل المجلس واقرارهما.
ولا نعرف كيف خطف الوزير صلاحيات مجلسي الوزراء والنواب في تشريع واعداد مسودات القوانين، وهو جهة تنفيذية لا تشريعية، لان المجلسين المذكورين هما من يمتلكان هذا الحق في كتابة مسودات القوانين، ولا علاقة لوزارة العدل بذلك. فوزارات العدل في كل دول العالم تقتصر واجباتها التنفيذية على الاشراف على السجون والمعتقلات ودوائر التسجيل العقاري ورعاية القاصرين والمحاكم ودوائر الكتاب العدول، لكن يبدو ان الاستثنائية الكارثية التي هي روح وعقل ‘الديمقراطية العراقية’ اعطت الحق للجميع في القيام بتشريع القوانين وكتابة مسوداتها.
ألم تكن للميليشيات قوانينها الخاصة ومحاكمها الشرعية وسجونها التي لا يعلم بها الكثير من جهابذة السلطة، الذين يظهرون علينا يوميا في الفضائيات يرددون تعابير من القاموس الديمقراطي، ليس لهم سوى الفاظها، اما معانيها فهم اجهل الناس بها؟ أما كان الاحرى بوزير العدل اولا ان يعكف على دراسة القوانين التي يطبقها في السجون والمعتقلات، ويقدم مقترحات من شأنها الحفاظ على حقوق السجناء والمعتقلين؟ أليس الاجدر به قبل كل شيء ان يسعى لاصدار تعليمات صارمة للقضاء على آفة الرشاوى المستشرية في دوائر وزراته، التي جعلت الكثير من الابرياء متهمين والكثير من المجرمين طُلقاء؟ ألا يعلم الوزير ان الكثير من الابرياء لازالوا منذ سنين عديدة حبيسي الزنزانات، لا يُقدمون الى المحاكم ولا يُطلق سراحهم، فقط كي يستمر ابتزاز ذويهم بالاف الدولارات، ثم يجري تلبيسهم تهمة ما، ويعرضونهم على التلفاز معلنين عن القاء القبض على من فجر سوقا او مؤسسة ما، في محاولة لصنع نصر زائف لقادة يثبتون يوما بعد يوم فشلهم؟ ولماذا يصر الوزير على الاستمرار بتطبيق عقوبة الاعدام على المئات من البشر، ضاربا عرض الحائط كل اعتراضات الرأي العام العالمي والمحلي، الذي يستنكر هذه العقوبة، ليس كرها بانزال العقاب بالمجرمين، ولكن لعدم توفر النزاهة والشفافية، وابسط معايير العدالة اثناء التحقيق، ولا يحاول تطوير المؤسسات التحقيقية التابعة لوزارته بما يضمن محاكمة عادلة للجميع، كل ينال فيها حقه واستحقاقه؟
ان قانون الاحوال الشخصية المعمول به حاليا كان قد استند المشرّع العراقي في وضعه الى مذاهب اسلامية متعددة، ومنها المذهب الجعفري، وقد وضعت كافة بنوده التي تنظم العلاقات الاسرية والاحوال الشخصية وفق احكام القضاء والفقه الاسلامي، وهو قانون سليم تماما، لان تشريعاته لم تستند الى مدرسة مذهبية محددة. وعندما اصدر مجلس الحكم الانتقالي بعد الاحتلال القرار المرقم 137 القاضي بالغائه والعمل بالقضاء المذهبي، اعترضت الكثير من النخب والفعاليات الاجتماعية على قرار الغائه، ثم صار الى الغاء قرار مجلس الحكم بعد فترة قصيرة من صدوره، مما يؤكد حيازته على المقبولية من الجميع كونه يُلبي كل الحقوق، بينما سيؤدي صدور قانون اخر للاحوال الشخصية يخص فئة مذهبية محددة، الى خلق تعارض صارخ في العديد من قضايا الاحوال الشخصية، وفوضى عارمة في قضايا الزيجات المختلطة التي يزخر بها المجتمع العراقي، كما يتطلب ايجاد محاكم جديدة وقضاة مختصين للحكم حسب المذهب الجعفري، وسن تشريعات وقوانين تتماشى مع القانون الجديد وتفسر بنوده واحكامه. فاذا كان القانون الذي بشر به وزير العدل ليس بديلا عن قانون الاحوال الشخصية المعمول به الان، كما قال في حديثه، فعلام البحث في الجزئيات وترك السقف العام الذي يقف الجميع تحته؟ لماذا نترك الشريعة الاسلامية باطارها الجامع ونذهب الى ايجاد منافذ وابواب اخرى، كي يطرقها الناس للبحث في تسيير امورهم الشخصية، فيرون باعينهم انهم مختلفون وليسوا متساوين؟ هل هي حالة صحية تلك التي يسعى الوزير او المسؤول اليها، عندما يخلق في البلد الواحد والمجتمع الواحد العديد من المؤسسات والمحاكم المتشابهة في الاختصاصات والمختلفة في تناول القضايا المعروضة عليها؟ هل صحيح ايجاد محاكم احوال مدنية سنية وشيعية ومسيحية وصابئية وشبكية وايزيدية؟ أم ان ما يجري هو مجرد استغلال للغرائز والعواطف الطائفية، ومحاولة دغدغتها للعبور من فوق الكوارث الاجتماعية التي تحصدنا يوميا، لايهامنا بان المسؤولين يحرصون على تحقيق وانجاز حتى تفاصيلنا الطائفية كي يتم التحشيد الانتخابي الطائفي؟
ان العراق يعيش طائفية سياسية مقيتة منذ العام 2003 وحتى اليوم، وقد ألقت بظلالها على التوزيع السكاني في البلد حتى بات اطلاق الصفات الطائفية على هذه المحافظة او تلك امرا مألوفا، وانتقل هذا الوصف الى احياء العاصمة بغداد بشكل متعارف عليه، وكل من يقول بغير ذلك واهم، فلماذا يسعى البعض لتشريع قوانين تؤسس لهذه النزعة الطائفية وتعطيها غطاء شرعيا؟ الجواب على هذا السؤال هو ان الفشل في ادارة الدولة جعل البعض يذهب للبحث عن ذاته في قوانين واجراءات طائفية، يُقنع بها نفسه والطائفيين من حوله بانه رجل دولة وسياسة بعد ان توهموا ان الطائفة بديل عن الدولة، وجميعهم ابعد عن هذا الوصف بملايين السنوات الضوئية.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق