نزار السامرائي
من حسن حظ العراقيين أن نوري المالكي الذي يحتفظ بحزمة مطاطية من المناصب السيادية العليا سياسياً وأمنياً وغير ذلك من المهمات المتداخلة، يلقي خطبه السياسية والعامة من دون نص مكتوب، لأنه سوف لا يخرج عن النص من حيث الشكل فقط، بل سيقوده شعوره الباطن بأنه يحتل منصبا أكبر منه بكثير، إلى إساءة القصد في ما يعرض من أفكار، وسيفضح أمورا لم يكن متاحا التعرف عليها لو التزم المالكي بالخطب المكتوبة والمعدة من قبل "مستشاريه" السياسيين والإعلاميين، مع أن معظمهم من أنصاف المتعلمين بل والأميين الجهلة سياسيا ولا يعرفون ما يرضي العراقيين وما يزعجهم لأنهم غرباء عنه، ولكن المالكي ومن باب استعراض قدراته القيادية أمام العراقيين وبطريقة ثقيلة على العين والأذن، فإنه كان يشط عن الطريق ويذهب في مسعاه إلى مهاوي لم يكن يرغب بالتقرب من حافاتها أو نهاياتها المدببة، ولكن للحماقة قوانينها التي لا يمكن الخروج عليها كما أن للحكمة قوانينها هي الأخرى.
في لقاء مرتب مسبقا مع قناة السومرية التي أرادت تدشين عهدها الجديد بعد انتقال ملكيتها إلى أحمد نوري المالكي "على ما قال بعض العالمين بالصفقات التي تعقد وراء الأكمة" بلقاء يُخرج نوري المالكي ما في جوفه من أفكار ونوايا للمستقبل، طرح أكثر من موضوع على هامش القضية الأساسية التي أراد تسويقها، وهي قضية الدور البارز لابنه أحمد على كل المحاور السياسية والاقتصادية والعمرانية والأمنية المزدوجة، وهي قضية المقاول الأمني نمير العقابي الذي تمرد على الدولة على الرغم من وجود مكاتبه داخل المنطقة المحصنة أمريكيا وإيرانيا والمسماة بالمنطقة الخضراء، والتي تتواجد فيها أهم المقار الحكومية فضلا عن السفارة الأمريكية، فلم يتمكن جيش من مليون ونصف مليون عسكري بدروعهم وطائراتهم وقواتهم الخاصة وقياداتها المبرزة من مداهمة مكتبه واعتقاله، ولكن أحمد نوري المالكي مدعوما "بقرار قضائي" ونفر محدود من الشرطة استطاع أن ينجز ما لم يستطعه الأولون والآخرون، فألقى عليه القبض وجاء به قابضا صاغرا، بعد أن ضبط 100 سيارة مهربة و100 قطعة سلاح كاتم وستة مليارات دينار.
حسنا لنناقش ما ورد في حديث المالكي الأب غير المكتوب لقناة السومرية التي كان قصدها المؤكد التسويق السياسي للأب وابنه، ولكنها أساءت لهما "فيما يستحقان حقا" أكثر مما يمكن أن تسيئه لهما أكثر القنوات كراهية لهما بل لقد كشفت مستورهما الذي أراداه مخفيا إلى نهاية عمر الحكومة، ولعل أكثر التساؤلات إلحاحا مما يطرحه المواطن العراقي، هو عن الكيفية التي تسللت 100 سيارة مهربة إلى داخل المنطقة الخضراء المقّسمة في نفوذها بين المالكي وشلته المدعومة من إيران والسفارة الأمريكية؟ لو أن سيارة واحدة مهربة من منطقة حدود للعراق مع إحدى دول الجوار، لكان المالكي قد ألبسها رداءا إرهابيا لن تنفع معه كل شفاعات الشافعين، ولأصر وزير العدل الشمري على شنقه بموجب المادة 4 إرهاب حتى في أيام الأعياد، فكيف تم إمرار 100 سيارة إلى منطقة تقول الحكومة إنها عصية على الاختراق من أي كان إلا بعد المرور بعشرات من نقاط السيطرة الأمنية والالكترونية والمدعومة بالكلاب المدربة إلا إذا كانت العملية مرتبة من مكتب القائد العام للقوات المسلحة وموافقته الصريحة؟
حسنا لماذا سيارات مهربة وليست سيارات داخلة بصورة نظامية إذا كانت المهمات الموكولة لها مهمات قانونية؟ ولهذا فإن من حق المواطن وكذلك المراقب، أن يربط وجود هذا العدد الكبير من السيارات المهربة بالتفجيرات بالسيارات غير الانتحارية التي تركن في مناطق بعينها لإحداث قتل انتقامي على الهوية من قبل مهربي هذه السيارات وهم حصرا نوري المالكي وابنه أحمد ونمير العقابي ومكتب القائد العام للقوات المسلحة، الذين عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم أمام الغضب الشعبي الذي تفاقم حينما عرف العراقيون من هو قاتلهم الحقيقي.
وكيف استخدمت 100 قطعة سلاح كاتم ومتى وأين ومن هم الذين استخدموها ومن هم ضحاياها؟
بات من حق العراقي أن يفترض أن جميع الذين قتلوا في العراق من علماء وأساتذة جامعيين وأكاديميين وضباط وطيارين وأشخاص على الهوية، هم من ضحايا السلاح الكاتم الذي بحوزة شركة القتل العمد المسماة جزافا بالشركة الأمنية والمملوكة لنمير العقابي وأحمد المالكي والتي تعمل بإشراف القائد العام للقوات المسلحة ومكتبه العسكري.
إن الخلاف بين اللصوص الكبار هو وحده الذي تحول إلى محكمة العدل الإلهي للاقتصاص من الحيتان الكبيرة التي لم تكتف بالرشى ولا بالعمولات الكبيرة ولا بالسطو على المال العام، بل تحولت للاستحواذ على حصص الشركاء فكان صراع العقابي – المالكي فرصة نادرة للعراقيين ليتعرفوا على كيفية إدارة الملفات الاقتصادية والمالية والأمنية من قبل حكومة نوري المالكي التي هي كناية عن مافيا كبرى وضعت تحت تصرفها أموال بلد غني مثل العراق.
ولكن يبقى السؤال المهم أين ذهب أحمد المالكي بكل المبرزات الجرمية التي ضبطها لدى المطلوب نمير العقابي؟
الجواب لن نحصل عليه إلا إذا ألقى نوري المالكي خطاباً جديداً غير مكتوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق